سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بطل "ايران غيت" يتكلم للمرة الاولى . مكفرلين يفتح ملفاته السرية ل "الوسط": اسرائيل هي التي اقترحت على واشنطن التحاور مع مسؤولين ايرانيين يريدون قلب نظام الخميني 5
يروي روبرت مكفرلين مستشار الرئيس الاميركي السابق ريغان لشؤون الامن القومي، في هذه الحلقة الخامسة من ذكرياته التي خص بها "الوسط"، قصة الاتصال الاول الذي فتح الطريق امام الحوار السري الاميركي - الايراني وما عرف لاحقاً باسم قضية "ايران غيت". ويؤكد مكفرلين في هذه الحلقة ان اسرائيل هي التي اقترحت قيام اتصالات سرية بين الادارة الاميركية وطهران. وقد وافق مكفرلين، بطل قضية "ايران غيت" على ان يخرج عن صمته ويتكلم للمرة الاولى منذ انكشاف امر الاتصالات السرية الاميركية - الايرانية وزيارته السرية الى طهران عام 1986. واتفقت "الوسط" مع مكفرلين على ان يروي لها ذكرياته ويفتح ملفاته السرية ويقول ما لم يقله من قبل، سواء حين كان في الادارة الاميركية او بعد استقالته منها. وتم الاتفاق على عدم نشر اية كلمة من ذكريات مكفرلين هذه في اية مطبوعة اخرى في العالم، عربية كانت او اجنبية، غير "الوسط"، لكن مكفرلين يحتفظ لنفسه بحق نشر مذكراته هذه لاحقاً بعد صدورها في مجلتنا. ولا بد من القول ان مكفرلين لم يكن، فقط بطل قضية "ايران غيت" بل كان اكثر من ذلك، فقد لعب دوراً، الى جانب الدكتور هنري كيسنجر، خلال حرب تشرين الاول اكتوبر 1973، وتجول في الشرق الاوسط كمبعوث خاص للرئيس ريغان، وقام بمهمات "خاصة وسرية" في عدد من دول المنطقة، وتولى معالجة الكثير من الملفات الحساسة والخطرة، كالملف اللبناني وملف الارهاب في الشرق الاوسط والملف الليبي، وقابل مجموعة كبيرة من الزعماء والمسؤولين في المنطقة العربية واسرائيل، وشارك في صياغة السياسة الاميركية في الشرق الاوسط فترة من الزمان. وفي تموز يوليو 1983 اختاره ريغان ليكون ممثله الشخصي في الشرق الاوسط ثم اصبح في تشرين الاول اكتوبر 1983 مستشار ريغان لشؤون الامن القومي، وبقي في منصبه هذا حتى كانون الثاني يناير 1986. وبعد ذلك تولى منصب المستشار في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن ثم انشأ وترأس عام 1989 "مؤسسة مكفرلين"، وهو لا يزال على رأسها حتى اليوم. ومهمة هذه المؤسسة تقديم استشارات الى مسؤولين ورجال اعمال من دول عدة. وفي ما يأتي الحلقة الخامسة من ذكريات مكفرلين: بعد عملية خطف طائرة الركاب الاميركية الى بيروت التي ادى تعاون الرئيس حافظ الاسد مع رئيس البرلمان الايراني آنذاك هاشمي رفسنجاني الى وضع حد لها في مطلع تموز يوليو 1985، دخل الرئيس ريغان المستشفى لاجراء عملية جراحية بسيطة. في ذلك الحين حدث تطور مهم. فقد اتصل بي دايفيد كيمحي مدير عام وزارة الخارجية الاسرائيلية في ذلك الحين، واقترح على الادارة الاميركية فتح حوار مع الايرانيين عن طريق وسيط ايراني. واكد لي كيمحي انه وجد قناة اتصال جدية رسمية للوصول الى الزعماء الايرانيين، وقال لي انه استطاع فتح قنوات حوار مع مجموعة من المسؤولين الايرانيين هم في موقع يستطيعون من خلاله قلب نظام الخميني، ويطمحون الى اعادة العلاقات الجيدة مع الغرب والولاياتالمتحدة. وشككت في مدى صحة هذا الكلام، لذا سألته: ماذا يجعلك تعتقد بان هذا الوسيط هو من الذين تستطيع الاعتماد عليهم؟ واعطاني سبباً او سببين، احدهما هو انه يستطيع كشف تعاونه مع اسرائيل، لقد صوره وهو يتحدث الى مسؤولين اسرائيليين على اراضي الدولة العبرية، واذا نشرت هذه الصور في ايران فسوف يواجه هناك الكثير من المشاكل. باختصار، لقد وضع هذا الوسيط نفسه في مأزق واعطى معلومات عن ايران استطاع الاسرائيليون التأكد من صحتها على انفراد. ومهما يكن، فقد رفعت تقريراً بما سمعت الى الرئيس ريغان الذي قال لي: "اذا كانوا جديين فيجب ان يكون في مقدورهم المبادرة الى الاقدام على عمل يثبت حسن نيتهم او نفوذهم بالافراج عن الرهائن الاميركيين المحتجزين في لبنان. وكان ذلك بداية ما عرف لاحقاً بقضية "ايران غيت". ان نقطة البداية في تفكيري كان بطرح السؤال البسيط الآتي: "هل ان المسؤولين البراغماتيين في ايران هم الذين وصلوا الى نتيجة بانه حان الوقت لاعادة العلاقات مع الولاياتالمتحدة؟ كانت هناك دلائل عدة تؤكد وجود مسؤولين ايرانيين يريدون اعادة العلاقات مع واشنطن. فالبلاد تخوض حرباً ضروساً منذ ست سنوات مع العراق وخسرت حوالي مليون انسان، ولم يكن في الافق من نهاية لهذه الحرب او حل لها. وهناك 26 فرقة سوفياتية على حدود ايران الشمالية، ومئة الف جندي سوفياتي على مرمى حجر في افغانستان، وقد يتعرضون لهجوم قريباً. باختصار كان الايرانيون في حاجة الى مساعدة لانهاء الحرب مع العراق وردع السوفيات، واخيراً وقف التدهور داخل البلاد بعدما دمرت الحرب تسهيلات التوزيع النفطية واقفلت لهم النبع الاساسي للتمويل. وبدأت الاسواق الايرانية تفتقر الى المواد الغذائية، الامر الذي دفع بالشعب في الريف والمدن الى المطالبة بمساعدة الحكومة التي لم تكن تملك اي شيء لتقديمه، والحقيقة انه كانت هناك اسباب كثيرة تجعلك تعتقد بان المسؤولين في ايران قد يكونون مستعدين لاعادة الاتصال بالغرب، لذا كان سؤالي في محله. ومن المفيد القول هنا ان اهتمامي باعادة العلاقات مع ايران لم يكن له اي علاقة بمسألة الرهائن المحتجزين في لبنان. لكن من جهة ثانية، لم يكن ريغان مهتماً كثيراً بعلاقات مع طهران بقدر ما كان مهتماً بقضية الرهائن. أسلحة الى طهران ومن منطلق اهتمامه بالرهائن طلب مني ريغان التجاوب مع اقتراح كيمحي وشدّد على أمرين أساسيين: الاول، ان ريغان يريد ادلة واثباتات على ان المسؤولين الايرانيين الذين اشار اليهم كيمحي هم في موقع القرار وان لهم قدرة على التأثير في طهران. الثاني، ان ريغان يريد من هؤلاء المسؤولين ان يعملوا، قبل كل شيء، على الافراج عن الرهائن الاميركيين المحتجزين في لبنان، كتعبير عن حسن نية وكدليل على نفوذهم في الساحة الايرانية. وفي ضوء هذه التعليمات اتصلت بدايفيد كيمحي وشرحت له ما يريده الرئيس الاميركي. واتصل الاسرائيليون بالوسيط الايراني ثم ابلغونا الآتي: "ان الايرانيين لن يفرجوا عن الرهائن المحتجزين في لبنان الا اذا ابدت الادارة الاميركية من جهتها حسن نية وقامت بارسال اسلحة اميركية اليهم يستطيعون استخدامها لاقامة علاقات وثيقة مع الجيش الايراني. فهم سيحتاجون الى دعم الجيش اذا كانوا يريدون النجاح في قلب نظام الخميني وتسلم السلطة في ايران". ورفض الرئيس ريغان هذا الاقتراح، وما لبث الاسرائيليون ان عادوا من جديد ليقولوا لنا: "ماذا لو شحنّا نحن الاسرائيليين الاسلحة؟ هل نستطيع ان نشتري منكم بديلاً منها فيما بعد؟ فوافق ريغان على هذا العرض الاخير. وساتحدث في حلقات مقبلة وبالتفصيل عن قضية ايران غيت. خلال آب اغسطس وايلول سبتمبر 1985 عاد الاهتمام الى العلاقات مع السوفيات. ففي ايلول سبتمبر 1985 زار وزير الخارجية السوفياتي ادوارد شيفاردنادزه البيت الابيض وعقد اجتماعاً مفيداً وجيداً مع ريغان، وعلى اثره تغير مجرى الحياة وصار "معجوقاً" للغاية. فكنت اريد ان يذهب الرئيس الى لقاء القمة مع الزعيم السوفياتي غورباتشوف في تشرين الثاني نوفمبر مدعوماً من الشعب الاميركي، وهذا كان يعني ظهوره علناً لمرات عدة لشرح ماذا يريد ان يفعل، وفي هذه الحالة على احدهم ان يكتب له خطاباته، وكان ذلك من نصيب الموظفين التابعين لي. وكنت اريد منه الالتقاء بكل الزعماء الاوروبيين ليوضح لهم هدف القمة مع السوفيات ويحصل على دعمهم. وكنت اريد منه ايضاً الاجتماع باعضاء الكونغرس مرات عدة لأن تأييدهم له ضروري، ففي اي وقت يريد رئيسك ان يقدم على فعل شيء مهم مع بلد آخر فان مهمتك تكمن بتأمين كل ما يلزم له ليجلس على طاولة المفاوضات قوياً على قدر ما يتحمل، وهذا يعني العمل على ثلاث جبهات: الكونغرس، الشعب الاميركي والحلفاء. وهكذا كان ايلول سبتمبر وتشرين الاول اكتوبر شهرين من الاستعدادات والتحضير لتأمين النجاح لمهمة الرئيس المقبلة، ونجحنا بشكل جيد. فقد ذهب ريغان الى الاممالمتحدة والتقى بالحلفاء: مارغريت ثاتشر، هيلموت كول، فرنسوا ميتران، وبرونو كراكسي... والقى اربعة خطابات اساسية اوضح فيها للشعب اهدافه من عقد مؤتمر القمة مع السوفيات. وترأست من جهتي اجتماعات متعددة حول تحديد الاسلحة مع خبرائنا للوصول الى موقف نستطيع فيه المطالبة بتخفيض 50 في المئة من الاسلحة النووية. وفوق كل هذه الاستعدادات ذهبت مع جورج شولتز في تشرين الثاني نوفمبر الى موسكو لتحضير برنامج القمة. في هذه الاثناء، وبينما كنا في هذه الاجواء، خطفت مجموعة فلسطينية تابعة لابو العباس الباخرة الايطالية "اخيلي لورو"، وبعد قتل راكب اميركي معوّقاً يدعى ليونارد كلينغوفر ورميه في البحر، حاول الخاطفون الهرب الى القاهرة ومن هناك الى تونس، واستطعنا بواسطة استخباراتنا الالكترونية معرفة الطائرة التي يستقلونها، فامر الرئيس بانزالها في جزيرة صقلية في قاعدة عسكرية تابعة لحلف شمالي الاطلسي، ونجحنا في ذلك... واخذت هذه الازمة منا حوالي ثلاثة ايام من العمل المتواصل قبل حلها. لكن ابو العباس تمكن من الافلات منا. وبعدما قضينا حوالي اربعة ايام في موسكو لوضع ترتيبات القمة المرتقبة، عدنا الى واشنطن، وشعرت بتفاؤل حول النتائج المرتقبة من مؤتمر جنيف وكانت اول قمة لريغان مع غورباتشوف وأملت في ان يكون باستطاعتنا قلب توجه التاريخ من زيادة عدد الاسلحة النووية الى تخفيفها. وكنّا في سويسرا في السادس عشر من تشرين الثاني نوفمبر 1985 وسارت كل الامور بشكل جيد في القمة بين ريغان وغورباتشوف، وحققنا فيها كل شيء اردناه. وتعهد الرئيسان خلالها بانهما سيعملان على تحقيق تخفيض 50 في المئة من الاسلحة الاستراتيجية النووية. وكان ذلك للمرة الاولى في التاريخ يتعهد فيها رئيسا دولتين بتخفيض الاسلحة لا بتجديدها او زيادتها، وهذا في الواقع انجاز تاريخي لم يقو عليه لا نيكسون ولا كيسنجر ولا غيرهما. كما تم التوصل الى اتفاقات ثنائية متفرقة على جبهة العلاقات التجارية وحقوق الانسان والنزاعات الاقليمية. وقمت بزيارة بعض العواصم الاوروبية بعد انتهاء القمة لتوضيح ما حققناه. زرت البابا في الفاتيكان ورئيس الحكومة الايطالية، ثم لبيت مع زوجتي دعوة لقضاء اجازة نهاية الاسبوع في ضيافة مارغريت ثاتشر في مركز رئاسة الحكومة البريطانية الريفي في تشيكرز. وكان ذلك شيئاً مشرفاً بان تكون ضيفاً على رئيسة وزراء بريطانيا تراجع معها الانجاز الكبير الذي حققناه في جنيف. وكان واضحاً ان السبب الرئيسي الذي اوصلنا الى هذه النتيجة الجيدة لتخفيض الاسلحة النووية هو مبادرة الدفاع الاستراتيجي - اي مبادرة حرب النجوم - لقد اجبر هذا النظام الدفاعي المتطور السوفيات على السير في طريقنا كما نريدهم. فالفكرة بان الولاياتالمتحدة سوف تستثمر اموالاً طائلة في التكنولوجيا العالية الكفاءة وتكشف وضعهم الرديء للعالم ودرجة تأخرهم، قادتهم الى الموافقة على تخفيض الاسلحة، وهذا ما دفعنا فيما بعد الى قطع جزء من هذا البرنامج. بعد نهاية اجازة العمل مع ثاتشر شعرت بالتعب الشديد لكني كنت راضياً. فعدت الى واشنطن ومن بعدها سافرت الى كاليفورنيا لحضور حفلة عيد ميلاد وزير الخارجية جورج شولتز الخامس والستين التي كان دعاني اليها مسبقاً. وسنحت لي المناسبة هناك للخلود الى نفسي والتفكير في حياتي ومستقبلي، فشعرت بالرضا من كل شيء اقدمت عليه. اذ كان مضى عامان تقريباً على تسلمي منصب مستشار شؤون الامن القومي، وحوالي خمس سنوات من العمل في ادارة ريغان، واعتقد باني نجحت في كل عمل قمت به. وانا مدين بذلك لعائلتي التي قدمت تضحيات عدة على مدى عشر سنين عملت فيها بين موظفي البيت الابيض. وقد قررت عندها انني سأترك العمل في الحكومة لا سيما وانه كانت هناك اسباب اخرى اضافية دفعتني الى قراري هذا. والجدير بالذكر انه في كانون الثاني يناير 1985، بينما كنت مع جورج شولتز مجتمعين مع اندريه غروميكو في جنيف، جرى تعيين دونالد ريغن كمدير لموظفي البيت الابيض، وبهذا التعيين تسممت العلاقات في المركز الرئاسي. فدونالد كان يريد السيطرة التامة على كل ما يجري في البيت الابيض، ولم يرد ان يكون هناك مركز نفوذ الا مكتبه هو. واعترف بانه كان من واجبنا اعلامه بكل الامور في كل الاحيان، لكن هذا لم يكن يرضيه، وقد وجد طرقاً ومواقف عدة لاحراجي وتحجيمي. فنشر بعض القصص المختلقة والكاذبة حول حياتي الخاصة، وادعى بأني كنت على علاقة مع نساء... وكان هذا بمثابة قرع ناقوس الرحيل بالنسبة اليّ، حيث صار من الصعب العمل في هذه الاجواء. وفي نهاية العام، درست الموقف جيداً ورأيت بأنه بقدر ما كانت الفترة الفائتة مثمرة بقدر ما بدا المستقبل ملبداً بالمشاكل الصغيرة، فقررت حينها ان الوقت حان كي استقيل. لذا قدمت استقالتي وعين الرئيس مكاني الاميرال جون بويندكستر. وكان آخر عمل قمت به يومها هو الذهاب الى لندن بطلب من الرئيس ريغان لدراسة حظوظ نجاح المبادرة الايرانية. وكانت المرة الاولى التي التقي فيها الوسيط الايراني مانوخر غوربانيفار الذي ظهر بوضوح انه رجل لص وغير شريف، وقلت له "اننا راغبون في الدخول في حوار جدي مع القيادة الايرانية على اسس صلبة. ولكن لن نشحن اسلحة وهذا لن يشجع احداً آخر كي يشحن اسلحة الى طهران". وعدت الى واشنطن ونصحت ريغان بأن يوقف المبادرة الايرانية فوراً. ومع هذه النصيحة تركت العمل الرسمي، وانا اعتقد ان الرئيس اخذ بكلامي. وفي اليوم الذي تركت العمل اقترحت على الرئيس ريغان بانه اذا عاد الايرانيون وقالوا بأنهم راغبون في التحدث لاقامة علاقات طبيعية ونسيان قصة شحن الاسلحة فعندها سأكون مستعداً للقيام بهذه المهمة اذا اراد مني ذلك. بعد ستة اشهر على هذا الكلام، وبعد ان اعطاني بونيدكستر تأكيدات بان الايرانيين يريدون اقامة علاقات فقط وقد وضعوا فكرة شحن الاسلحة لهم جانباً، وافقت على ترؤس المهمة الى طهران وهذا ما سأتحدث عنه في حلقات مقبلة. الاسبوع المقبل: الحلقة السادسة