عاد المخرج الاميركي فرانسيس فورد كوبولا صاحب "العراب" هذه المرة من جديد، ولكن في فيلم لا تربطه في الظاهر اية علاقة بكافة افلامه التي حققها حتى الآن: فيلم مقتبس - بأمانة هذه المرة! - عن رواية برام ستوكر الشهيرة "دراكولا" التي تتحدث عن الكونت مصاص الدماء. وهو الفيلم الذي ينتظره جمهور السينما بترقب وشغف في هذه الايام… متسائلين: ترى ما الذي يمكن لكوبولا ان يضيف الى حكاية نهشتها السينما عشرات المرات قبل الآن؟ جيم هارت يقول: "انها المرة الاولى التي ينقل فيها نص ستوكر الى الشاشة… رغم افلام دراكولا العديدة" فهل هذا صحيح؟ ام انه ترويج من كاتب السيناريو لعمله؟ في الثالث عشر من كانون الثاني يناير المقبل يأتي الجواب. في انتظار ذلك نغوص هنا في حكاية الفيلم وكاتبه، وحكاية الاقتباسات العديدة السابقة. بدأت القصة في العام 1976 حين نشرت رواية الكاتب آن رايس بعنوان "حوار مع الغول" لتثير عاصفة من الاعجاب وتعيد الاهتمام من جديد بذلك العالم الغريب: عالم "الغيلان" ومصاصي الدماء. كان بين قراء الرواية يومذاك كاتب سيناريو شاب يدعى جيم هارت ما ان انتهى من قراءة الصفحات الاخيرة منها حتى وجد نفسه تواقاً لقراءة الرواية الاصلية: رواية برام ستوكر التي كانت نشرت في العام 1897، و"نقلت" الى الشاشة عشرات المرات، اضافة الى تلاحق طبعاتها والنصوص التي تحدرت عنها. يخبرنا جيم هارت اليوم انه ما ان اعاد قراءة رواية برام ستوكر حتى خالجه شعور غريب وسأل نفسه: "ولكن هل يمكن لاحد ان يدعي حقاً بأنه قد نقل هذه الرواية الى الشاشة؟". فالحقيقة كما يقول هارت، ان كل الافلام التي اقتبست عن رواية برام ستوكر، جاءت مبتورة سطحية متسرعة ولم يتمكن اي منها من الغوص في روح الرواية او في روح شخصيتها الرئيسية. وهكذا وجد جيم هارت نفسه ينكب على قصة "دراكولا" مصاص الدماء فيكتبها ويعيد كتابتها، ويواصل الحلم سنوات وسنوات، كي يجد المخرج القدير والمتفهم الذي ينقلها الى الشاشة الكبيرة. واليوم يخبرنا هارت كم كانت سعادته كبيرة حين علم للمرة الاولى بأن فرنسيس فورد كوبولا قد وافق على "الاشتغال" على الفيلم. والحقيقة ان هارت محق في شعوره بالسعادة، لان "دراكولا" كما تحقق على يديه جاء شيئاً اخر مختلفاً كل الاختلاف، وجديداً. فلم نعد هنا امام مصاص دماء متوحش هدفه ارعاب الآخرين ومص دمائهم في مشاهد تستهدف - وحسب - زرع الرعب في صالات السينما. بل صرنا امام شخصية ملأى بالتناقض، امام كونت مرعب ومصاص دماء لكنه ذو حساسية ومشاعر، يقف في موقع وسط بين الرجولة والانوثة، تحبه النساء ويريد الرجال قتله، ليس فقط لانه شرير، بل لانهم هم ايضاً لا يخلون من الشر! صورة لدراكولا تتناقض تماماً مع الصورة التي سبق للسينما ان قدمتها لنا عبر عشرات الافلام التي اقتبست هذه الاسطورة: منذ فيلم الالماني مورناو "نوسقراتو؟؟" وصولاً حتى فيلم الجزائري المقيم في باريس عبدالكريم بهلول، الذي اقتبس في "مصاص دماء في الجنة" شخصية الغول ليحولها الى محور يقوم عليه فيلم ذو رسالة فكرية لا تلتقي ابداً مع البعد الاصلي لحكاية دراكولا. هنا، قبل ان نعود الى الحديث عن فيلم كوبولا الذي سوف يبدأ عرضه في شتى انحاء العالم يوم الثالث عشر من شهر كانون الثاني يناير المقبل، نتوقف قليلاً عند جذور حكاية دراكولا ونتفحص ذلك السحر الذي مارسته هذه الحكاية على المبدعين والمتفرجين سواء بسواء، سحر جعل السنوات العشر الاخيرة وحدها تشهد ظهور ما لا يقل عن ثلاثين فيلماً اقتبست بشكل او بآخر من الاسطورة نفسها. فالحال ان دراكولا الاصلي، الذي من حول شخصيته بنى برام ستوكر اواخر القرن المنصرم حكايته المرعبة، هو بطل قومي روماني ولد في شاسبرغ في العام 1430 تحت اسم فلاد تيربيش، ثم حين خاض الحروب الطاحنة ضد المولداف والاتراك، لقبه شعبه بإسم "فلاد دراكول" - وكلمة دراكول في اللغة المحلية تعني الشيطان - لماذا؟ لان ذلك البطل القومي لم يتورع خلال الحروب التي خاضها عن ممارسة شتى انواع التعذيب وكافة ضروب القتل والعنف والقسوة ضد خصومه بحيث كان ادخاله اجسادهم في "الخوازيق" الحادة مباشرة تكاد تكون يومية، وثمة في التراث الروماني العديد من النصوص والتواريخ التي تصفه لنا بدقة وتتحدث بإسهاب عن "مآثره": من وضع الاطفال في المياه الساخنة وسلقهم واصدار الامر لامهاتهم بأكلهم، الى تعليق الاحياء على الاعمدة… ومما يروى عن دراكول انه كان يفخر خلال ايامه الاخيرة بأنه قد قضى بيديه على 24 الف ضحية. اما شعبه نفسه فإنه كان يعتقد ان دراكول متحالف مع الشيطان وانه كان قادراً على ممارسة السحر. كانت هذه الشخصية التاريخية هي التي اوحت للكاتب الايرلندي برام ستوكر اواخر القرن الفائت برسم شخصية كونت يعيش في ترانسلفانيا رومانيا وينتمي الى سلالة ذلك البطل القومي المريع… فهل كان برام ستوكر يرمي الى مجرد كتابة حكاية رعب في ذلك العصر الفيكتوري البريطاني الذي كان حافلاً بشتى حكايات الرعب؟ ان سيرة برام ستوكر تفيدنا بأن الرجل قد كتب روايته، في وقت كان ينتمي الى جمعية سرية تعرف باسم "الفجر الذهبي" وتضم الى جانبه عدداً من كبار كتاب وفناني ذلك العصر ومن بينهم آرثر ماتشن وساكس روهمر وويليام بطربيش. ويقال عن تلك الجمعية انها كانت ذات نزعة شيطانية واهداف تتعلق بنوع من سيطرة السحر على العالم. ومن هنا ما نلاحظه حين نقرأ نص الرواية كما كتبها برام ستوكر، من ان هذا الاخير لا يقف موقف الادانة من بطله الشيطاني، بل انه يورد خلال تحليله لشخصيته ما يمكن من التعاطف معه بشكل او بآخر: بدءاً مما يؤكده لنا من ان نهم دراكولا الى الدم انما يعود الى اصابته بمرض دم وراثي لا يد له فيه، وصولاً الى تصويره لنا - وان بشكل معاكس - مؤمناً يرتدع امام الاشياء المقدسة، ناهيك عن ان برام ستوكر يجعل لدراكولا شعبية طيبة في الاوساط النسائية ويصور لنا رجال العصر الفيكتوري قساة القلوب مطاردين للسحرة في لندن الفيكتورية التي كان الكونت مصاص الدماء انتقل اليها آتياً من ترانسلفانيا! أول اقتباس حقيقي! جيم هارت يقر بهذا كله، ويقول ان هذه السمات التي تثير التعاطف مع شخصية دراكولا، هي السمات الاساسية التي تحملها رواية برام ستوكر، ومن هنا فإن هذا الاقتباس الجديد عن الرواية يجب ان يعتبر الاقتباس الحقىقي الاول… وحول هذا الامر يضيف: "حين عدت لقراءة رواية برام ستوكر في اواسط العام 1967، اذهلني ما في الرواية من مزايا ادبية وشعرت انني أمام كتاب يمتلئ بالتأثيرات البصرية، كتاب يخاطب العين والاذن باستمرار… ان المشاهد التي ابتكرتها مخيلة برام ستوكر تظل حتى يومنا هذا بين اقوى المشاهد التي عرفها عالم الادب. ان في هذا الفيلم من الحركة ما يكفي لملء ثلاثة افلام من طراز مغامرات انديانا جونز… وفيه من الرومانطيقية ما من شأنه ان يذيب افئدة اقسى النساء… ناهيك عن ان "غولنا" هنا شديد الاناقة والرهافة. وهذا ما يجعلني عاجزاً عن تصديق ان السينما قد تمكنت دائماً من ذبح هذا العمل الادبي الكبير فلم تتمكن من التعمق فيه… ان اي فيلم من الافلام التي حققت انطلاقاً من رواية برام ستوكر لم يتمكن من انصاف هذا الكاتب الكبير". اي فيلم باستثناء فيلم واحد هو "الكونت دراكولا" كان حققه جيس فرانكو، وقام بالدور الاساسي فيه كريستوفر لي، الذي لعب دور مصاص الدماء في عشرات الافلام على اي حال. فالحال ان فيلم جيس فرانكو تابع خط الرواية محترماً تفاصيلها غير ان ضعف اخراجه اساء اليه. من هنا يكبر الترقب ويكثر التساؤل حول المدى الحقيقي الذي وصل اليه كوبولا في فيلمه الجديد هذا. والحال ان القلة من الناس التي شاهدت بعض نسخ العمل من الفيلم حتى الآن ابدت اعجاباً ودهشة كبيرة امام هذا الفيلم، وتوقفت عند بعض مشاهده لتقول ان كوبولا عرف هنا كيف يتجاوز نفسه، وكيف يخلق جديداً انطلاقاً من حكاية معروفة. لقد عرف كوبولا كيف يسحر متفرجيه منذ لقطات الفيلم الاولى حين يرينا غاري اولدمان في دور دراكولا، وقد بات رجلاًَ عجوزاً ذا نظرة ثاقبة ومرهفة. وفجأة يتحول الرجل الى ما يشبه الذئب البشري، ثم الى وطواط عملاق ذي ملامح بشرية… كل هذا دون ان تفقد نظرته قوتها ورهافتها. في مرحلة تالية يصل الكونت الى بريطانيا فيتخذ هنا كل سماته الساحرة لنراه على صورة رجل نحيل رشيق ذي شعر بني مموج… ويطالعنا بنظاراته وهو يتمشى متألقاً بين جموع الناس في الشوارع. ثم في اوقات لاحقة نراه وقد استعاد سحنته الشيطانية حيناً، وتحول الى غيمة من ضباب تتنقل بين مكان واخر احياناً. ولعل من اجمل المشاهد التي سيتوقف عندها المتفرجون، المشاهد التي يراقص فيها دراكولا، نينا هاركر في غرفة ملأى بالشموع، او تلك التي صورت من اعلى لغينونا رايدر خطيبة الكونت وهي تمتص الدم السائل من جرح عميق في صدر دراكولا… لكوبولا تاريخه ايضاً حتى الآن يفضل فرانسيس فورد كوبولا الا يتفوه بكلمة حول الفيلم، فإذا سأله سائل عن رأيه بالنتيجة يجيب "سأقول رأيي بعدما ارى انطباعات المتفرجين" غير انه في الوقت نفسه لا يحاول ان يخفي كونه لا يشعر بأي قلق ازاء هذا الفيلم. لماذا؟ يبتسم دون ان يجيب. يبتسم وهو يتذكر بالطبع الصعوبات التي جابهت العمل… ومن المعروف ان انجاز كل فيلم من افلام فرانسيس فورد كوبولا يعتبر مأثرة فنية شاقة. وحسبنا للتيقن من هذا، ان نراجع حكاية كوبولا مع السينما: اخفاق اثر اخفاق… افلاس اثر افلاس… ابنه يقتل خلال العمل على واحد من افلامه… الاستديوهات تطارده لانجاز فيلم حاول ان يستفيد من تمديد ايام قليلة لتحسينه. ورغم هذا كله عرف ذلك الاميركي الايطالي الاصل الذي يحتفل هذه الايام بالذات بمرور ثلاثين عاماً على عمله السينمائي، عرف كيف يجعل لنفسه مكانة اساسية وكبرى في تاريخ السينما عبر افلام صارت اليوم علامات فارقة، من "العراب" بأجزائه الثلاثة، الى "يوم الحشر… الآن" ومن "المحادثة" الى "كوتون كلاب" و"حديقة الحجر" و"راستي جيمس" وصولاً الى الفيلم الغريب "بيغي سو تزوجت". اليوم يبلغ كوبولا الثالثة والخمسين من عمره… ويقول ان "دراكولا" فيلمه الجديد ربما شكل بالنسبة اليه بداية جديدة "خاصة وانه واحد من الافلام القليلة جداً التي صنعها في حياته دون ان يكون هو صاحب فكرتها الاصلية". فپ"دراكولا برام ستوكر" - وهو العنوان الكامل للفيلم - عرض من قبل ان يعرض على كوبولا، على العديد من المخرجين، ومن بينهم جون كاربنتر، غير ان اياً منهم لم يقبل خوض التحدي. التحدي؟ أجل… فأن تأتي اليوم لتحقق فيلماً عن رواية حققت عشرات المرات من قبل، ليس بالامر الممكن، خاصة اذا كانت الرواية نفسها تعتبر - عن صواب او عن خطأ - عملا ادبياً من درجة دنيا. والحال ان رواية دراكولا كانت تعتبر - وخاصة بالنسبة للذين لم يقرأوها ابداً! - رواية ثانوية الاهمية… صحيح ان فورنارد الالماني كان حقق في العام 1919 فيلما عنها دخل في عداد اهم كلاسيكيات السينما العالمية، لكنه اعتبر عملاً قائماً بذاته خارج نطاق الرواية… حيث عبر الفيلم عن رؤية ثاقبة للخوف الالماني من المجهول المقبل بعد هزيمة الحرب العالمية الاولى وبروز المؤشرات الاولى على ظهور الفاشية. بعد ذلك اتت عشرات الافلام التي احصيت منها خمسة وثلاثون فيلماً خلال العقد الاخير، اي بعد ان توقف كريستوفر لي دراكولا في عدد كبير من الافلام الانكليزية وبيتر كاشنغ الذي لعب دائماً دور فان هلسنغ عن تأدية هذين الدورين الشهيرين. فمن "الغرفة السوداء" للاميركي نورمان رندال، الى "امير الرعب" للايطالي لامبرتوبافا، ومن "ابنة الظلام" ستيوارت غوردن، الى "دراكولا ينهض من تابوته" للكوري لي هيونغ يون، مروراً بالايطالي "عشاء مع مصاص الدماء"، و"احبني يا مصاص الدماء" الاتي من هونغ كونغ، والفيلم البلجيكي المعقد "نوسفراتو او مياه الحساب الاناني" من اخراج موريس رابينوفيتش… كل انواع المخرجين جربت حظوظها ليبقى اخيراً في الذاكرة، نحو نصف دزينة من افلام حققت في بريطانيا معظمها كما اشرنا من تمثيل كريستوفر لي وبيتر كاشنغ"، وفيلم الالماني فرنر هرتسوغ "نوسفراتو" الذي ابدع فيها كلاوس كينسكي الراحل دور الغول مصاص الدماء، مقتبساً عن "نوسفراتو" مورنادو الذي يظل الاروع حتى اليوم في انتظار فيلم كوبولا. من دراكولا الى "السيدا" فهل علينا ان نشير بعد هذا كله الى ان تصاعد حمى افلام دراكولا في السنوات الاخيرة يرتبط بشكل او بآخر بالواقع الاجتماعي الذي يخيم عليه في العالم الخوف من داء السيدا؟ عندما انتشرت اسطورة مصاص الدماء في اواخر القرون الوسطى، كان من الواضح ان لانتشارها علاقة بانتشار مرضين دمويين محددين، هما الزهري والطاعون. من هنا دخول حكاية الثوم والاشياء المقدسة كوسيلتين لمقاومة الغول: الثوم لانه كان ولا يزال يشكل خير وقاية حقيقية ضد جرثومة الطاعون. والاشياء المقدسة لان رجال الدين رأوا ان انتشار مرض الزهري الذي جاء به البحارة من ديار الكفار، يرمز الى غضب من الله لا يمكن مقاومته الا باللجوء الى الدين ورموزه. اليوم، في مواجهة السيدا، تعود حمى حكاية الدم من جديد، ولئن كان كوبولا جعل للثوم والاشياء المقدسة مكانة اساسية في فيلمه - امانة لرواية برام ستوكر وللتقاليد الشعبية - فإنه اضفى على فيلمه العديد من الابعاد التي تجعل الثوم والاشياء المقدسة عنصرين فقط من عناصر مقاومة الشر… علماً بأن الشر لا يأتي من الكونت مصاص الدماء وحده، كما سيظهر في الفيلم! بهذا المعنى قد يكون من الممكن التقريب بين فيلم كوبولا، وفيلم اخر من الافلام التي غاصت في حكاية مصاص الدماء… ونعني به فيلم "مصاص دماء في الجنة" للجزائري المقيم في فرنسا عبدالكريم بهلول… اذ مع حفظ الفوارق بين الفيلمين يمكننا ان نشير الى ان ما يجمع بينهما هو البعد الاجتماعي، حيث يتم التركيز على ردود الفعل الاجتماعية ازاء "مصاص الدماء" اكثر مما على فعله البيولوجي نفسه. من هنا ما يقوله جيم هارت كاتب سيناريو "دراكولا برام ستوكر" من انه انما توخى كتابة فيلم معاصر، ينطلق من رواية لا شك انها معاصرة، ولا شك ان كاتبها وصفها لاسباب فكرية واجتماعية وليست لمجرد رغبته في ارعاب قرائه. ونعود هنا الى الفيلم لنذكر ان كوبولا قد اختار للقيام بالادوار الرئيسية فيه، عدداً من نجوم اليوم المعروفين. فالى جانب غاري اولدمان الانيق والمرهف وذي المظهر الانثوي في دور دراكولا نجد فينونا رايدو رفيقة تيم بورنوني في دور نينا هاركر، وكينو ريفز في دور جوناثان هاركر الذي يوصل دراكولا الى بريطانيا، وانطوني هوبكنز في دور فان هلسنغ صياد مصاص الدماء المتعصب. كله على الطريقة القديمة بقي شيء واحد لا بد من ذكره في انتظار عرض الفيلم وهو ان انتاج هذا الفيلم قد كلف - كعادة افلام كوبولا كلها - عشرات ملايين الدولارات، ومع هذا فان التصوير كله تم داخل الاستديوهات، حيث رفضت شركة كولومبيا المنتجة ان ينتقل فريق التصوير الى اوروبا لتصوير اي من المشاهد الخارجية، طالبة ان يتم العمل في هوليوود وضواحيها فقال كوبولا: "اذن… افضل ان اشتغل على الطريقة القديمة وان اصور كل المشاهد في ديكورات" وهكذا كان… والحال ان الاسلوب القديم في العمل سيطر على الفيلم كله، اذ يروي رومان، ابن كوبولا الذي كلف بادارة وحدة التصوير الثانية ان اباه اصر على جعل الحيل البصرية كلها تتم على الطريقة القديمة دون اللجوء الى اي من التقنيات الحديثة، وهذا ما جعل الابن ينكب اياماً طويلة على دراسة اساليب العمل التي اتبعها الفرنسي جان كوكتو في فيلميه الغرائبيين "الحسناء والوحش" و"وصية اورفيوس" حيث تم انجاز كافة الحيل والمؤثرات البصرية امام الكاميرا وبأكثر الاشكال اليدوية بدائية. والنتيجة؟ النتيجة كانت مرضية لفرنسيس فورد كوبولا الذي يرى ان اكثر ما يحبه في هذا الفيلم هو ان رائحة الحرفة لا العمل الاوتوماتيكي تفوح منه. "انه فيلم على الطريقة القديمة" يقول كوبولا ويبتسم.