بمجرد ذكر اسم محمود الجوهري تتبادر إلى الأذهان الهتافات التي كانت تهز الملاعب المصرية وتجوب الشوارع "جوهري.. جوهري"، ويَرد مشهد علم مصر في نهائيات كأس العالم بإيطاليا عام 1990، وتتويج المنتخب المصري بكأس الأمم الأفريقية عام 1998، فقد سطر "الجنرال" تاريخا منفصلا لكرة القدم على مدى أكثر من نصف قرن. ولد الجوهري في 20 فبراير/شباط 1938، وطاف منذ نهاية الأربعينيات وحتى 3 سبتمبر/أيلول 2012 بين الملاعب المختلفة لاعبا ومدربا ذائع الصيت، ونجما له علامات في تاريخ كرة القدم المصرية. أطلق عليه مشجعو الكرة والنقاد الرياضيون لقب "الجنرال" بناء على موقعة السابق ضابطا في الجيش المصري، وتلبيته لنداء الواجب الوطني خلال في 1967، و1973، لكنه بمجرد تحقيق انتصار أكتوبر/تشرين الأول 1973 قرر التفرغ تماما للمهنة التي يعشقها وصنعت مجدة وهي التدريب. لعب الجوهري كرة القدم -كما كل مشاهير معشوقة الجماهير- في سن مبكرة بضاحية حلوان (جنوبالقاهرة)، ولفتت موهبته أنظار أساتذته في المرحلتين الابتدائية والإعدادية إلى أن اصطحبه أحدهم إلى النادي الأهلي، لينضم إلى صفوفه وهو دون ال17 عاما ويبدأ مسيرته كأحد عباقرة كرة القدم المصرية. أعوام قليلة أهلته لينضم إلى منتخب بلاده في أول بطولة لكأس الأمم الأفريقية، وانتزع لقب هداف نسختها الثانية عام 1957، ليظل من حينها الوحيد الذي أحرز هذه البطولة لاعبا ومدربا في وقت لاحق. وكانت أصعب المحطات في مسيرته تعرضه للإصابة في الركبة، وقتها لم يستطع أطباء النمسا -التي ذهب إليها حاملا لقب أول لاعب مصري يعالج في الخارج- علاجه ليعتزل الجنرال اللعب في النصف الأول من الستينيات. لم ييأس الجوهري، واستمع الجنرال إلى نصيحة اللواء علي زيوار الذي كان مديرا للكرة بالنادي الأهلي -وكان قائده في الجيش- بدخول مجال التدريب، وما لبث أن حقق تفوقا عوضه عن نجومية اللاعب، وكرس من خلالها مرحلة المدرب النجم. شق الجوهري طريقه التدريبي بالإشراف على فريق أحد فروع الجيش بدوري القوات المسلحة، ومنه إلى فريق الشباب تحت 20 سنه في النادي الأهلي، ليسافر بعدها بسنوات إلى السعودية للعمل في نادي اتحاد جدة. الشهرة الحقيقية للراحل بدأت عند عودته لمصر في بداية الثمانينيات وتولي تدريب النادي الأهلي ليحقق معه عددا من البطولات المحلية، ويتوجها ببطولة أفريقيا للأندية أبطال الدوري عام 1983 للمرة الأولى في تاريخ النادي. وتواصلت مسيرة الجوهري مع النجاح، فتولى تدريب المنتخب المصري في العام 1988، وبدأ رسم خطة العودة للمونديال ليتمكن من التأهل إلى نهائيات كأس العالم عام 1990 في إيطاليا على حساب الجزائر بعد غياب استمر 56 عاما، وتحوّل حينها إلى بطل قومي تهتف باسمه الجماهير. قاد "الجنرال" المنتخب المصري لتحقيق الميدالية الذهبية في دورة الألعاب العربية التي أقيمت في سوريا عام 1992، ثم أحرز بطولة الأمم الأفريقية عام 1998. وتخلل تلك الإنجازات بعض الإخفاقات كانت تبعده عن المنتخب ثم تعيده لعدة مرات، كان أشهرها عودته لقيادة الفريق المصري بقرار رئاسي. وتمكن نادي الزمالك -المنافس التقليدي لناديه الأهلي- تحت إدارته من الحصول على كأس أفريقيا للأندية أبطال الدوري عام 1993، وكأس السوبر الأفريقي عام 1994. المتابعون والمتخصصون يحفظون للجنرال حرصه على تخريج أجيال جديدة من اللاعبين والاهتمام بالناشئين، وكذلك تدشينه لفكرة الاحتراف الخارجي التي كانت غير مألوفة في مصر، ودعمه لتجارب اللاعبين في الخارج، ليثبت بذلك أنه كان ذا رؤية مستقبلية. تجاربه التدريبية الناجحة دفعت بعض الفرق العربية للاستفادة منه، فخاض محطات هامة في السعودية والإمارات والأردن الذي استقر فيه السنوات العشر الأخيرة من حياته وحظي بتكريم من ملك الأردن، وتوفي في عاصمتها عمّان بعد مسيرة حافلة بالنجاح. واستنادا للخلفية العسكرية للجوهري، قرر وزير الدولة لشؤون الرياضة في مصر إقامة جنازة عسكرية للفقيد. المصدر:الجزيرة + وكالات 5