السعودية تدين حادثة الدهس التي وقعت بأحد أسواق مدينة ماغديبورغ الألمانية    المركز الوطني للعمليات الأمنية يواصل استقباله زوار معرض (واحة الأمن)    رابطة العالم الإسلامي ترحّب بتبني الأمم المتحدة قراراً بشأن التزامات إسرائيل المتعلقة بأنشطة الأمم المتحدة والدول الأخرى لصالح الفلسطينيين    حضور ثقافي كبير في أول أيام ملتقى القراءة الدولي بالرياض    وزير الطاقة يرعى الحفل الختامي لجائزة كابسارك للغة العربية    تاليسكا يؤكد اقتراب رحيله عن النصر    اليوم ليلة الحسم في المملكة أرينا: ومواجهة أوسيك وفيوري لتوحيد ألقاب الوزن الثقيل    230 فارساً وفارسة يتنافسون على كأس التحدّي للقدرة والتحمل في الرياض    القوات الخاصة للأمن البيئي تواصل استقبال زوار معرض (واحة الأمن)    «الجوهرة».. أيقونة رياضية بمعايير عالمية تحت الأضواء في «كتاب جدة»    "الهجّانة" والمركبات الكهربائية.. التاريخ والمستقبل    البرنامج الثقافي لمعرض جدة للكتاب يسلط الضوء على علاقة الفن بالفلسفة    سينما الخيال العلمي في العالم العربي.. فرص وتحديات في معرض الكتاب    بايرن ينهي عام 2024 بفوز كاسح على لايبزيغ بخماسية قاسية    الأمم المتحدة: الأزمة الإنسانية في السودان «غير مسبوقة»    شولتس يعرب عن مواساته وتعاطفه مع ضحايا الهجوم في ماغديبورغ    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المعرض التوعوي "ولاء" بالكلية التقنية    ضبط يمنيين في عسير لترويجهما (64) كجم "حشيش"    ضيوف الملك من "الجبل الأسود" يشيدون بجهود المملكة في خدمة الإسلام والمسلمين    أمريكا تلغي جائزة ال 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن أحمد الشرع    الأخضر السعودي يختتم معسكر الرياض ويغادر إلى الكويت للمشاركة في خليجي 26    السعودية ترحب بتبني الأمم المتحدة قراراً بشأن التزامات إسرائيل الأممية تجاه الفلسطينيين    المملكة توزع 724 سلة غذائية و724 حقيبة صحية في مدينة سرمدا بمحافظة إدلب    توقيع مذكرة تعاون بين النيابة العامة السعودية والأردنية لتعزيز مكافحة الجريمة والإرهاب    شيخ شمل قبائل الحسيني والنجوع يهنى القيادة الرشيدة بمناسبة افتتاح كورنيش الهيئة الملكية في بيش    نائب رئيس نيجيريا يغادر جدة    الأمير محمد بن ناصر يفتتح شاطئ الهيئة الملكية بمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية    الشؤون الإسلامية بجازان تنفذ ورشة عمل بمحافظة صبيا    ولي العهد يجري اتصالاً هاتفياً بملك المغرب للاطمئنان على صحته    %20 من المستثمرين شاركوا في الاكتتابات العامة بالمملكة    مدير عام الشؤون الإسلامية في جازان يتفقد مسجد العباسة الأثري بمحافظة أبي عريش    وزارة التعليم تنظم ورشة عمل "المواءمة مع التغيير والتحول في قطاع الخدمات المشتركة" في جازان    تعرف على قائمة المتوجين بلقب كأس الخليج    إمام الحرم المكي: الرسل بعثوا دعاة إلى الخير وهداة للبشر    آل بنونة وآل قاضي يتلقون التعازي في حورية    خطيب المسجد النبوي: أعظم وسام يناله المسلم أن يكون أحبّ الناس إلى الله    البدء بأعمال صيانة جسر تقاطع طريق الأمير نايف مع شارع الملك خالد بالدمام ... غدا السبت    الدفاع المدني السوري: «تماس كهربائي» أشعل نيران «ملعب حلب»    تراجع أسعار الذهب 2596.89 دولارًا للأوقية    لسرعة الفصل في النزاعات الطبية.. وزير العدل يوجه بتدشين مقر دوائر دعاوى الأخطاء المهنية الصحية    جدة تقرأ    5 إستراتيجيات لإنهاء حرب روسيا وأوكرانيا    دروس قيادية من الرجل الذي سقى الكلب    الحصبة.. فايروس الصغار والكبار    مدربون يصيبون اللاعبين    تقطير البول .. حقيقة أم وهم !    الإخلاء الطبي يشترط التأمين التعاوني للممارسين الصحيين    «سكن».. خيرٌ مستدام    السعوديون في هيثرو!    25 ألف سعودية يثرين الأسواق الناشئة    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء ينقذ مراجعاً عانى من انسداد الشرايين التاجية    أدوية إنقاص الوزن قد تساعد في القضاء على السمنة لكن مخاطرها لا تزال قائمة    انفراد العربيّة عن غيرها من لغاتٍ حيّة    السيسي: الاعتداءات تهدد وحدة وسيادة سورية    التجارة تضبط 6 أطنان مواد غذائية منتهية الصلاحية بمستودع في جدة    وزير الدفاع يستقبل نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الأسترالي    د. هلا التويجري خلال الحوار السعودي- الأوروبي: المملكة عززت حقوق الإنسان تجسيداً لرؤيتها 2030    رئيس الوزراء العراقي يغادر العُلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غيرت سيرها فضيعت وقع خطواتها . اليابانية محتارة بين الشرق والغرب !
نشر في الحياة يوم 18 - 05 - 1992

كنت في مسرح "النوّ" الوطني في طوكيو مع صديقة يابانية عندما سمعت فجأة اصواتاً تشبه ارتطام معادن، شعرت معها بمقعدي يرتج. ولم يبد على الحضور اي اهتمام فحسبت نفسي اتوهم. لكن الحالة استمرت... نظرت الى "كاورو" متسائلة، فقالت بهدوء: "لا شيء، انه زلزال، الامر عادي". ولم يكن عادياً بالنسبة لي ابداً.
وزائر اليابان، او بالاحرى الزائرة التي اعتادت على بعض التقاليد الاوروبية، تستغرب كم ان المفاهيم في تلك البلاد متغيرة، فعادة مرور النساء قبل الرجال مثلاً، او وقوف الرجال كي تجلس السيدات الواقفات وغير ذلك، لا وجود لها في اليابان. فبعد الصدمة الاولى التي تجر الى استنتاجات وانطباعات سريعة من نوع "بلا ذوق"، نستدرك ونتبه الى ان هذا الامر طبيعي وعادي لديهم لأن التقاليد مختلفة.
لكن ما هو العادي وما غير العادي في هذا العالم؟ ما الذي يرونه عادياً ونستغربه؟ وما المسافة بين صورته لدينا وبين واقعه؟
بلاد اليابان تثير الفضول. ماضيها اضفى عليها السحر والغموض، وحاضرها الحديث جعلها اسطورة هائلة الجاذبية. هذا العالم الذي يقال انه خاص ومميز وقاسٍ ويتقدم بسرعة مذهلة، من الارض الفقيرة يُطلع الثروات، ومن قلب التقاليد يبني صروح الصناعة، ومن الهزيمة العسكرية يصنع انتصاراً اقتصادياً، والمرأة في رأس اسراره، هذا العالم جذبني كما جذب الكثيرين.
مذكرات شوناغون
هكذا سافرت الى اليابان وفي خيالي صور عديدة، وبخاصة عن المرأة. لا سيما بعد قراءتي لمذكرات السيدة ساي شوناغون وصيفة الأميرة ساداكو التي عاشت بين القرن التاسع والعاشر الميلاديين، في عهد الفوجيوارا. وتقدم هذه المذكرات صورة عن النساء وأحوالهن في البلاط الملكي في ذلك الزمن. واذا كانت الحضارة اليابانية تتميز بنواح قد تبدو غريبة او غامضة فان حالة المرأة هي بين هذه الظواهر الغامضة اشدها فتنة وجاذبية. فهناك من يقول ان اليابانية افضل زوجة في العالم، وآخرون يصرخون بأن وضع المرأة اليابانية فضيحة انسانية. وتفاوتت الآراء.
في باريس روت لي صديقة فرنسية كيف كان زوجها الطبيب المشهور "يُعصِّب" من اليابانيات اللواتي "يُفرزن" للاهتمام به لدى تلبية دعوة الى طوكيو، وذلك لما يظهرنه من مغالاة في العناية، كأن يضعن لقمة الطعام في فمه، ويلاحقنه للتأكد بأن ربطة عنقه معقودة جيداً، وأنه لا غبار على سترته...
وتلك صديقة أخرى تروي كيف انه خلال مأدبة عشاء عند يابانيين لم تجلس ربة البيت مع المدعوين الى المائدة، بل ظلت واقفة تهيئ الاطعمة وتقدمها.
لكن هناك الوجه الآخر للمرأة اليابانية. فالسيدة تاكيو دوي رئيسة الحزب الاشتراكي الياباني سابقاً، لقبت هي كذلك بالمرأة الحديدية، وقد علقت الصحافة العالمية على نجاحها آنذاك فاعتبرته خرقاً للمجتمع الذكوري الياباني.
كما ان هناك "ظاهرة" يابانية اخرى هي السيدة ماساكو اوهيا. فبينما يتميز الاثرياء ورجال الاعمال اليابانيون بالتكتم والبساطة، وحدها ماساكو اوهيا، او "المرأة الوردية" كما لقبت، تلعب لعبة الاعلام بظهورها المبرمج امام الناس، او من خلال الريبورتاجات المتلفزة. لقبت بالمرأة الوردية بسبب مجموعتها الكبيرة من الثياب والقبعات الوردية اللون. لكن على الرغم من هذا الجانب الاعلامي الصارخ، تعتبر ماساكو اوهيا التي تبلغ السبعين من العمر امرأة اعمال بارعة، وهي تملك العديد من المؤسسات وملاعب الغولف في اليابان وفي اوروبا.
تغير بطيء
من المؤكد ان هناك تطوراً وتغيراً في المجتمع الياباني، خاصة في ما يتعلق بالنساء، لكن هذا التغير لا يزال بطيئاً، وليست كل اليابانيات مثل ماساكو اوهيا او تاكيو دوي.
ولا يستطيع زائر طوكيو ان يرى او يعرف مباشرة واقع المرأة اليابانية، ذلك انها تبدو للوهلة الاولى موجودة في جميع الميادين. الشابات يعملن في المقاهي وفي المتاجر والمصانع وفي مكاتب السفريات والمتاحف والمسارح، الخ...
ويصعب التمييز في الشارع بين تلميذة المدرسة والطالبة الجامعية او الشابة العاملة، لأن لباس الفتيات اليابانيات في الشارع متشابه، او انه يتبع اسلوباً واحداً هو اسلوب تلميذة الثانوية: التنورة الكحلية المكسرة والقميص الابيض المقفل بأزرار عند الياقة ورؤوس الأكمام، مع جوارب قصيرة بيضاء وحذاء بلا كعب. حتى عندما تصل الفتاة الى الجامعة تحتفظ بهذا النمط ذاته. ومن النادر جداً ان ترى فتاة يابانية في زي يعتمد الاثارة. واليابانيات، كما يبدو يفضلن القميص ذا الياقة والاكمام الطويلة، بكل اشكاله. ومظهرهن بهذه القمصان في غاية الاناقة والبساطة. ويكاد الناظر ان يرى في هذه الاناقة تاريخ الكيمونو.
من النادر كذلك ان نرى اليوم في الشارع امرأة ترتدي الكيمونو الا اذا كانت متقدمة في السن. اما الشابان فلا يرتدينه الا في حفلات الزواج. على اية حال ابسط كيمونو يكلف مبلغاً كبيراً، بحيث يغدو شراؤه مستبعداً، ولا يُطلب الا في المناسبات الهامة.
وعندما كنت اعبر شوارع طوكيو تحت امطار الخريف التي تتدفق مثل شلالات، اخذت اتساءل ماذا كان سيحل بالكيمونو الانيق؟ وكيف ستتمكن صاحبته من الاحتفاظ بخطواتها القصيرة تحت العواصف؟ ولا ريب ان خروج المرأة الى الشارع والى العمل كان من جملة العوامل التي حصرت ارتداء الكيمونو بالمناسبات.
وبالفعل فقد شرحت لي صديقتي يوشيكو بأن الكيمونو لم يعد يلائم فتيات اليوم. ذلك انه يفرض طريقة خاصة في المشي اذ يجب ان يتجه مشط القدم نحو الداخل. والتغيرات لم تقتصر على طريقة اللباس والسير. فهناك تغيرات في تكوين الجسم نفسه. لقد عانى اليابانيون طويلاً من الكساح اي نقص الكلس في العظام بسبب النقص الغذائي. لذلك كانت الفتيات بخاصة قصيرات القامة مقوسات السيقان. وهذا التكوين كان يسمح لهن بالجلوس على الارض راكعات على ركبهن ساعات. وكن حين يمشين مرتديات الكيمونو بخطواتهن القصيرة وأقدامهن المتجهة الى الداخل يظهرن وكأنهن ينزلقن على الارض انزلاقاً. اما اليوم فقد اخذ تكوين اليابانيين يتطور بفضل التنوع الغذائي ودخول الالبان والاجبان في الوجبات. فالجيل الجديد اطول قامة من الجيل السابق، والسيقان تبدو طويلة وبلا تقوس. ولعل هذا التكوين، اضافة الى فقدان العادة، يجعل من الصعب على النساء الجلوس الطويل على الارض في وضعية الركوع التقليدية القديمة.
تغير الصورة
ان الصورة التي تكونت لدينا عن الفتاة اليابانية المحيية المطيعة التي تنحني امام الرجل والاسرة تهتز ولا شك وتتغير ونحن نعبر شوارع طوكيو او نجلس في مقاهيها ونرتاد اماكنها العامة. وكم صادفت في الشارع زمراً من الفتيات يتضاحكن بصخب ويتكلمن بأصوات مرتفعة. وكم من مرة صادفت في ليالي الجمعة والسبت فتيات عائدات في المترو وهن في حالات من المرح. لكن، في الوقت نفسه، لا تستطيع الامطار ولا الاعاصير ان تمنع الشابات والنساء اليابانيات من الذهاب الى مسرح الكابوكي، لا سيما اذا شارك في العرض ممثل كبير معروف بتأديته الادوار النسائية. فتغص القاعة بنساء أتين خصيصاً لمشاهدة "الاوناغاتا" وهو اسم يطلق على الممثل الذي يقوم بالأدوار النسائية في مسرح الكابوكي والذي تعتبر تأديته لدوره مثالاً للأنوثة.
صحيح ان الفتاة اليابانية لا تنفصل عن اسرتها قبل الزواج، ولا تسكن بمفردها، لكنها مع ذلك قد غيرت بعض عاداتها. انها من جهة لا تزال تخضع لجوانب من التربية التقليدية كأن تتعلم فن تنسيق الازهار او ايكيبانه وطقوس حفلات الشاي، وهي تربية ضرورية اذا ارادت الفتاة ان تحظى بعريس مهم. ومن جهة ثانية يتزايد عدد الفتيات اللواتي لا يردن الزواج، وهو ما يوقع الهلع في قلوب الامهات.
هذه الايام عندما تنهي الفتاة دراستها تبدأ العمل فوراً لتكسب عيشها. وبما انها تقيم في بيت والديها فهي لا تتحمل مسؤوليات مالية سوى انها تحتفظ بحريتها في الحركة والخروج. مع العلم بأن هذه الحرية مقيدة بحدود، وترتبط بقواعد اخلاقية. فلا يزال الخروج مع اجنبي، مثلاً، امراً مستنكراً ومداناً. وعلى الرغم من ذلك يحظى الاجنبي باعجاب شديد في أعين الفتيات. وشركات التلفزيون التي تدرك هذا الاعجاب تختار الممثلين وفق مقاييس الجمال الغربي. فالرجل المفضل لدى الفتيات هو من كان وجهه "سوس"، اي صالصة غربية كما يعبرون، لا "صويا سوس" اي صالصة يابانية نموذجية.
فكيف تعيش النساء هذا الوضع، هذه المشادة بين تقاليد سارية المفعول وتطلعات الى الحرية في عالم من التقاليد؟
حاولت كاورو ان تشرح لي هذا. وهي طالبة تدرس اللغة العربية في جامعة طوكيو. تعيش حالياً مع ابويها في يوكوهاما. وكانت امضت سنة كاملة في دمشق بمفردها للتمرس باللغة. سألتها ان كانت حياتها في دمشق بمفردها وبحرية افضل من حياتها داخل الاسرة. فأجابت بأنها لما كانت بمفردها كانت حرة لكنها كانت وحيدة. وهي اليوم داخل الاسرة غير حرة لكنها لا تحس وطأة الوحدة، وهي على العكس محاطة بالعناية. وقصدها من هذه المقارنة انها لا تستطيع ان تحصل على الامرين معاً، فلكل من الحالتين صعوباته وحسناته، ولا بد من الاختيار. هناك اذا ما ينهض في وجه مبدأ الحرية الذي يشغل الحركات النسائية، وهو مشكلة الوحدة. واذا كانت النساء في بعض انحاء العالم اخترن الحرية رغم الوحدة فان المرأة اليابانية لم تقرر كما يبدو مواجهة مأزق الوحدة.
تقليدياً، كان الزواج يدبر عن طريق وسيط او صديق او رب العمل، يتولى تعريف الشاب والشابة على بعضهما البعض. وكان اللقاء الاول يقام بحضور الاهل او غيابهم. ويقوم الوسيط بعملية تحرّ على ماضي العائلتين واخلاقياتهما ووضعهما المادي والاجتماعي. حتى اليوم نصف الزيجات تتم بمثل هذه الطريقة. اما النصف الآخر فيعتمد على الشاب والشابة دون وسيط وقد بات شائعاً جداً منذ الستينات.
الا ان نسبة العازبين ترتفع، وان كان هذا الارتفاع ضئيلاً. والسبب في ذلك كما يقول بعض اليابانيين ان الزواج المرتب لم يعد يحظى بموافقة البعض من الاجيال الجديدة، ولم يتم حتى اليوم ايجاد بديل له. لكن منذ نهاية السبعينات ظهرت مكاتب الزواج على النمط الغربي، وهي في حالة ازدهار.
وتقول معظم اليابانيات ان هدفهن في الحياة هو الزواج من رجل "يفهمهن". وهناك احصائية جرت اخيراً يبين ان 44 في المئة منهن يتمنين الزواج قبل سن الخامسة والعشرين و70 في المئة قبل الواحدة والثلاثين.
ارتفاع معدل الطلاق
وعلى الصعيد القانوني صار الزوجان متساويين امام القانون منذ 1947. ربما لهذا السبب كانت حالتا طلاق من اصل ثلاث تتمان بطلب من المرأة. وقد ارتفعت نسبة الطلاق بكثرة في السنوات الاخيرة حوالى 15 حالة طلاق لكل الف نسمة.
هناك فكرة عامة ترى ان الرجل الياباني هو "ماتشو" مسيطر ومستبد والمرأة اليابانية لطيفة ومطيعة. وتعود هذه الفكرة الى نظرة الغرب الى هذه العلاقات التي تخضع لمفاهيم مختلفة ومغايرة.
في العائلة التقليدية الرجل هو الذي يؤمن المعيشة بينما تتولى المرأة ادارة المنزل وتربية الاولاد. وهي التي تتسلم مصاريف البيت والعائلة، وهي التي تتخذ القرارات المتعلقة بمستقبل الاولاد، وتعرض مشاريعها المبرمجة مسبقاً على زوجها الموافق سلفاً.
وفي اليابان غالباً ما تستخدم عبارة "كامي - ساما" او "امرأة سلطان" لدى الكلام عن الزوجة. واذا كانت الزوجة ربة بيت، فهي ليست سجينة البيت. انها تعرف تماماً كيف تملأ اوقاتها الشاغرة كما تعرف تماماً كيف تدير مصروف المنزل، وقد منحت وسام افضل مدَّخرة في العالم. والرجل الياباني يخص عائلته بثلاث ساعات يومياً فيما المعدل في العالم هو خمس ساعات.
وفي سن التقاعد يشعر العديد من الرجال بالضياع ولا يعرفون كيف يملأون الفراغ. ويكتشف العديد من الازواج انهم بعد عمر طويل من الحياة الزوجية، لم تسنح لهم الفرصة للتعرف على بعضهم بعضاً بالفعل. فالمرأة لا تكاد ترى زوجها وعندما تجده فجأة امامها في البيت طول النهار، لا تعرف ما تفعل به، وكيف تتصرف، وتكتشف انه في النهاية شخص غريب بالنسبة لها. ومنذ بضع سنوات تتكلم النساء بسخرية حادة عن هؤلاء الرجال. حتى لقد ظهرت عبارة "ورقة ميتة ملصقة بالأرض" وهي عبارة تشير الى الرجال بعد التقاعد، وتدل بشكل واضح على رأي النساء فيهم. ومن الظواهر التي تكلمت عنها السيدات اليابانيات اللواتي التقيت بهن في طوكيو ظاهرة الطلاق في سن التقاعد، التي باتت تتزايد منذ فترة. فالمرأة لا تطيق هذا الرجل الغريب فتتركه!
ويشهد المجتمع الياباني اليوم ظهور موقف جديد للنساء تجاه الرجال وأيضاً تجاه العمل. ومن الادلة على ذلك هو كالمعتاد، ظهور عبارات جديدة في اللغة اليابانية، وغالباً ما نجد في هذه العبارات كلمات اجنبية. فمثلاً عبارة "مادونا كوهو" مادونا = سيدة، كوهو = مرشحة ظهرت عام 1989 عندما شجعت السيدة تاكيو دوي العديد من النساء على ترشيح انفسهن للانتخابات.
وتتحرك اليابانيات ايضاً على الصعيد النسائي. هناك ثلاث جمعيات نسائية تناضل وتتظاهر باستمرار ضد التمييز الجنسي. فمثلاً اقتحمت مجموعة من النساء تترأسهن النائبة ماريكو ماتسوي حفلة الانتخابات الرابعة والثلاثين لملكة جمال طوكيو في محاولة لايقافها اعتراضاً على انتقاء النساء لتمثيل مدينتهن على اساس مقاييس جسدية حصراً.
"هاناكو - سان" هي من العبارات الجديدة التي تشير الى مواقف اليابانيات تجاه الرجال والعمل و "هاناكو - سان" آنسة هاناكو هي تسمية ابتكرت نسبة الى المجلة النسائية "هاناكو" اي "الآنسة الزهرة". وغالباً ما يقتصر دور تلك الزهرات في العمل على تقديم الشاي لزملائهن، والاجابة على الهاتف واستقبال الضيوف. وهؤلاء هن فتيات عازبات يعشن حياة غير مبالية وينفقن رواتبهن في شراء ثياب على آخر موضة وفي اللقاءات والسفر الى الخارج.
الوجه الآخر لموظفات المكاتب هو "الاوجيسان - اوفيس ليدي" او "الاستاذة الموظفة". ونساء هذه الفئة هن على غرار الرجال، "يمارسن رياضة الغولف ويشترين الاسهم في البورصة ويلتقين في ما بينهن بعد العمل للسمر.
وهناك اليوم فئة من النساء يسمونها "كارير وومان" هكذا بالانكليزية، وهي تعني المرأة المكرّسة لمهنتها وللنجاح في هذه المهنة. لما تعرفت على يوشيكو التي تعتبر "كارير وومان" لأنها لم تتزوج كي لا يعيق هذا تقدمها في العمل، كنت احسب انني سألتقي مديرة اعمال او سيدة اعمال ذات سلطة. وسألتها عن عملها فاذا بها مجرد سكرتيرة ادارية.
ولا يزال قليلاً عدد النساء اللواتي يصلن الى مراكز هامة في العمل او يصبحن نساء كوادر. لكن عاماً بعد عام، تنفتح امام النساء ميادين عمل كانت محصورة بالرجال.
لكن معظم النساء، من حاملات الشهادات العليا او غيرهن يتوقفن عن العمل بعد انجاب الطفل الاول. وسوق العمل غير مواتية لهن على الصعيد النوعي عندما يرغبن بالعودة الى العمل بعد تربية الاولاد. فهناك عدد كبير من النساء يبدي رغبة في العودة الى العمل، ومعظم الجيل الجديد اليوم يود الاستمرار في العمل بعد الزواج، والى جانب تربية الاولاد. وهذا ما يجعل اجازات الامومة واجازات الاهل وبناء دور الحضانة مطالب اساسية للحركات النسائية. والتعليم هو ميدان العمل الوحيد الذي لا تضطر المرأة للتخلي عنه من اجل اولادها.
هل يمكن بعد هذا ان نحدد للمرأة اليابانية موقعاً بين القديم والجديد؟ بين التقاليد والانطلاق؟ لعل القصة الآتية تستطيع ان تضيء هذا الالتباس وتكشف تداخل العالمين وتساكنهما:
فتاة يابانية تربت على النمط الغربي. ذات يوم تعرفت بشاب واتفقا على الزواج. غير ان الشاب كان ينتمي الى عائلة بوذية محافظة. ولما عرفت اسرته ان الفتاة لم تحصل على تربية يابانية تقليدية رفضت رفضاً قاطعاً السماح بهذا الزواج. لكن الفتاة بتربيتها المتحررة لم تسكت. كتبت مقالة تشرح فيها الموضوع بكامله وتحلل خلفياته، ونشرتها في احدى الصحف. ويلاقي هذا المقال صدى لدى بعض الشبان. فيكتب احدهم لها معلناً تضامنه معها، ويتعرف بها، وتنتهي القصة بالزواج. ولما عرفت ادارة الشركة التي يعمل لديها هذا الشاب بالأمر منحته ترقية اذ اعتبرت ان زواجه من امرأة كهذه تتمتع بتربية غربية وشخصية قوية متحررة سوف يساعده في شق الطريق ويسهل له معرفة العالم الغربي فيما لو انتدب للعمل خارج بلاده.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.