سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
شخصيات سياسية وعسكرية ترد على ماكفرلاين . الزيات : أميركا أنقذت إسرائيل من الكارثة وقواتها كانت عاجزة عن دخول القاهرة، إسماعيل فهمي: كيسنجر يسعى إلى التقليل من انتصار مصر واستغل " الثغرة " لتحقيق مكاسب سياسية لإسرائيل
أثارت ذكريات روبرت ماكفرلين، مستشار الرئيس الأميركي السابق ريغان لشؤون الأمن القومي، عن حرب تشرين الأول أكتوبر 1973 ردود فعل في أوساط السياسيين والعسكريين المصريين. فقد تطرق ماكفرلين في حديثه الطويل إلى "الوسط" الذي تنشره على حلقات، إلى ما جرى خلال هذه الحرب حيث كان يشغل آنذاك منصب المستشار العسكري للدكتور هنري كيسنجر مستشار الرئيس نيكسون لشؤون الأمن القومي. ومما قاله مكفرلين أن الإدارة الأميركية تلقت معلومات تفيد "أن القوات الإسرائيلية يمكن أن تصل إلى القاهرة نفسها لاحتلاله، مما كان سيؤدي إلى سقوط الرئيس السادات. وقد تحركنا، كمسؤولين أميركيين، للحيلولة دون احتلال القاهرة. كان مهما بالنسبة إلينا، ضمان استمرار السادات في الحكم، لأنه بدا لنا آنذاك ان الرئيس المصري معتدل فعلا ويريد تحقيق السلام مع إسرائيل". وقد طلبت "الوسط" من شخصيات مصرية بارزة التعليق والرد على كلام مكفرلين وتوضيح حقيقة الموقف من وجهة النظر المصرية. وفي ما يأتي ردود هذه الشخصيات على حديث ماكفرلين المتعلق بحرب 1973: الدكتور محمد حسن الزيات، وزير خارجية مصر أيام حرب تشرين الأول أكتوبر 1973، كان أول المعلقين على ما جاء في حديث مكفرلين ل"الوسط" فقال: "قارئ حديث السيد مكفرلين ل"الوسط" يخرج بانطباع فوري، أن المسؤول الأميركي الذي عمل مساعدا لهنري كيسنجر، كان شابا طموحا، يطمع في أن يؤدي عملا ينسب له في سجلات التاريخ، أو يحقق به شهرة بين الناس. وإذا كان لم يحقق ذلك - عمليا - فقد تصور أن الخيال يمكن أن يساعده. ومن هنا جاء كلامه حول حجم الثغرة الإسرائيلية وما أسماه "تدخل الإدارة الأميركية لعدم سقوط القاهرة في أيدي القوات الإسرائيلية، ومن ثم سقوط الرئيس السادات". لقد بدا واضحا من خلال الحديث مع "الوسط" أن مكفرلين معجب أشد الإعجاب برئيسه كيسنجر، وليس لدينا اعتراض على ذلك، بل - حسنا فعل - لأننا نستخدم إعجابه برئيسه للرد عليه. فقبل يوم 16 تشرين الأول أكتوبر 1973 وهو اليوم الذي دخلت فيه بعض الدبابات الإسرائيلية إلى الضفة الغربية لقناة السويس، كان كيسنجر أجرى اتصالا هاتفيا مع رئيسة الحكومة الإسرائيلية غولدا مائير وقال لها:" لقد هزمتم في الحرب، وعليكم أن تعترفوا بذلك حتى نستطيع مساعدتكم؟" إنني أرجو من السيد مكفرلين أن يعود إلى مذكرات أستاذه كيسنجر، وان يعود إلى الأوراق والصحف التي عالجت يوميات الحرب لحظة بلحظة. وأنني أشهد أن كيسنجر اتصل بي، وكنت في نيويورك قبل أن تحدث "الثغرة" وطلب مقابلتي "لأمر مهم" وتحدد بالفعل الموعد المبدئي في دار السفارة المصرية في واشنطن، وقد اتخذ السفير المصري وقتها احمد توفيق خليل كافة الترتيبات لإتمام هذا اللقاء، لكنني اعتذرت عنه بناء على طلب الرئيس السادات. وعندما التقيت كيسنجر بعد ذلك بأشهر عدة قال لي أنه كان يريد إبلاغي رسالة قصيرة من غولدا مائير هي "وقف القتال في الموضع الذي عليه القوات" أو بالمعنى اللاتيني IN-SITO وفي ذلك الوقت كانت الجيوش المصرية في سيناء، وقد اتخذت وضعا لتطوير الهجوم. وقال كيسنجر انه اضطر - بعد إلغاء موعد اللقاء - إلى الاتصال بوزير خارجية بريطانيا وقد اتصل الأخير بدوره بسفير بلاده في القاهرة، الذي أيقظ السادات في ساعة متأخرة من الليل، وطلب منه وقف القتال، بناء على طلب إسرائيل، لكن السادات رفض". ويواصل الزيات شهادته فيقول:" لقد بدا مشهد غولدا مائير غريبا وهي تهرع إلى مطار بن غوريون بعد أيام قليلة من الحرب، لتستقبل بنفسها الطيارين الأميركيين والأسطول الجوي من المعدات الأميركية التي وصلت لإنقاذ إسرائيل من كارثة محققة. وقد اعترفت غولدا مائير بذلك في حوار مع مجلة "ريدرز دايجست" - الطبعة الفرنسية - في مطلع العام 1974، وإذا كان مكفرلين تصور أن القوات الإسرائيلية قادرة على دخول القاهرة، وإسقاط السادات، فإنني فقط أسأله سؤالا بريئا: كيف تستطيع دبابة إسرائيلية - مهما كان طرازها أو قدرتها التدميرية - على المبيت في حي السيدة زينب أو حي الحسين؟ إسماعيل فهمي وعلق وزير خارجية مصر الأسبق إسماعيل فهمي - الذي كان أحد مسؤولي المطبخ السياسي في فترة حرب 1973 - على حديث مكفرلين فقال:" من يقرأ تصريحات السيد مكفرلين ل"الوسط" يتصور أن الجيش المصري هزم في الحرب، وان الجيوش الإسرائيلية "الظافرة" كانت في طريقها إلى "غزو" القاهرة. وهذا غير حقيقي على الإطلاق، فالإدارة الأميركية وقفت إلى جانب إسرائيل منذ الطلقة الأولى في الحرب، وعملت بكل الوسائل العسكرية والسياسية على ضبط ميزان المعارك لصالح إسرائيل. وعندما عرفت حقيقة الوضع العسكري على جبهة القتال، سارعت بطلب وقف إطلاق النار، لكن مصر هي التي كانت ترفض وقف القتال إلا إذا ارتبط بانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلت عام 1967... وهذا هو مضمون الخطاب السياسي الذي وجهه السادات من مجلس الشعب في 16 تشرين الأول أكتوبر 1973. وبطبيعة الحال، فقد سعى كيسنجر إلى التقليل من شأن الانتصار المصري، وانتهز فرصة "الثغرة" للتحرك سياسيا، أو إعلاميا بهدف الحصول على مكاسب سياسية لإسرائيل، وليس بهدف إنقاذ القاهرة وإنقاذ رئيس مصر من السقوط، حسبما زعم السيد مكفرلين في حديثه. وعلى أي حال هناك اتفاق بين القيادات العسكرية على أنه من المستحيل على قوات عسكرية، مهما كان حجمها، احتلال مدينة ضخمة كالقاهرة، وان ابتلاع هذه القوات، هو الأمر الأكثر احتمالا، وأعتقد أن القيادتين الأميركية والإسرائيلية كانت تعرفان جيدا, ومن ثم فإنني أعتبر كلام مكفرلين نوعا من الدعاية السياسية". اللواء عثمان كامل وتحدث اللواء أركان حرب عثمان كامل - الذي كان قائدا للواء مدرع ضمن الفرقة 21 المكلفة خلال حرب 1973 باحتواء "الثغرة" وتصفيتها. إلى "الوسط" معلقا على كلام مكفرلين:"ليس مستغربا على مسؤول أميركي كمكفرلين عمل مع هنري كيسنجر اليهودي المنحاز لإسرائيل أن يطلق تصريحات مثيرة يزعم فيها قدرة إسرائيل عام 1973 على الوصول - بجيوشها - إلى العاصمة المصرية، وإسقاط النظام. لكن دعنا نتولى الرد والتعليق بشيء من المنطق بوضع الأحداث في سياقها التاريخي. أولا إن عملية "الثغرة" بدأت بمساعدة أميركية من خلال الاستطلاع الجوي والصور التي تم التقاطها وحددت مساحات فاصلة بين الجيشين المصريين الثاني والثالث الميدانيين عند نقطة الدفرسوار. فقبل يوم 14 تشرين الأول أكتوبر كانت القوات المصرية بدأت مناورة لتطوير الهجوم شرق سيناء، وقد رصدت وسائل الاستطلاع الجوي الأميركية "فجوة" بين الجيشين المصري والإسرائيلي هي التي تم استغلالها لدفع بعض القطع المدرعة "7 دبابات" في بادئ الأمر إلى غرب القناة، واتسع الأمر بعد ذلك، لخلاف وقع في الإدارة الأميركية حول طريقة احتواء الثغرة، وقبل أن نوضح هذا الخلاف، نشير إلى أن القوات نفسها تعرضت إلى "ثغرة" من هذا النوع، قامت بها القوات الألمانية في منطقة "الاردين" وقد وصفها المراقبون العسكريون وقتها بأنها "عملية ألمانية يائسة" فقد وقعت فيما تضع الحرب أوزارها لصالح الحلفاء". "ثانيا: إن غرفة العمليات للقوات المسلحة المصرية كان أمامها أحد احتمالين لمواجهة "الثغرة" الإسرائيلية: إما دفع احتياطات موجودة - أصلا - في الغرب مزودة بكتائب صاعقة، أو أن تقوم قوات من تلك التي عبرت إلى الشرق بالمناورة والقتال، لكن الاقتراح الثاني كان سيفقد مصر ميزة أساسية هي الحفاظ على رؤوس الكباري التي كانت قد أقامتها في شرق سيناء، وقد حسم الأمر لصالح الاعتماد على القوات الموجودة في الغرب، على آن تساعدها وحدات "محدودة" من قوات الشرق". "ولعل أبرز تعليق على ما جاء في حديث مكفرلين إلى "الوسط" هو أن القوات الإسرائيلية لم تستطع اقتحام مدينتي السويس والإسماعيلية، على رغم أنهما صغيرتان، وكان عدد السكان فيهما قليلا للغاية، فقد حدثت معارك بالدبابات، والمدافع المضادة للدبابات شاركت فيها المقاومة الشعبية. ولم تنجح القوات الإسرائيلية في دخول المدينتين على رغم حرص غولدا مائير على ذلك، لأنها قالت في خطاب لها يوم 16 تشرين الأول أكتوبر وبعد ساعات من خطاب ألقاه الرئيس السادات "إن القوات الإسرائيلية تحارب الآن في أفريقيا"، فإذا كانت القوات الإسرائيلية لم تنجح في اختراق السويس والإسماعيلية، فهل كانت قادرة على ذلك في القاهرة؟!" "ثالثا: إن التمدد الإسرائيلي في الثغرة لم يحدث إلا بعد وقف إطلاق النار، وهي عادة إسرائيل في استغلال الهدف والالتفاف لتحقيق توسعات فجائية. لكنني أؤكد أن خطة وأمر القتال صدرا بالفعل من القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية، وكان مقررا بدء حرب لتصفية "الثغرة" لولا تدخل القرار السياسي ووقف إطلاق النار، وما أعقبه من مفاوضات فك الاشتباك الأول، أو ما عرف بمفاوضات الكيلو 101". حقيقة الثغرة رضا فودة أستاذ الاستراتيجية والأمن القومي ونائب مدير كلية الدفاع الوطني في أكاديمية ناصر العسكرية العليا في الفترة بين 1982 و 1989، رد بدوره على ماكفرلين وشرح حقيقة الثغرة. وفي ما يأتي رد رضا فودة: للحديث عن الثغرة وكيف تمت وكيف توقفت يلزم أولا أن نوضح موقف القوات المصرية في حرب 1973 وكيف أمكن للقيادة المصرية تحقيق عنصري الخداع والمفاجأة اللذين أعميا إسرائيل ولم تدرك أن القوات المصرية على أهبة القيام بالهجوم عبر القناة إلا قبل الهجوم بما لا يزيد على 6 ساعات. كذلك كيف شلت المفاجآت القيادة الإسرائيلية فلم تتمكن من القيام برد فعل حاسم في الأيام الأولى للقتال، وكيف أمكن القوات المصرية ان تتواجد لها خمس فرق مدعمة على الضفة الشرقية للقناة وكذلك كيف تم تدمير نسبة كبيرة من القوات الجوية الإسرائيلية وشل قدرات الباقي من تلك القوات. وقد تمكنت القوات المسلحة السيطرة على ميدان المعركة سيطرة كاملة حتى يوم 14 تشرين الأول أكتوبر عندما بدأت الولاياتالمتحدة في تقديم المعونات لإسرائيل حيث قدمت لها الدبابات م - 60 وهي أحدث دبابات أميركية في تلك الفترة، كذلك مدتها بالقوات الجوية من طائرات ف - 14 بأطقمها، بما عوض إسرائيل ما تكبدته من خسائر في المعدات والأفراد ورفع من قدراتها القتالية. وقد عجزت إسرائيل عن صد الهجوم المصري أو رده إلى الضفة الغربية للقناة، وهذا واقع تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، حيث صرح موشي ديان بأنه "لا يتوافر لدينا في القوت الحاضر إمكانية رد المصريين إلى ما وراء القناة، أن الهجوم على الجبهة الجنوبية مصر والجبهة الشمالية سورية في الوقت نفسه أضعف قواتنا بصورة كبيرة، إن مصر تملك كميات هائلة من المعدات السوفياتية وهذه المعدات فعالة وممتازة. ومن ناحية أخرى فان عدد الدبابات المصرية حاليا على الضفة الشرقية للقناة يفوق ما يتوافر لنا، فضلا عن ذلك فان لديهم مدفعيتهم وصواريخهم، إن الذي نتفوق فيه هو الطيران، إلا أن الصواريخ فقط هي التي تشكل صعوبة بالنسبة لنا، ولقد أدرك العالم كله أننا لسنا أكثر قوة من المصريين وان الهالة التي كانت تتوجنا "إذا هاجم العرب فان الإسرائيليين سيحطمونهم" . قد سقطت ويتحتم أن نقول الحقيقة للشعب الإسرائيلي. ونتيجة لأن مصر كانت تسعى إلى السلم واسترداد أراضيها وتحقيق وحدتها الوطنية، لذا تقدم الرئيس الراحل أنور السادات بمبادة اشتملت على الآتي، وقف إطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية في فترة زمنية محددة إلى خطوط ما قبل حزيران يونيو 1967، تحت إشراف الأممالمتحدة، وحرية الملاحة في مضائق تيران وضمانها بتواجد الأممالمتحدة في شرم الشيخ لفترة محدودة، منذ إتمام انسحاب القوات الإسرائيلية تنتهي الحرب ويوضع قطاع غزة بعد انسحاب القوات الإسرائيلية تحت إشراف الأممالمتحدة ويباشر سكانه حقهم في تقرير المصير، وخلال فترة محددة من إنهاء حالة الحرب يعقد مؤتمر سلام تحت إشراف الأممالمتحدة تشترك فيه الأطراف المعنية بمن في ذلك الفلسطينيون والدول الكبرى، وذلك لبحث المسائل المتعلقة بالسيادة والأمن وحرية الملاحة. لولا أميركا لما صمدت إسرائيل ورفضت الولاياتالمتحدة المبادرة بحجة أن إيقاف إطلاق النار تربطه مصر بشروط سياسية للتسوية في حين طلبت الولاياتالمتحدة قبول مصر وقف إطلاق النار غير المشروط، ولما رفضت مصر ذلك اتخذت الولاياتالمتحدة قرارها بإمداد إسرائيل بالأسلحة وبذا تغير الميزان العسكري نتيجة للجرش الجوي الذي أنشأته الولاياتالمتحدة الأميركية، وعبر الجنرال اليعازار رئيس الأركان الإسرائيلي عن ذلك بقوله: " لو لم تصل إلينا الأسلحة الأميركية يوم 12 تشرين الأول أكتوبر لكان المعنى الوحيد لذلك أن الكارثة الكبرى وقعت، وان نهايتها أصبحت وشيكة لأننا كنا خسرنا تمام المخزون الاستراتيجي من السلاح وكان ذلك معناه أن باستطاعة مصر وسورية أن يصلا إلى أبعد ما يمكن أن يتصوره أي إسرائيلي". هذا التصريح من المسؤول المباشر عن إدارة العمليات الحربية على الجانب الإسرائيلي يوضح الآتي: - إن إسرائيل أصبحت عاجزة - من دون الدعم الأميركي - عن إيقاف تقدم القوات المصرية السورية وان هناك تهديدا مباشرا لإسرائيل في داخل أراضيها، أي انه كان بمقدور القوات المصرية السورية أن تدخل إسرائيل وتهدد بانهيارها. - إن دخول الولاياتالمتحدة الأميركية، بالإمداد المباشر بالأسلحة والمعدات، كان له أثره في رفع قدرات القوات المسلحة الإسرائيلية. - إن إسرائيل العاجزة عن صد تقدم القوات المصرية السورية على الضفة الشرقية لا يمكنها العبور إلى الضفة الغربية للقناة والقيام بعمليات تعرضية فيها. لم تقتصر المساعدات الأميركية على تقديم الأسلحة والمعدات لإسرائيل بل قامت بإمدادها بالمعلومات، سواء باستخدام الأقمار الصناعية أو بدفع طائرات من طراز س. ر - 71 التي تطير على ارتفاع 25 كيلومترا، أي أكبر من مدى الصواريخ المضادة للطائرات المصرية، وكذلك بسرعة تبلغ ثلاثة أضعاف سرعة الصوت، أي أسرع من الطائرات الاعتراضية المصرية، بمعنى أن الولاياتالمتحدة الأميركية استخدمت وسائل غير متيسرة لدى إسرائيل، وقد أمدت إسرائيل بالمعلومات التي حصلت عليها عن القوات المصرية وأماكن الاحتياطات وعن الاستعدادات لتطوير الهجوم في اتجاه المضائق، ثم كررت الولاياتالمتحدة عملية الاستطلاع مرة أخرى يوم 14 تشرين الأول أكتوبر وأمدت إسرائيل بالمعلومات التي اتخذ بناء عليها قرار تنفيذ عملية "الغزالة"، وهي التي أدت إلى ما نسميه بعملية الثغرة وهدفت إلى تهدئة الرأي العام داخل إسرائيل الذي كان ثائرا نتيجة للخسائر الشديدة التي منيت بها إسرائيل في الأفراد والمعدات، وكذلك لاجبار مصر على قبول وقف إطلاق النار. وقد دارت معارك عنيفة مع قوات "الفرقة 16 مشاة" المصرية بقيادة العميد أركان حرب عبد رب النبي حافظ، كذلك تمكنت المدفعية المصرية من إغلاق الممر الصحراوي شرق القناة ومنع معدات العبور الإسرائيلية التي دفعت إلى المنطقة من النزول إلى القناة لإنشاء معبر فيها. وبذلك تم عزل قوات المظلات التي أنزلت على الضفة الغربية التي كانت تدعمها سرية دبابات برمائية، وأيضا عبر عن ذلك موشي دايان حيث صرح بالآتي: "في الساعة السادسة والربع صباح يوم 16 تشرن الأول أكتوبر اتصلت برئيسة وزراء تليفونيا وأبلغتها بالأخبار السيئة حيث لم نتمكن من إقامة الجسور، والطريق أغلقته الوحدات المصرية التي تحتل القطاع الشمالي للضفة الشرقية والتي تقدمت جنوبا ووصلت إلى الطريق ودقت إسفينا يعزل رأس الجسر الذي أقمناه، وإننا نأمل في صدهم ونقل الجسور إلى الماء وتركيبها أثناء النهار". ونتيجة أيضا للمساعدات الأميركية خصوصا بالطائرات المجهزة بأطقمها الكاملة، تمكنت إسرائيل من إنشاء كوبري على القناة، ومن دفع فرقة آدان التي حاولت تطويق الإسماعيلية ولكنها فشلت نتيجة لمواجهتها "اللواء 150 مظلات" وكتيبتي صاعقة مصرية. وهنا تحولت قوات الجنرال آدان في تجاه السويس حيث الأراضي المصرية المفتوحة، وتم ذلك أيضا نتيجة للمعلومات التي كانت تحصل عليها إسرائيل من الولاياتالمتحدة عن موقف القوات المصرية والتي كانت إسرائيل عاجزة عن الحصول عليها وقد فشلت القوات الإسرائيلية في اقتحام مدينة السويس حيث دارت معركة شرسة مع أهالي المدينة، على رغم حصار المدينة لمدة 100 يوم. إلا أن المدينة صمدت ولم تسقط من الداخل، كما توقعت القيادة الإسرائيلية. وعلى رغم صدور قرار مجلس الأمن الرقم 338 القاضي بإيقاف أعمال القتال اعتبارا من غروب شمس 22 تشرين الأول أكتوبر فان إسرائيل لم تلتزم به وتقدمت في اتجاه طريق السويس لتحسين أوضاعها وتم إيقاف النيران وتنفيذ قرار مجلس الأمن يوم 28 تشرين الأول أكتوبر 1973. وهنا نطرح التساؤلات حول ما قيل بأن القوات الإسرائيلية كانت ستهاجم القاهرة لإسقاط الرئيس أنور السادات؟ فهل كانت هذه القوات قادرة على تنفيذ ذلك؟ لا شك انه للإجابة على هذا التساؤل، بعد العرض السابق للأحداث والعجز الذي أصاب إسرائيل لولا الدعم الأميركي بالأسلحة والمعدات وبالمعلومات هي الأهم هنا، نطرح بعض الحقائق: أولا: إن حجم القوات الإسرائيلية التي عجزت عن اقتحام مدينة السويس والاستيلاء عليها، ستكون عاجزة تماما عن اقتحام القاهرة والاستيلاء عليها. ثانيا: إن الثغرة بوضعها يوم 28 تشرين الأول أكتوبر شكلت نزيفا لإسرائيل وكانت خسائرها تتزايد في داخل الثغرة. ثالثا: إن خطوط إمداد القوات الإسرائيلية المتواجدة في الثغرة كانت خطوطا طويلة تشكل صعوبة كبيرة في الإمداد والإخلاء، وكان يسهل قطعها من شرق القناة، سواء باستخدام قوات نظامية عادية أو قوات خاصة مثل الصاعقة والمظلات. رابعا: إن مقارنة القوات التي تمت في هذه الفترة بين القوات الإسرائيلية في الثغرة والقوات المصرية، والتي اشتملت على احتياط الرئاسة العامة المصرية، أثبتت تفوق القوات المصرية تماما وقدرتها على تصفية الثغرة. خامسا: إن عملية اقتحام مدينة ليست بالعملية السهلة خصوصا إذا كانت مثل مدينة القاهرة، وكان هناك استحالة لنجاح أي هجوم ستتعرض له المدينة وكانت مجهزة لملاقاة أي هجوم متوقع وذلك بواسطة قيادة المنطقة العسكرية المركيزة. سادسا: إن عنصر الإرادة الوطنية المصرية يعتبر عاملا رئيسيا في جمع شمل الشعب المصري لمواجهة أي هجوم يحدث على العاصمة فقد كان الشعب المصري بأسره وليست قواته المسلحة فقط يعمل على استرداد أراضيه وتأمين حدوده الدولية وأمنه القومي. سابعا: لولا المساعدات الأميركية لما استطاعت إسرائيل الصمود في سيناء ولا عبور قناة السويس، وليس كما تدعي الولاياتالمتحدة بأنها هي التي منعت القوات الإسرائيلية من متابعة هجومها في اتجاه القاهرة، ولولا المساعي التي بذلتها الولاياتالمتحدة متمثلة بمساعدة الدكتور هنري كيسنجر، لكانت مصر أنهت تصفية الثغرة ليتغير الموقف ويصبح في صالحها تماما.