في الاول من كانون الثاني يناير الجاري، أنجزت المجموعة الاقتصادية الاوروبية خطوة مهمة في مسيرتها: فقد سقطت فيها الحدود الداخلية ونزعت الحواجز الجمركية وتحولت الى سوق واحدة مفتوحة ووحدت دولها بين قوانينها وتشريعاتها وتحققت فيها أربع حريات: حرية تنقل الاشخاص ورؤوس الاموال والسلع والخدمات. والمجموعة الاقتصادية الاوروبية، بوجهها الجديد، حصلت فيها تغييرات مهمة: فقد سقطت منها عادات متأصلة وقامت واجبات اخرى. وبانتظار ان تخطو الخطوة الكبرى المتمثلة بإنجاز الاتحاد السياسي والاقتصادي، فمن المفيد التعرف على اوروبا الجديدة، ما تغير فيها وما لم يتغير. واختارت "الوسط" ان تتناول هذا الموضوع من جوانبه العملية بحيث يكون هذا التحقيق بمثابة دليل يساعد على فهم اوروبا الجديدة والتحرك داخلها. السياسة الخارجية: مع بدء العمل بالسوق الاوروبية المنزوعة الحدود الجمركية، لم يتغير اي ترتيب في اداء السياسة الخارجية الاوروبية التي تبقى خاضعة لقاعدة الاجماع وتتقرر في اجتماعات وزراء خارجية دول المجموعة او في المجلس الاوروبي رؤساء دول وحكومات المجموعة. وبرغم ان المجموعة تبنت مبدأ العمل، في بعض المجالات التي تمس المصالح الحيوية لدولة من دولها، بالاكثرية المؤهلة، الا ان الممارسة تظهر ان القادة الاوروبيين ما زالوا يلتزمون بمبدأ الاجماع. ومن الواضح ان تعثر التصديق على معاهدة ماستريخت في الدانماركوبريطانيا يفرغ وحدة المجموعة الاقتصادية الأوربية من محتواها السياسي والعسكري ويجعلها مقتصرة على التجارة والاقتصاد. الحدود: اختفت الحدود الداخلية بين دول المجموعة الاوروبية الاثني عشرة وبذلك يقوم اكبر سوق في العالم يضم 345 مليون شخص ويستحوذ على 40 في المئة من التجارة العالمية. ولو وافق السويسريون، في الاستفتاء الذي جرى الشهر الماضي على الدخول في المنطقة الاقتصادية الاوروبية لكانت هذه السوق جمعت دول المجموعة الاقتصادية الاوروبية ودول الرابطة الاقتصادية الاوروبية للتبادل الحر التي تضم سبع دول هي النمسا والسويد وفنلنده وسويسرا والنروج وايسلندا وليشنشتاين، وذلك تحت اسم المنطقة الاقتصادية الاوروبية التي يبلغ عدد سكانها 380 مليون نسمة. وبالنسبة الى المجموعة الاقتصادية الاوروبية، فإن الخلاف بين اسبانياوبريطانيا حول جبل طارق حال حتى الآن دون توقيع معاهدة تتناول الحدود الخارجية للمجموعة. الجمارك: اختفت مع بداية هذا الشهر المكاتب الجمركية من الحدود الداخلية الاوروبية، اي بين البلدان التي تكون المجموعة الاوروبية، لكنها ما زالت قائمة على الحدود الخارجية اي بين الدول التي تنتمي الى المجموعة والدول التي لا تنتمي اليها. وهذا يعني ان السلع والبضائع تنقل بحرية كاملة ومن غير حاجة الى اية وثيقة جمركية او انتظار على الحدود الداخلية من اشبيلية وحتى كوبنهاغن ومن بالرم في جنوبايطاليا وحتى دبلن. ولكن اذا اختفت الجمارك عن الحدود الا ان لموظفيها الحق في اقامة نقاط تفتيش متنقلة داخل البلدان الاوروبية وفي تفتيش اية سيارة، سياحية او سيارة نقل، في اي مكان من اراضي المجموعة الاوروبية. فضلاً عن ذلك، فإن الجمارك اعطيت صلاحية زيارة المصانع والمؤسسات التجارية والاطلاع على دفاترها لمنع التلاعب والتأكد من الحسابات وتلافي الغش. تنقّل المواطنين الاوروبيين: من الناحية المبدئية، اصبحت حرية تنقل مواطني دول المجموعة الاقتصادية الاوروبية الاثنتي عشرة تامة منذ الاول من هذا الشهر بحيث اصبح عبور الحدود الداخلية حراً من اية رقابة. ولكن من الناحية العملية، هذا الامر لم يتم ويجب انتظار حلول شهر تموز يوليو المقبل حتى يبدأ العمل بما يسمى "اتفاقية شنغن" اسم قرية في دوقية لوكسمبورغ التي ستتحقق معها، فعلاً، حرية تنقل المواطنين الاوروبيين. غير ان "اتفاقية شنغن" وقعت عليها تسع دول اوروبية وامتنعت عن توقيعها حتى الآن ثلاث دول هي بريطانيا وايرلندا والدانمارك التي تطالب بضمانات اضافية لمحاربة تيار الهجرة اليها او لمحاربة الارهاب بريطانيا. وبانتظار ان تجهز كل المطارات الاوروبية بمطارات خاصة لمواطني دول المجموعة، فان الرقابة عليهم ستخفف. ومن الامور التي من المفترض بها ان تزول، التفتيش عن الاسلحة في المطارات وكذلك تفتيش الحقائب شرط ان تكون الطائرة انطلقت من مطار اوروبي، في حين ان الرقابة على جوازات السفر ستبقى قائمة. ومن المسائل الواجب تسويتها حرية اقامة المستخدمين واصحاب المهن الحرة وعائلاتهم وكذلك اقامة الطلاب وانتسابهم الى الجامعات ومعادلة الشهادات الجامعية بالنظر الى اختلاف الانظمة التعليمية. تنقّل الأجانب: لن يتغير اي شيء بالنسبة الى الاجانب الذين يزورون او يقيمون في دول المجموعة الاقتصادية الاوروبية، بل على العكس اذ ان الرقابة ستصبح اكثر تشدداً خصوصاً عند الحدود الخارجية للمجموعة. نظام التأشيرة سيبقى قائماً والاجنبي يبقى ملزماً بالحصول على تأشيرة دخول من كل دولة اوروبية ينوي زيارتها. ويستثنى من هذا الاجراء اليابانيون والاميركيون الذين بوسعهم التنقل بحرية تامة داخل المجموعة الاوروبية منذ لحظة دخولهم الى احدى دولها. وتسير الدول الاوروبية باتجاه اغلاق حدودها بوجه اللاجئين السياسيين وهي تسعى حالياً الى توحيد معايير القبول او الرفض. وتنص معاهدة دبلن، الخاصة باللاجئين والتي هي قيد التصديق في الوقت الحاضر، على ان رفض طلب لجوء سياسي في احدى دول المجموعة يعني رفضه في كل دولها. والواضح ان ثمة تفاوتاً شاسعاً في التعاطي مع مسألة اللاجئين بين دول المجموعة الاقتصادية الاوروبية: فألمانيا مثلاً استقبلت العام الماضي 483 ألف لاجئ في حين ان هذا العدد لا يتخطى عدة آلاف في غالبية الدول الاخرى. ويترافق العمل بالسوق الاوروبية المنزوعة الحدود الداخلية مع بدء العمل بپ"اوروبول"، وهي بنية امنية او انتربول اوروبي ينظم تبادل المعلومات الامنية بين اجهزة ودول المجموعة وينسق بينها ومقره في مدينة استراسبورغ الفرنسية. التبضّع: لكل مواطن اوروبي او مقيم في احدى دول المجموعة ان يشتري ما يريد من الدولة التي يريد شرط ان تستوفى رسوم القيمة المضافة في الدولة التي تتم فيها عملية الشراء. ولم يعد المسافر في حاجة الى ان يعلن عن مشترياته على الحدود لان الجمارك لم تعد قائمة. ولكن ثمة قيوداً ما زالت مفروضة على بعض المشتريات اذ لا يستطيع أي فرد ان يدخل اكثر من 800 سيجارة وكمية محددة من المواد الاستهلاكية. اما المحلات المعفاة من الرسوم في المطارات فكان من المفترض بها ان تزول مع بدء العمل بالسوق الاوروبية المنزعة الحدود الجمركية. غير ان اصحاب هذا النوع من المحلات نجحوا في الحصول على قرار يتيح لهم البقاء حتى العام 1999. رخصة القيادة: ابتداء من من اول الشهر الجاري، اصبحت رخصة قيادة السيارة التي تمنح في كل دولة من دول المجموعة الاقتصادية الاوروبية صالحة في الدول الاخرى. وكما ان لكل مواطن من دول المجموعة الحق في الحصول على جواز سفر اوروبي، كذلك سيكون له الحق في الاشهر المقبلة في الحصول على رخصة قيادة اوروبية. السيارة: يحق للأوروبي، الآن، ان يشتري سيارته الجديدة في اية دولة من دول المجموعة الاوروبية، من دون عراقيل او معاملات اضافية، شرط ان يدفع رسوم القيمة المضافة في البلد الذي تسجل فيه السيارة. وابتداء من الشهر الحالي، اصبحت شركات صناعة السيارات ملتزمة باحترام معايير موحدة لجهة سلامة السيارة واحترام ضرورات حماية البيئة. ومن النتائج العملية ان كل مصابيح السيارات ستكون بيضاء كما سيتم توحيد اللوحات المعدنية في كل دول المجموعة بالنسبة الى السيارات الجديدة. والاستثناء الوحيد ان الانكليز سيستمرون بالعمل بنظامهم الخاص بالقيادة على يسار الطريق، في بريطانيا وحدها. المصارف وشركات التأمين: حرية تنقل الاموال داخل دول المجموعة اصبحت تامة. غير ان اليونان والبرتغال استحصلتا على حق الاستمرار في فرض الرقابة، كمرحلة انتقالية، على الاموال الداخلة اليهما والخارجة منهما. ووفق المعطى الجديد، يحق لكل مصرف اوروبي، مسجل في احدى دول المجموعة، ان يعمل في كل الدول الاوروبية من غير قىد او شرط، باستثناء احترام بنود المعاهدة التي ابرمتها الدول الاوروبية في ما بينها والتي تتضمن الشروط العامة للعمل المصرفي. وستبقى المانياوالدانمارك واليونان خارج هذا النظام لفترة قصيرة. وتبرز حرية تنقل رؤوس الاموال في حرية التوظيف حيث يحق لكل مواطن او مقيم في دول المجموعة ان يوظف امواله في اي بلد آخر من بلدانها وفق ما يرغب. لكن عليه في المقابل، ان يعلن عن اي توظيف يتجاوز مبلغ 50 الف فرنك فرنسي وان يدفع الضرائب المترتبة على ذلك في مكان اقامته. كذلك يصح لاي فرد ان يحصل على قرض من اي مصرف يشاء، في اية دولة يشاء. غير ان ثمة عدداً من القواعد يستمر بها العمل موقتا وان ثمة عدداً من التسهيلات يؤجل، الى حين، الاخذ بها. ومن مثال ذلك ان المؤسسات المالية التوظيفية لن يسمح لها بالتعاطي مباشرة في البورصات الاوروبية الاخرى الا ابتداء من العام 1995. ما يصح على المصارف، يصح على شركات التأمين . فأي مواطن اوروبي اصبح قادراً على ان يؤمن على سيارته او على شقته لدى اية شركة تأمين في اي من بلدان المجموعة، الامر الذي يفتح باب المنافسة بين شركات التأمين مما سينعكس على الاسعار. ولكن، هنا ايضاً، ثمة تدابير موقتة سيستمر العمل بها الى حين. المناقصات: أصبحت المناقصات العامة التي تطرحها اية دولة من دول المجموعة مفتوحة امام كل الشركات الوطنية والاوروبية. وقد عمدت دول المجموعة الى توحيد الاجراءات الادارية التي تسهل المنافسة. ولكن، في هذا المجال ايضاً، اعطيت ثلاث دول هي البرتغالواسبانيا واليونان الحق في الاستمرار بالتحكم، لفترة انتقالية، بكل ما له علاقة بأسواق النقل والاتصالات والمياه. الهاتف: ستعمل كل دول المجموعة على توحيد نظامها الهاتفي. ومن بين النتائج المنتظرة لهذا التوحيد ان الحصول على الخط الخارجي للاتصالات الدولية سيكون في المستقبل عبر الرقم 00 ولكن حتى حلول هذا الموعد سيبقى لكل بلد رقمه الخاص. النقل الجوي: انتهى زمن تحكم الشركات الوطنية بالنقل الجوي الداخلي في كل بلد من بلدان المجموعة. فإبتداء من اول كانون الثاني يناير الجاري، يحق مثلاً لشركة ك. أل. ام. الهولندية ان تنقل مسافرين من باريس الى مدينة بوردو الفرنسية. ولكن، كما في المجالات الاخرى، ثمة عدداً من التدابير التي سيتم العمل بها حتى اشعار آخر وغرضها الاستمرار في حماية الشركات الوطنية وضمان استمرار حصولها على اكبر نسبة من حركة النقل الجوي الداخلي. فشركة لوفتهانزا الالمانية مثلاً، لن يتاح لها ان تنقل مسافرين من العاصمة الفرنسية حتى مدينة نيس الساحلية الا بحلول العام 1997. واذا كان المسافر يتوقع، من هذه التدابير، أن تخفض أثمان بطاقة السفر الجوي، الا ان امله سيخيب اذ ان كل الشركات الجوية، باستثناء بريتيش ايرويز، تعاني من أوضاع مالية صعبة. وعلى سبيل المثال، فإن شركة لوفتهانزا خسرت، في الاشهر الستة الاولى من العام الماضي مبلغ 1.8 مليار مارك! وهذا الوضع سيدفع بالشركات الى الاستمرار في فرض اسعار مرتفعة. النقل البحري: ابتداء من 1 كانون الثاني يناير في وسع اية باخرة شحن او سفر مسجلة في اي بلد من بلدان المجموعة ورافعة علمه، ان تنقل البضائع او المسافرين من اي مرفأ اوروبي الى اي مرفأ آخر من دون تمييز او حصر. الاستثناء الوحيد يشمل عملية النقل بين دولة اوروبية وبين الجزر التابعة لها وستبقى هذه العملية خاضعة لعدد معين من القيود غرضها الاستمرار في حصر هذا النوع من الملاحة بالشركات الوطنية. الحيوانات المنزلية الأليفة: كل الحيوانات المنزلية التي ينقلها اصحابها معهم من دولة الى دولة، يفترض ان يكون لها شهادات تلقيح اوروبية. ومن نتائج العمل بهذا التدبير ان بريطانيا وايرلندا أصبحتا ملزمتين بالغاء عملية الحجر الصحي بالكارنتينا التي كانت تفرضاها على الكلاب والهررة الواصلة اليهما بسبب خوفهما من عدوة الكَلَب. لحوم الحيوانات والمآكل والمشروبات: عملاً بمبدأ ان ما يصلح في بلد اوروبي يجب ان يكون صالحاً في كل بلدان المجموعة، تلغى الرقابة على الحدود، على اللحوم المستوردة ويستعاض عنها بالرقابة في اماكن متخصصة. كذلك تلغى النصوص القانونية التجارية التي كانت تمنع دخول بعض المشروبات والمأكولات الى عدد من الدول بحجج صحية. وفي المقابل، اصبح من الالزامي ان يحمل كل منتوج غذائي ملصقاً يبين مكوّناته بالتفصيل، الأمر الذي يتيح للمستهلك ان يتبين الفرق بين ما هو معروض عليه. توحيد المعايير: المبدأ العام يقول إن كل سلعة مسوقة في اي بلد من بلدان المجموعة يجب ان تكون متوافرة في كل اسواق دول المجموعة. غير ان المفوضية الاوروبية في بروكسيل احاطت العمل بهذا المبدأ بالكثير من التدابير والاجراءات التي تحفظ سلامة المستهلك بحيث يتوجب ان تكون كل سلعة مستوفية شروط الامن والسلامة المعمول بها على مستوى المجموعة. ومن الامثلة العملية على ذلك ان ألعاب الاطفال تصنع في كل دول المجموعة وفق المعايير الاوروبية. لكن بقيت مجموعة من الخلافات القائمة التي تتناول بشكل خاص السلع الغذائية. رسوم القيمة المضافة: القاعدة بالنسبة الى الافراد تقول ان الرسم الضريبة المستوفى على القيمة المضافة لسلعة من السلع يجب ان يستوفى في البلد الذي تتم فيه عملية الشراء. غير ان هذه القاعدة لا تطبق على عمليات شراء السيارات الجديدة والمراكب والزوارق والطائرات على اختلاف انواعها وعلى البيع بالمراسلة حيث يتوجب على المشتري ان يدفع رسوم القيمة المضافة في مكان اقامته. اما بالنسبة الى المؤسسات فإن رسوم القيمة المضافة تستوفى في البلد الذي تصدر اليه البضائع وليس في البلد المصدر، على أن تحول لاحقاً هذه الرسوم الى بلد المصدر. ومنذ سنوات، سعت الدول الاوروبية الى التقريب في نسبة الرسوم على القيمة المضافة بحيث تجاور بشكل عام نسبة 15 في المئة. غير ان فروقاً مهمة ما زالت قائمة بين دولة ودولة حول عدد من السلع. اما بخصوص الضرائب المباشرة المفروضة على الفرد فإنها تبقى ضمن اطار صلاحيات كل دولة من دول المجموعة، بحيث لن تحل حتى إشعار آخر، الضريبة الاوروبية محل الضريبة "الوطنية" التي يدفعها الاوروبي في بلده أو في البلد الذي يقيم فيه.