قبل مئة عام تقريباً، كانت اثيوبيا هي الدولة الوحيدة في شرق افريقيا التي لها اسم وحدود على الخريطة، كانت مملكة يمتد تاريخها الى أكثر من الف عام. وفي العام 1896 رد ملكها الشاب غزواً ايطالياً كبيراً بجيش يفوق جيشه عدة وعتاداً. وحدثت المعركة بين الجيش الاثيوبي والجيش الايطالي في آدوا، وبعدها اتخذ الملك الشاب نفسه لقب امبراطور. وعندما قسمت الدول الاستعمارية الاوروبية افريقيا في مؤتمر برلين الذي استمر من كانون الأول ديسمبر 1884 الى كانون الثاني يناير 1885، حصلت ايطاليا على اريتريا، وهي عبارة عن شريط على ساحل البحر الاحمر تبلغ مساحته مساحة الاردن تقريباً، وكان ذلك سبباً في حرمان اثيوبيا من أي منافذ على البحر. وحصلت إيطاليا أيضاً على الصومال، وهو اسم لاتيني اطلقته على قطعة من الأرض تقع على المحيط الهندي وتبلغ مساحتها ضعفي مساحة ايطاليا، كما تعادل مساحة العراق وسورية مجتمعتين. وحصلت بريطانيا على مستعمرة صغيرة بين اريتريا والصومال، أطلق عليها اسم أرض الصومال، أو الصومال البريطاني، وكان الهدف من منحها لبريطانيا تمكينها من حراسة الطريق البحرية المؤدية الى الهند. وحصلت فرنسا بدورها أيضاً على قطعة صغيرة من الأرض على مدخل البحر الأحمر اطلقت عليها اسم ساحل الصومال الفرنسي. ويمثل الصوماليون، مثلهم في ذلك مثل السوازيين من سكان سوازيلاند، واحداً من شعبين في افريقيا يتميز كل منهما بأنه يتألف من جنس واحد ويتكلم لغة واحدة. ومع ذلك أدى مؤتمر برلين الى توزيع الشعب الصومالي على ثلاث مستعمرات، الى جانب مقاطعة اوغادين الكبيرة في اثيوبيا، وأيضاً بعض أراضي كينيا التي أصبحت بدورها مستعمرة بريطانية أيضاً. وبعد الحرب العالمية الأولى أصبحت ليبيا محمية ايطالية بعد انسلاخها عن الامبراطورية العثمانية. وبعد ذلك غزت ايطاليا اثيوبيا واحتلتها في 1935. وجاءت الانتصارات الاولى للحلفاء في الحرب العالمية الثانية في 1941، عندما طردت القوات البريطانية المتمركزة في كينيا بقيادة الجنرال ويفل القوات الايطالية من اثيوبيا والصومال. وبعد الحرب حصلت بريطانيا على تفويض من الأممالمتحدة بإدارة ليبيا، التي حصلت على استقلالها في 1951، وكذلك الصومال الذي حصل على استقلاله في 1961، تماماً كما حدث للصومال البريطاني. وحصلت اثيوبيا على تفويض من الأممالمتحدة بإدارة منطقة اريتريا، ثم أعلنت ضمها الى اراضيها، مما أدى الى حرب أهلية استمرت أربعة عقود تقريباً حتى استعادت اريتريا استقلالها على أساس الامر الواقع في 1991. ومن المتوقع ان تصبح أريتريا عضواً في الأممالمتحدة بعد اجراء استفتاء لسكانها في ربيع 1993. وفي العام 1946 اعلنت فرنسا تحويل مستعمراتها الى "أراضٍ فرنسية في الخارج"، بحيث تصبح ممثلة في البرلمان الفرنسية أيضاً. وقرر زعماء الصومال الفرنسي تحويل اسم المنطقة الى عفار وعيسى، وهما اسمان لقبائل صومالية. وفي العام 1964 حصلت هذه المنطقة الصغيرة على استقلالها، وأصبحت أصغر دول افريقيا مساحة، اذا لا تزيد مساحتها عن مساحة لبنان وقبرص مجتمعتين، وأصبح اسمها الجديد جيبوتي، وهو اسم الميناء والمدينة الوحيدة القائمة في الاقليم. ويبلغ عدد سكان جيبوتي 400 ألف نسمة يتمتعون بازدهار نسبي، لأن الحرب الاهلية في اريتريا أدت الى حرمان اثيوبيا من استخدام أي موانئ اخرى في المنطقة. وحدثت وحدة اندماجية بين الصومال والصومال البريطاني في 1961، وأصبحت هناك دولة واحدة اسمها الصومال تبلغ مساحتها مساحة العراق وسورية مجتمعتين. وكانت الانباء الرئيسية التي تأتي من هذه المنطقة في الفترة من 1961 الى 1969 تتركز على محاولات الصومال استعادة اقليم اوغادين، الذي يتحدث سكانه الصومالية، من اثيوبيا. وكانت اثيوبيا استولت على هذا الاقليم في بداية القرن. وفي 1969 استولى على السلطة في الصومال ضابط سابق في الجيش الايطالي هو الجنرال محمد سياد بري، وبعد نجاح انقلابه العسكري اعلن الغاء تعدد الاحزاب في البلاد. وحدث في اثيوبيا ايضا انقلاب ماركسي أدى الى الاطاحة بالامبراطور هيلا سيلاسي في 1974، وجاء الى اثيوبيا مستشارون عسكريون سوفيات وقوات كوبية طردت القوات الصومالية خارج اقليم أوغادين. وبعد ذلك أصبح سياد بري نفسه يدور في فلك الاتحاد السوفياتي وتدهورت الامور في بلاده. وبعد انتهاء الحرب الخارجية مع اثيوبيا، بدأت القبائل الصومالية الرئيسية الثماني خوض حروب اهلية صغيرة مع بعضها بعضاً من النوع الذي كان سائداً في البلاد قبل عهد الاستعمار. وعندما تولى غورباتشوف السلطة في الاتحاد السوفياتي، تخلت موسكو عن الصومال، وتوجه سياد بري بنداء الى الولاياتالمتحدة التي أرسلت اليه اسلحة ومستشارين عسكريين. ولكن هذه الامدادات جاءت متأخرة، ففي كانون الثاني يناير 1991 استخدمت قبيلة الهويه الاسلحة السوفياتية والاميركية التي تخلت عنها القوات الصومالية في اقتحام العاصمة مقديشو وأجبرت سياد بري على الفرار خارج البلاد. وبعد خمسة شهور وقع خلاف بين زعيمي قبيلة الهويه علي مهدي محمد والجنرال محمد فارح عيديد وبدأ القتال بين رجالهما. وانهارت الحكومة، وأغلقت وزارة الخارجية، كما أغلقت أيضاً السفارات الصومالية في الخارج. وسادت البلاد حالة من الفوضى أدت الى انهيار الزراعة وانتشار المجاعة. وتشير التقديرات الى ان أكثر من 75 في المئة من مساعدات الاغذية والمساعدات الطبية التي حصلت عليها الصومال طوال 1992 من مصادر دولية كثيرة كانت تتعرض للسرقة من جانب عصابات من رجال القبائل المسلحين نصف اعضائها لا يتجاوز عمره عشرين عاماً. وتهدف العملية العسكرية التي تقوم بها الولاياتالمتحدة في الصومال بدعم من الاممالمتحدة ومشاركة قوات دول عدة في الوقت الحالي الى حماية قوافل الاغذية والامدادات الطبية، والى اعادة فتح مراكز الاغاثة والمستشفيات، ونزع سلاح رجال العصابات. وستكلف هذه العملية 400 مليون دولار خلال الأسابيع القليلة الاولى، مما يعني انه سيتم انفاق أربعة دولارات لحماية كل دولار واحد من الاغذية والعقاقير. وهكذا ستصبح التكلفة الحقيقية للأرز المجاني في مقديشو معادلة لسعره في متاجر البقالة في طوكيو. وكان شمال البلاد، الذي كان يدعى في الماضي الصومال البريطاني، اعلن انفصاله قبل عام تقريباً. وهذه المنطقة الشمالية فقيرة ايضاً وتعاني من نقص الامدادات، ولكنها لا تتعرض لمجاعة، كما ان اعمال العنف فيها قليلة نسبياً. وتصل الامدادات الى هذه المنطقة من جيبوتي المجاورة التي لا تزال تعيش كدولة طبيعية يضمن استقرارها وجود 4000 جندي فرنسي في اراضيها، معظمهم من الفرقة الاجنبية. وتعاني منطقة جنوب الصومال حالياً من عدم وجود مصادر للمياه - باستثناء الآبار - وعدم وجود كهرباء - باستثناء الكهرباء التي توفرها مولدات يملكها بعض الأفراد - كما ان المنطقة ليس بها شرطة أو محاكم. وليست هناك خدمة بريدية في المنطقة او خطوط للهاتف. اما مقديشو نفسها فهي عبارة عن حطام يتصاعد منه الدخان، وليس هناك سوى عدد قليل من المتاجر التي تفتح ابوابها. وكما حدث في الكونغو زائير قبل 32 عاماً توشك قوة عسكرية رخصت لها الأممالمتحدة على انقاذ البلاد من الفوضى الادارية والعنف. ولكن الامر يختلف عما حدث في الكونغو، لأن أية دولة من الدول الكبرى لم تتدخل في الكونغو، كما ان الموقف الذي كان سائداً هناك لم يتطلب سوى وجود 500،17 جندي لحفظ النظام في دولة لا تتجاوز مساحتها مساحة الهند. وربما كانت اكثر الدول شبهاً بالصومال في العصر الحديث هي كمبوديا. ويرجع ذلك الى ان سياد بري، مثله في ذلك مثل بول بوت والخمير الحمر، عمل على طرد القطاع المتعلم من السكان، كما انه طرد أيضاً، مثله في ذلك مثل كاسترو في كوبا، طبقة التجار في الصومال. ومن الناحية الواقعية تدير الأممالمتحدة الامور في كمبوديا اليوم، كما يتم الاستعداد لعقد انتخابات هناك. وتكررت المشكلة نفسها في الصومال، ولكن على نطاق أكثر صعوبة، لأنه ليست هناك حكومة على الإطلاق في البلاد. وقد تعرض حوالي مليون من سكان البلاد الذين يبلغ مجموعهم 7 ملايين و700 ألف نسمة الى القتل، او انهم فروا من البلاد. وليست هناك جدوى من عملية التدخل الاميركي في الصومال اذا لم يتم علاج المشكلات الأساسية في البلاد. ويعتقد معظم الصوماليين في الخارج انه يتعين على الأممالمتحدة اعادة نوع من انواع الوصاية على الصومال، بحيث يشرف على هذه الوصاية مباشرة الأمين العام للأمم المتحدة بطرس غالي وليس قوة انتداب على غرار ما كان يحدث في الماضي. وتتألف قوة حفظ السلام الصغيرة التابعة للأمم المتحدة الموجودة حالياً في الصومال من وحدات باكستانية 500 جندي. ادارة دولية لشؤون الصومال "الوسط" التقت الدكتور عبدالقادر الشيخ عيسى الذي يعتبر "زعيم" الصوماليين وخصوصاً النخبة منهم في الولاياتالمتحدة والمتحدث باسمهم وأجرت معه حواراً خاصاً سلّط الاضواء على جوانب مهمة من عملية التدخل الاميركي في الصومال. وعبدالقادر الشيخ عيسى 36 سنة استاذ في جامعة هوارد في واشنطن وهو من مواليد مقديشو ونجل الشيخ عيسى محمد الامين العام السابق لرابطة الشباب الصومالي التي كانت تمثل الحزب الذي قام بحملة من اجل الاستقلال في الخمسينات. وقد شغل والده، الذي توفي عام 1984، مناصب حكومية مختلفة، لكن عبدالقادر شيخ عيسى الذي اصبح المتحدث باسم الجالية الصومالية في واشنطن يقول انه لا يطمح في أي منصب سياسي بل يأمل في دور قيادي في جامعة الصومال بعد اعادة بنائها. وقد تم هذا اللقاء في المطعم الصومالي الوحيد في واشنطن الذي افتتحه عبدالقادر عيسى نفسه لكي يصبح أساساً نقطة تجمع للصوماليين، وفي ما يأتي الحوار معه: ما هي الاحتياجات الأساسية الأولى للصومال؟ - حماية قوافل الامدادات، وإعادة فتح مراكز الاغاثة والمستشفيات، والأهم من ذلك كله نزع سلاح الفوضويين الذين يدمرون البلاد. ان هناك حديثاً من جانب وزير الدفاع الاميركي ريتشارد تشيني عن شراء هذه الاسلحة منهم وهذه فكرة مريعة، لأنها ستجعل هؤلاء المسلحين أغنى الناس في الصومال، كما ستجعلهم يفهمون الموقف بصورة خاطئة. ما هي الخطوة المقبلة؟ هل ستنظم الأممالمتحدة إدارة مدنية للاشراف على الوضع في الصومال لأنه ليست هناك أية ادارة في البلاد في الوقت الحالي؟ - نعم، وسيتعين في الوقت ذاته عقد مؤتمر وطني في أقرب فرصة ممكنة تشارك فيه كل الأطراف والمجموعات الموجودة داخل البلاد والتي تعيش في المنفى في الوقت الحالي. ولا بد من ابقاء هذا المؤتمر مستمراً حتى تتوصل هذه الاطراف الى اتفاق على حكومة موقتة ودستور جديد. وليس هذا دوراً يتعين على الأممالمتحدة وحدها القيام به، ولكنني أفضل انا شخصياً ان تتولى الولاياتالمتحدة دور الريادة في هذا السبيل، تماماً كما حدث في مفاوضات السلام في الشرق الاوسط. ولكنك تنادي بنوع من الوصاية من جانب الأممالمتحدة، على الا تكون هناك دولة اخرى تمثل قوة الانتداب. - من الواضح انه ستكون هناك ضرورة لوجود ادارة دولية تشرف على الوضع في الصومال، والأممالمتحدة هي الجهة الوحيدة القادرة على ذلك. ان المشاكل الحالية لم تبدأ في العام 1991 بالاطاحة بسياد بري، بل كانت موجودة بشكل من الاشكال منذ الاستقلال في 1961، ولكنها تدهورت بوضوح عندما تولى زمام الامور سياد بري الذي كان ضابطاً في جيش موسوليني. والآن يجتمع الحرس القديم من أعضاء حكومة سياد بري كل يوم في مقديشو وهم يرغبون في العودة الى السلطة بمساعدة الايطاليين الذين يمارسون نفوذهم على الولاياتالمتحدة. انهم يتوقعون ان تقنع ايطاليا الولاياتالمتحدة بعدم التورط في السياسة الصومالية، والسماح للحرس القديم من انصار بري بالسيطرة على الحكومة الجديدة. وستبدأ المشاكل نفسها مرة اخرى بالطبع اذا عاد الحرس القديم الى السلطة، وبذلك تكون العملية العسكرية الاميركية مجرد اضاعة للوقت تكلفت الكثير من المال. وهكذا يجب ان تشارك الأممالمتحدة في شؤون الصومال، ولكن ذلك لا ينطبق على كل الدول الاعضاء في الأممالمتحدة. ان الصوماليين ينظرون بعين الشك الى كل الحكومات التي ساندت سياد بري، مهما كانت دوافعها. وقد عرضت بعض هذه الحكومات ومنها ايطاليا ومصر وكينيا ونيجيريا، ارسال قوات الى الصومال. وسيكون من الاسهل بكثير قبول قوات محادية بالفعل من دول مثل السويد أو بلجيكا، او من دول اسلامية لم يكن لها ضلع في الصومال في الماضي، مثل الجزائر أو تونس أو تركيا أو باكستان. معنى كلامك ان ايطاليا وهي الدولة الوحيدة التي لا تزال لها سفارة عاملة في مقديشو والتي عرضت ارسال قوات الى الصومال، سينظر اليها باعتبار ان لها أهدافاً استعمارية جديدة. ألن تنظروا بعين الشك ايضاً الى دولة كبرى مثل الولاياتالمتحدة؟ - ليس في الوقت الحالي. ان الولاياتالمتحدة لم يكن لها دور سياسي في الصومال في الماضي، باستثناء فترة تدخل قصيرة مع سياد بري لتشجيعه على التخلي عن روابطه مع موسكو. وتبدو الولاياتالمتحدة للصوماليين كدولة ترغب في تحقيق السلام والتقدم في العالم، كما انها مستعدة لاستخدام القوة في سبيل ذلك. والصوماليون يفهمون مثل هذا الموقف. يقول جون لوغران السفير الاميركي السابق في الصومال، وسميث هيمستون، السفير الاميركي الحالي في كينيا، ان القوات الاميركية ستواجه مقاومة مسلحة كبيرة، هل ستتعرض العملية العسكرية لصعوبات؟ - كلا. ان العصابات لن تصوب سلاحها الى الاميركيين، لان ذلك سيعرض افرادها للقتل وسيقول رجال هذه العصابات انهم سعداء بالتعاون مع الاميركيين. انهم يحبون القيام بدور الوكلاء المسلحين، او المرتزقة لحساب الاميركيين، كما انهم يهدفون الى الابقاء على اسلحتهم عن طريق ذلك. وعندما يعلن الاميركيون ان عليهم التخلي عن سلاحهم، سيلجأون الى اخفاء هذه الاسلحة او اكبر كمية منها. وينظر افراد الشعب الصومالي، وكذلك اعداؤهم من زعماء العصابات المسلحة، الى العلم الاميركي باعتباره مقدمة لخطة مارشال جديدة. ان الكل يرغب في دعوة الرجل الغني الى الزفاف، سواء كان هذا الرجل الغني محبوباً أو لا. بعد إحلال السلام، ستصبح الأممالمتحدة نفسها جهة الوصاية، تماما كما كانت بريطانيا تمثل جهة الانتداب. ولكن ما هو الدور الذي ستقوم به الحكومة الصومالية؟ - هذا ما يجب ان يتمخض عنه المؤتمر الوطني. يجب ان يتوصل هذا المؤتمر الى اقامة حكومة موقتة تتعاون مع العملية العسكرية وتعد لاجراء انتخابات. اننا نحتاج الى الأممالمتحدة، وربما كانت الولاياتالمتحدة افضل منها كوسيط وكحكم، لأن المؤتمر سيصبح من دون هذه الوساطة والتحكيم مجرد مباحثات لا نهاية لها. وماذا بشأن اعادة الخدمات الأساسية الى البلاد؟ - يجب ان تكون هذه هي أول مهمة ادارية ينفذها الاميركيون والأممالمتحدة. وسيبدأون من نقطة الصفر. ليست هناك في الصومال خدمة بريدية، او مياه باستثناء بعض المولدات الخاصة التي تدار بزيت الديزل الذي لا يباع الا في السوق السوداء. الشوارع نفسها غير مضاءة. ويتعين ايضا حرق القمامة ونفايات المجاري. هل تتصور أسلوب الحياة في دولة تعيش بالصورة التي كانت الواحات المنعزلة تعيش بها في القرن الثامن عشر؟ ان زعماء العصابات المسلحة يستخدمون اجهزة الهاتف اللاسلكية، كما يستخدمها ايضاً رجال منظمات الاغاثة الدولية، ولكن الاسر العادية لا تستطيع الاتصال بالهاتف. وليست هناك قوة شرطة حقيقية في البلاد، وبالطبع ليست هناك محاكم يضاً. وإذا توجهت الى مقديشو اليوم وأطلقت الرصاص على اول شخص تقابله، فان احد اصدقائه يمكن ان يقتلك، ولكن من المؤكد انك لن تتعرض للاعتقال او المحاكمة انهم يقولون ان مقديشو الآن تشبه بيروت في اشد ايامها اسوداداً. وأنا أقول ان بيروت في أسوأ حالاتها كانت مدينة جيدة التنظيم بالمقارنة مع مقديشو اليوم. ما هي الفترة الواجبة للوصاية الدولية من جانب الأممالمتحدة؟ - من يعرف؟ عام واحد على الاقل، وأنا متأكد ان الامر سيستغرق فترة أطول من ذلك. ان الأممالمتحدة أدارت شؤون الكونغو من الناحية العملية لمدة عامين، من 1960 الى 1962. ومن المؤكد ان الموقف لدينا الآن أسوأ مما كان سائداً في الكونغو. ان المصارف والمتاجر ظلت تعمل في الكونغو، كما ان السفارات ظلت قائمة هناك. وكانت هناك كهرباء ومياه صالحة للشرب في معظم انحاء الكونغو. وكان هناك نوع من انواع قوة الشرطة في البلاد. لقد كانت هناك مطاعم وإشارات مرور ووزارات. نعم لقد كانت هناك فوضى، ولكن بصورة أقل بكثير مما ستواجهه الاممالمتحدة في الصومال. المشاعر القبلية ذكرت ان الولاياتالمتحدة لا ترغب في التورط في الصومال، أليس من المرجح في هذه الحالة ان يستعيد انصار بري السلطة مرى اخرى؟ - اعتقد انه اذا حضر هؤلاء الى مؤتمر وطني ودافعوا عن موقفهم، فانهم سيحصلون على تأييد الاشخاص الذين كانوا يعتمدون على نظام الحكم القديم، ولكنني لا أعتقد انهم سيحصلون على تأييد الأغلبية. انك تتحدث وكأن الامر مجرد خلاف بين بضعة احزاب، أو بين مذاهب سياسية مختلفة. الا تعتقد ان الواقع القبلي اكثر أهمية من الواقع الحزبي في الصومال؟ - كلا لا أعتقد ذلك. ان معظم المتعلمين الذين يجب ان يأخذوا بزمام الامور في البلاد لا يعرفون اسم القبيلة التي ينتمون اليها. وعندما كنت في المدرسة الثانوية قابلت أعز اصدقائي، وظل صديقاً لي على مدى اكثر من عشرين عاماً حتى الآن، وأنا لا أعرف القبيلة التي ينتمي اليها. وبعد التوجه الى الولاياتالمتحدة للدراسة العليا تبينت اثناء حديث عابر معه انه ينتمي الى قبيلة الهويه كما عرفت انا نفسي من أقربائي انني انتمي الى قبيلة اخرى. أنت تتحدث عن المتعلمين الذين يعيشون في المدن. ولا بد ان يكون الوضع مختلفاً على مسافة عشرين كيلومتراً خارج مقديشو. - ليس الوضع مختلفاً بالصورة التي تتحدث عنها الصحافة الغربية. ان مراسلي تلك الصحف مهووسون بهذا الامر. ان الشعور بالانتماء الى القبيلة قائم بالفعل لدى الطبقات غير المتعلمة في مجتمعنا ولكن الامل في الازدهار سيتفوق باستمرار على الشعور بالولاء للقبيلة. اذا لم تكن موجة العنف الحالية قائمة على مشاعر الولاء القبلي، وعلى الكراهية بين القبائل المختلفة، فما هو أساس هذا العنف؟ - انه يعتمد على المرتبات التي تدفع لأعضاء الجماعات المسلحة. ومن المؤكد ان هناك دخلاً للمشاعر القبلية، ولكن هذه الجماعات تشبه الوحدات العسكرية. وهناك جماعتان رئيسيتان تتقاتلان في مقديشو تسيطر احداهما على شمال المدينة والاخرى على جنوبها. وتنتمي هاتان الجماعتان الى قبيلة واحدة هي قبيلة الهويه وقد اشتركت الجماعتان في الاطاحة بسياد بري، قبل ان تقرر الواحدة منهما اطاحة الاخرى. يمثل الجماعة الاولى الرئيس الموقت علي مهدي محمد والجماعة الثانية الجنرال محمد فارح عيديد رئيس التحالف الوطني الصومالي. هل تعتقد ان الامين العام للأمم المتحدة سيعين حاكماً محايداً للصومال؟ - ذكرت لك انني افضل ان تتولى الولاياتالمتحدة المسؤولية الحقيقية هناك بموافقة الأممالمتحدة. ولن يرغب الاميركيون في البقاء فترة أطول مما ينبغي في الصومال. ان الاميركيين سيعملون على الانتهاء من المهمة بسرعة، وهذا ما نحتاج اليه. ان المشكلة الرئيسية لدى الصوماليين ليست مشكلة سلطة بالصورة المفهومة في الدول الديموقراطية الغربية، بل تتمثل هذه المشكلة في ان سياد بري خلّف لنا دولة ديكتاتورية ذات حزب واحد، وهكذا اصبح يتعين علينا اطاحة هذا النظام الذي خلفه لنا. ولو كانت لدينا حرية التعبير وصحافة حرة، لكنا تجادلنا بالصورة التي يتجادل بها الناس في الولاياتالمتحدة. ما هي احتمالات الموقف في الشمال، الصومال البريطاني سابقاً، الذي انفصل بزعامة الرئيس عبدالرحمن احمد علي؟ ليس هناك دافع لديهم للعودة الى احضان الصومال في الوقت الحالي؟ - انهم منقسمون على انفسهم. ويرغب بعضهم في البقاء كمستقلين، بينما يؤيد البعض الآخر اعادة توحيد الصومال. الصومال هيروشيما بعد القنبلة ألا تشجع جيبوتي الشمال الصومالي على البقاء مستقلاً؟ - كلا، لقد تصرفت حكومة جيبوتي بصورة كريمة. انهم لم يؤيدوا قط الانفصال على رغم مساحة الصومال الكبيرة ومساحة جيبوتي الصغيرة. جيبوتي تتصرف على اساس علاقات حسن الجوار. هل تؤدي اقامة نظام فيديرالي أو كونفيديرالي الى تسهيل اعادة توحيد البلاد؟ - اعتقد ان مثل هذا النظام سيؤدي الى اثارة قدر اكبر من المشاكل. انني اؤيد الحكم الذاتي الاقليمي، لأنه سيؤدي الى تهدئة المشاعر المحلية. ولكن كل اقليم صغير بدرجة لا تسمح له بالاستقلال. ما هو عدد اقاليم الصومال؟ - كانت هناك ثمانية اقاليم عندما غادرت الصومال في 1981، ولكن هناك في الواقع عددا اكبر بكثير من الاقاليم في الوقت الحالي. انها تشبه الآن المقاطعات البريطانية او الفرنسية. وسيؤدي الحكم الذاتي الاقليمي الى ارضاء الزعماء المحليين، وتلبية بعض الجوانب القبلية في الخلافات مع الحكومة المركزية. ولكن مستقبل البلاد يكمن في يد المتعلمين الذين يؤمنون بالتزاوج بين الشمال والجنوب وبين القبائل. ان الصومالي المتعلم لديه الآن أقرباء في كل انحاء البلاد. هل سيحاول الصومال استعادة اقليم اوغادين من اثيوبيا؟ - سيطالب الصومال باستمرار بهذا الاقليم، لكن لن تكون هناك مشكلة اذا حظي الصوماليون من سكان اوغادين بمعاملة طيبة من جانب الحكومة الاثيوبية. هناك منطقة صومالية واسعة خاضعة لحكم كينيا، ولكنها لم تمثل قط أية مشكلة خطيرة بين البلدين. ان الصوماليين في كينيا يعاملون معاملة القبائل الاخرى، ولكن اثيوبيا اهملت بناء المستشفيات والمدارس الثانوية في أوغادين. هل سيتم استيعاب اعضاء حكومة سياد بري في الادارة الصومالية الجديدة، ام سيتم الانتقام منهم؟ - ان مؤيدي سياد بري انفسهم منقسمون، ولذلك لن يعتبرهم أي شخص خطراً حقيقياً على البلاد. ولا اعتقد ان الاشخاص الذين عملوا في حكومة سياد بري سيتعرضون لأي اضطهاد. وستتضمن عملية المصالحة الوطنية اصدار ضمانات بعدم الانتقام منهم. هل تقوم الجالية الصومالية في واشنطن باتصالات مع فريق الرئيس المنتخب بيل كلينتون؟ - نعم ومن المهم للغاية، لهذا السبب، ان نظل في صورة جبهة واحدة في الوقت الحالي. اننا نرغب في اكبر قدر ممكن من المشاركة الاميركية، من الناحيتين العسكرية والادارية. ما هي الرسالة الأساسية التي تودون ايصالها الى الساسة الاميركيين؟ - تقول هذه الرسالة ان حل المشكلة الصومالية ليس صعباً للغاية. الصومال يشبه هيروشيما بعد القنبلة النووية. فالموقف هناك يتطلب الكثير من الجهد، ولكن المطلوب امر واضح وليس معقداً. اننا نحتاج الى بداية جديدة. ويجب ان يكون هناك سبب يحفز الصوماليين المتعلمين، والمليون صومالي الذين يعيشون في الخارج على العودة. وسيعودون بالفعل اذا عتقدوا ان الحكومة الجديدة ليست فاسدة. لقد قال سياد بري "انني احتاج الى شخص ثوري، وليس الى شخص متعلم". انه كان يحتاج الى ابل ترتدي ثياب الانسان، وليس الى عقول. وهكذا تحالف مع الشيوعيين والاشتراكيين، وطلب من الروس ان يساعدوه في ان يصبح مثل ستالين. وبعد ذلك تخلى عنه الروس، فتوجه الى الولاياتالمتحدة طالباً منها المساعدة لكي يصبح ديكتاتوراً صديقاً لها، ولكنه تأخر في ذلك. وحدث ما حدث وغرق الصومال في فوضى الحروب الداخلية.