في ربوع بريطانيا ما يزيد عن ألف مسجد، تنتشر في مدنها وقراها وأحياء عاصمتها المختلفة، على رأسها المركز الثقافي الاسلامي. وفي كل عام يتجمع مئات المسلمين الذين اعتنقوا الاسلام في أوروبا وأميركا في لندن مع قدوم شهر رمضان كي يحتفلوا بالشهر الكريم، في اقامة الصلاة وقراءة وتعلم القرآن، وتلقي دروسٍ في أصول الدين والشريعة الاسلامية. تتنوع تجمعات هؤلاء المسلمين تحت لواء عدد من الجمعيات والهيئات الاسلامية في المملكة المتحدة منها على سبيل المثال، وليس الحصر، جمعية المسلمين البريطانيين، وتجمع معتنقي الاسلام، والمركز الاسلامي للتعلم. ولبعض هذه الجمعيات مقار خاصة بها هي عبارة عن بيوت تم تحويلها الى مساجد ومراكز اسلامية صغيرة في انحاء لندن المتفرقة. في جولة الى بعض هذه التجمعات الاسلامية التقينا بجماعة من البريطانيين الذين هداهم الله الى الاسلام، تتخذ من المركز الثقافي الاسلامي في ريجنتس بارك مقراً لتجمعها، ويرأس المجموعة السيد برايان ينج الذي يقوم بالاتفاق مع ادارة المسجد المركزي بترتيب دروس لتعليم اللغة العربية والقرآن الكريم أيام الآحاد لكل من دخل في الدين الاسلامي حديثاً، وعادة ما تضم هذه اللقاءات عدداً يتراوح بين العشرين والثلاثين شخصاً. وفي شهر رمضان تتكثف اللقاءات وتطول مدتها لتحقيق اكبر قدر من التكافل الاجتماعي والروحي. يقول السيد ينج: لقاءاتنا تتم عادة بعد صلاة العصر في أيام الآحاد على مدار العام، لكن نمط الحياة بالنسبة الى المسلمين يتغير في شهر رمضان، اذ نحاول ان نلتقي اكثر من مرة خلال الاسبوع، كما نحرص على اداء صلاة التراويح مع جموع المسلمين في المسجد، ويكون شهر رمضان الكريم فرصة للتواصل مع اخواننا في الدين فنحضر صلاة المغرب قدر الامكان ونكثف جهودنا في قراءة وتعلم القرآن الكريم. مساعدة المحتاجين أما جمعية المسلمين البريطانيين لجنوب وغرب لندن فتتخذ من حي غرب ويمبلدون مقراً لها. ويشرف السيد "أكثر علي" على نشاطها، ولا يقتصر نشاط الجمعية على شهر رمضان فقط بل يستمر على مدار العام. وتهتم الجمعية بتشجيع نشر الوعي الديني بين المسلمين الموجودين في جنوب وغرب لندن والدعوة الاسلامية، والى جانب تنظيم الدروس الدينية في عطلة نهاية الاسبوع، ينشط اعضاء الجمعية في شهر رمضان الكريم فيقيمون الندوات والمحاضرات الدينية ويفتحون الأبواب طوال اليوم امام المسلمين لأداء الصلاة خاصة صلوات المغرب والعشاء والتراويح، وهذا العام ركزت الجمعية نشاطها على فرع جديد من الخدمة للجالية الاسلامية كما يقول السيد اكثر علي مدير الجمعية: "لقد ركزنا اهتمامنا منذ اشهر عدة على مساعدة اللاجئين من المسلمين بغض النظر عن البلد التي أتوا منها، وينخرط في الجمعية الآن عدد لا بأس به من المتطوعين يقوم بمساعدة المسلمين الفارين من العنف في يوغوسلافيا، الى جانب اللاجئين من العراق وايران والصومال - ومساعداتنا كلها مساعدة انسانية لأننا جميعاً مسلمون ولا دخل لنا بالسياسة، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يَشُد بعضه بعضاً" وفي شهر رمضان المبارك يزداد نشاطنا ونتجمع مع هؤلاء الاخوة في وقت الافطار وفي الصلاة مما يعطي شهر رمضان هذا العام مذاقاً مختلفاً". مسجد شمال لندن في حي "سفن سيسترز" الاخوات السبع في شمال لندن يتركز عدد كبير من المهاجرين الى بريطانيا من دول العالم الثالث - بخاصة من تركيا وقبرص واليونان - وجزر "الوست انديز" وبعض البلدان العربية، ونظراً لوجود جالية مسلمة كبيرة في المنطقة فقد كانت الحاجة ملحة لوجود مسجد ومركز اسلامي يحترمان حاجة سكان الحي. وقد تم هذا العام شراء احدى الكنائس التي كانت مهجورة ومعروضة للبيع لاتخاذها مسجداً لسكان المنطقة حيث يجري العمل حالياً على اعادة ترميمها وتأثيثها لتكون مركزاً اسلامياً. وملحق بالكنيسة دار يتم اتخاذها حالياً مركزاً للصلاة والتجمع ومقراً لالتقاء المسلمين في رمضان. وتحمل الدار اسم المركز الاسلامي للتعلم وتعنى بكل شؤون الجماعة الاسلامية في المنطقة، ولكن هل كان تحويل الكنيسة الى مسجد أمراً هيناً. سألنا الحاج شوكت المسؤول عن ادارة المركز فقال: - "كان من السهل من ناحية اجرائية شراء الكنيسة لاستخدامها كمسجد فالقانون البريطاني يلزم الشاري بأن يحافظ على دور العبادة كدور للعبادة - وبالتالي لم تكن مشكلة ان نطلب شراء كنيسة لتكون مسجداً، انما الصعوبة كانت في تجميع المبلغ المطلوب لشراء البناء لكننا الحمدلله استطعنا بفضل تبرعات عدد من المسلمين القادرين في العالم الاسلامي وهنا في بريطانيا ان ننجز هذه الخطوة الهامة، وبدأنا فعلاً في الترميم ونرجو ان ننجزه خلال هذا العام حتى يكون جاهزاً بحلول شهر رمضان المقبل عام 1414 هجرية باذن الله. الحاج شوكت من اصل تركي ويقيم في بريطانيا منذ اكثر من خمسة وعشرين عاماً، لذلك فالاحتفال بشهر رمضان الكريم في العاصمة البريطانية ليس جديداً عليه. لكن شهر رمضان يأخذ شكلاً جديداً في كل عام بالنسبة اليه - والسبب كما يقول: "ان عدد الذين يدخلون الاسلام في تزايد مستمر والحمدلله - اننا في كل عام نشهد عشرات الاشخاص من جنسيات مختلفة تعتنق الاسلام - من هؤلاء انكليز وألمان وأميركيون - ولدينا صلات قوية بالعديد من الجماعات الاسلامية المختلفة داخل بريطانيا وفي أوروبا وأميركا - وعادة ما يكون شهر رمضان المعظّم فرصة لالتقاء المسلمين من هذه البلدان للتواصل والتراحم والذكر وتدارس القرآن الكريم". ويشير الحاج شوكت الى أن الجماعة الاسلامية بدأت بمسجد صغير أولاً في حي مجاور لحي "سفن سيسترز" والغريب ان هذا المسجد الصغير كان معبداً يهودياً امكن لجماعة المسلمين شراءه وتحويله الى مسجد ومقر للتجمع - ثم استطاعت الجماعة بجهودها المكثفة ان تشتري مسجداً آخر في حي "بيكام" في شمال لندن وبعده تم شراء الكنيسة في سفن سيسترز لتحويلها الى مسجد. وعن تجمعات المسلمين ونشاطهم في رمضان يقول الحاج شوكت: "يحرص عدد من اخواننا المسلمين في اميركا على القدوم الى لندن للالتقاء بنا في شهر رمضان - ونظراً لكبر مساحة مسجد بيكام فاننا نتجمع فيه حالياً حيث يتسع لاقامة الاخوان وكل ليلة نتجمع للافطار في المسجد وصلاة المغرب والعشاء - كما نتدارس القرآن الكريم ونؤدي صلاة التراويح في اجواء روحانية لا تعدلها أي لحظات اخرى خلال أيام السنة كلها. الغريب ان الحاج شوكت يعترف في خجل انه لم يكن ممن يتمسكون بأهداب الدين في صدر شبابه - ويرجع السبب في ذلك الى اتجاه تركيا للعلمانية ويقول: "لم يكن الاهتمام بالدين الاسلامي وتدريسه أمراً معروفاً في تركيا آنذاك - اذ كانت العلمانية هي الفكرة السائدة ولكن الحمدلله - لقد تغيرت الاوضاع الآن - وهناك صحوة اسلامية في تركيا مثلها مثل باقي العالم الاسلامي وبدأ الناس يعودون الى جذورهم الاسلامية ويتمسكون بها بعد ان اكتشفوا زيف الفكرة العلمانية" مسلمة من السويد في المركز الاسلامي في شمال لندن - حضرت خصيصاً من السويد كي تحتفل مع اخواتها المسلمات بشهر رمضان المبارك - اسمها، الأصلي "توردة" - وقد اتخذت لنفسها اسم "زهرة" بعد اسلامها قالت زهرة عن قصتها مع الاسلام. اسمي الاصلي مشتق من كلمة "توراة" باللغة السويدية - وقد نشأت في جو مسيحي متدين في السويد كبرت وأخذت ابحث وأدرس في مقارنة الأديان الى ان هداني الله الى الاسلام، منذ ذلك الحين وأنا أشعر بالراحة والرضا النفسي - وفي كل عام ألتقي مع مجموعة من اخواتي المسلمات هنا في لندن اثناء شهر رمضان للاحتفال بالشهر الفضيل بين جماعة من المسلمين الطيبين. وتلتقي "زهرة" بصديقتها وأختها في الله - كما تدعوها - نايلة باتن وهي شابة من اصل باكستاني تقيم في لندن وتخصص جانباً كبيراً من وقتها لمساعدة ابناء الجالية المسلمة في شمال لندن وتقوم في شهر رمضان المبارك بتكثيف جهودها لمساعدة وخدمة المسلمات اللواتي يحضرن خصيصاً للاحتفال برمضان. أسلمت وأخوتي الخمسة في المركز الاسلامي نفسه يقوم "محمد" بمساعدة اخوانه المسلمين استعداداً لمائدة الافطار التي يتجمع حولها عدد كبير من الموجودين ومن بين مشاغله يتوقف محمد ليعبر عن سعادته وفرحته بأيام شهر رمضان المعظم - يقول: "مشاعري في هذا الشهر لا تعدلها أي مشاعر أخرى فهي خليط ما بين الفرحة بلقاء الاخوان، والسمو والروحانية والرغبة في الاستزادة من دراسة القرآن وتعلمه، وأجمل اللحظات هي تلك التي تقتضيها كجماعة متحلقين في فناء الدار بعد صلاة العصر للاستماع الى احد الأئمة يشرح لنا ويساعدنا على حفظ آيات من القرآن الكريم". وقصة محمد مع الاسلام ليست جديدة او غريبة، فقد نشأ في عائلة يونانية، لكنه تعرف على بعض الاصدقاء من المسلمين وبدأت حواسه تتفتح الى سلوكهم وحديثهم وتقاليدهم حتى هداه الله للاسلام. ويبتسم محمد في ثقة وهو يقول: "نحن ستة صبيان - والحمدلله لقد هدانا الله جميعاً الى الاسلام لقد كان اسمي ميخائيل - اما أخي يوسفي فقد أصبح اسمه عبدالحميد - ابراثيموس أصبح شاكر - بطرس أصبح حسين كرياكوس اتخذ لقب محمد علي - وأخيراً ينيس أصبح حميد. وننتظم جميعاً في المسجد ونتلقى دروسنا في الدين الاسلامي والقرآن الكريم - ونلتقي باخواننا من المسلمين. ويصمت محمد قليلاً قبل ان يستأنف في ما يشبه الهمس: "كل ما أدعو الله به في الشهر الكريم ان يهدي والديّ الى الدين الاسلامي، فقد رفضا حتى الآن الاستماع الى ما نقوله عن فضل هذا الدين العظيم - ولعل دعائي يستجاب، ويجمعنا شهر رمضان المقبل مع أبي وأمي في هذا المسجد للصوم والصلاة والتعبد".