برعاية نائب أمير منطقة مكة المكرمة.. انطلاق مؤتمر طب العيون 2024    فان نيستلروي فخور بمسيرته كمدرب مؤقت مع يونايتد ويتمنى الاستمرار    النصر يتغلّب على الرياض بهدف في دوري روشن للمحترفين    القبض على شخص بمنطقة الجوف لترويجه مادة الحشيش المخدر    المملكة تختتم مشاركتها في المنتدى الحضري العالمي wuf12 بالقاهرة    الهلال: الأشعة أوضحت تعرض سالم الدوسري لإصابة في مفصل القدم    المملكة تؤكد التزامها بالحفاظ على التراث الثقافي في الاجتماع الوزاري لدول مجموعة العشرين بالبرازيل    مدرب الأخضر يضم محمد القحطاني ويستبعد سالم الدوسري وعبدالإله المالكي    حائل: القبض على شخص لترويجه أقراصاً خاضعة لتنظيم التداول الطبي    ممثل رئيس إندونيسيا يصل الرياض    إطلاق النسخة التجريبية من "سارة" المرشدة الذكية للسياحة السعودية    انطلاق أعمال ملتقى الترجمة الدولي 2024 في الرياض    زلزال بقوة 6.2 درجات يضرب جنوبي تشيلي    جمعية الدعوة في العالية تنفذ برنامج العمرة    ترقية بدر آل سالم إلى المرتبة الثامنة بأمانة جازان    «سدايا» تفتح باب التسجيل في معسكر هندسة البيانات    الأسهم الاسيوية تتراجع مع تحول التركيز إلى التحفيز الصيني    انطلاق «ملتقى القلب» في الرياض.. والصحة: جودة خدمات المرضى عالية    تقرير أممي يفضح إسرائيل: ما يحدث في غزة حرب إبادة    فرع هيئة الهلال الأحمر بعسير في زيارة ل"بر أبها"    خطيب المسجد النبوي: الغيبة ذكُر أخاك بما يَشِينه وتَعِيبه بما فيه    رفع الإيقاف عن 50 مليون متر مربع من أراضي شمال الرياض ومشروع تطوير المربع الجديد    أمانة الطائف تجهز أكثر من 200 حديقة عامة لاستقبال الزوار في الإجازة    بطلة عام 2023 تودّع نهائيات رابطة محترفات التنس.. وقمة مرتقبة تجمع سابالينكا بكوكو جوف    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    خطيب المسجد الحرام: من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام والإحسان إليهم    في أول قرار لترمب.. المرأة الحديدية تقود موظفي البيت الأبيض    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    «مهاجمون حُراس»    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    ما سطر في صفحات الكتمان    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    لحظات ماتعة    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    حديقة ثلجية    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    أنماط شراء وعادات تسوق تواكب الرقمنة    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الأزرق في حضن نيمار    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" تنشر على حلقات كتاب باتريك سيل عن ابو نضال - ابو نضال شارك في عملية كبرى استهدفت زعزعة نظام الاسد . الرئيس السوري طرد ابو نضال بعدما سلمه كارتر ملفاً عنه 6
نشر في الحياة يوم 09 - 03 - 1992

هذه الحلقة السادسة من كتاب باتريك سيل "ابو نضال: بندقية للايجار" تكشف معلومات مذهلة عن العمليات الدامية الكبرى التي قام بها ابو نضال ضد اهداف غربية واسرائيلية، كما تكشف معلومات مهمة جديدة عن قضية نزار هنداوي الشهيرة التي اتهمت بها سورية، وعن قصة طرد ابو نضال من سورية والدور الذي لعبه الرئيس الاميركي السابق جيمي كارتر في هذا المجال. وقد حصلت "الوسط" من المؤلف على حقوق النشر المسلسل لكتاب ابو نضال باللغة العربية في العالم اجمع، ولا يحق لأية مطبوعة عربية ان تنشر اية مقتطفات من هذا الكتاب الا بالاتفاق مع "الوسط". وهذه هي الحلقة السادسة من هذا الكتاب:
برز ابو نضال "كارهابي كبير" في الغرب في مطلع ومنتصف الثمانينات. فقد قام في تلك الفترة بمجموعة عمليات اثارت ضجة كبرى في العالم واساءت الى حد كبير الى سمعة الفلسطينيين ورصيدهم في الساحة الدولية، على حد ما اكده لي ابو اياد وغيره من القادة الفلسطينيين البارزين.
واكثر عمليات منظمة ابو نضال "شهرة" في الثمانينات هي الآتية: محاولة اغتيال السفير الاسرائيلي في لندن شلومو ارغوف في 3 حزيران يونيو 1982 وهي التي استخدمها الاسرائيليون كمبرر لغزو لبنان وضرب الفلسطينيين فيه. الهجوم بالقنابل على مقر "الكافي دو باري" في روما 18 ايلول - سبتمبر 1985 وهو الهجوم الذي اسفر عن اصابة اربعين شخصا بجروح. اختطاف طائرة ركاب مصرية في رحلتها من اثينا الى القاهرة وارغامها على الهبوط في مالطا يوم 23 تشرين الثاني - نوفمبر 1985 مما ادى الى مقتل عدد كبير من ركابها.
مهاجمة مكتبي بيع تذاكر سفر شركة "العال" الاسرائيلية في مطاري روما وفيينا في 27 كانون الاول ديسمبر 1985 بالقنابل والرصاص، ما ادى الى مقتل 18 شخصاً واصابة 110 آخرين بجروح. وقد اعتبر الرئيس الاميركي ريغان آنذاك ان هناك "ادلة لا تدحض" على دعم العقيد القذافي لأبو نضال، ويصف هجومي روما وفيينا بأنهما "الاخيران فقط في سلسلة من الاعمال الارهابية الوحشية المرتكبة بدعم القذافي". واصدر ريغان امراً تنفيذيا اعلن فيه ان اعمال الحكومة الليبية "تشكل تهديداً للامن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة".
اضافة الى هذه العمليات، ،هناك عمليتان "بارزتان" في سجل ابو نضال. الاولى في 5 ايلول سبتمبر 1986 حين استولى مسلحون على طائرة بان اميركان ضخمة للركاب في مطار كراتشي وعلى متنها طاقم وركاب مجموعهم 358 شخصاً، وعند اقتحام القوات الباكستانية الطائرة قتل عشرون راكباً واستسلم الخاطفون. وقد اتهم وزير الدفاع الاميركي كاسبار واينبرغر منظمة ابو نضال بانها المسؤولة عن العملية. وفي 6 ايلول سبتمبر 1986 قتل مسلحو ابو نضال 21 مصلياً يهودياً في هجوم على كنيس نيفي شالوم في اسطنبول وعلى رغم ان ابو نضال اعلن مسؤوليته عن الهجوم الا ان الاسرائيليين لم ينتقموا له.
وحتى هذا اليوم لا يعرف احد في الحركة الفلسطينية لماذا نفذت منظمة ابو نضال عمليتي روما وفيينا. ولكن احد اعوان ابو نضال السابقين اخبرني ان الخطة الاصلية لم تكن قاصرة على ضرب روما وفيينا فحسب، بل كانت تشمل مطار فرانكفورت بمساعدة احمد جبريل زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة. ولكن، قبل التاريخ المتفق عليه للهجوم، غير ابو نضال رأيه. فهو كان يغار من جبريل، او لعله خشي ان تكون جماعة جبريل مخترقة وقد تفضحه، فقرر ان يسارع الى العمل وحده ويستبق الامور. فأرسل له جبريل الغاضب تقريعاً شديداً، وشكا من كون ابو نضال تراجع عن اتفاقهما، وانتقد الطريقة التي جرت بها العمليتان في روما وفيينا. وجادل جبريل بما ان الاسلحة قد هُرّبت الى قاعتي الترانزيت في المطارين، فقد كان يمكن توجيه الضربتين بدقة أكبر وكان يمكن ان توقعا مزيداً من الضرر بالاسرائيليين.
وعندما ناقشتُ هاتين العمليتين مع ابو اياد في تونس صيف 1990، اخبرني بانه اضطر بعد عمليتي روما وفيينا الى اعطاء حوالي عشرين مقابلة صحافية لمحاولة توضيح ان منظمة التحرير الفلسطينية لم تكن لها اية علاقة بما حدث. ولكن ذلك لم يكن سهلاً. وقال ابو اياد : "عندما تحدث مثل هذه الاشياء المروعة الرهيبة، فان الناس العاديين يبدأون في الاعتقاد بان الفلسطينيين جميعاً مجرمون. لقد كان الضرر الذي حلّ بمنظمة التحرير فادحاً".
وقد اخبرني اعضاء سابقون في منظمة ابو نضال ان المخابرات الليبية شاركت في التخطيط وتجهيز الاسلحة التي سلمت الى المسلحين - بالطريقة التقليدية - من قبل رجل اتصالات في آخر لحظة تماماً. اما جوازات السفر التونسية التي استخدمها المسلحون فكانت ليبيا صادرتها من عمال تونسيين طردتهم عام 1985.
وقد امتدحت وكالة الانباء الليبية الهجومين "كعمليتين بطوليتين قام بهما ابناء شهداء صبرا وشاتيلا". والعقيد معمر القذافي نفسه ابرع من ان يناقش مثل هذه العمليات مع ابو نضال، ولكن ضباط مخابراته فعلوا ذلك بالتأكيد….
قضية نزار هنداوي
في 17 نيسان ابريل 1986 اكتشف، في مطار هيثرو بلندن، حارس امن اسرائيلي كيلو غراماً ونصف الكيلوغرام من السمتكس، وهي مادة بلاستيكية تفجيرية من صنع تشيكوسلوفاكي، مخبأة في القاع المزيف لحقيبة كانت تهم المواطنة الايرلندية آن مورفي بحملها الى طائرة العال المتجهة الى تل ابيب. وكان صاعق القنبلة مخفياً في آلة جيب حاسبة. كانت آن مورفي تعمل خادمة في احد فنادق لندن، وكان الذي اعطاها الحقيبة هو صديقها الاردني نزار هنداوي الذي كانت حاملة منه في شهرها الخامس، وكان وعدها بان ينضم اليها في اسرائيل حيث سيتزوجها. وقد قام هنداوي، البالغ من العمر اثنين وثلاثين عاماً، بايصال خطيبته الى المطار بواسطة تاكسي وعمد وهو في الطريق الى وضع بطارية في الآلة الحاسبة ووقّت القنبلة بحيث تنفجر الطائرة اثناء تحليقها في الجو.
وبعد ان ترك هنداوي خطيبته في المطار حوالي الساعة الثامنة صباحاً من يوم 17 نيسان ابريل، عاد الى لندن، وما لبث بعد وقت قصير ان صعد الى باص تابع للخطوط الجوية السورية ليعود فيه ثانية الى المطار كي يلحق بالطائرة المتجهة الى دمشق في الساعة الثانية بعد الظهر. غير انه قبل ان يتحرك الباص نحو المطار شاع نبأ اكتشاف القنبلة في مطار هيثرو، فغادر هنداوي الباص على جناح السرعة، وانطلق الى السفارة السورية حيث طلب المساعدة من السفير الدكتور لطف الله حيدر.
وقد حققتُ في امر هذا الحادث الارهابي الذي له علاقة بالسوريين عندما كنت أُعدّ سيرة حياة الرئيس الاسد. وتساءلت: هل كان الاسد يعلم بالامر؟ ففي ضوء حرصه على تفادي الاشتباك في حرب مع اسرائيل، لم استطع ان اصدق ان الاسد يمكن ان يوافق على قنبلة هيثرو. فلو انكشفت علاقة سورية بتدمير طائرة مدنية اسرائيلية، فان بلد الاسد ونظامه كان يمكن ان يتعرضا لخطر هائل وفوري.
والذي لم اكن اعرفه حينذاك ثم انتهى اليّ امره فيما بعد في تونس عام 1990، من قبل هارب رفيع المستوى من منظمة ابو نضال، هو ان اللجنة الفنية في منظمة ابو نضال هي التي صنعت قنبلة الحقيبة وسلمتها الى مخابرات القوى الجوية بدمشق وهي الجهة التي كانت ترعى ابو نضال في سورية. وقامت المخابرات المذكورة بارسال القنبلة في الحقيبة الديبلوماسية الى لندن حيث سلمت الى الهنداوي. والى جانب الهنداوي نفسه، فان الاشخاص الوحيدين الذين يعتقد بانهم كانوا يعرفون بهذا الامر لا يتجاوزون ضابطين او ثلاثة من مخابرات القوى الجوية واثنين او ثلاثة من جماعة ابو نضال.
وقد افترض على نطاق واسع ان هدف قائد مخابرات القوى الجوية اللواء محمد الخولي كان الثأر لحادثة وقعت قبل شهرين حين تصدت اسرائيل، بأمل اعتقال عدد من قادة المقاتلين الفلسطينيين، لطائرة سورية خاصة كانت تقل بعض الرسميين السوريين العائدين الى دمشق واجبرتها على الهبوط في اراضيها. وفي ضوء هذا التفسير يبدو ان حادث هيثرو كان عبارة عن عملية شاذة وغير متقنة قام بها فرع غير منضبط من المخابرات السورية. وعلى كل حال فان علاقة ابو نضال تعطي الحادث بعداً آخر. كان هنداوي معروفاً لدى السفير السوري في لندن الدكتور حيدر الذي كان، قبل اشهر من حادث هيثرو، اوصى المخابرات السورية بهنداوي على اساس انه كاتب معارض للنظام الاردني ويقيم في لندن، وانه يمكن استخدامه في الحملة التي كانت تشنها حينذاك سورية ضد الاردن. ولكن الذي لم يكن حيدر يعلمه هو ان برقيته الى دمشق بشأن هنداوي كانت التقطتها المخابرات البريطانية وقامت على الاغلب، بتوزيعها على عدد من الدول، بما فيها اسرائيل، التي كانت تتعاون مع بريطانيا في ميدان مكافحة الارهاب. ولذلك حينما جاء هنداوي الى السفارة ليطلب المساعدة افترض السفير انه عميل سوري يواجه مشكلة فأحاله الى رجال الامن لديه الذين اخذوه الى مسكنهم حيث حاولوا تغيير هيئته وذلك بان قصوا شعره وصبغوه.
الا ان هنداوي، ولأسباب غير واضحة، هرب من عند السوريين. وبعد ان اتصل بأخيه الذي يعمل موظفاً في سفارة قطر بلندن، سلم نفسه الى الشرطة البريطانية.
وقد جرى استجوابه بشكل مكثف على مدى ايام تعرض خلالها الى قطع نومه لمواصلة الاستجواب. ومن ثم اعترف بأنه قابل اللواء الخولي بدمشق في شهر كانون الثاني يناير 1986، وبعد مضي شهر زوده احد ضباط الخولي العقيد هيثم سعيد، بجواز سفر خدمة يحمل اسماً مستعاراً واعطاه تعليمات بان يضع قنبلة في احدى طائرات "العال" في لندن. وتم ارساله الى بريطانيا للتدريب على ذلك. ولدى عودته الى دمشق، اطلعه هيثم سعيد على قنبلة الحقيبة ودلّه كيف يوقتها. وبتاريخ 5 نيسان ابريل اعيد الى لندن حيث سلمت له القنبلة والمفجر من قبل شخص ظنه الهنداوي بانه يعمل موظفاً لدى شركة الطيران العربية السورية.
وكان اعترافه هذا هو اساس قضية الادعاء ضده في المحاكمة التي جرت في اولدبيلي في شهر تشرين الاول اكتوبر 1986. الا ان هنداوي غيَّر في المحكمة اعترافه السابق وادعى بانه كان ضحية مؤامرة قد يكون قام بها عملاء اسرائيليون. كما ادعى بأن المحقق البريطاني الذي القى القبض عليه وشارك في استجوابه، هدده بتسليمه الى الموساد واخبره بأن اباه وامه المقيمين في لندن هما ايضاً رهن الاعتقال. واشتكى بأن الشرطة قوّلت عليه بيانات واجبرته على توقيعها دون ان يقرأها. غير ان هيئة المحلفين البريطانيين لم تأخذ بأقواله ووجدت انه مذنب، وحكم عليه بالسجن لمدة 45 عاماً، وهي اطول مدة حكم في التاريخ الجنائي البريطاني. ولم تمض ساعات على صدور الحكم حتى عمدت بريطانيا الى قطع علاقاتها مع سورية وحثت حلفاءها على ان تحذو حذوها.
غير ان رئيس وزراء فرنسا جاك شيراك اعطى تصريحاً اغضب السيدة تاتشر اذ قال لجريدة "واشنطن تايمز" في 10 تشرين الثاني نوفمبر 1986 ان المستشار الالماني كول ووزير خارجيته غينشر يعتقدان بأن "مؤامرة هنداوي كانت عملية اثارة مصممة لاحراج سورية وزعزعة نظام الاسد" وانه "يشتبه بأن وراءها اشخاصاً مرتبطين بالموساد". واضاف شيراك بانه ميال الى مشاركة كول وغينشر اعتقادهما.
مؤامرة اسرائيلية
ان اسرة الهنداوي هي من اصل فلسطيني كانت استقرت بقرية الباقورة في الجانب الشرقي من الاردن. وكان لهذه الاسرة تاريخ من العلاقات مع الموساد. فالاب كان يعمل طباخاً في السفارة الاردنية بلندن قبل ان يُكتشف بانه عميل اسرائيلي. وقد صدر عليه غيابياً حكم اردني بالاعدام. غير انه نجا من تنفيذ الحكم به عن طريق بقائه في بريطانيا. وفي شقة هذا الاب الواقعة في احدى ضواحي لندن خبأ نزار هنداوي حقيبة القنبلة لمدة عشرة ايام خلال شهر نيسان ابريل 1986. بل ان نزار هنداوي نفسه كان له سجل كعميل صغير للمخابرات لا يملك اي التزام عقائدي. وقد اخبرني رسمي اردني كبير ان هنداوي سبق له وقام بمهمات صغيرة مختلفة لحساب سورية ضد الاردن ولحساب الاردن ضد الفلسطينيين، وكذلك لحساب الحزب الشيوعي الاردني السري وللموساد.. وانه "تلقى اجراً عن ذلك كله".
وقد ظل لسنوات عبارة عن بيدق قليل الشأن يتنقل على الارضية الوسطى ذات الظلال بين اجهزة مخابرات الشرق الاوسط. وفي ضوء سجله ذاك فان الاردن رفض ان يجدد له جواز سفره عام 1985 فعرض خدماته على سورية. وكان في حادثة هيثرو عدد من النواحي الغريبة والشاذة في طريقة تصرفه: فقد هرع الى السفارة عندما تم اكتشاف امر القنبلة وطلب من السفير ان يساعده وقد تنصتت المخابرات البريطانية على حوارهما، وما لبث ان هرب من رجال الامن السوريين ولم يحاول ان يختفي او ان يهرب خارج البلاد. وبدلاً من هذا كله فانه قام بتسليم نفسه، وبدا وكأنه فعل ذلك بهدف ان يورط السوريين.
وبالطبع، ليس هناك شك في وجود علاقة لمخابرات القوى الجوية السورية بحادثة هيثرو، فهي التي جندت هنداوي، ومنحته جواز سفر سورياً حكومياً يحمل اسماً مستعاراً، وهي التي ارسلته الى لندن وزودته بقنبلة الحقيبة. ولكن افلا يمكن ان يكون هنداوي، وهو الذي عمل لعدد من اجهزة المخابرات، بما فيها الموساد، عبارة عن عميل مزدوج يعمل لسورية ولكن بتوجيه اسرائيلي؟ ام انه جرى زرعه بشكل متعمد لدى السوريين، او رؤي فيه امكانية ان يصبح عميلاً مزدوجاً على اثر تجنيده من قبل السوريين؟ وانطلاقاً من هذه النظرية فان هنداوي كان اداة اختراقٍ اسرائيلي للمخابرات السورية وذلك بأن يؤدي مهمة العميل المحرض في سبيل ان يُسوِّد سمعة سورية بوصمة الدولة الارهابية. واذا كانت هذه النظرية صحيحة فهذا يعني بالتالي ان قنبلة هيثرو لم يكن مقرراً لها ان تنفجر وان اكتشافها من قبل حارس امن اسرائيلي لم يكن سوى تمثيلية لا مسألة يقظة متناهية. وقد يكون هنداوي نفسه قد اقنع بانه سيتلقى حكماً قصير الاجل باعتبار ان احداً لم يصب في الحادث.
ان الخلفية السياسية للحادث تدعم الى حد ما هذا التفسير. ففي 13 آذار مارس 1986 وقع تفجير رهيب لسيارة في وسط مدينة دمشق، وكان ذلك بمثابة بداية لحملة كانت مصممة على ما يبدو لزعزعة نظام الاسد. وفي نيسان ابريل هاجمت الولايات المتحدة ليبيا، وفي 16 نيسان ابريل فُجرت قنابل في شاحنات وقطارات في مختلف انحاء سورية فقتلت ما لا يقل عن 144 شخصاً وجرحت عدداً اكبر بكثير. وفي 17 نيسان ابريل اكتشفت قنبلة هنداوي في مطار هيثرو واستقطبت على الفور ادانة عالمية لسورية.
وعندما سمع الاسد بحادثة هيثرو اعتقد بانها مقدمة لهجوم فعلي على سورية تقوم به اسرائيل وحدها او بمشاركة الولايات المتحدة. واشتبه بأن اعداءه يريدون اسقاطه لفتح الطريق امام الاتفاق الاسرائيلي - الاردني ولتمكين اسرائيل من الهيمنة على المنطقة. وفي حديث اجرته مجلة "تايم" مع الاسد بتاريخ 20 تشرين الاول اكتوبر 1986 قال ان المخابرات الاسرائيلية هي التي خططت لعملية الهنداوي. وقد اخبرني رسميون سوريون كبار انهم بعد ان حققوا في الحادث بعد وقوعه وجدوا ان مخابراتهم كانت سقطت في فخ. وقد ألقي القبض على العقيد مفيد عكور، ضابط مخابرات القوى الجوية، الذي اشار اليه هنداوي في المحكمة، للشك بانه يعمل لصالح اسرائيل. اما رئيسه، العقيد هيثم سعيد فقد اختفى عن الانظار. وفقد رئيس الجهاز اللواء محمد الخولي، الذي كان في السابق يرعى ابو نضال، منصبه الهام ونقل الى منصب آخر في القوى الجوية.
ولكن اذا كانت المخابرات السورية تم اختراقها، فما هو الدور الذي لعبه ابو نضال في ذلك؟ لقد كان هو الذي زود المخابرات السورية بقنبلة الحقيبة. ولكن هل كان هو - او سواه في منظمته. الذي اقنع السوريين بداية بفكرة الهجوم على طائرة العال؟ وهل كانت منظمته هي القناة التي دخل منها الاختراق الاسرائيلي؟ ...
اختطاف طائرة كراتشي
لقد ادت قضية الهنداوي الى توتير علاقات سورية بأبو نضال الى حد كبير، ولكن الحادثة التي قطعت تلك العلاقات كانت اختطاف طائرة بان اميركان ضخمة في مطار كراتشي وعلى متنها 368 راكباً، في 5 ايلول سبتمبر 1986.
من الناحية الفنية، كانت تلك عملية كاملة، على الاقل في مراحلها الاولى. فقد استطاع اربعة مسلحين، يرتدون زي موظفي الامن الباكستانيين ويركبون سيارة تشبه سيارات الشرطة، بشكل يُسهل مرورها، ان يدخلوا المطار ويصعدوا الى الطائرة - بوينغ 747 - عندما توقفت للتزود بالوقود وهي في طريقها من بومباي الى نيويورك. وسرعان ما تغلبوا على الركاب والطاقم. غير ان الامور بدأت تتجه لغير صالحهم بعد بضع ساعات. فقد استطاع القبطان ان يقفز من مقعده وبذلك شلت حركة الطائرة. وفقد الخاطفون اعصابهم وبدأوا يطلقون النار. وعندما اقتحمت قوات الجيش والشرطة الباكستانية الطائرة، فتح احدهم مخرج طوارئ وبدأ الركاب المتصارخون يتدحرجون خارج الطائرة. وقد قتل اكثر من عشرين شخصاً في الفوضى المضطربة قبل ان يستسلم الخاطفون.
كان الفريق الذي نفذ العملية تدرب على نموذج للطائرة في معسكر البقاع الذي تديره مديرية مخابرات ابو نضال. ومن اجل اقناعهم بالتطوع، قيل لهم ان الطائرة ستؤخذ الى اسرائيل وتفجر فوق منشأة عسكرية هامة. غير ان قائد الفريق، واسمه الحركي عباس، الذي كان مقرراً ان يحمل المتفجرات في زنار على خاصرته، صدرت له تعليمات بأن يفجر الطائرة بمجرد ان تحلق في الجو. وكان عباس وفريقه مستعدين للموت. وبعد استكمال تدريبهم نقلوا الى سورية وأُوعز اليهم ان يستعدوا للمغادرة عن طريق مطار دمشق. لكن العملية فشلت.
وقد انكر الناطق باسم منظمة ابو نضال اية علاقة بهذه العملية ولم يدرك اعضاء المنظمة ان العملية كانت من صنع منظمتهم حقاً الا بعد ان ظهرت صور الخاطفين في الصحف فتعرفوا عليهم.
دور كارتر في طرد ابو نضال
اعتبارا من صيف عام 1986، شرع ابو نضال ينقل منظمته بهدوء الى خارج سورية. فقد شعر بأن المناخ لم يعد مواتياً له، ولم يكن يرغب في ان يفاجأ بأمر طرد على حين غرة. وكانت اول حركة قام بها ان اصدر تعليماته الى عبدالرحمن عيسى، مدير مخابراته، بنقل محفوظات ارشيف المنظمة وغيرها من المواد الوثائقية المهمة الى ليبيا. وفي الوقت نفسه، تم التخلص من عدد من المكاتب والشقق. وكان السوريون يظنون بأنه كان يعمل من دزينة من المباني، غير انهم دهشوا فيما بعد عندما اكتشفوا بأن المنظمة كانت تحتل اكثر من 200 موقع. ولم يُعثر على وثيقة واحدة او حتى قصاصة ورق في اي منها.
ولكن على رغم التخطيط الجيد لعملية الانتقال الا ان شيئاً مهماً جرى نسيانه عن طريق الخطأ. كان ذلك مخبأ سلاح. وطوال سنوات عديدة، ظل عبدالرحمن عيسى وغيره، بناء على تعليمات ابو نضال، يهرّبون اسلحة الى سورية.. حقائب ملأى بالمسدسات والرشاشات جيء بها على يد حملة جوازات سفر ديبلوماسية ليبية. وقد حذر عيسى ابو نضال بقوله: "اذا عثر السوريون على بندقية واحدة، فسنقع في مشاكل". فرد عليه ابو نضال: "انك لا تفهم. ان حليف اليوم هو عدو الغد". وعلى اية حال، فان كتلة كبيرة من السلاح، حوالي 70 رشاشا، معظمها سكوربيون بولندي، وعوزي اسرائيلي كانت قد خبئت داخل حائط والصقت فوقها طبقة من الجص في سرداب في بيت تملكه مديرية مخابرات المنظمة. ولا شك ان ابو نضال نسي هذه الاسلحة، لأنه خلال الشهور التي كان يخطط فيها لمغادرة سورية امر المسؤولين عن الامور المالية لديه ببيع ذلك البيت، فاشتراه ضابط سوري.
وبعد ذلك بثلاثة اعوام، في 1989، استخرج احدهم مخبأ الاسلحة من مكانه داخل حائط القبو وقدمه الى السوريين كهدية. وعندما سمع الاسد بذلك قيل بأنه هتف متعجبا: "بمثل هذه الترسانة، كان بوسع المعارضة ان تقتلني وتقتل الحكومة كلها!". اما المنظمة فقد دب فيها الذعر عندما وصلها الخبر: من الذي اخطأ؟ من الذي خانهم؟
لم يعرف السوريون بخطف الطائرة المصرية ولم يوافقوا على ذلك في تشرين الثاني نوفمبر 1985، ولا بعمليتي روما وفيينا في كانون الاول ديسمبر 1985، ولا بعملية الخطف في كراتشي في ايلول سبتمبر 1986. بل لقد ارسل الباكستانيون الى سورية ملفاً يُظهر بأن مسلحي ابو نضال استخدموا مطار دمشق وغيره من المرافق السورية. ولكن، على الرغم من الاحراج الذي سببته لهم هذه الاعمال الارهابية، والاحتجاجات المتكررة من الولايات المتحدة وغيرها من البلدان، فقد كانت السلطات السورية بطيئة في العمل ضد ابو نضال.
بيد ان قضية الهنداوي هزتهم بصدمة عنيفة مفاجئة. وعندما انتهى التحقيق في هذه القضية المعقدة وتم تقرير وتثبيت المسؤوليات، اقتنع السوريون بأن ابو نضال شريك خطر وان الوقت حان للتخلص منه.
غير ان التحرك في سورية هو عادة شديد البطء، الى درجة ان المسألة لم تصل الى ذروة تأزمها حتى شهر آذار مارس 1987، عندما قام الرئيس الاميركي السابق جيمي كارتر بزيارة شخصية الى دمشق. وكانت وزارة الخارجية الاميركية اعطته ملفاً يتضمن معلومات وطلبت منه ان يثير حادثة كراتشي مع الرئيس الاسد. فطلب الاسد الملف الذي ارسله الباكستانيون الى سورية، وأصيب بصدمة لما قرأه في ذلك الملف الى درجة جعلته يتحرك ويتخذ الاجراءات. وهكذا تم في 1 حزيران يونيو 1987 طرد جميع اعضاء منظمة ابو نضال، مع زوجاتهم واطفالهم من سورية، واغلقت مكاتبهم.
الا ان ابو نضال لم ينتظر صدور امر الطرد. ففي 28 آذار مارس كان ابو نضال غادر سورية. وبصحبة مدير مخابراته عبدالرحمن عيسى توجه اول الامر الى بولونيا، قبل ان يطير الى طرابلس بعد ذلك بيومين في 31 آذار مارس. كانت ليبيا قد اصبحت مقر سكنه الدائم. اما زوجته هيام وأطفالهما الثلاثة نضال، وبادية، وبسام فقد ظلوا في دمشق حتى شهر آب اغسطس، لتفريغ وبيع المنزل الضخم الفاره في الزبداني.
وحسب شهادة عبدالرحمن عيسى المسجلة على الشريط الذي استمعتُ اليه فان الحادي والثلاثين من آذار مارس عام 1987 كان يوماً تاريخياً مشهوداً في مفكرته. ولقد سأله ابو نضال اكثر من مرة: "لماذا تتحدث عن ذلك التاريخ هكذا بلا انقطاع؟" فكان رد عيسى: "لأنه يوم انتهاء حياتنا التعيسة في سورية، واليوم الذي مهّد لسرورنا ومتعتنا الحقيقية في ليبيا!".
الاسبوع المقبل:
الحلقة السابعة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.