وأخيراً وصل الحزبان الحاكمان في اليمن، المؤتمر الشعبي العام والاشتراكي، الى النتيجة الحتمية للحوار المستمر بينهما منذ 14 شهراً بحثاً عن صيغة للوفاق. واصبحت كلمة "التوحيد" خيارهما الوحيد، بعدما اتفق الامينان العامان للحزبين الرئيس علي عبدالله صالح الامين العام للمؤتمر الشعبي العام ونائب الرئيس علي سالم البيض الامين العام للاشتراكي على توحيد الحزبين من دون الاعلان رسمياً عن ذلك حتى الآن. لكن مصادر الحزبين سربت انباء التوحيد، لجس النبض ومعرفة ردود الفعل على هذه الخطوة. كان نبأ الاتفاق على توحيد الحزبين الحاكمين مفاجأة للرأي العام، على رغم ان التوحيد ظل طوال الشهرين الاخيرين، خياراً وحيداً للوفاق من جانب المؤتمر الشعبي العام، وموضوع مناقشات ساخنة في المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب الاشتراكي. "فالقضية قضية أناة وتفكير، في قرار لا بد ان يكون ناجحاً وعصر لم يعد قابلاً للقفزات"، على حد تعبير جارالله عمر في حديثه الى "الوسط". وكانت "الوسط" توقعت "حتمية الدمج او التوحد بين الحزبين، كنتيجة لا مفر منها لكليهما". لا تزال اسباب هذه "المفاجأة" لدى الاوساط السياسية في صنعاء، محاطة بالغموض، الى الحد الذي دفع البعض الى نفي طابع "المفاجأة" عن هذه الخطوة واحتمال ان يكون قادة الحزبين، اتفقوا في وقت سابق على التوحيد وان الذي صنع المفاجأة، هو تسرب الخبر فقط. ويرى كثيرون ان هذه الخطوة مفاجئة بالفعل، نظراً الى ان الحزبين كانا في اواخر الشهر الماضي ابعد ما يكونا عن التوحيد فقد اكدت اللجنة المركزية للاشتراكي في نهاية اجتماعاتها 17 - 23 كانون الثاني يناير ضرورة استمرار الحوار مع المؤتمر الشعبي العام، في اتجاه التحالف الاستراتيجي، ومن جانبها أعلنت اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام في نهاية دورتها الاستثنائية 24 - 25 كانون الثاني - يناير -، استعداد المؤتمر لاستمرار الحوار مع الحزب حول كل صيغ الوفاق، للاخذ بالأرقى. ولكل من الرأيين مبرراته. فالاول، يرى ان الامينين العامين، كانا اتفقا على ترجيح فكرة التوحيد قبل اجتماعات اللجنتين الدائمة والمركزية، ويؤكد هذا، تأييد الاغلبية في مداولات اللجنة المركزية، لفكرة التوحيد التي تزعمها الامين العام للحزب، هذا اولاً. وثانياً، عدم قدرة اللجنة المركزية للاشتراكي على التوصل الى قرار حاسم، طيلة اسبوع من المناقشات. وثالثاً، اجتماع اللجنة الدائمة في اليوم التالي، وخروجها ببلاغ صحافي يؤكد في مجمله، التوحيد او تحكيم صناديق الاقتراع في الانتخابات النيابية. ويرى اصحاب الرأي الثاني، ان عوامل ومؤثرات داخلية وخارجية عربية ودولية، فرضت نفسها على المشاورات لصالح التوحيد. وكانت في مجموعها، من اهم الاسباب ولم تكن كل الاسباب. هذا ملخص ما قاله لپ"الوسط"، مصدر مطلع في الحكومة اعتذر عن الخوض في التفاصيل مكتفياً بالقول: "وهذه العوامل والمؤثرات، تتعلق بالدولة، وبمستقبلها ووحدتها السياسية وعلاقاتها الخارجية". واستند المصدر الى اجتماع مجلس الرئاسة يوم 2 شباط فبراير الجاري، برئاسة الفريق علي عبدالله صالح، وحضور عشرة من قادة الحزبين، ومناقشتهم "المواضيع المتصلة بآفاق مستقبل العلاقة بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، وسبل الارتقاء بتلك العلاقات الى مستويات متقدمة، تكفل تعزيز وحدة الارادة السياسية…" كما جاء في الصحف الحكومية. وهناك احتمال قد يكون اقرب الى الحقيقة، وهو ان بلاغ اللجنة المركزية للاشتراكي الصادر عن اجتماعاتها، جاء في صيغة عامة تعطي اكثر من مفهوم واحتمال، لاعتبارات تتعلق بمنظمات وفروع الحزب. ومن هنا، فإن اللجنة المركزية كانت اتخذت قرارها بالموافقة المبدئية على التوحيد، ووضعت اسساً وشروطاً عامة، منها اشتراط موافقة المؤتمر العام للحزب. وهذا الاحتمال يعبر عنه خطاب الامين العام للحزب في نهاية اجتماعات اللجنة المركزية، اذ قال ما نصه: "بناء على قرارات اللجنة المركزية، سيواصل المكتب السياسي، حواراته مع اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام، معتمدين على كل المناقشات والقرارات الصادرة عن هذا الاجتماع…". وهذا قد يعني ان موافقة قادة الحزب، جاءت بناء على قرارات اللجنة المركزية التي لم تعلن. حوار مع جارالله عمر في هذا الاطار، ولمعرفة حقيقة ما جرى، اجرت "الوسط" حواراً مع السيد جارالله عمر عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي واحد ابرز المسؤولين عن التنسيق بين الحزبين. وقال عمر لپ"الوسط": "تم حتى الآن، توسيع لجنة التنسيق بين الحزبين الحاكمين من اربعة الى ستة اعضاء، برئاسة الاخ عبدالعزيز عبدالغني عضو مجلس الرئاسة، والامين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام او الشخص الثاني في المؤتمر. كما تم تشكيل لجنة اخرى برئاسة الاخ سالم صالح محمد الامين العام المساعد للحزب الاشتراكي. تضم اللجنة الاولى: د. ياسين سعيد نعمان، رئيس مجلس النواب، والمهندس حيدر أبو بكر العطاس رئيس الوزراء، وجارالله عمر، اعضاء المكتب السياسي للحزب، ود. عبدالكريم الارياني، وزير الخارجية، ومحمد علي هيثم، عضوي اللجنة العامة للمؤتمر. وتضم اللجنة الثانية، كلاً من د. حسن مكي النائب الاول لرئيس الوزراء، ومجاهد أبو شوارب، نائب رئيس الوزراء للشؤون الداخلية، وغالب القمش وزير الداخلية، وعبدالله البشيري رئيس الاركان. من جانب المؤتمر. ومن الحزب: محمد سعيد عبدالله وزير الادارة المحلية، وهيثم قاسم طاهر وزير الدفاع، وحسان حسين نائب وزير الداخلية. ومهمة اللجنة الاولى، البتّ في كل القضايا التنظيمية، بالاضافة الى وضع تصور شامل لكل الصيغ المطروحة للوفاق، بما فيها التوحيد والتحالف وتناقش اللجنة الاخرى المشكلات التي لم يتم حلها بعد، مثل القضايا الامنية وقضية بعض السجناء ومسألة النظام الداخلي. قلتم ان اللجنة الاولى ستدرس صيغ الوفاق، بما فيها التوحيد او التحالف، بينما الاتجاه اصبح نحو التوحيد ولم يعد التحالف وارداً… كيف؟ - الاخوان في المؤتمر الشعبي العام، يريدون الاخذ بالخيار الارقى والاعلى، كما وصفه بلاغ اللجنة الدائمة وهو التوحيد. والحزب الاشتراكي مستعد للحوار حول كل الخيارات، لكن على اساس ان الموضوع برنامجي ويحتاج الى دراسة واسعة. لان نظام الحزب مؤسسي، فيه مكتب سياسي ولجنة مركزية ومنظمات وفروع وقواعد، وهناك معارضات ووجهات نظر مختلفة داخل الحزب. إذن فعلى اي اساس وافق الحزب على طرح صيغة التوحيد؟ - اللجنة المركزية، قالت، ان من حق قيادة الحزب ان تناقش اي شكل كمناقشة. لكن بيان اللجنة المركزية، لم يصرح بأنها اتخذت اي قرار بهذا غير استمرار الحوار؟ - هي لم تصل الى قرار بشيء محدد، ولكنها وصلت الى قرار بالاغلبية، بأن التوحيد ممكن والتحالف ممكن، وأعطت الحق للمكتب السياسي، شرط ان يرتبط النقاش بمهام اية صيغة. وان لا يتجاوز المكتب السياسي صلاحياته في هذا، لان القرار النهائي من حق المؤتمر العام للحزب. وهل هناك فرصة لانعقاد المؤتمر العام، قبل الانتخابات النيابية؟ - لا اعتقد انه ينعقد قبل الانتخابات، والامر يعود للجنة المركزية، ويمكن ان ينعقد، ونحن نعمل للمدى الطويل ولا يجب ان ننحصر في ما قبل الانتخابات، وهي فترة حرجة، وانا اسميها المأزق الزمني. والقضية قضية أناة وتفكير، وأي قرار لا بد ان يكون ناجحاً، فلم يعد العصر قابلاً للقفزات. وقد عممنا رسائل الى منظمات الحزب، احطناها بكل ما تم. الا ترى ان موضوع الفكر السياسي او الايديولوجية للحزب الموحد، سيمثل صعوبة عند صياغته؟ - رأيي ان الايديولوجية لم تعد واردة. لان القضية الآن قضية افكار متعددة حتى داخل التنظيم الواحد. والاولوية لم تعد للايديولوجية بل لليمن الواحد الذي يحاول ان ينطلق الى حضارة العصر، وهذا لا يتحقق بالايديولوجيا، ولكن بالافكار ومن خلالها. ردود الفعل من خلال اتصالات وحوارات سياسية اجرتها "الوسط" في صنعاء، ظهرت ملامح ردود الفعل والتوقعات لاتفاق الحزبين على التوحيد اكبر مما كان متوقعاً، وهي لم تتبلور بعد في حجمها الطبيعي والحقيقي. وتجاوزاً لتصنيف الآراء، فإن المتشائمين والقلقين في الاوساط الحزبية، يمثلون اكثرية، وهذا يشمل عناصر من الحزبين ذاتهما، فضلاً عن ان اناس احداً لم يعد كما يبدو، يستبعد التوحيد بين الحزبين حتى من الذين ظلوا طوال الفترة الماضية يراهنون ضد امكانه. اضافة الى ان ردود الفعل تضمنت توقعات متناقضة في كثير منها. وقال عبدالرحمن الجفري رئيس حزب "رابطة ابناء اليمن" لپ"الوسط": "ان توحيد الحزبين سيحقق لقادتهما احكام قبضتهم على السلطة ولن يكون لصالح المعارضة، ولهم الحق في اختيار اي صيغة، ولكنا نطالبهم الالتزام بالديموقراطية في تعاملهم مع الجميع". وفي ادلائه برأيه لپ"الوسط"، رأى عبدالله سلام الحكيمي، احد قادة "اتحاد القوى الشعبية": "ان توحيد الحزبين ظاهرة ايجابية ستؤدي الى اعادة فرز الاحزاب على اسس جديدة، وربما يؤدي الى حالات مماثلة بين احزاب المعارضة، في شكل تكتل تحالفي يفضي الى ظهور حزب جديد من مجموعة احزاب. وستستفيد المعارضة من انضمام كوادر حزبية اليها، من المجاميع التي ستخرج من الاشتراكي، والتي اتوقع ان تكون كثيرة وان تضم قياديين". في عددها الصادر في 4 شباط فبراير الجاري، قالت صحيفة "الصحوة" المعبرة عن جماعة "الاخوان" في "التجمع اليمني للاصلاح"، في تعليقها على الخبر: "… ويعد هذا الاتفاق الجديد، صورة جديدة لاستمرار التقاسم الثنائي الذي ساد المرحلة الماضية منذ قيام الوحدة، كما انه يحقق هدف الحزب الاشتراكي في احتواء المؤتمر الشعبي، والنزول بقائمة موحدة في الانتخابات النيابية القادمة، دون ان يلزم نفسه بخطوات حقيقية للتوحيد مع المؤتمر الشعبي العام…". ويرى السيد احمد محمد الشامي، الامين العام لحزب "الحق" في تصريحه لپ"الوسط"، ان في توحيد الحزبين جوانب ايجابية، أهمها: "اننا نتوقع انه سيفيد الاستقرار ويجنب البلاد خطر الخلاف بينهما. كما قد يؤدي من ناحية اخرى، الى التساهل في عملية الاصلاح. ولن يضر بالمعارضة اكثر مما هي عليه". وتتوقع عناصر قيادية في "البعث" و"الناصري"، ان يذوب "المؤتمر" داخل "الاشتراكي"، نظراً الى دقة التنظيم في الاخير، وقوة الانتماء والانضباط لمنظماته وعناصره. جولة الرئيس اليمني ونائبه ولا بد، في النهاية، من تسجيل الملاحظات الآتية: 1 - ذكرت مصادر مطلعة في صنعاء لپ"الوسط" ان الامينين العامين للحزبين الحاكمين علي عبدالله صالح ونائبه علي سالم البيض استهدفا من وراء قيامهما معاً بجولة في بعض مدن المحافظات، الاجتماع بفروع ومنظمات الحزبين فيها والتحدث الى قادتها حول موضوع التوحيد، والعمل على حل بعض المشاكل العالقة بينها. وتتوقع هذه المصادر ان يتأخر عقد المؤتمر العام الرابع للاشتراكي، والخامس للمؤتمر، الى ما بعد الانتخابات النيابية التي ستجري يوم 27 نيسان ابريل المقبل ليعقدا مؤتمراً عاماً موحداً او مشتركاً، يناقش ويقر ما يكون تم انجازه من وثائق التوحيد التي تعدها اللجان، ويصدر قراره الاخير… وان تعقد قبل الانتخابات النيابية، اجتماعات مشتركة للجنة العامة للمؤتمر، والمكتب السياسي للاشتراكي من جهة، واللجنتين المركزية والدائمة من جهة اخرى، تمهيداً للمؤتمر العام الموحد الذي ستتم فيه انتخابات الهيئات الموحدة للحزب الواحد. 2 - هناك قضيتان قد يطول جدل اللجان والقيادتين حولهما، على اعتبار انهما مطلب للاشتراكي بالدرجة الاولى، وهما، اولاً: تشكيل الحكم المحلي في المحافظات عن طريق انتخابات المجالس المحلية. وثانياً: تشكيل لجان الدفاع الشعبي. وقد جاءت الاخيرة ضمن مشروع "التنسيق - التحالف بين الحزبين"، الذي كانت اللجنة الرباعية المشتركة أعدته، وجاء فيه: "فيما يخص لجان الدفاع الشعبي، تدرس امكانية عملها في اطار نشاط مجلس الدفاع المدني وتحت اشرافه، مع مراعاة مهامها الاجتماعية". 3 - سيحقق الحزبان من توحيدهما، توفير عدد من الفروع والمكاتب التي يزيد عددها عن 200 في مختلف المدن والمحافظات. وكذلك في عدد الصحف الصادرة عنهما بشكل مباشر او غير مباشر، والتي تزيد عن 12 صحيفة اسبوعية. ولعل الاهم من هذا، انهما سيوفران على كوادرهما كثيراً من التنافس الذي ليس غاية في الغالب، بل هو تقرّب من قيادتي الحزبين.