سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع لانعاش الاقتصاد اللبناني
نشر في الحياة يوم 25 - 05 - 1992

مشكلتان حيويتان يواجههما الاقتصاد اللبناني في المرحلة الصعبة التي يمر فيها. الاولى تعاظم حجم القطاع العام وتدني فعاليته في الوقت نفسه. فالموازنة تستقطع بالقيمة النقدية ما يساوي او يزيد على نصف الدخل القومي، والموظفون اضافة الى المتعاقدين والاجراء البالغ عددهم بين 130 و140 الفاً يشكلون نسبة 20 في المئة من مجمل الايدي العاملة، وحينما نحتسب اعداد العاملين في مؤسسات عامة كمؤسسة كهرباء لبنان، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والمصفاتين القائمتين في طرابلس والزهراني تصبح نسبة العاملين في القطاع العام حوالي 25 في المئة من مجمل عدد الموظفين والعمال في لبنان، وهذه نسبة مرتفعة يفترض تخفيضها خصوصاً ان الانفاق يتمادى من دون رادع والدين العام يتعاظم.
المشكلة الثانية هي ان لبنان حقق فائضاً على حساب ميزان المدفوعات عام 1991 تجاوز المليار دولار وتسبب في تحسن سعر الليرة.
الا ان مدلولات ظهرت على تحول الفائض الى عجز خلال هذه السنة، وقد بلغ العجز في الاشهر الثلاثة الاولى اكثر من 500 مليون دولار وتناقص احتياط مصرف لبنان بقوة وخسرت الليرة من سعر صرفها اكثر بكثير في ثلاثة اشهر مما ربحت خلال سنة كاملة. ويبدو ان بعض عجز ميزان المدفوعات هذه السنة نتج عن تحويلات من قبل اللبنانيين الى الخارج اضافة الى تحويل مستحقات لتوظيفات في سندات الخزينة لأطراف اجانب الى الدولار والايداع خارج لبنان، والاهم من التحويلات واسبابها التي قد تكون نفسية واقتصادية ان حركة الاستثمار قاربت ان تتوقف في لبنان، والاستثمار يتوافر عادة من مصادر خارجية ويسهم في تقوية ميزان المدفوعات وتعزيز النشاط الاقتصادي.
وعلى رغم كل ما حدث، وشروط وعي الدولة لطبيعة المشكلة، لا يزال الاقتصاد اللبناني قادراً على النهوض، بتثاقل في المرحلة الاولى، ومن ثم بسرعة. واسباب التأكيد بان الامكانية ما زالت متوافرة للتحسين هي الآتية:
- لبنان يتمتع باحتياط ذهبي ونقدي لا بأس به.
- على رغم تعاظم الدين العام لا زالت الدولة تملك موجودات متمثلة بأراض وأسهم ربما تساوي قيمتها نصف مجمل الدين العام.
- اللبنانيون شعب عامل ونشيط وهم يتمتعون بطاقات فريدة، منها ما هو متركز في لبنان ومنها ما هو مهجر موقتاً بانتظار تحسن الظروف.
اذا اقدمت الدولة على تحسين فعالية جهازها بواسطة اختصار عديده بنسبة ملحوظة واقرار وسائل للتحقق في انتاجية العمل لا يعود هنالك من سبب يمنع استعادة القدرة على النمو، وعندئذ ترتهن معدلات النمو باستعدادات اللبنانيين للادخار والاستثمار. وهذا ما نبحثه ببعض التفصيل في هذا المقال الذي يتضمن مجموعة من الآراء والاقتراحات لانعاش الاقتصاد اللبناني.
الادخار والاستثمار
الادخار كي يعطي مفعولاً ايجابياً في النمو وتوسيع الانتاج لا بد ان يساوي او يتجاوز 15 في المئة من الدخل الفردي وان يوظف او يستثمر في مجالات التمويل والانتاج. ومصادر الادخار الداخلي اهمها اربعة:
- مدخرات الافراد من مداخيلهم.
- مدخرات المؤسسات من ارباحها التي تتمثل بالارباح غير الموزعة.
- الادخارات الاجبارية التي تتشكل من اشتراكات نهاية الخدمة في نظام الضمان الاجتماعي سواء كانت الاشتراكات من ارباب العمل ام من الموظفين والعمال.
- الادخار العام الذي قد يتوافر للدولة او مؤسساتها من تجاوز العوائد للنفقات او تحقيق بعض المؤسسات التابعة ربحاً ملحوظاً قد يكون ناتجاً عن تقلبات غير متوقعة في اسعار اصول بعض المؤسسات الخاضعة لسلطة الدولة.
وتظهر دراسة مشروع لتخفيض ضريبة الدخل ان مجمل المعاشات كان يوازي 350 مليار ليرة لبنانية عام 1990 وان مجمل الارباح سواء منها ارباح الشركات او النشاطات الفردية كان يوازي 730 مليار ليرة ليرة لبنانية، فاذا اعتبرنا ان الادخار من قبل الافراد كان ممكناً بنسبة 10 في المئة، وبالنسبة للأرباح ترتفع النسبة الى 15 في المئة، يكون الادخار من هذين المصدرين في حدود 165 مليار ليرة لبنانية، يضاف اليها ادخار اشتراكات نهاية الخدمة التي توازي 60 مليار ليرة لبنانية، فتكون مجمل الادخارات حوالي 225 مليار ليرة لبنانية.
ان تحقق هكذا وضعية هو أمر جيد، لكن الادخارات من المعاشات والارباح لم تتحقق لأن اكلاف المعيشة تآكلت قدرات الافراد على التوفير، كما تآكلت قيم تعويضات نهاية الخدمة، والارباح حولت بمعظمها للخارج بسبب التوقعات المتشائمة حول سعر الصرف.
القاعدة الاساسية لتحقق الادخار النافع هو استقرار سعر العملة ضمن هوامش مقبولة، وهذا الاستقرار لا يتأمن طالما ان عجز الموازنة واسع ومتزايد وطالما خدمة الدين العام تستهل 30 - 40 في المئة من ارقام الموازنة.
ان تحقق الادخار الداخلي رهن بضبط الانفاق وثبات سعر الليرة ضمن هوامش تقلب مقبولة، وفي هكذا حال يبدو ان مصادر الادخار تولد فرصة لا بأس بها لتأمين جزء من التمويل المطلوب لاقتصاد لبناني متوسع.
ولا تحقق مصادر الادخار الثلاثة الاولى المعددة اعلاه نتائج في حال توقع هبوط سعر صرف الليرة، وهذا السعر يرتهن بعجز الموازنة ووضع ميزان المدفوعات ومدى تحرك الاقتصاد.
الوسائل الخارجية المتاحة
وتتمثل الوسائل الخارجية للادخار بأوجه عدة، منها ما هو متحقق ومنها ما يمكن تحقيقه، ويمكن عرض الوضع بصورة مبسطة على الشكل التالي:
حسب تقديرات نشرة صادرة عن صندوق النقد الدولي، يملك اللبنانيون المقيمون في لبنان ودائع في بنوك تعمل خارج لبنان، منها بنوك لبنانية الملكية في غالبها واخرى اجنبية الملكية 9.2 مليار دولار، ولا شك ان هؤلاء اللبنانيين وغيرهم من المقيمين في الخارج يملكون استثمارات مجمدة في العقارات والمؤسسات تزيد على 15 مليار دولار وموجودات نقدية اضافية تزيد على 12 مليار دولار. والامر البالغ الاهمية ان هذه الادخارات والاستثمارات الناتجة عن ادخارات سابقة توافرت في معظمها من عمل اللبنانيين خارج لبنان - على الاقل بنسبة 80 في المئة من المجموع - وهذه الادخارات بما فيها الودائع السائلة القابلة للتحريك لن توجه الى لبنان طالما فعالية الاقتصاد متدنية وشروط الاستثمار غير واضحة ومعالم الحكم طائفية واقطاعية.
ان اصحاب الادخارات المودعة في الخارج سواء من لبنانيين مقيمين او لبنانيين عاملين حالياً ان عملوا سابقاً في بلدان افريقيا والخليج توجهوا الى بلدان الايداع طلباً لأمان اموالهم وضماناً لكفاية حاجاتهم في المستقبل، وهذه الاموال لن تعاد للبنان حتى تحسن شروط الاستثمار وممارسات ادارة الشأن العام، ولا شك ان هذه الاموال كافية لدفع الاقتصاد اللبناني الى التحرك بزخم يسمح له باستعادة القدرة الذاتية على النمو، لكن هذه الاموال كما الشباب اللبناني المتعلم والمتمتع بمهارات متطورة، لن يستطيع لبنان الاستفادة من طاقاتها ما لم يتعدل وجه الدولة وتتعصرن الادارة التنفيذية.
واضافة الى مدخرات الافراد اللبنانيين، هنالك مدخرات وموارد الشركات والمؤسسات التي يسيطرون على تسيير شؤونها او هم يملكونها، لكن هذه الموارد لا يمكن اعتبارها مرشحة للاستعمال في لبنان، بل ربما يمكن توجيه بعضها الى لبنان حسب توافر فرص العمل المجدي وتوقعات النجاح الاقتصادي والمالي.
وعلى سبيل المثال، اذا راجعنا الموازنات المجمعة لأربعة بنوك لبنانية تملك مؤسسات تابعة لها في اوروبا والولايات المتحدة وبعض البلدان العربية، نجد ان موجوداتها الخارجية تتجاوز بكثير موجودات القطاع المصرفي بمجمله في لبنان. ولو كانت الاستثمارات او التسهيلات آمنة في لبنان ولو كان هنالك قناعة دولية بذلك لاستطاعت هذه البنوك، بموافقة البلدان التي تعمل فيها، وحدها تمويل الجزء الاكبر من الحاجات المتعلقة بنشاط القطاع الخاص.
هنالك وسيلة متاحة لاستعادة جزء هام من ادخارات حققها اللبنانيون عن طريق الاشتراك ببرامج التأمين على الحياة مع شركات اجنبية كبرى. لقد اصدر الوزير المرحوم الشيخ سعيد حمادة قراراً وزارياً تلزم بموجبه شركات التأمين العاملة في لبنان بتوظيف نصف اشتراكات التأمين على الحياة المتعاقد عليها من قبل اللبنانيين في لبنان، وأنشأ مجلساً للضمان للتأكد من حسن تطبيق شروط تنظيم هذا النشاط البالغ الاهمية، ومنذ 24 سنة لم تتحقق مراجعة مدروسة لهذا الالتزام وليس من شك بأن اشتراكات التأمين على الحياة بلغت مع الشركات الاجنبية الكبرى اكثر من 1.2 مليار دولار يفترض توظيف نصفها في لبنان.
ان هذا الادخار من قبل اللبنانيين يذهب في معظمه للتوظيف من قبل شركات التأمين الكبرى في مختلف مجالات استثمارها، وليس هنالك من شك بأن هذا الادخار المتحصل تراكمياً يشكل المصدر الاهم لاستقطاب توظيفات في لبنان بعملات اجنبية، وهو استثمار يمكن ان يفيد مساعي زيادة الانتاج، ومن المؤكد ان يفيد في تحسين وضع حساب ميزان المدفوعات، الامر الضروري لتوفير سند لسعر الليرة المعرض للانزلاق.
قبل انهاء البحث في الادخار المتوافر داخلياً وخارجياً لا بد من التعرض لأحد اوجه الادخار المهجر والمتمثل بطاقات وخبرات الشباب اللبناني المتمع بكفاءات علمية عالية ومهارات مكتسبة من ممارسة العمل في مؤسسات متطورة. ان الشباب اللبناني المهجر حمل معه قيمة الادخار المالي الذي وظفه الآباء في تعليم ابنائهم، وعلى سبيل التوضيح، لا بد من الاشارة الى ان الكلفة المالية لحصول شاب على تخصص طبي طيلة سنوات الدراسة من الطفولة حتى سن 28 - 30 سنة تتجاوز النصف مليون دولار، وصاحب الدكتوراه في التخصص العلمي يحمل كذلك ادخاراً يوازي هذه القيمة، وكذلك مهندس الالكترون والمحاسب المجاز، كل منهم احتاج لربع مليون دولار من اكلاف التعليم والتدريب.
وهنالك على الاقل 10 آلاف لبناني من الشباب الذين هجروا خلال سنوات الحرب وعلى الاقل نصف هؤلاء يرغبون في العودة، انما الى بلد يسود فيه حكم القانون واحترام الانسان، وهؤلاء اذا ما عادوا يحملون معهم القسم الاعظم من مدخراتهم لأنهم على ثقة بأنهم قادرون على النجاح في اي من المجتمعات المتطورة، وبالتالي يستطيعون المجازفة المجدية بمدخراتهم، وعودتهم توفر رأسمالاً بشرياً كبير الاهمية، بل الرأسمال الاكثر اهمية للنمو المرتقب.
ان البرامج المقترحة لاعادة تنشيط البنية الهيكلية والاقتصاد اللبناني تفترض انفاق اكثر من 200 مليون دولار على مدى ثلاث سنوات على الخبرات، ولا شك ان الشباب اللبناني المتعلم والمتمكن في مختلف مجالات الاختصاص، من الطب الى الهندسة فالعلوم الالكترونية والمالية والمحاسبة، يستطيع توفير القسم الاعظم من الخبرات المطلوبة والتفاعل مع المعطيات المحلية على وجه افضل من اقرانهم الاجانب.
قبل البحث تفصيلاً بمستويات الاستثمار المطلوبة والامكانات المتوافرة، لا بد من عرض ملاحظتين هامتين مدلولاتهما تقولب الاستثمار على الصعيد الدولي حالياً.
اولاً: بعد تحول الدول الشيوعية نحو تبني الانظمة الرأسمالية وبعد توسع المجموعات الاقتصادية والتجارية، اصبحت العوامل المتحكمة بالاستثمار ووجهته مرتبطة بالمستويات الضريبية المقررة في بلدان معينة والحوافز المتوافرة لمختلف انواع النشاطات الرئيسية والمناخ السياسي والمعيشي في البلد المعني، وقد برز تيار في السنوات الاخيرة في البلدان المتطورة نحو تخفيض معدلات الضرائب على الارباح والمداخيل. ولا شك ان هذه التطورات اضعفت توجهات مواطنية وتوطين الرأسمال، وقد اصبح توجيه الاستثمارات مرهوناً في المكان الاول بتقييم المؤسسات المصرفية الكبرى لجدوى الاستثمار في بلد معين قياساً على المخاطر المرافقة للعملية، السياسية منها والاقتصادية المالية، وتقييم المؤسسات الدولية والاقليمية المختصة بتقديم التوصيات والمشاركة في تأمين جزء من الموارد.
ثانياً: البلدان التي تتمتع بأنظمة سياسية عريقة ومستويات علمية جيدة هي التي تستقطب الاستثمار في المكان الاول، على سبيل المثال، رغم التوجه الواضح نحو تفعيل وتطوير اقتصاديات البلدان الشيوعية لمتاخمتها لأوروبا وتكاملها الجغرافي والبشري معها، المفاضلة في التوظيف - بعد تقارب مستويات الضرائب المنخفضة - تبنى في المكان الاول على المستويات العلمية. ولهذا السبب، تستقطب بلدان الكتلة الشرقية سابقاً ذات المستويات العلمية الجيدة الاستثمارات الكبرى.
ان التحديات التي تواجه الاستثمار في لبنان متعددة، منها ما هو خارجي ومنها ما يتصل بالأوضاع اللبنانية الداخلية وقدرات اللبنانيين على الاستثمار. فبالنسبة للتحديات الخارجية تبدو شروط الاستثمار في قطاعات السياحة والزراعة والصناعة افضل للمستثمر في تركيا وسورية والمغرب منها في لبنان، وفي قطاعي السياحة والصناعة، شروط سورية وتركيا والمغرب وتونس وقبرص افضل مما هي في لبنان. واضافة الى الشروط المتعلقة بالاستثمار، الخدمات الاساسية على صعيد التجهيز في مجالات الكهرباء والمياه والاتصالات وتوافر الايدي العاملة افضل في جميع هذه البلدان ما عدا قبرص بالنسبة الى الايدي العاملة منها في لبنان.
وعليه، واضح ان علينا ان نبذل جهوداً فائقة لكي نستطيع احتلال مركز تنافسي مقبول، وهذه الجهود لا بد من تركيزها في مجال الاعفاءات الضريبية، تنظيم سوق الاسهم، تعزيز التجهيزات البنوية وتطويرها، وتسهيل شروط الاقامة والعمل في لبنان.
المناخ الاستثماري
ان المناخ الاستثماري المناسب والجاذب يستوجب الاستقرار السياسي والاجتماعي وفعالية الادارة العامة، كما يستوجب معدلات ضريبية مشجعة على الربح والدخل، ونرى في هذا الاطار ان مشروعاً للوزير محمد بيضون يوفر ارضية جدية لاقرار معدل ضريبة ضريبة مشجع ويترك في الوقت ذاته للمواطن العادي دخلاً اعلى يستطيع ان يحقق بواسطته كفاية افضل وربما يتوصل الى تحقيق ادخار.
اضافة الى المناخ السياسي والاجتماعي المطمئن والى معدل ضريبي مقبول 10 في المئة لا بد من توفير سوق الاستثمار ويكون ذلك باقرار قانون متطور للبورصة.
وفرض شروط محاسبية تبين اوضاع الشركات الحقيقية ومنع السيطرة على نسب مرتفعة من اسهم الشركات المختلطة او الخاصة التي تنتج عن التخصيص.
وقد يكون من المفيد تأسيس مصرف لبنان لشركة عقارية تشكل اصولها الاراضي التي تم التعاقد بشأنها مع المصارف وانقضى تاريخ استردادها، ويمكن ان تكون هذه الشركة برأس مال متحرك، ويستطيع مصرف لبنان حينذ استرداد قسط وفير من الاموال التي خصصها لانقاذ مصارف متعثرة مقابل تقديمات عقارية، كما يتوسع سوق الاسهم بنسبة مرتفعة. ومن الضروري التأكيد ان سوق الاسهم ووسائل عملها يجب ان تخضع لاشراف هيئة تماثل في صلاحياتها لجنة الاسهم والمبادلات في سوق نيويورك ويكون رئيس اللجنة من اصحاب الاختصاص والخبرة الدولية اضافة الى اعضاء اللجنة الآخرين، ومن المطلوب ان تصبح سوق الاسهم في لبنان شاملة لتبادل الاسهم اللبنانية والعربية والدولية كما المعادن والعملات.
ان هذه المنهجية تفسح مجال تفعيل الخدمات الاساسية واخضاعها للمحاسبة المالية والبشرية، ومعلوم ان للتخصيصية مخاطر يتمثل اهمها بالقدرة الاحتكارية واهمال القوي لمطالب الضعيف.
لكن التخصيصية قابلة للتطبيق بوعي ويجب اخضاعها لمراجعة مجلس اعلى لمراجعة التسعير والارباح ونوعية الخدمات، ويكون هذا المجلس من نوعية لجنة الاشراف على البورصة وعليه الاستفادة من خبرة الآخرين ومن ابرز هؤلاء البنك الدولي.
وتبرز الحاجة للتخصيصية من العجز عن تحقيق مشاريع ملحة والضرر الفادح الذي اصاب لبنان من تأخير اعادة تأهيل بعض الخدمات الاساسية.
وبالنسبة الى الناحية الاولى نشير الى المصفاتين القائمتين واللتين تبلغ طاقتهما مجتمعة 40 في المئة من حجم الاستهلاك المحلي، لكن ترفيع تجهيزات المصفاتين لم يشهد اي تطور منذ عام 1978 حينما اضيف جهاز تكسير في مصفاة طرابلس، وعام 1982 اجريت اعمال اصلاح على خطوط انابيب وخزانات مصفاة الزهراني، ونسبة تشغيل المصفاتين لا تسمح بتحقيقهما ارباحاً وتوسيع منشآتهما لمماثلة الاستهلاك يحتاج الى 500 - 600 مليون دولار. ان هناك استعداداً للاستثمار في المصفاتين من اطراف اجانب، فالفرنسيون الذين يعملون في سورية على انتاج النفط يرغبون في توسيع منشآت مصفاة طرابلس، والاميركيون من الشركاء السابقين في ارامكو مستعدون لتوسيع مصفاة الزهراني. وفي الحالتين تتمثل العوائق في سيطرة فئات سياسية او حزبية على المرافق او اجزاء منها.
وبالنسبة الى مفاعيل تأثيرات تأخير تفعيل خدمات اساسية تكفي الاشارة الى اوضاع الهاتف المتردية، وهذه الاوضاع تؤخر عودة الشركات ورجال الاعمال الى لبنان، كما تتسبب في جزء من الازدحام لأن اللبنانيين اصبحوا يقضون نصف يومهم في التجوال السيار لاجراء عدد ضئيل من الاتصالات مع كلما يستتبع ذلك من هدر للوقت والموارد.
ان فرص الاستثمار تستقطب التوظيفات في البلدان المستقرة ذات الانظمة الاقتصادية الحرة التي تطبق معدلات ضرائب معتدلة. ولبنان مؤهل لاستقطاب استثمارات اللبنانيين والعرب والاجانب في المشاريع التالية.
- الشركة العقارية لاعادة بناء الوسط التجاري ومناطق الردم وشركات عقارية مماثلة يمكن انشاؤها لاعادة اعمار مناطق متهدمة اخرى.
- الشركة العقارية المقترحة لموجودات مصرف لبنان العقارية وربما حتى المصرفية التجارية.
- شركة او اكثر لتأمين الاتصالات الهاتفية والفاكسية والبريدية، وقد تكون الشركة مختلطة، شرط اخضاع ادارتها لشروط العمل المتطورة والدقيقة في القطاع الخاص.
- شركة او اكثر لجمع النفايات ومعالجتها واستخلاص ما يمكن الاستفادة منه، وهكذا عملية تسهم الى حد بعيد في ازاحة شبح التردي الحضاري عن وجه لبنان وتشجع على استعادة البلد قدرته على استقطاب الزوار العرب والاجانب خصوصاً اذا اصبحت مياه البحر نظيفة من النفايات العائمة.
- شركتان لتطوير المصفاتين القائمتين في طرابلس والزهراني.
هذه الخطوات مجتمعة يمكن ان تؤدي الى اشراك 30 في المئة من اللبنانيين في شركات ذات اهمية لمستوى حياتهم ومستقبل بلدهم، ولا شك ان فسح مجال التخصيصية يؤدي الى استقطاب جزء لا بأس به من ودائع اللبنانيين في الخارج.
* خبير اقتصادي لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.