تشكل المرأة مرجعاً اساسياً للأدباء المرأة الأم والمرأة الحبيبة والمرأة كنموذج للجمال وللرقة والحنان ... ونسمع الأدباء والشعراء يتحدثون عن موقع المرأة في نتاجهم الفني، ولكن لا أحد منهم يعترف انه تأثر بالمرأة كأديبة، وانه تتلمذ على اعمالها الأدبية لكي يطور نفسه ككاتب. هل يعتبر الادباء الرجال ان المرأة موضوع فقط؟ ولماذا نفتقد تأثر الادباء بأدب النساء خصوصاً في العالم العربي؟ "الوسط" حملت المسألة الى الناقد السوري المقيم في باريس جورج طرابيشي وضع كتباً عدة في نقد أدب المرأة، والى الشاعر اللبناني جودت فخرالدين، والى اديبتين هما: الناقدة اللبنانية يمنى العيد وكاتبة القصة العراقية ارادة الجبوري" وهنا آراؤهم في المسألة: جورج طرابيشي: التأثير المكتوم "العلاقة بالمرأة باعتبارها كاتبة او فنانة او مبدعة في مختلف مجالات الابداع، ليست واقعة نادرة في تاريخنا الأدبي والثقافي، القديم منه والحديث. حسبي هنا ان أذكر عشق كبير شعراء الاندلس ابن زيدون لولادة بنت المستكفي التي كانت شاعرة كبيرة بدورها. واعتقد ان العلاقة بينهما، لقاء وفراقاً، قد انعكس تأثيرها على شعرهما بالذات. والعشق الذي جمع ابن زيدون وولادة لم يكن ابداً خالياً من الصفة الابداعية لكل منهما. اي ان واحدهما تأثر بالآخر في شعره. في تاريخنا الحديث نقع ايضاً على نماذج بارزة لمثل هذه العلاقة بين الكتاب وبين المرأة باعتبارها امرأة كاتبة مبدعة. حسبنا هنا ان نتذكر جبران خليل جبران وعلاقته بماري عاسكل وبمي زيادة. ثم علينا الا ننسى علاقة مي زيادة بالعقاد والرافعي وبكثيرين غيرهما من الكتاب الذين احبوها وكان لها تأثير لا يستهان به، على ما اعتقد، في الرقة التي طبعت ادبهم وفي المسحة الرومانسية التي اتشح بها انتاجهم الوجداني. ومي زيادة لم تكن امرأة فحسب، بل كاتبة مبدعة ايضاً لذا علينا ان نكشف نحن النقاد أثرها ككاتبة في نتاج هؤلاء. وفي زمن أقرب الينا أذكر غادة السمان وقصة الحب التي جمعت بينها وبين غسان كنفاني. وهي العلاقة التي كشفت عنها الرسائل التي نشرت مؤخراً في اطار عملية جريئة لم يسبق لها مثيل في حياتنا الثقافية والأدبية. اذ كثيراً ما تنشر الرسائل المتبادلة بين الكتاب والكاتبات بعد الوفاة، خصوصاً بعد وفاة الكاتبة. اما في حال غادة السمان فقد وقع العكس، بحيث بادر الطرف المؤنث في العلاقة، لا الطرف المذكر، الى نشر المراسلات المتبادلة. يم ان الابداع والتأثر الثقافي المتبادل كان ركيزة في علاقة غادة السمان بغسان كنفاني. أما من وجهة نظر نقدية خالصة، فإن التساؤل عن مدى تأثير علاقات الحب هذه في النتاج الأدبي لكل من الطرفين، فأمر يصعب الحسم فيه والاجابة عنه مقدماً من دون تمحيص تاريخي وتدقيق نقدي. ومهما يكن من أمر فإنني اعتقد ان حالات الحب غير المعلنة اكثر بكثير من بعض الحالات النادرة التي تم الاعلان عنها. ومن ثم فإن مثل هذا التأثير المتبادل سيبقى عصياً على كل دراسة. اما لماذا لا يذكر المبدعون والمبدعات تأثرهم بامرأة مبدعة في مجال الابداع، فأمر لا استطيع الاجابة عنه نيابة عن الآخرين. لكنني بصفتي كاتباً وناقداً فلا اكتمك انني انا الآخر متزوج من امرأة كاتبة وناقدة في الفن التشكيلي. ومع انني لا اعتقد ان علاقة الحب والزواج التي جمعت بيننا على مدى ربع قرن قد أثرت تأثيراً مباشراً في أسلوبي او في اسلوبها، فإنني اعتقد في المقابل ان الكثير من كتاباتي ولا سيما ما يتعلق منها بالنقد الروائي وبتحليل صورة المرأة في الرواية العربية، ما كان لها ان ترى النور على النحو الذي رأته، لولا تلك العلاقة ولولا ان زوجتي هي في العادة قارئي الأول ، قبل ان انشر النص الذي اريد نشره". جودت فخرالدين: لا أثر للشاعرات "في الأب العربي قد يكون الأمر واضح بكثير مما هو عليه في غيره من الآداب الأخرى. ذلك ان ادب المرأة او الأدب النسائي العربي لم يكن له حضور خاص او مميز في الأدب العربي عبر تاريخه كله. فإذا أخذت الشعر العربي قديمه وحديثه مثالاً على هذه الواقعة، فإنك لن تتذكر ولو شاعرة واحدة من بين الذين مثلوا علامات فارقة في هذا الشعر. واذا أردت ان تأتي على ذكر الشعر العربي الحديث وعلى مساهمات النساء فيه، فإنك ايضاً سوف تحتاج الى شيء من التساهل او التعاطف كبيرين لكي توجد مكاناً لمساهمات النساء في هذا الشعر. فكيف، اذن، والحال هذه، يمكننا ان نتكلم عن تأثر بالأدب النسائي عند الرجال وعند النساء على السواء؟! لا أدري ما أسباب ذلك ولا أجيد الخوض في هذا البحث والتنقيب عن الأسباب". "أود في البداية ان أميز بين المرأة كموضوع للأدب والمرأة كمنتجة للأدب. في المجال الاول المرأة حاضرة بقوة وعلى نحو واسع في الشعر وفي الرواية والمسرح وغيرها التي لا تستقيم من دون حضور المرأة، لماذا؟ لأن الحياة قائمة بالمرأة التي هي لب الحياة عبر علاقتها بالرجل. وهذه العلاقة هي التي تشكل استمرار الحياة والعالم. واذا كانت الكاتبة صبوة او تعبيراً عن المعاناة الصدامية بين الحياة والموت، فيمن البديهي والطبيعي ان تكون المرأة حاضرة حضوراً طاغياً فيها. في الشعر نرى المرأة مخاطباً اساسياً كما نراها ايضاً موضوعاً اساسياً فيه. لكننا في المقابل يمكن ان نتحدث عن شعر يعبر عن موضوعات اجتماعية وتغيب عنه المرأة. لكننا ايضاً نلاحظ ان المرأة شخصية ضرورية في الفنون السردية التي تنقل الواقع الى المتخيل، كالرواية والسينما والمسرح. فكيف يمكن الحديث عن المجتمع من دون التطرق الى شخصية المرأة التي تشارك مشاركة اساسية في صنعه. ونحن اليوم نعيش عصر الفنون السردية التي تعتمد على الاهتمام الجذري بموضوع المرأة وصورتها ودورها. في المجال الثاني، أي في مجال المرأة بوصفها مبدعة، هنالك تاريخ سجل الرجل فيه سبقاً على المرأة. فالانتاج الابداعي على وجه العموم هو بقلم الرجل. لكن، علينا الا ننسى بعض النتاجات النسائية منذ ما كان الابداع اغنيات وحكايات ترويها الامهات للأطفال، واو يضرع بها البشر طلباً للخير والرحمة، مروراً بشاعرات عرفن قديماً في الشعر العربي والعالمي وصولاً الى العصر الحديث، لذا لا يمكننا ان نحرم المرأة من دورها في التعبير عن احلامها وعن علاقتها بالعالم، لكي نتركها تستهلك قدراتها الذهنية في العمل اليومي المتكرر والرتيب الذي يقتل الذاكرة ويجمد الخيال ويميت فاعلية النشاط المبدع. واذا كنت قد تكلمت على المرأة في وجه عام، فإن للمرأة حضورها الذي لا يمكن التغافل عنه في الرواية مثلاً. هنالك مارغريت دوراس التي يمكن لكثرة من الروائيين ان يكونوا تأثروا بها كروائية عالمية. ثم هنالك ايضاً إريس مردوخ وغيرها من امثال سيمون دو بوفورا الخ... اما عدم ذكر تأثير المبدعات، فربما سببه غياب المرأة المزمن عن النتاج الابداعي. ثم انني ذكرت اسماء هؤلاء الاوروبيات، لأن الكتابة الروائية العربية متأثرة بالأدب الغربي. لذا لماذا لا يطرح السؤال على هذا المستوى: ما مدى تأثر الكتابة العربية، والروائية منها على وجه الخصوص، بالأدب الغربي"؟. ارادة جبوري: علم نفس الرجل "الاجابة عن مثل هذا السؤال هي من اختصاص علم نفس المجتمع او علم نفس الرجل الذي باستطاعته التمييز بين أدب نسوي وأدب رجولي. لا، ليس في الأدب رجل وامرأة. فما الذي يمنحنا اياه تجنيس الأدب وتصنيفه انطلاقاً من نسويته او رجولته؟ الأدب هو انسان فقط. اما في الاجابة عن هذا السؤال اجابة خاطئة، فإنني أقول: من يستطيع ان يلغي دور نازك الملائكة وأثرها في الشعر العربي الحديث؟ ثم ما هو دور اسماء من امثال جوليا كريستيفا في النقد الأدبي وفلسفته ومارغريت دوراس في الرواية وغيرهما مثل ناتالي ساروت... ألم يستفد الرجال ويتأثر المبدعون بنتاجات هؤلاء النسوة المبدعات؟!".