استمرار تشكل السحب الممطرة على جازان وعسير والباحة ومكة    سوق بيش الأسبوعي.. وجهة عشاق الأجواء الشعبية    مهرجان صبيا.. عروض ترفيهية فريدة في "شتاء جازان"    اكتشاف مخلوق بحري بحجم ملعبي كرة سلة    وظائف للأذكياء فقط في إدارة ترمب !    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    ترامب ينشئ مجلسا وطنيا للطاقة ويعين دوغ بورغوم رئيسا له    إسبانيا تفوز على الدنمارك وتتأهل لدور الثمانية بدوري أمم أوروبا    "أخضر الشاطئية" يتغلب على ألمانيا في نيوم    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    زيلينسكي يقول إن "الحرب ستنتهي بشكل أسرع" في ظل رئاسة ترامب    نيوم: بدء تخطيط وتصميم أحياء «ذا لاين» في أوائل 2025    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    نجاح قياس الأوزان لجميع الملاكمين واكتمال الاستعدادات النهائية لانطلاق نزال "Latino Night" ..    لجنة وزارية سعودية - فرنسية تناقش منجزات العلا    "سدايا" تنشر ورقتين علميتين في المؤتمر العالمي (emnlp)    اختتام مزاد نادي الصقور السعودي 2024 بمبيعات قاربت 6 ملايين ريال    "الشؤون الإسلامية" تختتم مسابقة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في غانا    منع استخدام رموز وشعارات الدول تجارياً في السعودية    الأمير محمد بن سلمان.. رؤية شاملة لبناء دولة حديثة    منتخب مصر يعلن إصابة لاعبه محمد شحاتة    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    ابن جفين: فخورون بما يقدمه اتحاد الفروسية    رتال تختتم مشاركتها كراعٍ ماسي في سيتي سكيب بإطلاق حزمة مشاريع نوعية بقيمة 14 مليار ريال وتوقيع 11 اتفاقية    القوات الجوية السعودية تختتم مشاركتها في معرض البحرين الدولي للطيران    بعثة الاخضر تصل الى جاكرتا استعداداً لمواجهة اندونيسيا    جدة تشهد أفراح آل قسقس وآل جلمود    إحباط تهريب 380 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    القمر البدر العملاق الأخير    تركي آل الشيخ يعلن القائمة الطويلة للأعمال المنافسة في جائزة القلم الذهبي    قادة الصحة العالمية يجتمعون في المملكة لضمان بقاء "الكنز الثمين" للمضادات الحيوية للأجيال القادمة    فريق قوة عطاء التطوعي ينظم مبادرة "خليك صحي" للتوعية بمرض السكري بالشراكة مع فريق الوعي الصحي    خطيب المسجد النبوي : سنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم    ميقاتي: أولوية حكومة لبنان هي تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701    خطيب المسجد الحرام: من ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه    "الخبر" تستضيف خبراء لحماية الأطفال من العنف.. الأحد    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    قتل أسرة وحرق منزلها    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    الخرائط الذهنية    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    لماذا فاز ترمب؟    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بمشاركة خبراء عسكريين واستراتيجيين ولمناسبة 25 سنة على الضربة . ندوة "الوسط" حول هزيمة 1967 : كيف وقعت ولماذا ومن المسؤول عنها ؟ "التخطيط للحرب لم يكن جدياً والتنسيق العربي كان مفقوداً والسوريون والاردنيون وضعوا عبدالناصر في مأزق"
نشر في الحياة يوم 25 - 05 - 1992

3 تساؤلات كبرى تطرحها الهزيمة العربية في حرب حزيران يونيو 1967، بعد مرور ربع قرن عليها، وهي: من هو المسؤول عن هذه الهزيمة التي احدثت تحولاً جذرياً في المنطقة العربية وفي الصراع العربي - الاسرائيلي؟ اي دور لعبته الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في هذه الحرب؟ هل استخلص العرب الدروس والعبر من هزيمة 1967 أم لا؟ هذه التساؤلات شكلت محاور الندوة التي عقدتها "الوسط" في مكتبها في القاهرة لمناسبة مرور 25 سنة على حرب الايام الستة وشارك فيها اربعة خبراء عسكريين واستراتيجيين مصريين بارزين هم: اللواء احمد عبدالحليم رئيس الوحدة العسكرية والاستراتيجية في المركز القومي لدراسات الشرق الاوسط، اللواء الدكتور جمال مظلوم مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في القوات المسلحة المصرية سابقاً، اللواء فاروق فهيم رئيس كرسي الاستراتيجية في كلية الحرب العليا في اكاديمية ناصر سابقاً واللواء محمد نبيل فؤاد مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في القوات المسلحة المصرية سابقاً. ومن مكتب "الوسط" في القاهرة شارك في الندوة عمرو عبدالسميع ووحيد عبدالمجيد.
وبدأت الندوة بتقديم ورقة عمل اعدتها "الوسط" وجاء فيها: "لا تزال الهزيمة العربية في حرب 1976، بعد ربع قرن، تثير الكثير من التساؤلات حول دوافعها وملابساتها والمسؤولية عنها. فعلى رغم التأثيرات الهائلة لهذه الحرب التي مثلت نقطة تحول جذري في المسار العربي كله، ظل الكثير من ابعادها غائباً بفعل القيود التي حالت دون مناقشة صريحة وموضوعية لها في حينها، ومن هنا اهمية اجراء مناقشة اكثر موضوعية لهذه الهزيمة التي لا تزال تأثيراتها ممتدة على صعيد الصراع العربي - الاسرائيلي وسبل تسويته، وعلى المستوى العربي العام اجمالاً. وهذا ما تسعى اليه ندوة "الوسط" التي نقترح ان تركز على 3 محاور رئيسية هي:
* أولاً: المسؤولية عن الهزيمة. فلا يزال السؤال الاول الذي يفرض نفسه في مناقشة حرب 1967 هو: من المسؤول عن الهزيمة السريعة المفاجئة؟ الجدل الذي دار حول هذا الجانب خلال السنوات الماضية ركز على مسؤولية كل من القيادة السياسية ممثلة بعبدالناصر والقيادة العسكرية ممثلة بعبدالحكيم عامر، ويمكن ملاحظة نمط معين ساد في اطار هذا الجدل، وهو المراوحة بين ادانة القيادة السياسية وهذا ما اتجه اليه كل من اراد نقد الانظمة العربية التي خاضت الحرب، خصوصاً النظام الناصري وبين ادانة القيادة العسكرية في مصر بالذات باعتبار ان الآمال كانت معلقة عليها. ففي مجال تأكيد مسؤولية القيادة السياسية عن الهزيمة، طرحت مجادلات عدة اهمها:
- ان طبيعة السلطة السياسية هي التي تحدد مدى كفاءة الادارة العسكرية، التي تتوقف فاعليتها على فاعلية النظام السياسي.
- ان وضوح الاهداف السياسية يقود بالضرورة الى القدرة على تحديد الاهداف العسكرية وامكان تحقيقها.
- ان القرارات السياسية هي التي تحدد وضع الجيش وتجهيزه ومدى كفاءته، وتعين له ساعة الحركة واتجاهها.
- ان الصراعات العربية - العربية انهكت العرب، وان تورط القيادة السياسية المصرية في حرب اليمن اثر سلباً على كفاءة وقدرات الجيش.
وواضح ان منطق هذا الموقف الذي يحمّل المسؤولية للقيادة السياسية، هو ان الهزيمة لم تكن محض عسكرية، وانما كانت قبل ذلك وبعده هزيمة سياسية. فاذا كانت الجيوش عجزت عن حماية الامة، فما ذلك الا هزيمة للسياسة التي اتبعت في تكوين هذه الجيوش وترقيتها وقيادتها. ويدعم هذا المنطق، لدى اصحابه، كون النظام السياسي في دولتين من الدول الثلاث المهزومة عسكرياً اعتبر نفسه بديلاً لحركة الشعب وصادرها، في اطار استئثار كامل بالسلطة. ويستند هذا المنطق الى مقولة كلاوزفيتز الشهيرة: "ان تعلق الحرب بالسياسة يجعلها تأخذ بالضرورة صفتها، فاذا كانت السياسة عظيمة قوية، كانت الحرب كذلك".
اما في مجال تحميل المسؤولية للقيادة العسكرية، فقد طرحت امور عدة اهمها:
- ان القيادة العسكرية كانت جزءاً لا يتجزأ من نظام الحكم، لا بل وكانت عشية الحرب اكثر قوة ونفوذاً من القيادة السياسية في مصر بصفة خاصة.
- ان القيادة العسكرية افتقدت الى الحد الادنى من المعرفة والكفاءة والقدرة على التخطيط للحرب، التي بدأت في غياب خطة متكاملة لخوضها، فكانت تلك القيادة، كما وصفها البعض، "جاهلة وفاسدة"، اضافة الى انقسامها على نفسها في سورية بصفة خاصة.
- ان القيادة العسكرية، خصوصاً في مصر، عجزت عن استخدام قدرات هائلة اتاحتها لها القيادة السياسية، وبددت تلك القدرات.
* ثانياً: الادوار الدولية، خصوصاً الدورين الاميركي والسوفياتي، في ازمة 1967 وتأثير ذلك على الاداء العربي في الحرب، ومن ثم في النتيجة التي انتهت اليها. والقضية الاساسية في هذا السياق هي ما اطلق عليه التضليل الذي تعرضت له الدول العربية التي خاضت الحرب وخصوصاً مصر، من الدولتين العظميين في ذلك الوقت، ومن الاتحاد السوفياتي بالذات والذي كان مفترضاً انه حليف للعرب. والمقصود بذلك ليس فقط النصائح التي اعتبرت مضللة وتلقتها القيادة المصرية عشية الحرب مباشرة، لكن ايضاً المعلومات التي نقلت الى مصر من البداية عن حشود عسكرية اسرائيلية على الحدود مع سورية، وتسببت في اثارة الازمة التي قادت الى الحرب.
والمشكلة هنا هي في تعدد وتناقض الروايات المتعلقة بدور القوتين الدوليتين، وبالدور السوفياتي خصوصاً، ولذلك فما زال هذا الجانب في حاجة الى تدقيق تاريخي، لكن حتى بافتراض ثبوت انه كان هناك تضليل دولي ضمن ملابسات ازمة 1967، يظل السؤال الجوهري الذي ينبغي التعامل معه هو: ألم يكن واضحاً للجميع ان حرباً لا بد ان تنشب في ذلك الوقت وان اسرائيل تستعد لها جدياً؟
* ثالثاً: الدروس المستفادة من الهزيمة، ومدى تعلم العرب منها على المستويات العسكرية والسياسية والحضارية. والملاحظ ان الاتجاه الذي ساد الفكر العربي عقب الهزيمة مباشرة، وربما بفعل الصدمة الهائلة، لم يكن يبشر بامكان استخلاص اي دروس. فقد غلب على هذا الفكر - سواء الرسمي او غير الرسمي - عدم الرغبة في الاعتراف بالهزيمة. فهناك من اعتبر ان الفرص لم تكن متكافئة وان الجندي العربي لم يحارب فعلياً بسبب "الغدر" الدولي والاسرائيلي، فكيف يهزم من لم يحارب؟ كما فضل الكثيرون استخدام تعبير "النكسة" بدلاً من الهزيمة، كمظهر من مظاهر الرفض اللاشعوري ربما للهزيمة والتقليل من حجمها.
لكن هذا لا يعني ان العرب افتقدوا رؤى واقعية سعت الى استخلاص الدروس بالفعل، الامر الذي يثير بعض التساؤلات مثل:
- هل يمكن اعتبار تجربة حرب 1973 بمثابة استيعاب حقيقي لدروس هزيمة 1967؟ وهل يكمن الدرس العسكري اساساً في ضرورة تحول الاستراتيجية العربية من الدفاع الى الهجوم، وفي اهمية عنصر المفاجأة في الحرب لتجريد العدو من المبادرة وحرية العمل في المرحلة الاولى على الأقل؟
- هل حدث تغير ملموس في نمط السياسات العربية التي ارتبطت بالهزيمة، وما هي تلك السياسات تحديداً؟
- هل يمكن ملاحظة اي تقدم في اتجاه بناء الدولة العربية العصرية، التي اعتبر البعض ان غيابها كان اهم دروس الهزيمة؟
- وأخيراً... هل يمكن القول بأن احد اهم دروس الهزيمة كان ادراك العرب استحالة هزيمة اسرائيل او القضاء عليها، وخطأ التعامل مع الصراع "كمباراة صفرية" وبالتالي التحول تدريجياً نحو التعايش مع اسرائيل على اساس حل سلمي؟
وبعد تقديم ورقة "الوسط" هذه بدأ الحوار بين المشاركين في الندوة.
- اللواء فاروق فهيم: لكي نعالج قضية المسؤولية عن الهزيمة معالجة موضوعية لا بد ان نبدأ باستعراض ما حدث بشأن التحضير للعمليات ومدى فعالية هذا التحضير، الذي يتوقف عليه جدية القيادة السياسية والعسكرية المصرية من وجهة نظري. ولنبدأ اولاً باستحضار الارقام مما يتيح لنا الحكم على الموضوع حكماً صحيحاً. في العام 1967 كان التوازن بين القوات الاسرائيلية والقوات المصرية من جهة، وبين القوات الاسرائيلية والقوات السورية والاردنية من جهة اخرى مختلاً - خصوصاً من حيث النوعية - لصالح اسرائيل على رغم اننا كنا ننكر هذا بطريقة او بأخرى، ولا ننسى ان جانباً من القوات المسلحة المصرية كان بعيداً في اليمن، وكان يمثل حوالي ثلث القوات البرية فقط، لأن القوات البحرية والجوية كانت موجودة بالكامل في مصر.
التظاهر العسكري وأخطاء القيادة
كان هناك تفوق عربي اذا قيس اجمالي القوة العربية بالنسبة الى القوة الاسرائيلية. لكن يجب ان ننظر الى هذه الارقام نظرة اخرى لأن القوة العربية كانت موزعة في ثلاث جبهات، وكان هناك افتقار الى التعاون والاتصال المباشر وافتقار الى وحدة القيادة على رغم انه كان هناك ما يسمى بالقيادة الموحدة، وانما كانت قيادة هيكلية وخططاً على ورق ليس لها اساس في الواقع الاليم. وبالاضافة الى الاعداد نستطيع ان نقول ان القوة العددية العربية كان يشوبها بعض التخلف في الناحية النوعية، سواء الدبابات او العربات المدرعة او الطائرات. فقد كانت هناك نوعية متقدمة في التسليح الاسرائيلي، والاهم من هذا كله ان هذا الوضع تم اكتشافه بعد الحرب. لكن عندما كانت القيادة تقدر موقفها فهي كانت تعتمد في هذا التقدير اجهزة المخابرات والاستطلاع. فبينما كان لدى الجانب الاسرائيلي خمسة او ستة ألوية او اثنان احدهما في القوة العاملة والآخر في الاحتياط، وايضاً كان التقرير يقول ان اسرائيل عندها 10 او 11 لواء مشاة، والحقيقة انه كان لديها 20 او 21 لواء، طبعاً هذه كلها اخطاء تؤدي الى خلل في التقدير الاستراتيجي.
والجانب الثاني الذي ينبغي وضعه في الاعتبار انه كان هناك عدم توازن في التنظيم الخاص بالوحدات والتشكيلات المصرية اذا ما قورنت بالتشكيلات والوحدات الاسرائيلية. وهناك ايضاً اختلاف في خفة الحركة وخفة الحركة هذه تعطي الاسلوب الاسرائيلي في فن القتال نوعاً من التميز فقد جعلت المخطط المصري يتقيد بوضع الوحدة التكتيكية او التشكيل التكتيكي في الارض ويتشبث بهذه الارض. ونظراً الى اتساع المواجهة في سيناء فقد تم وضع فواصل كبيرة بين هذه التشكيلات في الوقت الذي كانت تعاني من مشكلات بشأن خفة الحركة، وهذا يفقد الدفاع اتزانه التعبوي والتزامه الاستراتيجي. وكانت هذه الظاهرة واضحة في حرب 67 بالنسبة الى القوات المسلحة المصرية. ولما صدر قرار القيادة السياسية لم يكن بالاسلوب السليم، وهذا طبعاً انتقاد كي نتعلم وليس لمجرد القول بأن القيادة السياسية او القيادة العسكرية مخطئة. فالمفروض ان يكون هناك تقدير موقف تبنى عليه توجيهات القائد الاعلى للقوات المسلحة التي تحدد مهمة هذه القوات، وتتضمن المهام الاستراتيجية والهدف وفقاً للموقف السياسي والعسكري، وعلى ضوء الاوضاع الاقليمية والدولية.
* "الوسط": ألم تكن هذه الامور واضحة لدى القيادة المصرية عشية الحرب؟
- اللواء فاروق فهيم: لا اعتقد ان هذه الامور درست دراسة كافية وكانت النتيجة ان حدث تسرع في اتخاذ القرار كما كان هناك نوع من انواع التظاهر اكثر ما كان استعداداً للعمليات بالمعنى المفهوم. كما ان القيادة العسكرية لم تأخذ بأسلوب التخطيط السليم على رغم انه كانت هناك خطط مختلفة، لكن اقول ان العملية غلب عليها التظاهر اكثر من التخطيط لعملية عسكرية محددة. وهذا ما يفسر ان قائد المنطقة الشرقية الذي كان قائداً للعملية بعث يسأل القيادة العسكرية والسياسية في مصر عن طبيعة مهمته، ولا اعتقد ان هذا يمكن ان يحدث في ظل اي تخطيط سليم، فكيف يمكن تصور انه بعد نقل القوات الى الجانب الآخر من قناة السويس يظل قائد هذه المنطقة غير مدرك لطبيعة مهمته وهل هي هجومية ام دفاعية؟
- اللواء نبيل فؤاد: والاخطر من ذلك انه لم يحصل على رد محدد.
- اللواء فاروق فهيم: المفروض قبل تحريك القوات ان تكون المهمة واضحة، وفي صورة توجيهات، اما ان تحرك القوة ثم نسأل عن المهمة، فهذا أمر لا يمكن فهمه، وحتى بعد نقل القوات شرق القناة الى سيناء حدث تحريك لبعض الوحدات من موقع الى آخر، وهذا يعني ان العملية كلها لم تكن خاضعة لدراسة حقيقية.
* "الوسط": وهل كانت هذه مسؤولية القيادة العسكرية ام السياسية؟
- اللواء فاروق فهيم: هذه كلها اخطاء تشترك فيها القيادة السياسية والقيادة العسكرية ولو ان القيادة السياسية لم تكن تحدد فمفروض ان القيادة العسكرية تدقق وتسأل عن وجهتها ومهمتها. اما الخطأ الآخر الذي اعتقد انه خطأ جسيم فكان التظاهر العسكري. فاذا اردت ان اقوم بتظاهر عسكري لا استطيع ان انقل التجمع الكلي للقوات، ثم انتظر لأعرف ما أنا ذاهب اليه. وعندما نلقي نظرة على القوات المسلحة المصرية نجد انه كانت هناك فرقة مشاة في رفح والعريش، وهي الفرقة السابعة فيما اعتقد وكانت هناك ايضاً الفرقة الثانية مشاة في ابو عجيلة، والفرقة السادسة للمشاة كانت موجودة في الكنتلة، ومجموعة الشاذلي بعد ذلك اذ كان الفريق سعد الشاذلي يقود مجموعة خاصة كانت موجودة جنوب القسيمة، والفرقة العشرون للمشاة الفلسطينية كانت موجودة في قطاع غزة تحت القيادة المصرية، ثم لواء مشاة في شرم الشيخ، وكانت كلها تشكيلات قريبة من الحدود او على الحدود تقريباً، ثم في العمق الفرقة الثالثة مشاة في جبل لينة والفرقة الرابعة المدرعة في بير تمادة والفرقة الرابعة المدرعة اخذت تعليمات بالعودة الى غرب القناة، ثم بالانتقال مرة اخرى الى سيناء، وهذا كله يدل على وضع لا اجد وصفاً له غير التخبط. يعني لم تكن العملية مدروسة.
مصر لم تكن تنوي الحرب
* "الوسط": هل تعتقد ان اسرائيل كانت مدركة لحقيقة تلك الاوضاع؟
- اللواء نبيل فؤاد: ورد في كتاب اصدرته وزارة الدفاع الاسرائيلية، ولدي نسخة منه، تقديراتها الحقيقية للنيات المصرية في سنة 67. فماذا قالوا عن تصورهم لعبدالناصر؟ قالوا انه يسعى الى اعطاء الانطباع بأنه يؤيد تأييداً كاملاً الخط العربي خوفاً من اهتزاز مكانته في المنطقة، لكنه لم يكن يتوقع تصاعد الموقف الى درجة الحرب، وانه حتى اذا نشبت الحرب فان عبدالناصر كان يعتقد ان النتائج لن تكون بالجسامة التي حدثت. وهناك مجموعة من الجنرالات الاسرائيليين تحدثوا عن ان مصر لم تكن تنوي الحرب وهذا في حد ذاته يؤكد النيات الاسرائيلية وانها كانت معدة ومجهزة وتنتظر الظرف الدولي المناسب. وقد حدث جدال في اسرائيل اطلق عليه "حرب الجنرالات" عام 1972. وأشار الجنرال بليد والجنرال هيرتزوغ خلاله الى ما معناه ان مصر لم تكن جاهزة للحرب وان حجم القوات المصرية التي كانت في سيناء اساساً لا تهدد وجود اسرائيل، ومعنى ذلك انهم هدموا الدعائم التي قامت عليها حرب سنة 1967 من وجهة نظر اسرائيل، الى حد ان غولدا مائير رئيسة الحكومة الاسرائيلية آنذاك عقدت اجتماعاً عاجلاً للحكومة لمناقشة ردود الفعل الداخلية والخارجية لهذا الجدال وطلبت وقفه.
وأشير ايضاً الى ان اسحق رابين الذي شغل منصب رئيس اركان خلال الحرب 1967 قال في حديث له عام 1967 وفي صحيفة "الموند" الفرنسية "انا لا ادعي ان عبدالناصر كان يريد الحرب لأن القوات التي ارسلها الى سيناء لم تكن كافية لشن هجوم علىاسرائيل، بل كان يناور ويخادع".
وهناك ايضاً الزيارة السرية التي قام بها مدير المخابرات العسكرية يوم 30 ايار مايو لواشنطن للتنسيق النهائي. فقد بعث برقية مسجلة قال فيها ان العمل العسكري يجب ان يكون سريعاً حتى لا يثير تدخلاً دولياً. واجتمعت حكومة الحرب بناء على ذلك يوم 4 حزيران يونيو 67 واتخذت قرار الحرب. وهذا كله يؤكد ان عبدالناصر ادار الازمة بأسلوب معين اعطى الفرصة لاسرائيل واميركا لاصطياده هو وجيشه. مع الاسف المشير عبدالحكيم عامر - رحمه الله - حاول ان يدير الازمة بعقلية او بظروف عام 1956، وطبعاً كان الوضع قد تغير تماماً.
لكن هناك حادثتين اساسيتين اثرتا على فكر عبدالناصر في هذا الوقت. الحادثة الاولى كانت في تشرين الثاني نوفمبر عام 1966 عندما قامت حركة فتح الفلسطينية بهجمات على اسرائيل من سورية فردت اسرائيل وضربت الاردن في قرية اسمها السموع وقتل فيها 18 اردنياً واصيب 54 آخرين واتهم وصفي التل مصر وسورية بعدم تحمل نصيبهما في مواجهة اسرائيل، وألقى باللائمة على مصر لاخفاقها في توفير الدعم الجوي مثلما وعدت في مثل هذه الظروف، وأشار الى ان الوقت حان كي تنهي مصر تورطها في اليمن حتى يمكنها المساعدة في المواجهة المشتركة مع اسرائيل. هذا الحادث آلم عبدالناصر تماماً لأنه لم يكن قادراً على التحرك.
والحادثة الثانية كانت الاشتباكات الجوية السورية - الاسرائيلية في 7 نيسان ابريل 1967 حيث نجح الاسرائيليون في ان يسقطوا ست طائرات سورية وحلقوا في اجواء دمشق نفسها. هنا انضم السوريون للهجوم على مصر مع الاردنيين وادانوا عبدالناصر لعجزه عن ردع اسرائيل لهذه الواقعة وشاركت الصحافة العربية في انتقاد مصر وعبدالناصر. هنا وجد عبدالناصر نفسه في مأزق وهو الذي يقود الاتجاه القومي العربي ولكنه غير قادر على عمل شيء. وكان لهاتين الحادثتين، خصوصاً الثانية، تأثير رئيسي عليه حيث بات مهدداً بفقد هيبته في المنطقة. وربما هذا ما دفع الكاتب العسكري المعروف الكولونيل دي بوي لتحليل سلوك عبدالناصر من منظور معين - مع ملاحظة انه معروف بانحيازه الى اسرائيل - اذ قال انه كانت هناك دلائل تشير الى ان الرئيس عبدالناصر فكر في ان يبعث برسالة سرية خاصة الى اسرائيل مؤداها انه لا يعتزم استخدام القوة في تنفيذ اغلاق مضائق تيران وانما يرغب فقط في تأكيد استمرار حالة الحرب بين مصر واسرائيل لأسباب سياسية، وليس الشروع في فرض حصار حقيقي. وكتب بين قوسين انه استقى هذا الكلام من احد المسؤولين المصريين ولم يحدده. واياً يكن الامر فالواضح من استعادة الاحداث والتأمل فيها ان عبدالناصر لم تكن لديه النية، في الواقع، لشن حرب ضد اسرائيل فقد كان يدرك حقيقة استعداد جيشه لخوض مثل هذه الحرب.
لا تنسيق عربياً حقيقياً
- اللواء فاروق فهيم: الجانب الاسرائيلي كان طبعاً يدرك ان العملية فيها تخبط، بدليل ان بعض القادة الاسرائيليين قالوا بالفعل هذا الكلام، كما انهم ارادوا ان يوهموا القيادة المصرية بأن هناك اعادة لخطة عام 1956 فكان عندهم لواء مشاة ميكانيكي فقط في الجنوب زودوه بعدد كبير من الدبابات الهيكلية لايهام القيادة المصرية ان التجمع الرئيسي في الجبهة هو في الجنوب، في حين ان التركيز الاساسي كان في الشمال. فكانت هناك ثلاث مجموعات مدرعة بقيادة الجنرال تان والجنرال بوجي والجنرال شارون امام المنطقة المحصورة من رفح حتى 20 / 30 كلم جنوبها، وكان عندهم لواء مدرع واحد امام الكنتلة احيط بالحجم الكبير من الدبابات الهيكلية لأغراض الخداع الذي انطلى على القيادة المصرية فأخذت تواجه هذا التجمع المزيف، فوضعت تقريباً نصف القوات المسلحة المصرية والثقل المدرع الرئيسي في الجنوب. وشمل ذلك الفرقة السادسة مشاة ومجموعة الشاذلي وكانت مكونة من الدبابات الثقيلة وبعض الآليات الاخرى، وخلفها الفرقة الرابعة المدرعة، وطبعاً هذا كله يوضح حجم الاخطاء التي تمت في اثناء مرحلة التخطيط. والقوات المسلحة الاسرائيلية درست الموقف بعد ان ذهب الملك حسين الى مصر ووقع اتفاقية مع عبدالناصر وحصل نوع من انواع التنسيق، لكنه كان تنسيقاً علوياً فقط، اي على مستوى القيادة ولم يصل الى المستوى الادنى. فكل ما حدث هو ان الفريق عبدالمنعم رياض زار القيادة الشرقية في الاردن قبل العمليات بيومين وتم ارسال ثلاث مجموعات صاعقة للاستعداد لدخول الضفة الغربية، ثم القيام ببعض الاعمال التخريبية في الصفوف الخلفية للجيش الاسرائيلي، وبالذات عند منطقة عنق الزجاجة، وقد وصلت قبل العمليات بيوم واحد.
ولذلك نستطيع ان نقول انه لم يكن هناك تنسيق عربي بالمعنى المفهوم. هذا التطور انعكس على ادارة العمليات فالجيش الاسرائيلي، في تقديره للموقف، قرر ان يوجه ضربته الرئيسية اولاً في اتجاه مصر على رغم ان الشواهد كانت تدل على خطورة الجبهة الاردنية التي تواجه في بعض المناطق عمقاً اسرائيلياً قدره حوالي 12 / 13 كيلومتراً فقط. وكان من باب اولى، كما حدث في حرب عام 1973، ان يتم تأمين هذا المضيق الاستراتيجي خوفاً من انقسام اسرائيل الى منطقتين شمالية وجنوبية وبينهما اسفين مضروب يقطع اتصال الشمال بالجنوب. لكن اسرائيل لم تعر اهتماماً للجبهة الاردنية ووجهت ضربتها الرئيسية اولاً في اتجاه مصر واستمرت من 5 الى 8 حزيران يونيو ثم وجهت قواتها في اتجاه الاردن، ثم بعد ذلك نحو الجبهة السورية.
والناحية الاخرى التي اود توضيحها ان العملية بدأت بضربة جوية مركزة والغريب فيها، حسب ما قرأت في بعض الكتب، ان عازر وايزمان قائد سلاح الجو الاسرائيلي آنذاك تعهد امام الكنيست بأنه يضمن عودة جميع القوات الجوية الاسرائيلية، وكان عنده 286 طائرة فترك حوالي 8 طائرات فقط تحمي الاجواء الاسرائيلية وباقي القوة الجوية اتجهت كلها الى مصر لتوجيه ضربتها. وطبعاً هذه مجازفة لم تحدث قبل ذلك في التاريخ. لكن الواضح انه كان متأكداً تماماً، طبقاً لدراسته العملية، ان هذه الطائرات ستعود الى اسرائيل لعوامل عدة: العامل الاول ان القوات المسلحة المصرية الجوية كانت كلها موزعة في حوالي خمسة او ستة مطارات في الصحراء من دون اي نوع من انواع التحصين الى درجة انه في احدى المرات جاء قائد القوات الجوية السوفياتية يزور احد المطارات الحربية فأخذوه الى مطار ابو صوير، باعتبار انه كان افضل المطارات المصرية تجهيزاً، فقال: "اذن هذا هو المطار المدني، فأين المطار العسكري"؟ وهذا يعني ان مطاراتنا لم تكن لها صفة العسكرية.
وعلى رغم ان مصر كان لديها حوالي 160 من صواريخ "سام" ارض - جو، لكن عندما نأخذ في الاعتبار مساحة الدولة نجد ان نصيب الصاروخ الواحد حوالي 6600 كلم واسرائيل كان عندها 50 صاروخ "سام" فقط، لكن عندما نقسمها على 20 الفاً و770 اجمالي مساحة اسرائيل نجد ان الصاروخ الواحد يحمي حوالي 450 كلم. اذن كان هناك فارق كبير بين كثافة الدفاع الجوي في مصر وكثافة الدفاع الجوي في اسرائيل. وبالطبع قامت اسرائيل بدراسة شبكة الدفاع الجوي وتوصلت الى ان بمقدور طائراتها الدخول والخروج بأمان. والعملية بهذا الشكل، توضح انه كان هناك نوع من الخلل، سواء من القيادة العسكرية او القيادة السياسية في تقدير الموقف وفي عملية بناء العملية من الناحية الاستراتيجية.
هدف اسرائيل
* "الوسط": كيف انعكس ذلك اذن على ادارة العملية نفسها؟
- اللواء فاروق فهيم: الهدف الاسرائيلي كما هو واضح من العملية لم يكن الوصول الى قناة السويس، كان الهدف هو تدمير التجمع الرئيسي للقوات المسلحة المصرية التي كانت محصورة في النصف الشرقي من سيناء. لكن القيادة الاسرائيلية فوجئت بأن القوات المصرية تولي الادبار في اتجاه القناة، فانعقد مجلس حرب يقال انه كان على مشارف المضايق ووضع خطة اخرى للوصول الى قناة السويس، ويقال ايضاً ان الاستيلاء على ممر متلا تم بواسطة عشر دبابات فقط، منها خمس دبابات مسحوبة، اي بلا وقود. يعني عملية فيها نوع من انواع عدم الاكتراث ولأنه لم تكن هناك قوة تقف امامها.
- اللواء الدكتور جمال مظلوم: الحقيقة بعد هذا العرض الوافي سأتناول بعض النقاط بتعليق محدود، وسأعود الى الحديث عن دور كل من القيادة السياسية والقيادة العسكرية. ويبدو لي ان القيادة السياسية تورطت او انجرت الى احداث لم تكن تتوقعها، وبالاضافة الى الحادثتين اللتين ذكرهما اللواء نبيل، هناك حادثة اخرى سابقة عام 1960 عندما وضعت اسرائيل حشوداً امام سورية وتدخل الجيش المصري وتحرك ربما بالكامل الى سيناء، فتراجعت اسرائيل. وربما تصورت القيادة المصرية امكان تكرار القيام بتظاهرة عسكرية تنتهي من دون حرب، كما حدث عام 1960. وربما المشكلة هنا تتعلق بتبني عبدالناصر فكرة القومية العربية، والمرجح انه تأثر بما تردد في بعض مؤتمرات القمة العربية من ان وجود قوات الطوارئ الدولية يعوق حركة القوات المصرية ولا يعطيها الحرية في مساندة اية دولة عربية. وفي هذا السياق كان هناك استعداد اسرائيل جرى بخلاف ما كان عليه الحال بالنسبة الى مصر والدول العربية الاخرى. واتفق مع ما اثاره اللواء فاروق بخصوص ان معرفة القيادة العسكرية بقدرات القوات المسلحة المصرية بصفة عامة لم تكن كاملة ودقيقة. كان هناك في النصف الاول من عام 67 مشاكل بين عبدالحكيم عامر وبعض القيادات كما ان القيادة السياسية لم تكن على يقين من التزام الولايات المتحدة بحرية الممرات، خصوصاً بالنسبة الى مضيق العقبة. يعني كان هناك تعهد اميركي في صورة التزام موقع بأن اسرائيل بانسحابها عام 1956 تضمن لها الولايات المتحدة حرية المرور في خليج العقبة. لذلك فعندما صدر القرار المصري بسحب القوات الدولية واغلاق خليج العقبة في مواجهة السفن الاسرائيلية كان من الضروري ان يتصاعد الصراع. فقد كانت اسرائيل تعتمد على هذا المضيق واعتبرته حقاً مكتسباً بضمان من الولايات المتحدة. وايضاً كانت الاوضاع الاقتصادية في مصر في ذلك الوقت تعاني من مشكلات، اذ حدثت اعمال شغب في بعض المدن، وكذلك ازمة القمح بين مصر والولايات المتحدة، فضلاً عن تأثير التورط في حرب اليمن.
واذا انتقلنا الى القيادة العسكرية فالأكيد انه كانت هناك اخطاء في تقدير قدرات العدو ونياته. وبعض اللجان التي شكلت لتقييم نتائج حرب 1967 واسباب الهزيمة قالت انه لم يكن هناك اي استعداد للعمليات العسكرية الجدية. فعلى سبيل المثال اثير الآن موضوع تحصين الطائرات، واضيف انه كان هناك قرار منذ 1956 باقامة دشم للطائرات، وهو ما لم يتحقق. وبالنسبة الى درجة استعداد القوات المسلحة نفسها هناك احدى الوقائع الصارخة، بعد كل ما قيل في هذه الندوة، وهي انه تم نقل قطاعات من المشاة من دون معداتها التي ارسلت اليها فيما بعد لكي يتم "التطقيم" داخل سيناء. وبالتالي يبدأ التدريب على هذه المعدات في وقت متأخر تماماً.
كما ان بعض خبرات الحرب للقوات المسلحة في ذلك الوقت كانت متأقلمة على الصراع في اليمن والقتال في الجبال وليس في الارض المفتوحة. وكذلك تدريب القوات المصرية كان اغلبه نظرياً لاعملياً، او لم يكن العملي فيه كافياً واسلحته لم تختبر. اذن كانت المبادرة منعدمة والمعدات عتيقة او اسيء استخدامها بدرجة كبيرة، وايضاً النقطة التي اثيرت بشأن قائد المنطقة الشرقية، كان هناك قرار 15 ايار مايو من المشير عبدالحكيم عامر بتعيين الفريق اول عبدالمحسن مرتجي قائداً عاماً للجبهة في سيناء في حالة بدء المعركة، والفريق صدقي محمود قائد القوات الجوية، والفريق سليمان عزت قائد القوات البحرية، وبذلك كانت هناك اربع قيادات. وفي ما يتعلق بالموقف العسكري الاسرائيلي نجد انه كان هناك استعداد للمعركة بدقة وبأسلوب آخر. طبعاً كان هناك قرار بتوجيه ضربة جوية ضد مصر مع هجوم بري سريع خاطف وهذا يتطلب نوعيات معينة من الاسلحة منها على سبيل المثال: جرت تدريبات لخفض فترة ملء وقود الطائرات من ساعتين الى سبع دقائق، وجرى اختيار الطيارين بدقة. وطيارو الميراج عددهم 72 كان عندهم تلقين ايديولوجي، بمعنى الاقتناع بأن مصير اسرائيل مرتبط بالمهام التي سيقومون بها في الضربة الجوية، وكان هناك طبعاً التدريب الواقعي على هياكل المطارات المصرية كلها بالكامل. نستطيع ان نقول ان اسرائيل كان لديها استعداد دقيق للمعركة. وقد اثارت ورقة العمل سؤالاً عما اذا كان من الافضل لو تم سحب القوات المصرية من اليمن قبلها، أتصور انه حتى لو كانت تلك القوات المنسحبة من اليمن موجودة كلها في مواجهة اسرائيل فان النتائج لم تكن ستتغير. يمكنها ان تضيف المزيد من الخسائر لأن غالبيتها من قوات مشاة، فيما كانت القوات الجوية كلها دمرت وهي عصب المعركة.
- اللواء احمد عبدالحليم، ابدأ بمجموعة من الملاحظات الاولية، الملاحظة الاولى ان الكثير من المعلومات عن حرب 1967 ما تزال غير واضحة، والاطراف التي عاصرت هذه المشكلة لم تتحدث حتى الآن، اذ انها كانت جزءاً من النظام. سواء كانت المسؤولية على القيادة السياسية او العسكرية فهي ما تزال صامتة. كما نجد ان الاطراف الاخرى، سواء اسرائيل او الولايات المتحدة او الاتحاد السوفياتي، لم تكشف كل ابعاد هذه العملية، وبالتالي التحليل الذي نقدمه قد يكون غير كامل او فيه قصور، ومع ذلك ارى انه لا بأس من ان نثير بعض النقاط كأساس لدعوة آخرين الى التحدث في الموضوع حيث ان حدثاً بحجم عام 1967 لا تكفيه جلسة واحدة. وهناك ملاحظة مهمة اخرى هي انه يجب ألا نغفل مدى استفادة اسرائيل والولايات المتحدة من ازمة 1956 في نسج خيوط ما حدث عام 1967 في الوقت الذي تجمدت القيادة السياسية والقيادة العسكرية المصرية، ولم تتطور باتجاه تحديث القرارات السياسية والعسكرية التي كان يمكن ان تؤدي الى استعداد آخر والى نوع آخر من المواجهة مع اسرائيل عام 1967 خصوصاً اننا كنا نعلم ان هناك دورات لعمليات التوسع الاسرائيلي وان الظروف السياسية والعسكرية في ذلك الوقت كانت تشير الى ان اسرائيل ترغب في تحقيق المزيد من المكاسب السياسية وايضاً العسكرية. الملاحظة الرئيسية الاولى ان مجرد التساؤل عن المسؤولية، وهل هي مسؤولية القيادة السياسية ام مسؤولية القيادة العسكرية يعني ان هناك خللاً ما هو سياس في الدرجة الاولى. وعندي ملاحظة رئيسية بخصوص تركيب النظام السياسي المصري في ذلك الوقت: فأين كان موضع القيادة العسكرية من السياسة؟ ورقة العمل استعانت بكلاوزفيتز في احدى مقولاته، واضيف ان كلاوزفيتز هو الذي قال ايضاً ان الحرب امتداد للسياسة على القرارات العسكرية، وفي هذا الصدد استعين بما قاله كليمنصو رئيس وزراء فرنسا في الحرب العالمية الاولى حينما قال "ان الحرب اخطر من ان تترك للعسكريين وحدهم". وقد قال ذلك حين كان المستشارون حوله يحاولون ان يقنعوه بأن الموقف العسكري يجب ان يترك للعسكريين لأنهم اكثر خبرة في هذا المجال، فكانت كلمته المأثورة. طبعاً هذا كان موجوداً عندنا حيث تركت الحرب للعسكريين في ما يختص بالعمليات العسكرية وانعكس ذلك على الافرع الرئيسية للقوات المسلحة، سواء كانت القوات البحرية او الجوية او الدفاع الجوي او حتى قيادات القوات البحرية وقيادة المنطقة الشرقية وقيادة الجبهة. لكن الحقيقة الاساسية هي ان طبيعة السلطة السياسية هي التي تحدد مدى كفاءة الادارة العسكرية التي تتوقف فاعليتها على فاعلية النظام السياسي.
ايضاً القول ان وضوح الاهداف السياسية يقود بالضرورة الى وضوح الاهداف العسكرية صحيح، وكون القرارات السياسية هي التي تحدد وضع الجيش وتجهيزه ومدى كفاءته وتعين ساعة الحركة واتجاهها صحيح ايضاً، وكذلك الصراعات العربية - العربية انهكت العرب وتورط القيادة المصرية في حرب اليمن اثر سلباً على كفاءة وقدرة القوات ايضاً صحيح.
واذا انتقلنا الى مسؤولية القيادة العسكرية سنجد ان الاسباب التي ذكرت كلها صحيحة وهي باختصار ان القيادة العسكرية المصرية افتقدت الحد الادنى من المعرفة والكفاءة والقدرة على التخطيط، وهذا ما اوضحه اللواء فاروق بشكل ممتاز، كما ان القيادة العسكرية مصر بصفة خاصة عجزت عن استخدام قدرتها التي اتاحتها لها القيادة السياسية صحيح. ولكن في النهاية كل هذا يؤدي الى مسؤولية سياسية بالدرجة الاولى، سواء ما نسب الى القيادة السياسية او ما نسب الى القيادة العسكرية، لأنه كان يجب على القيادة السياسية الا تترك الامور في القوات المسلحة تصل الى هذا الحد. وصحيح ان القيادة العسكرية بددت الموارد المخصصة لها ولكن في المقابل نقول ان الموارد المخصصة للسياسة لم تؤد الى موازنة معادلة الموارد في مقابل التأثير الاقليمي. وهنا اعود الى عملية نطلق عليها عملية التوزيع الاستراتيجي لنتذكر اين كانت القوات المسلحة في ذلك الوقت؟ هناك جانب لم يشر اليه الزملاء، كان هناك قسم من القوات في اليمن - وهو زبدة القوات المسلحة - وكان هناك قسم آخر في العراق تحت اسم القيادة او القوة العربية، وقد ذهبت الى هناك بالاتفاق بين الرئيسين عبدالسلام عارف وجمال عبدالناصر عام 1964 تحت ستار التدريب المشترك، والحقيقة انها كانت لضمان استمرار النظام العراقي.
* "الوسط": هل كان حجمها كبيراً؟
- اللواء احمد عبدالحليم: كانت مجموعة لواء مدرع كبيرة، ولكن ليس المهم في العملية الحجم ولكن الكفاءة، فقد كانت قوة على درجة عالية للغاية من الكفاءة العسكرية والقدرة على القتال. وعلى رغم ما يقال من ان قوات اليمن لم تكتسب خبرة كافية لطبيعة العدو الاسرائيلي فلا نستطيع القول ان هذه القوات لم تكتسب الخبرة على الاقل في عمليات التحرك وفي عمليات اعادة التجمع وفي عمليات التخطيط للمعارك وفي عمليات ادارة المعارك. كل هذه كانت خبرة تفتقر اليها القوات في مصر، كما لا يمكن اغفال التكلفة الاقتصادية العالية التي تكبدتها مصر في حرب اليمن، والتي ادت الى تحول سلبي في الاوضاع الاقتصادية، ودعوني اتوقف هنا امام مقولة "ان مصر لم تكن تعد للحرب"، على رغم ان كل الظواهر الصادرة عن قيادتها كانت تشير الى انها تستعد بالفعل، فاذا لم تكن تستعد فلماذا اتت بهذه المظاهر؟
من ناحية المسؤولية اقول انه حتى لو كانت مصر لا تعد للحرب فقد كان يجب على القيادة السياسية ان تقوم بتقدير الموقف السياسي والموقف السياسي - العسكري وان تكون مستعدة للبديل العسكري. وحين سألت القيادة السياسية القيادة العسكرية عن مدى استعدادها كانت الاجابة: "برقبتي يا ريس"؟ طبعاً هذه الاجابة لا تعني الاستعداد العسكري. وهذا ما اكتشفناه بعد هزيمة 1967.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.