سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المشير عبدالغني الجمسي يروي لپ"الوسط" ذكرياته عن أكبر الحروب العربية المعاصرة - قمنا في حرب 1973 بأعقد العمليات العسكرية في العالم والسادات طور هجومه على الاسرائيليين في جبهة القناة بناء على طلب الأسد 1
تشرين الأول اكتوبر 1973 الساعة الثامنة صباحاً، توقفت سيارة عسكرية امام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة الذي اطلق عليه اسم كودي رقم ما. نزل من السيارة ضابط برتبة كبيرة، ملامحه تشي بجدية وصرامة. فيما بعد اخبره الاسرائيليون انهم حاولوا ان يجدوا له صورة واحدة يبتسم فيها فلم يجدوا!! دخل الى المركز محمد عبدالغني الجمسي رئيس هيئة العمليات الذي كان انتقل بجهاز الهيئة التي يشرف عليها منذ اول تشرين الأول اكتوبر، وأشرف على فتح مراكز القيادة العامة للقوات البحرية والجوية وقوات الدفاع الجوي. شوارع القاهرة كانت مزدحمة عند الظهر كعادتها في ايام شهر رمضان الكريم حيث يتحرك المواطنون للتبضع قبل الافطار. ووسط هذه الشوارع تحركت عربة بسرعة السهم يفسح لها بعض رجال المرور الطريق باهتمام شديد. كانت العربة تقل الرئيس انور السادات والفريق احمد اسماعيل القائد العام للقوات المسلحة وقد ارتدى كل منهما لباس القتال الكاكي، بينما كان السادات يمسك في يده بعصاه الشهيرة التي صنعها من فرع شجرة عمرها 120 عاماً في استراحة القناطر الخيرية في محافظة القليوبية المتاخمة للقاهرة. وفي تمام الساعة الواحدة دخل السادات الى المركز ذي الرقم الكودي وجلس في المكان المخصص له والى يمينه احمد اسماعيل والى يساره الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الاركان، بينما كان الجمسي رئيس هيئة العمليات في وضع مائل يفرد امامه مجموعة من الخرائط. كان هذا هو المشهد الذي سبق شرارة بدء حرب 1973 بساعة واحدة، ولعل عبدالغني الجمسي احد اقدر الذين يمكن ان يرووا قصة هذه الحرب، ما سبقها وما تبعها. فهو احد الذين اسهموا بدور رئيسي في الاعداد للحرب وإداراتها، قبل ان يصبح قائداً للجيش وبعد ذلك احد اطراف مرحلة التفاوض من اجل السلام التي بدأت بعد هذه الحرب. الاسبوع المقبل تكون مرت على هذه الحرب 19 سنة، وفي الوقت الذي تجري فيه مفاوضات سلام عربية - اسرائيلية جدية رأت "الوسط" ان تفتح ملف حرب 1973. ويروي المشير محمد عبدالغني الجمسي نائب رئيس الوزراء ووزير الحربية المصري السابق لپ"الوسط" ذكرياته عن اكبر الحروب التي خاضها العرب في العصر الحديث، وذلك في حوار طويل ننشره على حلقات، وهنا الحلقة الاولى منه: كنت رئيساً لهيئة عمليات القوات المسلحة المصرية ابان حرب تشرين الاول اكتوبر عام 1973، كيف كان الفارق في تقديرك بين استعداد واداء هيئة العمليات في هذه الحرب بالمقارنة مع حرب 1967؟ - لا وجه للمقارنة بين الحربين من وجهة نظر العمليات الحربية، سواء من حيث التخطيط او ادارة العمليات. بمعنى آخر ان الاخطاء التي ارتكبناها في حرب حزيران يونيو 1967وترتب عليها هزيمة القوات العربية السورية والمصرية والاردنية واحتلال سيناءوالضفة الغربية وغزة والجولان، كانت هي الدرس المعلم الذي ارسى اسس الاستراتيجية العسكرية والسياسية لحرب تشرين الأول اكتوبر 1973. في حرب حزيران يونيو 1967 اتخذت قرارات سياسية بواسطة رئيس الدولة، لم تكن القوات المسلحة قادرة على تنفيذها، اي لم تكن هناك استراتيجية عليا للدولة تربط بين الهدف السياسي الذي اراد الرئيس عبدالناصر ان يحققه، والهدف العسكري الذي كان يأمل في ان يحققه عبدالحكيم عامر بواسطة القوات المسلحة. بينما في حرب تشرين الأول اكتوبر 1973 كان الهدف السياسي واضحاً وكذا الهدف العسكري، وبلغ التنسيق من الجانبين مداه الى درجة ان القيادة العسكرية وضعت امام القيادة السياسية توقيتات - من وجهة النظر الفنية - لبدء الحرب، وفي الوقت ذاته سهل تحرك القيادة السياسية اقليمياً ودولياً مهام القوات المسلحة في الحرب. في عام 1967 لم تكن لدى القوات المصرية قيادة عسكرية محترفة، فلا عبدالحكيم عامر نائب القائد الاعلى للقوات المسلحة، ولا شمس بدران وزير الحربية آنذاك كانا مؤهلين لقيادة القوات المسلحة بحكم خبرة كل منهما الطفيفة في العمل العسكري، والدرجة المحدودة من العلم العسكري التي تلقاها، باختصار.. لا تأهيل ولا تشكيل!! كانت الاوامر تصدر من القيادة العليا الى القيادة العامة للقوات المسلحة، او قادة الجيوش والمناطق، وعلى الجميع التنفيذ من دون الاشتراك في اتخاذ مثل هذه القرارات، بينما الاسلوب العسكري السليم يحتم ان يستمع القائد الى المرؤوسين كمستشارين له، وعندما يُتخذ القرار يصبح الجميع ملزمين بتنفيذه. هذا لم يحدث مطلقاً في ظل وجود عبدالحكيم عامر، بدليل ان عبدالناصر عندما سأله قبيل اغلاق مضايق تيران يوم 23 ايار مايو عام 1967 عما اذا كانت القوات المسلحة جاهزة، اجابه: "برقبتي يا ريس". وهذا كلام ما كان يجب ان يصدر عن القائد السياسي اوالقائد العسكري، لأن القائد السياسي عندما يريد اقرار شيء ما يجب ان يتأكد من انه قادر على تنفيذه سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، اما ان يأخذ قراراً ويسأل - في اليوم نفسه - عما اذا كانت قواته جاهزة فان هذا دليل على ان مثل هذه النوعية من القرارات كانت تؤخذ على غير اساس. ومن جانبه يؤكد القائد العسكري في جملة بسيطة سريعة ان القوات جاهزة. من قال ان القوات المصرية كانت جاهزة في عام 1967؟ كان جزء كبير من قواتنا في اليمن، ولم يكن الموجود من هذه القوات في مصر قادراً على النهوض بتنفيذ الخطة الدفاعية في سيناء، الامر الذي حتم على القيادة العامة استدعاء الاحتياطي الذي كان غير مدرب، بدليل ان جزءاً منه - كما قال الفريق اول محمد فوزي - ذهب الى الحرب بالجلابيب! وربما كانت السمة الاساسية للاخطاء المشتركة للقيادتين السياسية والعسكرية عام 1967 ان هاجس امن النظام كان مسيطراً على الفكر السياسي والفكر العسكري المصري عام 1967. اي ان الدولة كانت تدار باسلوب الامن، وعبدالحكيم عامر قاد القوات المسلحة بأسلوب الامن، وليس بالاسلوب العسكري الصحيح. كل هذا لم يحدث اطلاقاً في حرب 1973، ولا في الفترة التي اعقبت حرب حزيران يونيو، فقد بدأنا تعديل الاخطاء التي ارتكبت تدريجياً، ومن هنا جاءت اعادة بناء القوات المسلحة المصرية على اساس جديد سليم هو ما أهّل القوات المسلحة المصرية ان تدخل حرب تشرين بكفاءة. كان القادة مؤهلين، والخطة العسكرية وضعت لتتماشى مع الهدف العسكري، والقائد السياسي لم يتدخل في الخطة العسكرية مطلقاً، ومن هنا كان النجاح الاستراتيجي لمصر في حرب 1973، ويضاف الى ذلك التنسيق المصري - السوري الذي كان اضافة من لون جديد على الحركة العسكرية العربية، وشتان ما بين هذا التعاون المصري - السوري في 1973، وبين استخدام سورية لاستدراج القوات المسلحة المصرية عام 1967. انقضت ما بين الحربين ست سنوات وأربعة اشهر ويوم واحد، هل كانت هذه الفترة كافية، في تقديرك، لتفسير الفارق الجوهري بين اداء الجيش المصري في كل منهما؟ - في نهاية حرب 1967 عندما تفككت القوات المسلحة المصرية، واصبحت بقايا وحدات، بدأنا مرحلة جديدة لاعادة بناء القوات المسلحة من الصفر، وأؤكد انها كانت من الصفر، وهذا بشهادتي الشخصية وبشهادة الفريق أول محمد فوزي، اختلف الاسلوب واختلفت طبيعة الجندي نفسه بدخول الجنود الحاصلين على المؤهلات العليا والذين غيروا معالم القوات المسلحة، وأصبح التدريب جدياً، والتخطيط للعمليات اصبح، هو الآخر، جدياً، وتغيرت القيادات كلها لتصبح قيادات محترفة، وتعاون الجميع بفكر جديد ونظام جديد، وهذه المرحلة تحتسب للشعب المصري، وللقيادة العامة للقوات المسلحة - آنذاك - التي تمكنت من اعادة البناء في هذه الظروف الصعبة، بما جعلنا نقف على اقدامنا ويستطيع الجيل نفسه الذي هُزم في 1967 تحقيق انتصار 1973. في هذا الاطار جرى استخدام تعبير "تحول الاستراتيجية العربية من الدفاع الى الهجوم"، لتفسير الفارق بين الاداء العربي في حربي 67 و73، فيما رأى بعض الخبراء ان ذلك قول غير دقيق.. فما تقويمك أنت؟ - أنت تقصد بالاستراتيجية العربية خطة الجامعة العربية او القيادة العربية المشتركة التي كان يقودها الفريق اول علي علي عامر، وسأركز كلامي على هذا: نحن، اولاً، لم تكن لدينا سياسة استراتيجية موحدة على مستوى الوطن العربي منذ انشاء الجامعة العربية، ولم يوضع تخطيط سياسي او عسكري لتحقيق الاهداف العربية من عام 1948 الى عام 1973 سواء كان دفاعياً او هجومياً. ولقد عملت اميناً عاماً مساعداً لجامعة الدول العربية عام 1973 وأعرف ماذا كان يدور في هذه الجامعة. وماذا كان يدور في هذه الجامعة؟ - في كانون الثاني يناير 1973 عقد اجتماع لمجلس الدفاع المشترك في جامعة الدول العربية، وقدمت مصر فيه تقريرها على لسان المشير احمد اسماعيل القائد العام للقوات المسلحة المصرية في ذلك الوقت، وكنت مشاركاً في هذا الاجتماع، وقلنا بمنتهى الوضوح - ويمكن الرجوع في هذا الى سجلات الجامعة العربية من 27 الى 30 كانون الثاني يناير - انه لا توجد سياسة عربية موحدة، ولا توجد استراتيجية عسكرية موحدة، ولا يوجد قائد عام واحد، وباختصار لا يوجد شيء اسمه تعاون عسكري عربي. وقد تعلمت اسرائيل هذا المبدأ مثلما تعلمنا نحن: "لا تعاون عسكرياً عربياً". لقد حاولنا في الاجتماع المذكور ان نحقق تعاوناً عسكرياً عربياً، لتصبح قوة 21 دولة عربية في مواجهة اسرائيل، وفشلنا، ومن هنا دخلنا حرب تشرين الاول اكتوبر بتعاون بين مصر وسورية فقط، وتركنا لبقية الدول العربية ان تتدخل وتعاون وتساعد بالطريقة التي تراها. وكان السبب في هذا هو الاجتماع المذكور حين تقدمت مصر بتخطيط الى هذا المؤتمر الذي يضم كل وزراء الخارجية ووزراء الدفاع العرب، يحدد التزامات كل دولة في ما يجب ان تقدمه من قوات مسلحة موزعة على سبع دول عربية، وأقرت الجامعة هذا ولم ينفذ شيء منه، وبالتالي - كما ذكرت - دخلنا الحرب بتنسيق مع سورية فقط، وتركنا لبقية الدول ان تساهم بالطريقة التي تراها. اذا تكلمنا عن الاستراتيجية فان ذلك يفتح الباب لنناقش معك قول البعض بأن حرب 1973 كانت تراجعاً عن الهدف الاستراتيجي المصري لتحرير سيناء في الخطة غرانيت 1 او غرانيت 2؟ - لقد عمد بعض الكتاب والمحللين الى الحديث عن غرانيت 1 وغرانيت 2 ليعطوا فضلاً للرئيس جمال عبدالناصر، ويسلبوا فضلاً من الرئيس السادات، او بمعنى آخر كانوا يريدون القول بأن حرب 1973 تم التخطيط لها بواسطة الرئيس جمال عبدالناصر وعبر خطتي غرانيت 1 وغرانيت 2. والواقع ان خطتي غرانيت كانتا موجودتين ضمن خطط عديدة للقوات المسلحة المصرية لتحرير سيناء. وسيثبت التاريخ ان جمال عبدالناصر اعاد بناء القوات المسلحة المصرية بعد حرب حزيران يونيو 1967 وهذا فضل يكتب له تاريخياً، اما حرب تشرين الأول اكتوبر 1973 استعداداً وتخطيطاً وتنفيذاً فتكتب لعهد السادات وأنا لست مع هذا ولا ذاك ولست ضد هذا او ذاك. كانت الفترة بين حزيران يونيو 1967 وتشرين الأول اكتوبر 1973 تمثل ست سنوات عجاف في تاريخ مصر، وكان التخطيط المصري يضع في اعتباره تقسيم الفترة بالتزامن مع اعادة بناء القوات المسلحة الى مراحل تبدأ بالصمود ثم بالدفاع ثم الدفاع النشط ثم الاستنزاف، وكان لكل من هذه المراحل خطة بأسماء مختلفة، وسعى كل الى الحديث عن هذه الخطط بما يخدم هيئته السياسية، بل ان احد العسكريين كتب في مذكراته انه كانت لدى القيادة المصرية، بالاضافة الى خطتي غرانيت، خطة اخرى تسمى "200" لتحرير سيناء في 12 يوماً. ولقد شاركت في وضع كل هذه الخطط، بما فيها الخطة "200" التي اشتركت فيها بوصفي رئيس اركان جبهة قناة السويس عندما كان يتولى قيادتها احمد اسماعيل، وكانت هذه الخطة للدفاع عن منطقة القناة والدولة وليست لتحرير سيناء في 12 يوماً. دور الشاذلي بعد مؤامرة مراكز القوى على الرئيس السادات في ايار مايو 1971 اصبح الفريق اول محمد صادق وزيراً للحربية خلفاً للفريق اول محمد فوزي، وكانت تلك الفترة غائمة وعائمة تضاربت فيها الاقوال عن عام الحسم، وعن حالة اللا سلم واللا حرب، وعن اختلاف الرؤى بين الحرب المحدودة والحرب الشاملة، واتسمت هذه الفترة كذلك بتضارب آراء القيادة السياسية والقيادة العسكرية في ما يتعلق بالموضوع العسكري، وهو ما ينفي ما قلته من ان السادات كان بعيداً عن التدخل في التخطيط لحرب 1973؟ - الفترة التي تولى فيها الفريق اول محمد صادق عمل وزير الحربية هي فترة تكملة وامتداد لفترة الفريق اول محمد فوزي. والعنصر الحاكم في تلك الفترة هو السلاح المطلوب لمصر وسورية لتحرير اراضيهما. مصر كانت تواجه بدعم الولاياتالمتحدة الاميركية لاسرائيل بالكميات والانواع والتوقيتات التي تضمن التفوق العسكري الاسرائيلي، وفي الجانب الآخر كان السوفيات يدعمون مصر وسورية بالسلاح بأنواع وتوقيتات وكميات تضمن التفوق العسكري الاسرائيلي وتمكن مصر وسورية من الدفاع عن اراضيها من دون شن حرب. وكان الجدل حول موضوع السلاح هو الموضوع الرئيسي لفترة الفريق اول صادق، وأخذ طابعاً سياسياً تصارعت فيه الاقوال بينه وبين السادات، ولا يعني هذا تدخل السادات في التخطيط للحرب، ولم يحسم هذا الموضوع ابداً، بل اقرر كرئيس لهيئة عمليات القوات المسلحة المصرية وقت حرب 1973 اننا دخلنا هذه الحرب والعدو له التفوق العسكري بينما الوضع الطبيعي ان يكون التفوق للمهاجم. ما تقويمك للموقف السوفياتي تجاه مصر، خصوصاً في ما يتعلق بالانتقادات التي تعرض لها الاتحاد السوفياتي حول تقصيره في دعم مصر، مقارنة بالدعم الاميركي لاسرائيل، وهل هناك اساس في العلم العسكري لمقولة "السلاح الدفاعي" الذي اتهمت موسكو بأنها قصرت دعمها لمصر عليه، عندما قيل، مثلاً، انها لم تزود مصر بقاذفة مقاتلة بعيدة المدى من نوع مماثل للفانتوم؟ - من الناحية الفنية لا يمكن التفرقة بين السلاح الهجومي والسلاح الدفاعي، لأن السلاح الموجود عندي يمكن ان استخدمه بطريقة هجومية او بطريقة دفاعية. ولكن قبل ان تدخل حرباً او تقوم بأي عمل عسكري لا بد ان تجري ما يسمى "مقارنة قوات" وتحدد في هذه العملية ما لديك وما لدى العدو من اسلحة باعدادها وأنواعها وكفاءتها وتضعهما امام بعضهما. عبدالناصر مثلاً كان يقول ان طائرة الميغ لا يمكن مقارنتها بطائرة الميراج لأن مداها لا يصل الى تغطية حتى سيناء، بينما الاسرائيليون يستطيعون الوصول الى القاهرة. اما عن العون السوفياتي، فقد قدم السوفيات العون العسكري الى مصر وسورية، ولكن بما يحقق اهدافهم السياسية الاستراتيجية في منطقة الشرق الاوسط في مواجهة الولاياتالمتحدة الاميركية. في فترة التجهيز والاستعداد لحرب 1973 تداخلت رؤى كثيرة حول دور هيئة العمليات ودور رئاسة الاركان، وأعلم انك لا تحب ان تتماس بخشونة مع احد، ولكن في ما هو تاريخ اظن ان هذه شهادة واجبة؟ - تنظيم القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية يحتم وجود وزير حربية كقائد عام ورئيس اركان كنائب له، وتشمل اختصاصات رئيس الاركان الاشراف على اجهزة كثيرة، وهو مسؤول عن عمل هذه الاجهزة خصوصاً التنسيق في ما بينها. ورئيس الاركان باعتباره شخصا واحدا لا يمكن ان يقوم بالاعمال الكثيرة المطلوبة منه، بل يعتمد على الاجهزة التي تتبعه، وأولها هيئة التنظيم والادارة وهيئة التدريب وهيئة العمليات. وليست هناك عزلة بين هيئة العمليات ورئيس اركان حرب القوات المسلحة، وكل شيء في التخطيط لا بد ان يعلمه رئيس اركان حرب القوات المسلحة ويوقع عليه الى جانب رئيس عمليات القوات المسلحة ثم يُصدق على هذا كله من القائد العام للقوات المسلحة وهو وزير الحربية، وبالتالي فان الخطة بدر وهي خطة عمليات حرب 1973 انجزتها هيئة عمليات القوات المسلحة موقعة مني ثم وقع عليها الفريق الشاذلي رئيس اركان حرب القوات المسلحة آنذاك، ثم المشير احمد اسماعيل وزير الحربية. وليس معنى هذا ان رئاسة الاركان تبصم على خطة هيئة العمليات لأن المسؤولية مشتركة، والخطة تستغرق شهوراً طويلة لاعدادها، وتحتاج لمناقشة مع ممثلي الطيران والبحرية والدفاع الجوي وقادة الجيوش الميدانية وقادة المناطق. ومجمل الآراء هذه تصب في هيئة العمليات لتصوغ منها مفهوماً للعملية ثم تضع الخطة التي تنفذه، والتي تكون هيئة العمليات مسؤولة عنها من الألف الى الياء. وفي صياغة المفهوم وأخذ الآراء يشترك الجميع وتكون لرئيس الاركان مؤتمراته، ولوزير الحربية مؤتمراته، ولرئيس هيئة العمليات مؤتمراته، ولكن في التخطيط هذا مسؤولية هيئة العمليات. قيادة الحرب عمل فريق يشترك فيه الجميع ونجاح حرب تشرين الاول اكتوبر يجب ان ينسب للقيادة العامة للقوات المسلحة ولا ينسب لجهاز واحد فيها، وأنا اعلم منذ بداية سؤالك انك تريد ان تتكلم عن الفريق سعد الدين الشاذلي. انا لا أريد، ولكنني تكلمت فعلاً عن حالة الفريق سعد الدين الشاذلي.. وللتاريخ اسألك عن تقويمك لدور الفريق سعد الدين الشاذلي في الاعداد لعمليات حرب 1973؟ - لقد قام بعمله كرئيس اركان حرب القوات المسلحة في الاستعداد لحرب تشرين الاول اكتوبر، وهذا يشمل الاشتراك في التخطيط والتدريب والتفتيش والتنظيم بالنسبة الى جميع اجهزة القيادة العامة. لا يمكن ان نهمل دور رئيس اركان حرب القوات المسلحة في ذلك الوقت او نقلل من شأنه. ولقد وقفت امام المحكمة التي رفع الشاذلي امامها قضية على احدى الصحف العربية لمدة أربع ساعات في وضع انتباه لأقدم شهادتي في صف الشاذلي. الضربة الأولى قبيل لحظة انطلاق الشرارة كيف كان الجو داخل المركز الذي كان يضم القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية؟ - كنا في انتظار صعود الطيران المصري لتوجيه الضربة الاولى للعدو، وفي هذه الآونة كنا نتابع اعمال العدو على الرادارات، وبالذات عمل قواته الجوية باعتبارها سلاح اسرائيل الرئيسي، وكانت حركة الطيران الاسرائيلي وقتها على شاشات الرادار ضعيفة للغاية ولم نرصد سوى طائرة واحدة قبيل الضرب. كانت لحظة البدء مكونة من ثلاثة عناصر: 1 - الضربة الجوية. 2 - قصفة المدفعية المركزة. 3 - ونزول القوات البرية الى مياه القناة في جبهة الجيشين الثاني والثالث. ومرت الدقائق بصعوبة في انتظار لحظة البدء. بعد الحرب حينما أعيد تمثيل جو العمليات امام رجال الصحافة في مقر القيادة العامة، اذكر انه كانت هناك صورة شهيرة تجمعك الى جوار السادات وهو يتأمل بعض الخرائط ويضع اصبعه على بعض المواقع.. وهي الصورة نفسها التي تم تنفيذها على لوحة جدارية في بانوراما حرب تشرين الاول اكتوبر. هل كان الرئيس الراحل يفهم في هذه الخرائط او يدرك تفاصيلها؟ - كان المشير احمد اسماعيل هو الذي يشرح له في ذلك اليوم، وكنا نؤشر على الخرائط الموجودة امامه، وكونه يضع اصبعه على احد المواقع فهذا مجرد استيضاح لبعض النقاط، وأنا افهم ما تريد، السادات لم يكن يقود العمليات، ولم يكن له دخل بمسارها. بعد الحرب بشهور قليلة كنت ضمن مجموعة صغيرة من طلبة كلية الاعلام في جامعة القاهرة نلتقي المشير احمد اسماعيل في مكتبه بوزارة الحربية لاجراء حديث صحافي، وكان معه اللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية، وخصنا يومها بخبر كبير يقول ان آخر المجموعات المصرية خلف خطوط العدو على وشك العودة.. كيف تذكر عملية الاعداد لدخول هذه المجموعات وراء خطوط العدو؟ - هذه نواح فنية دقيقة، وكل دولة لها اسلوبها في ادخال هذه المجموعات الى الأرض التي يحتلها العدو او في ارض العدو ذاتها. وبالنسبة الى حربنا كانت هذه المجموعات تنقسم الى مجموعات تدخل سيناء للتبليغ عن تحركات العدو الاسرائيلي او في اسرائيل نفسها لجمع معلومات عن اشياء بعينها. وطريقة ادخال هذه المجموعات تختلف من واحدة لاخرى، فهناك مجموعة تدخل لهدف سهل واخرى تدخل لهدف صعب، وهناك عميل يتم زرعه وسط مجتمع العدو لفترة طويلة، وآخر يذهب لاستطلاع موقع جهاز رادار مثلاً. لوحة العبور ذاتها بتفاصيلها التي وردت في شهادات القادة العسكريين او في بعض الرؤى السياسية او بعض الكتابات كانت توحي وكأن العملية نفسها تم لها اعداد دقيق بطريقة جعلت تنفيذها امراً آلياً بسيطاً لم يواجه بالمقاومة التي كانت متصورة. هل انت مع هذا الرأي؟ - أعارض هذا الرأي مئة في المئة، لأنه يقلل من قيمة الانجاز العسكري للقوات المسلحة المصرية، ومثل هذا الرأي يذكرني بكتاب حاييم هيرتزوغ عن حرب تشرين الأول اكتوبر 1973 الذي تكلم فيه عن ان اسرائيل فوجئت بالحرب وحدث فيها خسائر بينما هي دولة مسالمة، ثم قفز فجأة الى العبور الاسرائيلي الى غرب القناة عبر الثغرة وأخذ يفيض في وصف احداثها ومعاركها. هذا لون من إبخاس القوات المصرية حقها. التخطيط لحرب تشرين الاول اكتوبر 1973 كان مركزاً على عملية اقتحام قناة السويس عنوة، وهي التي تعتبر من اعقد العمليات العسكرية في العالم، خصوصاً ان المانع المائي امام القوات المصرية كان فريداً في مواصفاته، ومحمياً من الشاطئ الآخر بخط منيع محصن هو "خط بارليف". وقد دربنا الافراد على ظروف مماثلة في الدلتا ولم نترك شيئاً للصدفة، ودخلنا في تفاصيل كثيرة لم يكن احد يتصورها لضمان نجاح العبور، الذي يعد بداية الحرب، فاذا لم ننجح فيها فلن ننجح في الحرب ذاتها. درسنا حركة المد والجزر في مياه القناة وسرعة التيار واتجاهاته والضوء وحالة الجو وكل شيء. كل هذه الحسابات سهلت على القوات المصرية نجاحها في عملية العبور، وكانت المفاجأة هي الشيء الوحيد الذي ينقصها لتقليل نسبة الخسائر وارباك العدو، ومن ثم كانت خطة الخداع التعبوي والاستراتيجي الشهيرة التي تظاهرنا فيها بالقيام بمناورة بينما كانت التحركات كلها تخدم هدف العبور نفسه. كل هذا اثمر اقتحامنا للمانع المائي والعدو ليس جاهزاً، وبشكل مفاجئ للغاية، مما قلل خسائرنا الى 280 فرداً بنسبة لا تتجاوز 2 في المئة وهي اقل كثيراً مما قدرنا. وفي هذا الاطار نقول ان النجاح تحقق بفضل التخطيط السليم والتنفيذ السليم ايضاً. الحرب ليست نزهة، ونسبة خسائر المصريين من القادة على كل المستويات اثناء العبور كانت اعلى من النسبة المعروفة دولياً لمثل هذه العمليات، لأنهم كانوا في الخطوط الامامية. وهذا يعطي فكرة عن مدى الجدية التي تمت بها عملية الاقتحام للقناة، والتي ارجو الا يقلل احد من عظمة الانجاز فيها. الوصول الى المضائق بعد نجاح اقتحام القوات المصرية لمانع قناة السويس المائي، ثم عملية تطوير الهجوم، لماذا لم تصل القوات المصرية الى خط المضايق؟ - القوات المصرية حددت لتطوير الهجوم يوم 14 تشرين الأول اكتوبر بغرض الوصول الى خط المضايق، وهو الهدف الاستراتيجي النهائي لهذه الحرب، ولكن تستطيع اعتبار يوم 14 يوماً فاصلاً في الحرب، فما حدث فيه اثر على استئناف الهجوم. فلقد نجحنا يوم 6 تشرين الأول اكتوبر في الاقتحام، ثم هزمنا الهجوم المضاد للعدو الذي قام به يوم 7 وأفشلناه، ثم هزمنا الضربة المضادة التي وجهها بكل قواته لنا يوم الثامن من تشرين الأول اكتوبر بوجود جنرال اميركي في مركز قيادة العدو في تل ابيب، وبالتالي اصبحنا في الموقف السليم القوي الذي يتيح لنا تطوير الهجوم. وفي تخطيطنا للحرب حددنا الايام الثلاثة الاولى للحرب لانجاز الاقتحام ثم استقرار القوات، وعلى ضوء الخسائر ومقتضتيات الامور على ارض المعركة نحدد الخطوة المقبلة التي تتحدد في احد احتمالين، احدهما ان تتم وقفة تعبوية بعد يوم 9 تشرين الاول اكتوبر، والآخر ان يتم تطوير الهجوم مباشرة يوم 9، وكتبت هذين الاحتمالين بخط يدي على خرائط الخطة ووقعت بامضائي الى جوارهما. وطبقاً للظروف التي افرزتها الايام الثلاثة الاولى للحرب، فان احتمال تطوير الهجوم مباشرة يوم 9 كان يجعل ظروفنا افضل كثيراً، الا ان المشير احمد اسماعيل رأى ضرورة وقفة تعبوية لأيام قليلة لأنه كان يرى ان الدفاعات الجوية والقوات الجوية المصرية غير قادرة على حماية قواته اثناء تحركها من رؤوس الكباري وصولاً الى المضايق، وقد ناقشته في هذا الامر طويلاً وقلت له ان افتراضاته مردود عليها من الناحية العسكرية، لأن اقتحام خطوط العدو بسرعة لن يتيح له فرصة اقامة مواقع دفاعية، كما ان وجود قواتنا ملتحمة مع قوات العدو سيلغي امكان استخدامه للطيران، ثم ان تحقيق النتائج النهائية للحرب افضل حتى لو تكبدنا فيها خسائر اكبر. ولكن احمد اسماعيل كان من طبيعته الحرص الزائد، وكان مثل مونتغمري الذي كان روميل ينسحب امامه في العلمين والجميع ينصحونه بمطاردته سريعاً، وهو يرى تنفيذ الخطة خطوة خطوة وعلى مهل. نعم احمد اسماعيل كان حريصاً وبطيئاً اكثر من اللازم، ولهذا انتظرنا من يوم 9 الى يوم 13 تشرين الأول اكتوبر اي أربعة ايام اعطت فرصة للعدو ليستعيد تنظيمه ويطلب مساعدات من اميركا وصلت له حتى يوم 12 كما ورد في مذكرات هنري كيسنجر ومن ناحية اخرى فقد استغل العدو الهدوء على الجبهة المصرية في فترة الوقفة التعبوية وكثف نشاطاته على الجبهة السورية، وبناء على ذلك ارتدت القوات السورية من الجولان وفقدت المبادأة، الامر الذي دفع الرئيس حافظ الاسد لارسال نائب وزير الدفاع السوري لمقابلة الرئيس السادات والطلب منه تنشيط جبهة القناة لتخفيف الضغط على سورية. أصبحت مصر في مأزق، فقد كان القائد العام محرجاً لأنه القائد العام للقوات المسلحة في الجبهتين، وسياسياً كان الرئيس السادات محرجاً لأن حلفه مع الرئيس الاسد يفرض عليه التزامات. ومن ثم اصدر الرئيس السادات قرار تطوير الهجوم يوم 12 تلبية لرغبة سورية على ان يتم التطوير يوم 13 تشرين الأول اكتوبر. هل كان هذا اول تدخل للسادات في المعركة؟ - بالضبط، ولكنه امر بتطوير الهجوم، وترك كيفية التطوير للقائد العام، الذي امر هو الآخر بتطوير الهجوم يوم 13، ولكن لأسباب فنية طورت القوات هجومها يوم 14 بدلاً من 13. ما هي تلك الأسباب الفنية؟ - كانت الأسباب الفنية تتعلق بمحاولة تفادي تكبد القوات المصرية لخسائر اكبر، وكان احمد اسماعيل يقول لا بد من الحفاظ على القوات المصرية سليمة، وردد هذا القول اكثر من مرة، مشيراً الى ان القوات يجب ان تكون مؤمنة اكثر من اللازم خصوصاً ان الانهيار الذي حدث عام 1967 كان لا زال عالقاً في الاذهان. عندما طورنا الهجوم يوم 14 فشل هجومنا، لان العدو كان جاهزاً بدباباته وبصواريخ مضادة للدبابات، وظهرت طائراته في سماء المعركة بكثافة. أُوقف هجومنا يوم 14 وخسرنا فيه عدداً كبيراً من الدبابات، وهذه هي البداية الحقيقية لانتقال المبادأة من اليد المصرية الى اليد الاسرائيلية. وعلى رغم اننا خسرنا عدداً كبيراً من الدبابات يوم 14، الا ان عدد الدبابات التي خسرتها اسرائيل من يوم 6 الى يوم 14 كان اكبر. ما هو تقويمك لأداء القوات الجوية المصرية في حرب 1973 باعتبار ان هذه القوات كان يبدو فيها اكثر الفارق التكنولوجي بين السلاح الروسي الذي نستخدمه والسلاح الاميركي والغربي الذي تستخدمه اسرائيل؟ - كانت مهام القوات الجوية القيام بالضربة الاولى، وتقديم المعاونة للقوات البرية في مراحل المعركة المختلفة، وقتال العدو الجوي لمنعه من التعرض لقواتنا، وقد قامت بكل هذه المهام خلال حرب 1973 بكفاءة وان كانت المبادأة تحولت في الفترة بعد يوم 16 الى العدو ليضمها الى المبادأة البرية ايضاً. عندما تحدثت عن انتقال المبادأة البرية لصالح اسرائيل على جبهة سيناء يوم 14 قدمت تفسيراً فنياً ولكنك لم تقدم تفسيراً فنياً لانتقال المبادأة الجوية بعد يوم 16 الى يد اسرائيل؟ - التفسير هو الجسر الجوي الاميركي الى العريش والذي بدأ بمذكرة من غولدا مائير رئيسة الحكومة الاسرائيلية يوم 9 الى هنري كيسنجر طلباً لمعدات، من ضمنها محركات طائرات وقطع غيار للطائرات وأجهزة لاسلكية للشوشرة والاعاقة. في ميدان المعركة دائما كل قائد يضع عينه بشكل ما على نظير له في الجانب الآخر يحاول ان يستقرئ فكره ويواجهه.. على من كانت عيناك في اسرائيل اثناء المعركة؟ - عيناي كانتا على اسرائيل اجمالاً. الحرب ليست رئيس العمليات في مواجهة رئيس العمليات ولا قائد الدفاع الجوي في مواجهة قائد الدفاع الجوي، ولكنها اجمالي الاجهزة التي تحدد شكل الاداء في مواجهة اجمالي اجهزة العدو التي تحدد شكل ادائه. دايان لم يكن رقماً معاكساً لاحمد اسماعيل مثلاً، ولكن على نطاق اقل كثيراً من القيادة العامة ان هيئة العمليات يمكن ان يكون سؤالك متحققاً فنقول ان الجنرال شارون هو الرقم المعاكس للواء عبدرب النبي حافظ قائد الفرقة 16 مشاة ميكانيكي في منطقة الثغرة، يعني امامنا قطاع جغرافي معين يشهد معركة بعينها فيها قائد يهاجم وقائد يدافع... وهكذا. دروس حرب 1973 هل تركت حرب 1973 بصمات واضحة على العلم العسكري، حتى الآن، ام ان تأثيرها في هذا المجال كان وقتياً؟ وهل اقتصر ذلك على بروز اهمية الصواريخ المضادة للطائرات من طراز سام والمضادة للدبابات، ام شمل تأثيرات اخرى؟ - أضافت حرب 1973 اضافات كثيرة في مجال العلم العسكري، اهمها الدقة في التخطيط لاقتحام مانع مائي مدبر في مواجهة عنيدة من العدو، باستخدام وسائل العبور المختلفة من معديات الى قوارب مطاطية الى جسور، وأهم هذه الوسائل كان الجسور الثمانية التي اقيمت في زمن قياسي بلغ ثماني ساعات وبما اثبت ايضا ان المعدات السوفياتية في هذا المجال بالذات كانت جيدة، وكذلك في مجال الصواريخ المضادة للدبابات مولتيكا التي ابلت بلاء حسناً، وعلى الجانب الاسرائيلي ظهرت اهمية صواريخهم المضادة للدبابات، وكذلك اثبتت الدبابة ام 60 كفاءتها الكاملة في مواجهة الدبابات ت 54، وت34 السوفياتية التي كان المصريون يستخدمونها. كيف سار مسلسل الاحداث، من وجهة نظرك، بعد محاولة تطوير الهجوم المصري وفشله؟ - على رغم فشل الهجوم المصري يوم 14 الا انه ربما يكون خفف الضغط عن الجبهة السورية، بسحب الطيران الاسرائيلي الى الجبهة المصرية. وفي يوم 15 كان واضحاً ان المبادأة انتقلت الى الجانب الاسرائيلي، وفي ليلة 15 - 16 تشرين الأول اكتوبر تجمعت فرقتان اسرائيليتان مدرعتان، كل منهما تضم 350 دبابة، احداهما بقيادة الجنرال شارون، والاخرى بقيادة الجنرال ادن على الطريق الاوسط في مواجهة الفرقة 16 مشاة ميكانيكي المصرية بقيادة عبدرب النبي حافظ، وضغط الاسرائيليون على الجانب الايمن للجيش الثاني الميداني المصري - ودائما يكون الجنب أضعف - في محاولة لزحزحة القوات المصرية الى الشمال بما يترك فجوة امام القوات الاسرائيلية تستطيع عبرها ان تصل الى الضفة الشرقية لقناة السويس ومنها تعبر الى الشاطئ الغربي، وقد حاول الاسرائيليون ذلك يوم 16 وفشلوا، ثم حاولوا ليلة 16 - 17 ونجحوا في ان يصلوا الى الضفة الشرقية للقناة بقوة كتيبة مظلات وكتيبة دبابات، ثم عبرت وحدة المظلات القناة مع جزء من الدبابات يتراوح عدده بين سبع وعشر دبابات، واختفوا بين الاشجار الموجودة في الضفة الغربية، ثم بدأت معركة الدفرسوار التي يطلق عليها اسم "الثغرة" والتي شهدت تعتيماً اعلامياً من الجانب المصري وتضخيماً اعلامياً من جانب العدو، فاعطيت اكبر من حجمها في نظر المصريين والعرب. وقد ترتب على هذه المعركة توسيع الثغرة الى ان تدخل كيسنجر وأوقف القتال يوم 22، وظن بعض الناس ان نتيجة الحرب هي قوات لمصر في الشرق وقوات لاسرائيل في الغرب، وهذا غير صحيح اطلاقاً، بدليل ان الجانب الاسرائيلي كان يعارض وقف اطلاق النار يوم 22 لأن قواتهم كانت قابعة في شريحة صغيرة من الارض في وضع يعتبرونه غير مؤمن، وبالتالي فانهم على رغم اضطرارهم لقبول وقف اطلاق النار، خرقوا هذا الوقف واستمروا في القتال حتى يوم 25 وحاولوا الاتجاه عبر منطقة "الثغرة" الى مدينة الاسماعيلية في الشمال على أمل دخول مدينة مصرية كبيرة تصبح ورقة في ايديهم في اية مفاوضات، ولكنهم فشلوا في هذا، فاتجه الاسرائيليون جنوباً الى السويس وفشلوا ايضا وتكبدوا خسائر هائلة مما دفعهم الى قبول القرار 339 بوقف اطلاق النار يوم 28. وفي هذا السياق يهمني الرد على الاكاذيب التي ذاعت وشاعت باننا احدثنا فراغاً في الجانب الغربي للقناة بتطورينا للهجوم مما مكن اسرائيل من احداث "الثغرة"، وهذا كلام غير صحيح مطلقاً لأنه تم احتواء القوات الاسرائيلية غرب القناة بالفرقة الرابعة المدرعة والفرقة 23 الميكانيكية ولواءات من المظلات والصاعقة والمشاة، فاذا كانت هذه القوات كلها موجودة في الغرب فكيف يقال اننا احدثنا فراغاً، وكل الذي استطاع الاسرائيليون تحقيقه في هذه العملية كلها هو قطع طريق مصر - السويس الصحراوي فحسب. يبدو ان مشهد "الثغرة" في غرفة العمليات المصرية كان اكثر دراماتيكية مما ذاع عن اختلاف وجهات النظر بين القيادة السياسية وبعض القادة العسكريين. ماذا كانت ملامح هذا الخلاف من وجهة نظرك؟ - كنا في القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية نشعر ان المبادأة اصبحت في يد اسرائيل، وكانت معلوماتنا تفصيلية عن الجسر الاميركي الجوي ومدى ضخامته، والذي ما ان يفرغ الامدادات في العريش حتى تظهر هذه الامدادات مؤثرة وبسرعة على الجبهة المصرية. وكنا نحلل وجود العدو على الضفة الغربية باحساس خطير، وندرك انه يريد الحصول على مدينة او مدن كبيرة في غرب القناة ليساومنا على وجود القوات المصرية في الشرق ويضيع معالم ونتائج الحرب كلها وانجازاتها. وبالتالي كنا حريصين كل الحرص على احتواء القوات الاسرائيلية التي عبرت الى الغرب من دون تأثير على وضع القوات المصرية الموجودة في شرق القناة. وهنا ظهرت فكرتان في القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية: الاولى كانت فكرة الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الاركان، وترمي الى سحب اربعة لواءات مدرعة من الشرق الى الغرب لتساعد القوات المصرية في تدمير القوات الاسرائيلية الموجودة في الغرب وكان ذهب ليلة 20 - 21 لتفقد الجيش الثاني وعاد من هناك بهذا الرأي. الثانية كانت فكرة تبنيتها انا والمشير احمد اسماعيل وتقول بعدم المساس بالقوات المصرية الموجودة في الشرق لأن اي انسحاب سيؤثر على قوة وتماسك القوات المصرية في الشرق، كما ان اشد المعارك صعوبة هي الانسحاب وخصوصاً تحت ضغط العدو. واحتدم الاختلاف فطلب الفريق سعد الدين الشاذلي ان يبلغ الامر لرئيس الجمهورية نظراً الى خطورة الموقف. وبناء على طلب الشاذلي اتصل المشير احمد اسماعيل بالسادات، وجاء الرئيس الى مقر القيادة العامة واجتمع بأحمد اسماعيل في مكتبه لمدة ساعة ثم دخل الى غرفة العمليات في حوالي الحادية عشرة مساء. الاسبوع المقبل: الحلقة الثانية محمد عبدالغني الجمسي ولد في ايلول سبتمبر 1921 في قرية البتانون في محافظة المنوفية. تخرج في المدرسة الحربية في اول تشرين الثاني نوفمبر 1939، وفي كلية اركان الحرب عام 1951، ودرس في الاكاديمية العليا العسكرية، تولى ادارة المدرعات عام 1944، وقيادة الآلاي الخامس مدرعات في منطقة القناة في حرب السويس 1956. تولى رئاسة اركان حرب سلاح المدرعات 1957، وقيادة اللواء الثاني مدرعات 1958، ثم التحق ببعثة مدرعات في اكاديمية فرونز في الاتحاد السوفياتي السابق عام 1960 ورقي الى رتبة لواء في تموز يوليو 1965، وتولى رئاسة عمليات القوات البرية 1966. تولى رئاسة اركان حرب الجيش الثاني 1967، ونائب مدير المخابرات الحربية 1968، ورئيس هيئة عمليات القوات الاتحادية 1970، ورئيس هيئة التدريب 1971، ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة 1972، رقي الى رتبة فريق في شباط فبراير 1974 وعين وزيراً للحربية وقائداً عاماً للقوات المسلحة في العام نفسه. في عام 1975 عين قائداً عاماً للجبهات العربية الثلاث ونائباً عاماً لرئيس الوزراء المصري مع احتفاظه بمنصب وزير الحربية كما مثل مصر في الهيئة العربية للتصنيع. في عام 1978 عين مستشاراً عسكرياً لرئيس الجمهورية ورقي الى رتبة مشير عام 1979. رأس الوفد المصري في اجتماعات اللجنة العسكرية الاسرائيلية - المصرية في 12 كانون الثاني يناير 1978.