زوجها حسن المسعودي خطّاط عربي كبير يعيش في باريس منذ مدة طويلة. اما هي، فرسامة فرنسية معروفة تعرفت عليه بينما كانت تدرس الفنون العربية القديمة. احبت ايزابيل مسعودي العرب والتاريخ العربي. سحرت بالخطوط الفنية العربية القديمة التي يخطها زوجها لوحات بارعة. ووجدت ان العطاء الفني يجب ان يكون مشتركاً بينهما، لكن على طريقتها. فانكبت على تحقيق القصص للاطفال الفرنسيين عن التاريخ العربي، واستخدمت فيها رسومها وخطوط زوجها. وكانت الحصيلة حتى الان، ست قصص. ولا يزال المشوار طويلاً في هذا المجال. البداية ايزابيل المسعودي تحدثت ل "الوسط" عن مشوارها الفني هذا عبر التاريخ وفن الخط العربي. وبدأته بالقول: - "درست الفنون التشكيلية في المدرسة العليا للفنون الجميلة في باريس اضافة الى الاثار القديمة للشرق الاوسط والهند والصين. مما فتح لي باب الفنون الشرقية على مصراعيه وكانت رغبة داخلية عميقة تدفعني في هذا الاتجاه. في العام 1972 تعرفت على حسن بالمدرسة ذاتها. كان يدرس الفن التشكيلي ايضاً، وكان مضى على وجوده في فرنسا ثلاث سنوات. جمعنا الفن التشكيلي وشغفي بالخط العربي والفنون الشرقية. تزوجنا ولدينا ابنة الان عمرها ست عشرة سنة. بدأت بكتابة القصص العربية للاطفال الفرنسيين بعد زيارتي لمصر وتونس والجزائر والمغرب وتركيا والاندلس. وتعرفت على الاثار العربية والاسلامية عن قرب وهذا ما شجعني على تأليف كتب للتعريف بها بشكل مبسط للصغار الفرنسيين. هل من لمحة عن هذه الكتب؟ - الكتاب الاول عنوانه "القصب"، صدر سنة 1987. وهو قصة حول الخط العربي. زوجي خطاط والخط العربي غير معروف لدى الاطفال الفرنسيين، فأردت من خلال هذه القصة ان اوضح لهم الامكانات الواسعة في اساليب الخطوط العربية والعالم السحري الذي يحيط بها من حيث الادوات: "القلم" والحبر، والقدرات الواسعة في تشكيل الحرف. وقد حققت الكتاب باللغتين العربية والفرنسية وضمنته لوحات كثيرة عن الخط بمختلف انواعه، وتطلب تحضيره حوالي السنة. الكتاب الثاني هو "قصر الحمراء" في الاندلس، انهيته سنة 1989. ويتضمن قصة تاريخية و18 لوحة. وولدت فكرته بعد زيارتي للقصر. لقد ادهشني الجمال الساحر للفضاء المعماري حيث كنت اتجول بين مساحاته المختلفة. وانطبع في احاسيسي فن زخرفة القصر وحدائقه ونوافيره واحواضه. ذهلت يومها بروعة السيراميك وهندسته. لذا اردت إبراز الوجه الاخر للفن العربي في قصة "قصر الحمراء"، الا وهو فن الزخرفة. كتاب "حذاء ابو القاسم" سنة 1989، استوحيت قصته من "الف ليلة وليلة". رغبت فعلاً إدخال الطفل في الاجواء المرحة لهذا العالم الخيالي الساحر. رسمت لوحات تمثل المدينة العربية في اوجهها المتعددة، كما شاهدتها شخصياً. استخدمت الفضاء داخل اللوحة والمنظور الاسلامي والطريقة الخاصة للفنان الاسلامي في رسم الاشجار والملابس وتزيين الجدران بزخارف ملوّنة وابراز المعالم المعمارية. الكتاب الرابع هو "منابع لافونتين" الذي صدر سنة 1990 وفيه ست قصص من كتاب "كليلة ودمنة" لابن المقفع. وقد دخلت حكاياته في اشعار الاديب الفرنسي لافونتين في القرن السابع عشر. في هذا الكتاب اردت ان اوضح للاطفال كيفية التداخل بين الثقافات العالمية، وان كل شعب يمكنه ان يستوحي من ثقافات الشعوب الاخرى لإثراء التجربة الحياتية. بالاضافة للإخراج الجمالي للقصص واللوحات الملونة التي تتضمنها. في نهاية الكتاب، وضعت مقطوعات لافونتين الشعرية الست. هناك كتابان جديدان ظهرا اخيراً وهما: "شجرة صغيرة تتحول الى شجرة كبيرة" و"السيدة الفأرة تقفز" الاول يوضح كيف ان الغابة تبدأ ببذرة. والثاني يدور حول فأرة تتجول بحرية في كل مكان. وارفقت الاثنين بلوحات زخرفية وبخطوط جميلة. صدرت القصص جميعها عن دار نشر سيروس في باريس. ولدي مفاجآت للصغار عن الفن العربي ستظهر قريباًَ. الاطفال يُلغون الفوارق لماذا انصرفت الى تأليف هذا النوع من القصص؟ - لأنني احب الاطفال اولاً. وقد بدأت بقصص كنت ارويها لطفلتي حين كانت صغيرة، ثم زينتها برسوم. هكذا وعيت اهمية هذا الاتجاه نحو ثقافة الاطفال، لان ذهنهم يكون حراً في هذه المرحلة وتكون افكارهم غير متعصبة. من هنا تأتي اهمية دخولهم لثقافة اخرى تسحرهم بعالمها وبألوانها وبأشكالها المختلفة، مما يجعلهم يقدرون الآخرين ويحترمونهم. خصوصاً ان الاطفال الفرنسيين يلتقون يومياً بأبناء الجالية العربية المغتربة في مدارسهم، وعددهم بالآلاف. اخيراً، ليست كتبي الا مساهمة بهدف تقليل العنصرية والحقد ضد العرب في فرنسا احياناً. لوحاتك في القصص المذكورة تبدو وكأنها تطوير للفن العربي - الاسلامي، عبر استخدامك للمنظور الاسلامي والوحدات الزخرفية انما على طريقتك الخاصة. فهل هذا العمل يعتبر طريقة معاصرة في الرسم خاصة بك؟ - اريد دائماً ان اذهب الى ابعد من النص المكتوب فأرسم لوحاتي وكأنها قائمة بذاتها. ابدأ بالبحث عن اشكال معمارية وهيئات بشرية وملابس وزخارف، وأدرس طرق العيش في كل بلد تدور فيه القصة. أبني أشكالي داخل اللوحة تدريجياً، وبعد ذلك اضع الالوان باستعمال الاقلام الملونة، وببطء شديد اكرر آلاف اللمسات الصغير على كل شكل، وذلك بالمرور مرات عدة وحتى الوصول الى الالوان والهيئات التي اتخيلها. تأثير الزوج ما كان تأثير زوجك على فنّك؟ - زوجي فنان تشكيلي وخطاط، كما ذكرت. وعن طريقه ازدادت معرفتي للفن العربي بشكل عميق جداً بالاضافة لدراساتي السابقة. كذلك فان زياراتي الى بعض البلدان العربية اتاحت لي التقرب من الناس داخل المجتمع العربي والتعرف الى آمالهم وطموحاتهم ومشاركة مشاعرهم. وأيضاً فان هذه الزيارات جعلتني اقترب من الفن المعاش والوقوف عليه في اطار الحاجات اليومية المستعملة. كان هذا ثراء واسعاً لثقافتي الغربية، الى جانب زوجي الذي اواصل التعاون الفني معه منذ عشرين عاماً. لقد وعينا معاً اهمية دور الفنان في تنمية وعي الجمهور. وعي للعلاقات بين الافراد ومع العالم العربي. فهمنا ان الجمهور في فرنسا بحاجة للتعرف على الفن العربي، لذلك ساهمت في مساندة زوجي حسن بتصحيح نصوصه في كتبه عن الخط العربي. فهو ألف ستة كتب ايضاً، وكان دوري فيها كقارئة اولى هو ان اجعل النص مفهوماً من قبل الجمهور الفرنسي بسهولة. كانت الاقتراحات متبادلة بيني وبينه على صعيد مؤلفاتي ومؤلفاته في سبيل التقريب بين الثقافتين العربية والفرنسية. النص بالعربية والفرنسية وابنتك نادية بين الثقافتين المذكورتين؟ - ابنتي اليوم في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية. تتغذى بالثقافة الفرنسية، ثقافة المجتمع الذي تعيش فيه. في الوقت ذاته، تدرس اللغة العربية كلغة اولى في مدرستها وتتكلم العربية باستمرار مع والدها بقدر الامكان. وأنا احاول تقريبها من المجتمع العربي بتوفير السفر لها الى البلاد العربية حتى لا تشعر بالانفصام الثقافي بل انها تملك الثقافتين العربية والفرنسية. في بعض كتبك للاطفال وضعت ترجمة عربية للنص الفرنسي. فماذا كان هدفك من ذلك؟ - حين يمسك الطفل الفرنسي كتاباً بلغتين يتولد عنده احساس بمعرفة اللغة الأخرى، حتى ولو لم يكن يقرأها. كذلك ان الكتابة العربية كالرسم التجريدي يمكنها ان تثير انطباعات شخصية عند المشاهد. وأخيراً هناك الكثير من الاطفال من اصل عربي يدرسون ويقرأون اللغة العربية في فرنسا. وأردت ان اضع لغتهم في مكان يعادل مكان اللغة الفرنسية. لكن مع الاسف اصطدم اليوم بعقبة الاستمرار بترجمة كتبي للعربية. لأن دور النشر لا تحب احياناً هذه الطريقة لأنها تكلفهم مادياً اكثر، ولأن الجمهور الذي يقرأ الفرنسية جمهور واسع جداً ويفضلون الاعتماد عليه. وهم يشعرون بأنه من غير الممكن ابداً ان تطبع هذه الكتب لاطفال بلدان العالم العربي، ولكن هذا ليس اعتقادي. وآمل ان تطبع كتبي في البلدان العربية. الفأرة تقفز في كتابيك الاخيرين "الشجرة الصغيرة…" و"الفأرة تقفز"، طغى الرسم على النص. استعرت النص من شاعر او كاتبة وطبقت الرسوم عليه. لماذا هذا التغيير في تأليفك؟ - الكتابة تأخذ وقتاً طويلاً. وفي سبيل تسريع العمل الفني، اقوم اليوم بتجربة طلب النصوص من كتّاب آخرين للاغناء المعرفي والفني. هكذا استطيع الانصراف للرسم في كتب الاطفال. ان الكتابين الاخيرين يتوجهان لاطفال لا زالوا في الروضة ولا يستطيعون القراءة جيداً، ويساعدهم الآباء في قراءة النصوص. لذا فان النص تقلص قليلاً وطغت الرسوم التعليمية والفنية عليه. الفأر يأخذ حيزاً في قصصك، لماذا الفأر بالذات؟ - لأنه حيوان صغير ويعتبر في فرنسا من الحيوانات الظريفة واللطيفة، ويحبه الاطفال. وأنا احب رسمه، واحياناً احول ذنبه الى زخارف وأجعله يساهم في تشكيل الحروف. الفأر يمكنه الدخول الى اصغر الاماكن وعنده امكانية الذهاب الى اي مكان يريد. كفرنسية - عربية، هل يمكنك تحقيق اي شيء للطفولة العربية اليوم، من خلال فنك، وعبر لوحاتك مثلاً؟ - اهتمامي بالفن العربي كخط وزخرفة ومعمار وطرق معيشة داخل المدينة يجعلني أقوّم كل ما هو جميل ونافع في عصرنا الحديث. ربما يكون هذا كنظرة خارجية تهتم بالثقافة التشكيلية التي احملها. وربما تذهب هذه الاهتمامات الى اشياء جوهرية في الفن قد تنفع الطفولة العربية ايضاً، لأنني اشعر بأنها ضرورية للطفل الفرنسي.