يطرح صدور الموازنة الاتحادية العامة لدولة الامارات لعام 1993 في النصف الأول من الشهر الجاري، بكل ابعادها المالية والتنموية والزمنية، وقياساً الى موازنات الأعوام الماضية والنهج الذي اتبعته الحكومة، امكانية وضع خطة تنموية لدولة الامارات لسنتين او ثلاث او خمس سنوات يكون اعداد الموازنة السنوية من أبرز الأدوات التنفيذية لهذه الخطة ويأتي منسجماً مع متطلباتها وأهدافها. ويؤكد الاقتصاديون في الامارات ان صدور الموازنة في هذا الوقت المبكر من العام، قياساً الى السنوات الماضية، اضافة الى التطور في حجم نفقاتها ومواردها والتحكم الواضح في مقدار العجز خلال السنوات الاخيرة، يعبر عن نهج متبع منذ تشكيل الحكومة الحالية برئاسة الشيخ مكتوم بن راشد المكتوم نائب رئيس دولة الامارات حاكم دبي، ويمكن لهذا النهج ان يصبح خطة متكاملة في الموازنة. وقد قدرت نفقات موازنة 1993 بحوالي 63،17 مليار درهم 76،4 مليار دولار بزيادة 254 مليوناً عن موازنة 1992، اما موارد الموازنة فبلغت 911،15 مليار درهم 03،4 مليار دولار بتراجع بلغ حوالي 3 ملايين درهم فقط عن موارد 1992 التي بلغت 914،15 مليار درهم. وبلغ العجز في موازنة 1993 حوالي 720،1 مليار درهم 470 مليون دولار مقابل 462،1 مليار درهم في عام 1992 400 مليون دولار. ويقول المراقبون ان الحديث عن خطة تنموية في دولة الامارات ليس جديداً، وإنما يعود الى بداية الثمانينات عندما فرغت وزارة التخطيط، بالتعاون مع مؤسسات دولية، في اعداد خطة خمسية متكاملة، غير ان تراجع اسعار النفط ابتداء من عام 1982 وصولاً الى انهيارها في عام 1986، احدث تأثيرات سلبية بشأن البدء بتنفيذ هذه الخطة، ولذلك يدور حالياً حديث عن هذه الخطة في وقت توفر فيه للامارات الكثير من العناصر والامكانات لوضع خطة جديدة تتناسب مع اوضاعها الجديدة في ضوء المتغيرات الاقتصادية العالمية. ويرتبط الحديث عن الخطة التنموية في الامارات بتطوير الموازنة الاتحادية للامارات لعام 1993 الذي هو استمرار لتطور الموازنة منذ بدء الحكومة الاتحادية الحالية مهامها في تشرين الثاني نوفمبر 1990. فبالنسبة الى توقيت صدور موازنة عام 1993 في هذا الوقت المبكر جداً من هذه السنة قياساً الى السنوات الماضية لم يكن حدثاً مفاجئاً وإنما جاء نتيجة تطور مهم في الاسلوب الاداري والتنظيمي والمالي الذي يشكل الاداة الفعلية لوضع القرار السياسي بانجاز الموازنة في وقت قياسي. ولذلك جاء صدور الموازنة لهذا العام خلال النصف الأول من الشهر الجاري تأكيداً للتوجهات الى اتبعتها الحكومة منذ عام 1990، حيث صدرت الموازنة في شهر كانون الأول ديسمبر ليأتي صدور موازنة عام 1991 في شهر تموز يوليو وموازنة 1992 في شهر نيسان ابريل. وقياساً الى ذلك يمكن للمراقب ان يتوقع امكان صدور موازنة 1994 قبل نهاية العام الحالي 1993. وفي حالة تحقيق مثل هذه الخطوة باعداد موازنة العام المقبل قبل الدخول فيه، فان ذلك يعني ان الموازنة لم تعد اعتباراً من هذا العام موازنة لتصريف الامور، وإنما تشكل خطوة في اطار وضع وتنفيذ خطة تنموية حتى اذا كانت لم تأخذ ابعادها بشكل واضح. ويؤكد الاقتصاديون ان الفكر التخطيطي والمنهجي الذي حكم اعداد الموازنة منذ السنوات القليلة الماضية وبرز بشكل واضح في موازنة 1993، يستند الى اتباع سياسة ترشيد الانفاق من دون التأثير في مستوى ونوعية الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين والمقيمين وإنما تنفيذها بمعايير اقتصادية وضمن سياسة رقابية على النفقات لتصب في المجالات التي تحقق النهضة الاقتصادية والاجتماعية للامارات. وكان من أبرز ملامح ونتائج هذه السياسة استمرار وتيرة النمو الاقتصادي في الامارات بمعدلات مرتفعة والتوسع في تقديم الخدمات وتلبية متطلبات التطور الحضاري الذي تعيشه الامارات، وعدم فرض ضرائب أو رسوم اضافية باهظة وعدم اصدار سندات خزينة او الاقتراض من اسواق المال، الامر الذي لا يضيف اعباء جديدة تشكل عوامل ضغط على موازنة الامارات ووضعها المالي. وفي متابعة لموازنات الامارات خلال الأعوام الاخيرة التي تلت انهيار اسعار النفط عام 1986 يبرز بشكل واضح الاتجاه نحو تنفيذ سياسة مالية تقوم على ترشيد الانفاق وضغط النفقات. فقد قدرت موازنة 1987، 421،14 مليار درهم ونفقاتها 066،11 مليار درهم ليكون العجز 354،3 مليار درهم، وفي عام 1988 انخفضت النفقات الى 255،14 مليار درهم فيما ارتفعت الموارد الى 420،12 مليار درهم مع انخفاض العجز الى 835،1 مليار درهم. وحافظت موازنة عام 1989 على مستوى قريب من موازنة العام الذي سبقه فبلغت النفقات 650،14 مليار درهم والموارد 844،12 مليار درهم ليكون العجز 806،1 مليار درهم. ولكنه منذ عام 1990 وبعد ان تأكد التوجه نحو ارتفاع اسعار النفط الذي بدأ منذ عام 1987 اتجهت الحكومة نحو تخفيض العجز في الموازنة والذي بلغ عام 1990، 7،666 مليون درهم. وعزز ارتفاع اسعار النفط في عام 1991 توجه الحكومة نحو زيادة النفقات في الموازنة الاتحادية وهي أول موازنة تعدها حكومة الشيخ مكتوم بن راشد، للتوسع في تنفيذ المشاريع على الأسس الاقتصادية نفسها التي تؤكد اتباع سياسة ترشيد الانفاق وتوجيهه نحو المجالات الانتاجية والخدمية الأساسية، فارتفعت النفقات في موازنة عام 1991 الى 413،16 مليار درهم والموارد الى 258،15 مليار درهم ليكون العجز 155،1 مليار درهم. وقد تأكد هذا التوجه الرسمي في موازنة 1992 وذلك بارتفاع نفقات الموازنة بنسبة 6 في المئة لتبلغ 376،17 مليار درهم والموارد الى حوالي 994،15 مليار درهم ليكون العجز 462،1 مليار درهم وهي قريبة جداً من موازنة 1993 التي قدرت نفقاتها بحوالي 63،17 مليار درهم ومواردها بحوالي مليار درهم والعجز بحوالي 720،1 مليار درهم. ويلاحظ المراقبون ان الزيادة في موازنة 1993 التي بلغت 254 مليون درهم، بنسبة 5،1 في المئة عن موازنة 1992، جاءت على رغم التوجه في اسواق النفط نحو انخفاض الاسعار خلال عام 1992 والتوقعات بانخفاضها خلال عام 1993 الامر الذي يؤكد حرص الحكومة على الاستمرار في تنفيذ برامج ومشاريع تصب في اطار تأمين استمرار عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فقد توجهت معظم الزيادات في النفقات التي سجلتها الموازنة الاتحادية خلال الأعوام القليلة الماضية نحو اعتمادات تنفيذ المشاريع التي بلغت 740 مليون درهم عام 1991 و078،1 مليار درهم عام 1992 و134،1 مليار درهم عام 1993. ويؤكد الاقتصاديون ان هذه المؤشرات التي تطرحها الموازنة الاتحادية لدولة الامارات لعام 1993 تشكل اسساً لخطة تنموية للامارات.