يعتبر محمود الجوهري مدرب المنتخب المصري لكرة القدم، احد اهم الوجوه الرياضية في بلاده وأشهرهم على صعيد العالم العربي، اذ ان سيرته في مجاله لم تبدأ حديثاً، فهي تعود الى ايام الصغر يوم بدأ مشواره مع الفريق الثاني للناشئين في النادي الاهلي في القاهرة، وكان يومها في السادسة عشرة، ودامت الرحلة بعدها 38 عاماً مليئة بالاحداث والمشاكل والطموحات والاعمال التي "دمغت" مسيرة كرة القدم المصرية ببصماتها. "الوسط" ابتداءً من هذا العدد، وعلى خمس حلقات متتابعة تفتح صفحاتها للجوهري ليروي مذكراته عن ايامه مع الكرة. وفي ما يلي الحلقة الاولى: كنت اشعر دائماً بأنني مؤهل لاحتلال مكان مرموق في محيط اللعبة لا سيما بعد النجاح الذي حققته في المدرسة والحي، وقد ذهبت الى الاهلي بتوصية من زميلي هاني الكموني الذي اكد ان الجميع ينتظرني هناك، ولذلك دهشت من قرار اشراكي في الفريق الثاني للناشئين وتركت الاهلي غاضباً عائداً الى منزلي واتخذت قراراً بعدم العودة اليه مجدداً، وبعد عام كامل عاد الكموني يطالبني بالذهاب الى الأهلي وفقاً لطلب المدرب ممتاز مع وعد باللعب في فريق الشباب الذي يضم الاحتياطيين للفريق الاول. ذهبت بالفعل الى الاهلي وأدهشني الاستقبال الطيب من المدرب الذي احتفظ في ذاكرته باسمي وملامحي على الرغم من مرور عام على لقائنا وبدأت مراني مع الفريق غير مبال بالمسافة الكبيرة بين منزلي ومقر النادي وأصبحت المهاجم الأول في شباب الاهلي. مع التتش ولا أنسى موقفاً طريفاً مع الراحل مختار التتش رائد كرة القدم الاول في الاهلي، وكان حريصاً على الجلوس على مقعد خلف المرمى اثناء مران الشباب، وذات مرة انفردت بحارس المرمى وسددت في جسمه وضاعت الفرصة، وفوجئت بالرجل المهيب يقف منزعجاً ويصرخ غاضباً طالباً مني الحضور اليه، ولكني لم ارد عليه لأنني لم اكن اعرفه وتركته واتجهت الى منتصف الملعب، وإذا بمدربي يوقف اللعب ويطلب مني الذهاب اليه مؤكداً ان نداء مختار التتش امر لا بد من طاعته، وذهبت صاغراً ولكن دون معرفة بشخصية هذا الرجل ووقفت امامه باستخفاف، فقال التتش بكل جدية: انت لاعب كويس وتجيد التسديد ولكن العيب الرئيسي انك لا ترتكز جيداً لحظة التسديد، وطلب مني الحضور صباح الجمعة التالي ليقوم بتدريبي على انفراد. وما ان انتهى المران حتى فوجئت باللاعبين يلتفون من حولي ويسألونني عن فحوى الحوار مع التتش، ولما عرفوا الحقيقة اخبروني ان الناشئ الذي يحظى باهتمام التتش ينال وساماً غالياً على صدره لأن رائد الكرة الاهلوية لديه نظرة ثاقبة في الناشئين. وبالفعل جاء درس التتش قيماً للغاية وأصبحت واحداً من احسن لاعبي مصر في التسديد لاسيما في الحركة، وجاءت معظم اهدافي من تسديدات في اثناء العدو السريع وأصبحت واحداً من القلائل الذين يجيدون التسديد بالقدمين وبالمستوى ذاته من الكفاءة. وعلى الرغم من انني لم اكن صاحب اقوى التسديدات ولا اكثرها دقة ولكنني كنت الافضل في التسديد في اثناء العدو وبأقصى سرعة وبعيداً عن توقعات حراس المرمى، وعرفت بعد ذلك ان تلك المهارة كانت الميزة الاولى لمختار التتش وهو لاعب في العشرينات والثلاثينات. وأصبحت مهتماً جداً بنظرات التتش خلال المران والمباريات، وكنت احزن كثيراً عندما اراه نائماً لأنه يعني ان الاداء لا يعجبه، وازداد حزني مرة عندما وجدته يصحو من غفوته ويضحك ساخراً من المستوى المؤسف الذي يراه. الى الأساسي وبقيت احتياطياً في فريق الشباب حتى اصيب طارق سليم - وهو الشقيق الاصغر لصالح سليم - بكسر في ذراعه، ولعبت مباراتي الاولى وفاز الاهلي وعدت الى منزلي وكأنني فتحت عكا، وظللت اساسياً في الفريق حتى بعد عودة طارق سليم الذي اضطر الى تغيير مركزه والعودة الى خط الوسط. وفي العام نفسه تقدمت الى الكلية الحربية وكان علي زيوار مسؤولاً عن اختبارات القبول وهو عضو بارز في الاهلي ولاعب قديم، ولم اكن اعرفه البتة ولا هو كان يعرفني ايضاً، وفي الامتحان سألني زيوار اسئلة عدة في قانون كرة القدم وجدتها صعبة للغاية ولم اعرف كيف اجيب عنها، وإذا به يسألني عن النادي الذي العب له ولم يصدق انني العب في الاهلي، وعاد ليستفسر عن المكان الذي العب به في الفريق ولم ينتظر لحظة بعدما قلت له "قلب هجوم" وإذا به ينبري غاضباً قائلاً: يعني مكان احمد مكاوي يا كذاب، وضربني على وجهي بقوة وهو يصرخ "كذاب.. كذاب.. كذاب" ولا تزال تلك الواقعة واحدة من اسوأ الذكريات في حياتي، ولكن الحادثة تسببت في علاقة وطيدة مع علي زيوار وبعد بضعة اشهر اصبحت طالباً في الكلية الحربية وصعدت الى الفريق الاول في الاهلي، ولم يكن النظام في الكلية يسمح بخروج اي طالب في الاشهر الثلاثة الاولى خارج مبنى الكلية، وطلب مسؤولو الاهلي من زيوار السماح لي بالخروج لاداء احدى المباريات، واستدعاني زيوار الى مكتبه وشرح لي الظروف وأكد انه سمح لي استثنائياً بالخروج لاداء المباراة والعودة في صباح اليوم التالي، وخرجت من الكلية وأنا غير مصدق استدعائي الى الفريق الأول الذي لم اكن لعبت له مباراة واحدة من قبل، وتملكني الخوف من الفشل ومن اللعب بجوار العمالقة صالح سليم وعبدالجليل وحلمي ابو المعاطي وتوتو، فاتخذت قراراً عجيباً بعدم الذهاب الى الملعب واتجهت مباشرة الى منزلي حيث امضيت اليوم مع اسرتي وذهبت في اليوم التالي الى الكلية. واعتقد مسؤولو الاهلي ان علي زيوار لم يسمح لي بالخروج من الكلية فاتصلوا به يعاتبونه على هذا الامر الذي اربك مدرب الفريق بعدما وضع الجوهري في تشكيلته الاساسية، واسقط في يد زيوار واستدعاني على الفور وكان الدرس القاسي الثاني منه اذ بقيت محبوساً في الكلية فترة طويلة. حياته في أرقام: - محمود نصير يوسف الجوهري. - من مواليد حلوان في 20 شباط فبراير 8193. - جده الاكبر من اصل مغربي كان يعمل في تجارة الجواهر فأطلقوا عليه لقب الجوهري، ورحل الشيخ احمد الجوهري من المغرب الى مصر في نهاية القرن الثامن عشر وأقام في قلب القاهرة بجوار الجامع الازهر، وقد بنى في القاهرة مساجد عدة وأصبح من علماء الازهر وله مكتبة حالية باسمه في الجامع الازهر. - والده مهندس زراعي كان سكرتيراً لنادي حلوان ومن مشجعي الاهلي. - تزوج في 1961 من سامية انور سلام وله ثلاثة اولاد هم: شيرين ونيفين وأحمد. - حصل على بكالوريوس العلوم العسكرية في تموز يوليو 1957. - عمل ضابطاً في سلاح الاشارة 20 عاماً حتى استقال من الخدمة العسكرية في عام 1977 بعد ان وصل الى رتبة عقيد. - بدأ حياته في الاهلي عام 1955 وصعد الى الفريق الاول عام 1956 وانضم الى المنتخب عام 1957 واعتزل نهائياً عام 1966 من جراء اصاباته المتكررة. - حقق مع الاهلي بطولة الدوري الممتاز خمس مرات اعوام 57 و58 و59 و61 و62 وبطولة كأس مصر أربع مرات اعوام 56 و58 و61 و1966، وكأس الجمهورية العربية المتحدة عام 1962. - لعب 21 مباراة دولية وكان هداف كأس الامم الافريقية عام 1959 عندما، احرز المنتخب المصري كأس البطولة، وحالت الاصابة دون مشاركته في دورة روما الاولمبية. - حصل على دبلوم التدريب من الاتحاد المصري للكرة عام 1966 وعمل مدرباً لناشئي الاهلي حتى 1971، وأصبح مساعداً لمحمد عبده صالح الوحش مدرب الاهلي في الفريق الأول موسم 72/1973 وتولى تدريب فريق الامل بالاهلي من 74 الى 1976، وانتقل الى السعودية ليعمل مساعداً للمدرب الالماني ديتر كرامر في نادي اتحاد جدة من 1977 الى 1982، وعاد مدرباً للفريق الاول بالاهلي من 1982 الى 1986، كما عمل في الشارقة الاماراتي وأهلي جدة في السعودية، وتولى مهمة المدير الفني لمنتخب مصر من 1988 الى الآن، ولكنه اقيل في موسم 90/1991 وعمل مدرباً للنادي المصري البورسعيدي في تلك الفترة. - نال أوسمة عدة منها وسام الرياضة من الطبقة الاولى مرتين عامي 1983 و1991 ونوط الامتياز من الطبقة الثانية عام 1986 وكلها من الرئيس المصري حسني مبارك. - اختير احسن مدرب في الوطن العربي عام 1989 في استفتاء مجلة "الرياضي العربي" الكويتية وعام 1990 في مجلة "الوطن العربي" اللبنانية وأحسن رياضي في مصر في صحيفة "ميدان الرياضة" المصرية. الرياضي الاكثر جدلاً لم يثر رياضي جدلاً في تاريخ كرة القدم مثلما اثار محمود الجوهري لاعب ومدرب الاهلي السابق والمدرب الحالي لمنتخب مصر. أثار الجوهري جدلاً عندما انضم الى الاهلي حيث لعب صغيراً وتألق صغيراً على الرغم من اشتراكه في المكان الذي شغله احمد مكاوي احسن مهاجمي الاهلي في الاربعينات والخمسينات، وبسرعة اطلقوا عليه لقب "مختار التتش الصغير" تشبيها برائد كرة القدم الاهلاوية في العشرينات والثلاثينات، وأثار الجدل بعد سلسلة الاصابات والعمليات الجراحية التي لاحقته وهو في ريعان شبابه وذروة تألقه، ما دفعه الى اتخاذ قراره الصعب باعتزال الكرة وهو في الثامنة والعشرين. اتجه الى التدريب ليحقق انجازاً ضخماً مع فريق الامل الاهلاوي للشباب دون 21 سنة ونجح في صقل موهبة النجوم محمود الخطيب ومصطفى عبده ومصطفى يونس واكرامي، وازداد نجاحه مع نادي اهلي جدة السعودي ثم عاد مدرباً للأهلي وحقق معه اكبر انتصاراته الكروية لما فاز بكأس الاندية الافريقية الابطال عام 1982 وكانت المرة الاولى التي يفوز فيها الاهلي بالكأس المرتقبة، ولكن خلافا حادا نشب بين الجوهري وإدارة الاهلي التي ترأسها صالح سليم عام 1985 عندما استقال من عمله وقبل المجلس استقالته على الفور ولكن اللاعبين تضامنوا معه، وللمرة الاولى في تاريخ الاهلي قاد الجوهري مران الفريق خارج ملعب النادي وأكد اللاعبون اصرارهم على بقاء مدربهم فخضع النادي لطلبهم وأعاد الجوهري الى موقعه لكنه اوقف 16 لاعباً دفعة واحدة. ترك الجوهري الاهلي ليتعاقد في الخليج ولم تمر سنوات حتى حقق احسن نجاح لأي مدرب في التاريخ عندما قاد الفريق المصري الى نهائيات كأس العالم في ايطاليا عام 1990 للمرة الاولى بعد غياب دام 56 عاماً. ولكن الجدل حوله لم ينقطع وانهالت الاتهامات عليه بتطبيق الاسلوب الدفاعي مع المنتخب ثم بالتشكيك في ذمته المالية، وبسرعة تعرض الجوهري للاقالة وبقي عاماً في الظل حتى أعاده رئيس المجلس الاعلى للشباب والرياضة مجدداً الى موقعه ولا يزال في جعبة الجوهري مزيد من الحلقات المثيرة.