إعادة فتح ملف حرب حزيران يونيو 1967 لمناسبة مرور 25 سنة عليها، وإجراء تحقيق حول الهزيمة التي مني بها العرب والمسؤولون عنها والعوامل التي مكّنت اسرائيل من تسديد اكبر ضربة عسكرية ضد العالم العربي، ليست مجرد محاولة للكتابة عن حدث تاريخي كبير. فهزيمة 1967 ليست جزءاً من التاريخ الذي مضى، بل هي جزء من الحاضر الذي نعيشه. لقد أحدثت هزيمة 1967، بنتائجها العسكرية والاستراتيجية والسياسية والمعنوية، تحولات كبرى في منطقتنا لا تزال تتفاعل وتؤثر فينا حتى اليوم، ولعلها الأهم التي شهدتها المنطقة منذ قيام اسرائيل عام 1948. * فقد أدّت الهزيمة الى تقليص وانهاء المدّ الناصري في العالم العربي وفقدت مصر دورها كقوة سياسية هائلة قادرة على تحريك الشارع العربي والرأي العام العربي والدول العربية عموماً. * شكلت هذه الهزيمة بداية التوسع الاسرائيلي الجغرافي والسياسي والأمني في المنطقة، وبداية التحالف الوثيق بين واشنطن وتل ابيب. * حولت الهزيمة النزاع عن مشكلة فلسطينية - اسرائيلية الى مشكلة عربية - اسرائيلية بعدما أدت الحرب الى احتلال اراضٍ واسعة في مصر وسورية والاردن. * أدت الهزيمة الى بروز الشخصية الفلسطينية بقوة بجوانبها المختلفة المعقدة، سواء المتمثلة في منظمة التحرير الفلسطينية او في العمليات الفدائية او في اعمال العنف الثوري والاعمال الارهابية او في النزاعات الفلسطينية - العربية. جعلت الهزيمة العرب يدركون - تدريجياً وبصورة ضمنية في البداية - ان الاوضاع الاقليمية والدولية وموازين القوى المختلفة لا تسمح بهزم اسرائيل عسكرياً او القضاء عليها، وانه لا بد من التعامل معها سياسياً وديبلوماسياً والسعي الى حل النزاع بالوسائل السلمية. وانتقلت المشكلة بعد هزيمة 1967 من "تحرير فلسطين" الى "إزالة آثار العدوان الاسرائيلي" والعمل على وضع حد "للتوسع الاسرائيلي". وقد سار عبدالناصر نفسه على هذا المنهج ابتداء من عام 1968. * شكلت ضربة 1967 هزيمة لعقلية عربية كانت تعيش على الأوهام والاحلام وتتجاهل الواقع البارد وموازين القوى المختلفة وتتجنب تحليل وتقييم المعطيات الاقليمية والدولية بموضوعية. وبعد الهزيمة بدأ "التيار الواقعي" يشق طريقه ببطء، وأحياناً، مغلفاً بشعارات الماضي، في المنطقة. * أسفرت هزيمة 1967 عن صدور قرار مجلس الامن الشهير الرقم 242 في 22 تشرين الثاني نوفمبر 1967. وهو قرار لا يزال اساس مفاوضات السلام العربية - الاسرائيلية، وقد شكل قبول الدول العربية به اعترافاً ضمنياً بوجود اسرائيل وضرورة حل النزاع سلمياً معها. من هنا، فتحت "الوسط" ملف التحقيق في هزيمة 1967، وتمكنا من تسليط اضواء جديدة على هذا الحدث الكبير من خلال وثائق اميركية سرية للغاية حصلنا عليها، ومن خلال ندوة عقدها مكتب "الوسط" في القاهرة وشارك فيها خبراء مصريون استراتيجيون وعسكريون بارزون، ومن خلال دراسة قيمة اعدها وليام كوانت وتتضمن معلومات تنشر للمرة الاولى عن الدور الاميركي وعن الدور الاسرائيلي في هذه الحرب. مسؤولية عبدالناصر الكبرى ولندخل مباشرة في صلب الموضوع. يمكن القول ان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر يتحمل المسؤولية الرئيسية الكبرى في هزيمة 1967 لارتكابه مجموعة من الاخطاء الفادحة. هذا لا يعني ابداً ان اسرائيل ما كانت لتشن حرباً ضد مصر او ضد دول عربية اخرى لولا اخطاء عبدالناصر، بل ان اسرائيل كانت تخطط منذ نهاية الخمسينات للتوسع جغرافياً وسياسياً وامنياً في المنطقة وتنتظر الفرصة الملائمة لتحقيق ذلك وبأقل ثمن ممكن بالنسبة اليها. لكن الاخطاء التي ارتكبها عبدالناصر مكّنت اسرائيل من تحقيق هدفها هذا في حزيران يونيو 1967. ولنتوقف عند اخطاء عبدالناصر الاساسية: 1- الخطأ الاول هو ان عبدالناصر اتخذ في ربيع 1967، خصوصاً بعد التوتر العسكري الشديد على الجبهة السورية - الاسرائيلية، قراراً باتباع سياسة حافة الهاوية مع اسرائيل، آخذاً في الاعتبار امكان حدوث مواجهة عسكرية معها لكنه كان واثقاً من ان مصر والقوى العربية الاخرى ستتغلب على الدولة اليهودية او على الاقل ستصمد في مواجهتها. وعلى هذا الاساس طلب عبدالناصر في 16 ايار مايو 1967 سحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء ثم أعلن في 22 ايار مايو اغلاق مضيق تيران امام السفن الاسرائيلية، من دون ان يأخذ في الاعتبار - سواء علم بذلك ام لم يعلم - وجود مذكرة اميركية رسمية سرية مرسلة في شباط فبراير 1957 من جون فوستر دالاس وزير الخارجية الاميركي الى الحكومة الاسرائيلية تعترف فيها الولاياتالمتحدة لاسرائيل بحقها في استخدام القوة لاعادة فتح مضيق تيران اذا ما تم اغلاقه امام السفن الاسرائيلية. وقد رد الرئيس الاميركي جونسون على قرار عبدالناصر هذا في اليوم التالي لصدوره بتأكيده ان مضيق تيران "ممر مائي دوي وان اغلاقه امام السفن الاسرائيلية عمل غير شرعي ويحمل في طياته مخاطر لقضية السلام". وبعد ذلك بأيام وقّع عبدالناصر والملك حسين في القاهرة اتفاق دفاع مشترك وتم انشاء قيادة موحدة مصرية - اردنية. وأدت هذه الخطوات الى ايجاد "الاجواء الملائمة" لاسرائيل لتوجه ضربتها يوم 5 حزيران يونيو 1967. ولنتوقف عند خطأ عبدالناصر. كما قلنا، لقد وضع عبدالناصر في حسابه احتمال حدوث مواجهة عسكرية مع اسرائيل، لكنه كان واثقاً من انتصار او صمود مصر فيها. وهنا نتوقف عند مضمون وثائق اميركية سرية للغاية حصلت عليها "الوسط" وتملك نسخاً منها. الوثيقة الأولى تتضمن تقريراً رفعه لوشيوس باتل السفير الاميركي في القاهرة حتى ربيع 1967 الى دين راسك وزير الخارجية الاميركي واطلعه فيه على حصيلة آخر لقاء بينه وبين عبدالناصر ربيع 1967 ومما جاء فيه: "ان عبدالناصر يبحث عن مغامرة خارجية لتحويل الانظار عن مشاكله الداخلية، وهو قد يلجأ اما الى تصعيد الموقف في اليمن او على جبهة النزاع العربي - الاسرائيلي او التخريب على النظام الليبي". الوثيقة الاميركية السرية الثانية هي مذكرة رفعها روبرت اندرسون يوم 2 حزيران يونيو 1967 الى الرئيس جونسون والوزير راسك عن نتائج مهمته في القاهرة - بناء على طلب جونسون - ومحادثاته مع الرئيس المصري. ومما جاء في مذكرة اندرسون السرية هذه ان عبدالناصر ابلغه انه "يخشى من هجوم اسرائيلي على مصر وعلى القاهرة" وانه طلب منه ابلاغ الادارة الاميركية "انه لن يبدأ القتال بل سينتظر حتى يتحرك الاسرائيليون". وأضاف اندرسون ان عبدالناصر اكد له "ان هناك خططاً معدة للرد الفوري" على اي هجوم اسرائيلي، واكد له ايضاً انه "واثق من نتيجة النزاع بين العرب واسرائيل". الوثيقة الثالثة هي تقرير رفعه يوم 30 ايار مايو 1967 والت روستو مستشار جونسون لشؤون الامن القومي الى الرئيس الاميركي عن حصيلة مهمة السفير تشارلز يوست في القاهرة، ومما جاء فيه "ان عبدالناصر لن يتراجع عن موقفه، وهو يرحب بالمواجهة العسكرية مع اسرائيل وان كان لا يسعى اليها بالضرورة". عبدالناصر، اذن، اتبع سياسة حافة الهاوية مع اسرائيل آخذاً في الاعتبار امكان نشوب حرب، لكنه كان "واثقاً" من النصر او الصمود على الاقل. وهنا خطأه الكبير الاول: فقد كانت لديه ثقة كبيرة بقدرات الجيش المصري واستعداداته وبالتنسيق العربي مع الاردن وسورية ودول اخرى، وكان لديه في الوقت نفسه سوء تقدير لحجم وحقيقة القوة العسكرية الاسرائيلية. وقد تبين بعد ضربة الخامس من حزيران يونيو 1967 ان حساباته هذه كانت كلها خاطئة. ولو كان عبدالناصر يعلم، على الاقل، حقيقة اوضاع القوات المسلحة المصرية، ولو كانت لديه فكرة صحيحة عن مدى قوة الجيش الاسرائيلي، لكان - وفقاً لما يعتقده عدد من المحللين والخبراء - تصرف بشكل مختلف كلياً ولما كان تورط في النزاع مع اسرائيل في هذه المرحلة بالذات. ثقة كبيرة بعامر 2- الخطأ الثاني الذي ارتكبه عبدالناصر هو اعتماده الكبير على المشير عبدالحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة المصرية، وثقته الواسعة بقدرته على تنظيم الجيش المصري واعداده "لمواجهة محتملة" مع اسرائيل. وعلى هذا الاساس اطلق عبدالناصر يد عامر لاعداد الجيش المصري للمعركة، على رغم ان المشير لم يكن صالحاً - لأسباب عدة - لقيادة القوات المصرية. وتبين بعد الهزيمة ان عامر اخطأ في تقدير حجم القوات الاسرائيلية، ومدى تفوق الاسلحة الاسرائيلية على الاسلحة المصرية، واخطأ في تقدير طبيعة الضربة الاسرائيلية ومدى استعدادات الجيش المصري لاستيعابها، وأخطأ في طريقة حماية المنشآت العسكرية المصرية وكيفية اعداد الجيش للمواجهة. ونتيجة هذه الاخطاء كلها - التي يتحمل عبدالناصر مسؤوليتها السياسية - انتهت الحرب عملياً خلال 3 ساعات ونصف الساعة صباح الخامس من حزيران يونيو 1967 حين شنت الطائرات الاسرائيلية 3 موجات من الغارات الجوية على جميع المطارات والقواعد العسكرية الجوية المصرية مما ادى الى تدمير سلاح الجو المصري. وفقدت القيادة العسكرية المصرية اعصابها وقدرتها على الرد، واصبح الجيش المصري بلا غطاء جوي وفي صحراء مكشوفة، في الوقت الذي كانت اسرائيل تحكم سيطرتها الكاملة على الاجواء المصرية. وبعد هزيمة مصر هذه، كانت هزيمة سورية والاردن سهلة نسبياً. تكرار تجربة 1956 3- أخطأ عبدالناصر في تقييم وتحليل طبيعة الظروف الاقليمية والدولية التي كانت سائدة آنذاك. والواقع ان عبدالناصر قرر تحدي اسرائيل في ربيع وصيف 1967 لمحاولة "بعث الروح" في المد الناصري و "للتعويض" عن المشاكل التي كانت تواجهها القوات المصرية في اليمن وللرد على "الحملة" التي كانت تشنها عليه دول عربية - بينها سورية - وتتهمه من باب المزايدة بقبول "التعايش مع اسرائيل" بموافقته على بقاء قوات الطوارئ الدولية على الحدود مع اسرائيل وبسماحه للسفن الاسرائيلية بالمرور في مضيق تيران، في الوقت الذي تحدث صدامات جوية سورية - اسرائيلية ويخيم على الجبهة السورية - الاسرائيلية توتر عسكري كبير. وكان عبدالناصر متأثراً بهذه الحملة الى حد انه قال للمبعوث الاميركي روبرت اندرسون كما يظهر من نص مذكرة اندرسون السرية في نهاية ايار مايو 1967 انه يشعر بالقلق "من احتمال اقدام السوريين على بدء القتال مع اسرائيل تعبيراً عن انزعاجهم" من الاتفاق الذي وقعه مع الملك حسين. ثم اضاف انه "سيتدخل الى جانب سورية، حتى لو بدأ السوريون القتال ضد رغبة مصر". قرر عبدالناصر، اذن، تحدي اسرائيل معتقداً انه يمكنه تكرار تجربة 1956 لكن بصورة افضل: فقد خرجت مصر نتيجة عدوان 1956 مهزومة عسكرياً ومنتصرة سياسياً، وشكل ذلك بداية المد الناصري. اما في العام 1967 فكان عبدالناصر يعتقد ان استعداداته العسكرية "افضل" مما كانت عليه عام 1956، وكان يراهن على احتمالين: اما عقد "صفقة سياسية" مع الولاياتالمتحدة تحول دون نشوب الحرب وتجعله يحقق مكاسب سياسية كبرى، او اذا نشبت الحرب فانه يستطيع ان يربح او على الاقل ان يصمد اياماً عدة فيتدخل الاميركيون والسوفيات لوقف القتال، ويلتف العالم العربي حول مصر ويسجل عبدالناصر، ايضاً، انتصاراً سياسياً. وعلى هذا الاساس ابلغ عبدالناصر روبرت اندرسون انه راغب في ايفاد زكريا محيي الدين نائب الرئيس المصري الى واشنطن ليشرح للادارة الاميركية حقيقة الموقف المصري ويؤكد لها ان الحكومة المصرية "ليست شيوعية" بل انها راغبة في ان تقوم بينها وبين "شعب الولاياتالمتحدة وحكومته علاقات صداقة". وتم التفاهم آنذاك على ايفاد زكريا محيي الدين الى واشنطن يوم 7 حزيران يونيو 1967. لكن عبدالناصر لم يأخذ في الاعتبار ان ظروف 1967 مختلفة عن ظروف 1956: ففي ذلك الحين تمكن ايزنهاور من الضغط على اسرائيل وعلى بريطانيا وفرنسا لوقف العدوان على مصر، اما في العام 1967 فكان جونسون غارقاً في حرب فيتنام وفي ذروة توتر العلاقات مع السوفيات، ولم يكن قادراً - او راغباً - على منع اسرائيل من ضرب مصر "رداً" على اغلاق مضيق تيران وسحب القوات الدولية. والواقع ان الاسرائيليين استغلوا الى اقصى حد اجراءات عبدالناصر هذه. ففي مذكرة سرية من وزير الخارجية الاميركي دين راسك الى جونسون، في 26 ايار مايو 1967 - وتملك "الوسط" نصها - يقول راسك "ان الاسرائيليين ابلغونا ان معلومات اجهزة مخابراتهم تفيد ان هناك هجوماً مصرياً وسورياً وشيكاً على اسرائيل. وانطلاقاً من ذلك طلب الاسرائيليون من الولاياتالمتحدة ان تصدر بياناً رسمياً علنياً تؤكد فيه مساندتها لاسرائيل في مواجهة مثل هذا العدوان". ويضيف راسك: "ان معلوماتنا لا تؤكد معلومات الاسرائيليين" عن هجوم مصري - سوري وشيك ضد الدولة اليهودية. وفي مذكرة سرية بعث بها راسك يوم 3 حزيران يونيو 1967 الى سفراء الولاياتالمتحدة في عدد من الدول العربية واسرائيل وتملك "الوسط" نسخة عنها يقول الوزير الاميركي: "اطلب من السفراء التفكير بحلول ممكنة لتجنب نشوب الحرب... يجب عدم الاعتقاد ان الولاياتالمتحدة تستطيع ان تأمر اسرائيل بالامتناع عن القتال دفاعاً عما تعتبره مصالحها الاكثر حيوية". ويضيف: "يمكن لاسرائيل ان تتخذ قراراً بأن عليها اللجوء الى القوة لحماية مصالحها الحيوية... ليس من المفيد الطلب من اسرائيل ببساطة قبول الوضع الحالي في مضيق تيران اغلاقه لأن اسرائيل ستقاتل ولن نستطيع منعها من ذلك". ويقول راسك ايضاً في هذه المذكرة ان الجانبين العربي والاسرائيلي "واثقان من تحقيق النصر لكن احدهما يرتكب خطأ كبيراً في الحساب". وقد بعث راسك بمذكرته هذه بعد تعيين موشي دايان وزيراً للدفاع في حكومة ليفي اشكول وورود "اشارات عدة" الى واشنطن تفيد ان اسرائيل اتخذت فعلاً قرار الحرب. ولعل التوقيت كان يهدف الى احباط اية نتائج يمكن ان تسفر عنها زيارة زكريا محيي الدين لواشنطن في 7 حزيران يونيو 1967، خصوصاً ان جونسون وافق على استقباله. اللعبة السوفياتية 4- الخطأ الرابع الاساسي الذي ارتكبه عبدالناصر هو انه لم يدرك تماماً حقيقة وطبيعة اللعبة السوفياتية في المنطقة آنذاك، اذ كان السوفيات يرغبون فعلاً - وهذا ما ثبت لاحقاً - في نشوب حرب عربية - اسرائيلية، كما ان عبدالناصر اخطأ في تقدير حجم الدعم الذي يمكن ان يحصل عليه من السوفيات في المواجهة مع اسرائيل. فالسوفيات لم يرسلوا قواتهم دفاعاً عن مصر والعرب، ولم يعلنوا الحرب على اسرائيل، وهم في اي حال لم يقدموا اي وعود بهذا الشأن الى مصر. لكن هناك شكوكاً قوية - وربما بعض الادلة - حول اقدام السوفيات على "جر" مصر الى الحرب عن طريق تصعيد التوتر السوري - الاسرائيلي وتسريب معلومات الى القاهرة تفيد ان اسرائيل "على وشك ان تشن حرباً ضد سورية". وفي هذا المجال حصلت "الوسط" على وثيقة سرية اميركية مهمة تلقي بعض الاضواء على الدور السوفياتي في تلك المرحلة. الوثيقة هي عبارة عن تقرير بعثت به وكالة المخابرات المركزية الاميركية الى البيت الابيض عن حصيلة لقاء عقد مع "مسؤول سوفياتي" بعد هزيمة حزيران يونيو 1967. وجاء في الوثيقة ان المسؤول السوفياتي قال: "ان العرب والسوفيات ارتكبوا مجموعة اخطاء في حساباتهم: السوفيات بالغوا في تقدير قدرة العرب على المواجهة اسرائيل، والعرب بالغوا في تقدير قوتهم وقللوا من اهمية قدرات اسرائل العسكرية". واعترف المسؤول السوفياتي بأن موسكو "شجعت" العرب على المواجهة مع اسرائيل، وان الخطة السوفياتية كانت تقوم على اساس "نشوب حرب طويلة في الشرق الاوسط تتورط فيها اميركا اقتصادياً وسياسياً وربما عسكرياً، وتمنى بهزائم سياسية نتيجة انحيازها ضد العرب". وأوضح المسؤول ان موسكو ارادت ايجاد "بؤرة نزاع جديدة لأميركا في الشرق الاوسط تضاف الى التورط الاميركي في فيتنام". وذكر المسؤول السوفياتي ان هذه الخطة فشلت بالطبع وان عبدالناصر "يجب ان يرحل... ومن الارجح ان يتم اغتياله في مستقبل قريب من قبل المصريين". وقال المسؤول السوفياتي ايضاً: "ان هذه الحرب اظهرت ان العرب عاجزون عن الوحدة حتى حين تكون مصالحهم الحيوية مهددة". *** بعد الهزيمة قال عبدالناصر لعبدالحكيم عامر: "النظام كله انتهى ودورنا انتهى". ولم يرحل عبدالناصر بل تراجع عن استقالته، غير انه اصبح يتعامل "بواقعية اكبر" مع العالم العربي ومع الدول الكبرى وحتى مع اسرائيل. وكان اول وأبرز قرار اتخذه بعد وقف اطلاق النار هو تعيين الفريق اول محمد فوزي قائداً عاماً للقوات المسلحة المصرية وتكليفه اعادة تنظيم الجيش المصري. اما عامر فأقدم على الانتحار. لكن تجربة عبدالناصر تكررت - وان بصورة مختلفة - عام 1990. فقد ارتكب الرئيس صدام حسين مجموعة من الاخطاء المماثلة لتلك التي ارتكبها الرئيس المصري الراحل، غير انه اضاف اليها مجموعة اخرى من الاخطاء. فبعد خطأ غزو الكويت، اخطأ صدام بتقييم طبيعة الرد الخليجي والعربي والدولي على خطوته هذه. واخطأ بتقدير حجم قواته في مواجهة قوات الحلفاء، وأخطأ برهانه على ان الحرب لن تقع او انها اذا وقعت فستكون محدودة وسيصمد فيها ويعقد في نطاقها "صفقة سياسية" مع الولاياتالمتحدة. لكن الفارق الكبير بين عبدالناصر وصدام حسين هو ان الأول استوعب خلال ايام قليلة، بعد ضربة 5 حزيران يونيو، حقيقة ما حدث، واعترف بالهزيمة وتعلم الدرس وقرر اتباع "سياسة اخرى". اما صدام حسين فقد اعطاه العالم اكثر من خمسة اشهر للتراجع عن خطأ احتلال الكويت فلم يفعل، وظل، على رغم الهزيمة الهائلة التي لحقت بالعراق، يرفض الاعتراف بها، بل يردد احياناً انه انتصر. القيادة السياسية والعسكرية المصرية يوم 5 حزيران يونيو 1967 * جمال عبدالناصر: رئيس الجمهورية، القائد الاعلى للقوات المسلحة. * زكريا محيي الدين: نائب رئيس الجمهورية، قائد الدفاع الشعبي. * عبدالحكيم عامر: القائد العام للقوات المسلحة، نائب القائد الاعلى للقوات المسلحة تتبعه اختصاصات وزير الحربية المتعلقة بالقوات المسلحة اذ كان هناك في ذلك الوقت فصل بين وزارة الحربية والقوات المسلحة. * شمس بدران: وزير الحربية والمشرف على المخابرات الحربية. * علي صبري: رئيس الوزراء. * الفريق محمد فوزي: رئيس اركان القوات المسلحة. * الفريق اول عبدالمحسن كامل مرتجي: قائد القوات البرية. * الفريق أول سليمان عزت: قائد القوات البحرية. * الفريق أول محمد صدقي محمود: قائد القوات الجوية. * الفريق أول محمد فؤاد الدجوي: قائد السواحل. * الفريق أول يوسف العجرودي: قائد قطاع غزة قوة مصرية فلسطينية إدارتها مصرية. * الفريق أنور القاضي: رئيس هيئة العمليات. * الفريق عبدالمنعم رياض: نائب القائد العام للقوات المسلحة. * الفريق صلاح محسن: قائد الجيش الميداني. * محمود رياض: وزير الخارجية.