في أول تشرين الأول (أكتوبر) عام 1985 شن الطيران الإسرائيلي غاراته على مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس، وترجع أهمية الحدث إلى البعد الجغرافي لتونس، فهي ليست من دول الجوار مع إسرائيل، حتى يكون الادعاء بأن المقاومة الفلسطينية تعبر الحدود للإغارة على أهداف في العمق الإسرائيلي، وقد أسفر الهجوم عن وقوع مئة ضحية بين قتيل وجريح، كرد فعل لمقتل ثلاثة إسرائيليين في لارناكا بقبرص على يد المقاومة الفلسطينية، فتبنّت واشنطن الموقف الإسرائيلي، وأقرت بمشروعية الغارة على اعتبارها رداً على هجمات إرهابية سابقة ارتكبتها عناصر تنتمي إلى منظمة التحرير الفلسطينية، فلمّا أصدر مجلس الأمن قراراً يندد بالعدوان الإسرائيلي على تونس، امتنعت الولايات الأميركية عن التصويت. في شهر شباط (فبراير) عام 1986 اعترض الطيران الإسرائيلي مسار طائرة ركاب ليبية متجهة إلى دمشق، وأجبرها على الهبوط في أحد المطارات الإسرائيلية، بحجة وجود «إرهابيين» فلسطينيين على متنها، وكما حدث في سابقة 1973 مع طيران الشرق الأوسط اللبناني أفرجت السلطات الإسرائيلية عن الطائرة بعد تيقنها من عدم وجود الإرهابيين المزعومين، فادعى المندوب الإسرائيلي أمام مجلس الأمن أن دولته استخدمت حقها الطبيعي في الدفاع عن نفسها، صحيح اعتبر المندوب الأميركي العمل غير مشروع، لأنه قائم على الشك بلا دليل على وجود «إرهابيين» على متن الطائرة، ولكنه من ناحية أخرى، أكد المندوب الأميركي أن مبدأ اعتراض مسار الطائرات المدنية ليس عملاً غير مشروع على إطلاقه، فقد تقع ظروف استثنائية تبرر هذا الاعتراض، فإذا تعرضت دولة أو مواطنوها لهجمات إرهابية فإنها تتمتع بحق استخدام القوة المناسبة للدفاع عن نفسها عملاً بالتفسير الموسّع لنص المادة ال51 من ميثاق الأممالمتحدة. في شهر نيسان (أبريل) عام 1986 شن الطيران الأميركي ضد ليبيا غارة تسبّبت في وقوع خسائر مادية، غير الخسائر البشرية (37 قتيلاً، 93 جريحاً)، بهدف معلن في الرد على حادثة تفجير قنبلة في ملهى برلينالغربية يرتاده جنود أميركيين، وعلى حادثة الهجوم على مكاتب شركة «العال» الإسرائيلية بمطاري فيينا وروما ليلة عيد الميلاد عام 1985، حادثتين زعمت الحكومة الأميركية أن القيادة الليبية هي المسؤولة عنهما، وإن كان الهدف، ولو لم يعلن صراحة، القضاء على الزعيم الليبي معمر القذافي، فجاء المندوب الأميركي، وأكد أمام مجلس الأمن على حق دولته في الدفاع عن نفسها في مواجهة الأعمال الإرهابية، فأيده المندوبان البريطاني والفرنسي معاً، ففشل مجلس الأمن في استصدار قرار يدين العمل العسكري الأميركي بسبب استخدام حق النقض (الفيتو) من الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا. في شهر فبراير عام 1992 هاجمت طائرتان مروحيتان إسرائيليتان موكب الشيخ موسوي في جنوب لبنان، أسفر الهجوم عن مصرعه وزوجته وابنه وخمسة من حراسه، فادعت إسرائيل أنه من قبيل أعمال الانتقام المشروع لأعمال إرهابية سابقة قام بها أعضاء في حزب الله والشيخ موسوي رمز لذلك الإرهاب، مع أن الهدف الأصلي كان في اختطاف موسوي واقتياده إلى إسرائيل، فجاءت رده الفعل الغربي متّسمة بالتحفظ الشديد، أمّا وزارة الخارجية الأميركية فأعربت عن أسفها لإهدار حياة إسرائيليين ولبنانيين، وناشدت الطرفين بضبط النفس، وعليه، لم يدعُ مجلس الأمن إلى مناقشة أمر الحادثة. والقائمة تطول وتطول. والسؤال المختصر ألا يمكن لطائرة أميركية بلا طيار أن تغير على سورية فتقضي على رأس النظام السوري أو قل رؤوسه الطغاة!! ولنناقش سيناريو سورية بعد الأسد عقبها، عوضاً عن اجتماعات ومؤتمرات لم تسفر سوى عن تمادي أفظع للنظام السوري؟ ولتفعلها أميركا وليندد مجلس الأمن، فها هي وقائع صريحة في عدم شرعيتها وفي تنديد مجلس الأمن لبعضها، فماذا حدث؟ قضي الأمر، يعني «جات على الدم السوري والتزمنا الشرعية محتارين!».