باستقالة وزير الخارجية الالماني هانس ديتريش غينشر يغيب عن المسرح السياسي الالماني وجه أليف احتل هذا المنصب طيلة 18 عاماً كان خلالها عنصراً اساسياً في لعبة الديبلوماسية الدولية. بدأ مع ويلي برانت وانتهى مع هلموت كول بطل الوحدة الالمانية الثانية. وعلى رغم ان غينشر خطط لاستقالته بالتعاون مع المستشار كول، الا انه اثار بلبلة سياسية داخل الحزب الليبرالي الذي ينتمي اليه، وداخل الحكومة التي اهتز توازنها الداخلي بحيث يبدو المستشار كول وحيداً في اتخاذ القرارات الصعبة. غير ان غينشر يتخلى عن منصبه 17 الشهر الجاري معتبراً ان اسس الديبلوماسية الالمانية أرسيت بشكل نهائي، والحال ان ثمة ملفات مفتوحة مثل مشاركة المانيا في عمليات حفظ السلام الدولية والتفرد الالماني تجاه مسائل اوروبا الوسطى والشرقية والتصويت على اتفاقيات ماستريخت ومستقبل البناء الاوروبي والحلف الاطلسي. والواقع ان المشكلة الحقيقية للديبلوماسية الالمانية تتمثل بالدور الذي تريد المانيا ان تلعبه على المسرح الاوروبي وفي العالم بما يتناسب مع حجمها البشري وقوتها الاقتصادية. فالمانيا ما بعد الوحدة هي غير المانيا ما قبلها. وفي المانيا نفسها اصوات تطالب بأن تدافع المانيا، بالدرجة الاولى عن مصالحها الاستراتيجية والحيوية بعيداً عن العقد التاريخية وإرث الماضي القريب. واذا كان غينشر حذر من ركوب هذا المنزلق الخطر فإن تخليه عن منصبه لن يساعد بالضرورة على حسم الجدال وربط المانيا بالعربة الاوروبية والاطلسية. ثم ان غينشر نفسه اظهر تفرده في التعاطي مع الازمة اليوغوسلافية ومع المسألة الكردية. هذه الهزة السياسية "الصغرى" تترافق مع هزة اجتماعية "كبرى". فالاضرابات التي بدأت في القطاع العام 2.3 مليون موظف وعامل اخذت تضرب القطاع الخاص وتنشر الفوضى العامة في دولة معروفة بالدقة والنظام. وسائل النقل العام متوقفة. المطارات والموانئ والسكك الحديد اصابتها الاضرابات الدوّارة، فيما تحولت المدن الالمانية الى مزابل مفتوحة تتراكم فيها القمامة.