"مؤتمر لندن جمع ممثلين عن ثلثي البشرية، ومع ذلك لم يتمكن من وقف الحرب في البوسنة والهرسك والحروب الاخرى المتفجرة في ما كان يسمى يوغوسلافيا". هذا كان أبرز وأوضح تعليق على المؤتمر الدولي للسلام في يوغوسلافيا الذي عقد في لندن نهاية الشهر الماضي باشراف الأممالمتحدة والمجموعة الاوروبية ومشاركة ممثلي الجمهوريات اليوغوسلافية الست السابقة وأقلياتها القومية والاطراف المتحاربة في البوسنة والهرسك. و23 دولة تشمل الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن والمجموعة الأوروبية وتركيا وكندا واليابان والدول المحيطة بيوغوسلافيا او القريبة منها اضافة الى ممثلين عن منظمة المؤتمر الاسلامي. وقد اسفر مؤتمر لندن عن إقرار خمس وثائق تتناول كل جوانب الحرب اليوغوسلافية: الوثيقة الأولى تعالج مسألة المبادئ التي يجب الالتزام بها لوضع حد للحرب ولعودة السلام الى يوغوسلافيا السابقة والمبدأ الرئيسي بينها هو عدم جواز الاستيلاء على الأرض بالقوة ورفض الاعتراف بالتعديلات الناتجة عنها واعتراف كل الجمهوريات ببعضها البعض، بما في ذلك جمهورية البوسنة والهرسك. تحدد الوثيقة الثانية خطة تحرّك، وتعلن انشاء 6 مجموعات عمل تتولى اتمام المفاوضات في جنيف تحت اشراف الأممالمتحدة ممثلة بسايروس فانس والمجموعة الاقتصادية الاوروبية ممثلة باللورد ديفيد أوين الذي حلّ محلّ اللورد كارينغتون. الوثيقة الثالثة تتوقف عند "التدابير الخاصة" والعملية التي من شأنها خفض حدة الحرب تمهيداً لإيقافها، خصوصاً في البوسنة والهرسك وتحضير الاجواء الملائمة لاستمرار عملية التفاوض. الوثيقة الرابعة تتناول مسألة البوسنة والهرسك، والعناصر البارزة فيها تنصّ على احترام حدود هذه الجمهورية التي لا يجوز ادخال اي تعديل عليها "الا بقبول الاطراف المعنية". وتنص الوثيقة كذلك على رفع الحصار عن المدن ونزع سلاحها وإيجاد قوة لحفظ السلام فيها. أما الوثيقة الخامسة والأخيرة فجاءت بشكل اعلان صادر عن رئيسي المؤتمر بطرس غالي الامين العام للأمم المتحدة وجون مايجور رئيس الوزراء البريطاني الذي ترأس بلاده المجموعة الاوروبية حالياً، ويدعو الى احلال السلام في ما كان يسمى يوغوسلافيا. هذه الوثائق وما تضمنتها من مبادئ قبلتها كل الاطراف المتنازعة في يوغوسلافيا. لكن، هل تكفي هذه الوثائق والتدابير لوقف الحرب والمجازر؟ المسؤولون الاوروبيون والديبلوماسيون الذين طبخوا هذه الوثائق لم يخفوا شكوكهم ازاء النتائج العملية لمؤتمر لندن. المؤتمر اكد بقوة رفض السيطرة على الأرض وإدخال تعديلات على الحدود بقوة السلاح. لكنه لم يحصل على اية ضمانات حول استعداد الصرب وصربيا للتخلي عن الأراضي التي سيطروا عليها في كرواتيا 30 في المئة من مساحتها الاجمالية والبوسنة والهرسك 70 في المئة من مساحتها الاجمالية. والمؤتمر لم يرسم آلية معينة لإلزام الاطراف اليوغوسلافية باحترام ما جاء في الوثائق وحملها على التعاون مع الأممالمتحدة. وطالما ان مسألة الأرض ستبقى قائمة فان الحرب ستستمر. ووثائق المؤتمر تجاهلت الامر الاساسي وهو اللجوء الى التدخل العسكري لوقف الحرب، اذ لا يبدو ان ثمة ارادة سياسية دولية وغربية بالتدخل، على رغم المخاطر المحيطة باستمرار الحرب في البوسنة والهرسك وفي مناطق اخرى من يوغوسلافيا. وقد قال مستشار الرئيس البوسني علي عزت بيكوفيتش وعضو وفد حكومة البوسنة خير الدين سمون لپ"الوسط" "إن اي تفاؤل بشأن نجاح المؤتمر سابق لأوانه، لأن المعالجات التي قدمها لا تتعدى ارضية عامة يمكن ان تقوم عليها انواع المحادثات ومختلف الحلول، إضافة الى ان العرض الذي قدمه صرب البوسنة بشأن اعادة قسم من الأراضي التي يحتلونها الآن، يعني صراحة ان الصرب مصرون على الاحتفاظ بقسم كبير من اراضي البوسنة وترسيخ التقسيم، وهو ما لا يمكن ان يقبله المسلمون بأي حال من الاحوال". وأكد سمون "ان نجاح مؤتمر لندن يعتمد اساساً على استعداد الصرب لتغيير مواقفهم والكف عن العدوان". وخلال انعقاد مؤتمر لندن وبعد انتهاء اعماله شهدت البوسنة اعنف قتال خلال خمسة اشهر من المعارك المتواصلة، وأشرس تدمير حلّ في العاصمة ساراييفو لم تنج منه حتى مباني قصر الرئاسة ودار الحكومة والبرلمان والمستشفيات والمكتبة الوطنية التي التهمت النيران لعدة ايام بناءها الاثري والألوف من كتبها النفيسة، اضافة الى المئات من المباني التاريخية والدينية ومساكن المواطنين. وحتى مبنى مقر الرئاسة الاسلامية العليا في الجمهوريات اليوغوسلافية السابقة لم يسلم من وابل القنابل، فأصابته احداها التي وصفت بأنها كانت من النوع الثقيل الشديد التدمير، وأدت الى مقتل وجرح العديد من الموجودين فيه، بينهم رئيس العلماء الحاج يعقوب افندي سيلموسكي الذي اخترقت شظية رأسه، في حين كان من بين الذين قتلوا في المبنى ابنة رئيس العلماء الأسبق الحاج نعيم عبديتش وأستاذ كلية الدراسات الاسلامية في ساراييفو الدكتور نياز شكريتش. راجع صفحة 37