أصدر مجلس الرئاسة اليمني يوم 14 تشرين الثاني نوفمبر الجاري اعلاناً دستورياً قرر فيه تمديد الفترة الانتقالية التي كان مقرراً لها ان تنتهي في 21 تشرين الثاني نوفمبر الجاري الى 27 نيسان ابريل 1993، الموعد الجديد للانتخابات النيابية في البلاد. وحضر اجتماع مجلس الرئاسة هذا الرئيس اليمني الفريق علي عبدالله صالح ونائبه السيد علي سالم البيض. وصدر هذا الاعلان اثر سلسلة من الاجتماعات التشاورية شارك فيها ممثلون عن السلطات والهيئات الدستورية والقضائية والحزبية في اليمن واستمرت اسبوعين وعقدت برئاسة الرئيس علي عبدالله صالح. وكان واضحاً من اللقاءات التشاورية انها تستهدف امرين: الأول الاطلاع على كل الآراء المطروحة والمقترحات المقدمة من قبل الاحزاب، في ما يتعلق بتسيير سلطات الدولة في الفترة المقبلة الناتجة عن تأجيل الانتخابات. والثاني أن يكون الجميع في صورة إصدار الاعلان الدستوري وضمن اطار الاقتناع به والمسؤولية عنه. وهذا ما جعل شكله في صيغة ونص مشترك جمع البيان السياسي والاعلان الدستوري في وثيقة واحدة، تحت اسم "بيان سياسي وإعلان دستوري بشأن تطبيق الدستور على المؤسسات الدستورية وهيئات الدولة". وتضمن البيان السياسي، جوانب رئيسية ثلاثة: الأول: استعراض مسهب للقاءات التشاورية الموسعة التي عقدها مجلس الرئاسة مع كل من المجلس الاستشاري وهيئة رئاسة مجلس النواب والمحكمة العليا ورئيس الوزراء ونوابه وقادة الاحزاب الممثلة في اللجنة العليا للانتخابات، إضافة الى أعضاء اللجنة. الثاني: الحيثيات السياسية والدستورية للاعلان الدستوري. الثالث: المقترحات التي قدمتها الاحزاب ضمن ما اطلقت عليه "ضوابط تسيير سلطات الدولة في الفترة القادمة"، في ستة بنود، يمثل كل منها جانباً من المآخذ التي وجهتها الاحزاب الى سلطة الحزبين الحاكمين في أسلوب حكمهما خلال الفترة الماضية، وقد أقرها البيان السياسي بوصفها جزءاً من الضوابط لتسيير سلطات الدولة في الفترة المقبلة. وتتلخص هذه البنود أو الضوابط الستة على الشكل الآتي: 1 - تطبيق الدستور نصاً وروحاً وحشد الطاقات للانتخابات وعدم التدخل في أعمال اللجنة العليا للانتخابات. 2 - عدم استغلال الوظيفة العامة لأغراض حزبية وعدم الصرف من أموال الدولة على الأحزاب، والتقيد في الانفاق العام بموازنة الدولة العامة. 3 - حياد وسائل الاعلام الرسمية والمساواة في استخدامها بين الاحزاب. 4 - تأكيد سيادة القانون وتحقيق الاستقرار الاداري وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب وإيقاف الترقيات الوظيفية الا ما كان منها بموجب القانون. 5 - اعادة بناء القوات المسلحة والأمن والعمل على حيادها، لغرض المصلحة العامة. 6 - ترسيخ الأمن وتقديم المخلين به الى العدالة. وتأتي هذه العناصر في البيان السياسي، أشبه بتعهد من قبل الحزبين الحاكمين المؤتمر الشعبي العام والاشتراكي بالعمل على تنفيذها في الفترة المقبلة. كما توحي من ناحية أخرى، بأنها تأتي في إطار عملية "الوفاق الوطني" الذي أكدت عليه اللقاءات التشاورية، بحيث يكون التزام الدولة بهذه الضوابط لقاء تسليم الاحزاب بتمديد الفترة واستمرار السلطات القائمة خلالها. وجاء نص الاعلان الدستوري في آخر الوثيقة، مركزاً في مادتين، الأولى: "تستمر المؤسسات الدستورية القائمة والممثلة في مجلس الرئاسة ومجلس النواب ومجلس الوزراء، وجميع هيئات الدولة الاخرى، في ممارسة مهامها وصلاحياتها حتى إجراء الانتخابات في 27 ابريل نيسان 1993، وقيام المؤسسات الدستورية الجديدة...". والثانية مادية إجرائية لا تتجاوز "يعمل بهذا من تاريخه". كما تركزت حيثيات الاعلان الدستوري على المبرر السياسي في البيان. مستندة الى المادتين 43 و88 من الدستور. ولكن ما هي اتجاهات ومضامين المقترحات التي تقدمت بها أحزاب المعارضة؟ وما هو موقف هذه المقترحات من الاعلان الدستوري في بعديه السياسي والقانوني؟ تلقت "الوسط" نصوصاً عدة من المقترحات، وحاورت عناصر من اطرافها، وخرجت بخلاصة تسلط الضوء على جوانب من المسألة الدستورية ومستقبلها وأوجه الخلاف حولها. وتتركز هذه المسألة، في كيفية إضفاء الصبغة الدستورية على الفترة المقبلة التي تبدأ بنهاية الفترة الانتقالية 21 تشرين الثاني - نوفمبر - 1992، وتنتهي ببداية الانتخابات 27 نيسان - ابريل - 1993. ومن هذه المسألة برزت مجموعة من الآراء والمقترحات التي تقدمت بها احزاب المعارضة، أو بالأصح، الأحزاب الممثلة في اللجنة العليا للانتخابات، مطالبة بوجود ما أطلقت عليه، "ضوابط" تسيير سلطات الدولة في هذه الفترة. ويمكن تصنيف هذه الآراء والمقترحات، في ثلاثة عامة. 1 - مشاركة الاحزاب في السلطة: رأي يؤيد في شطر منه، حق مجلس الرئاسة بنص الدستور في اصدار صيغة تعلن استمرار المؤسسات الدستورية القائمة حتى موعد الانتخابات. ولكنه يرى ان ضمانة تنفيذ الانتخابات في موعدها وتحقيق الوفاق الوطني، يقوم على تشكيل حكومة ائتلاف وطني أو تعديل في هذه الحكومة يحقق الغرض لتوسيع مشاركة الاحزاب في السلطة على أن توضع ضوابط يلتزم الجميع بها لتسيير سلطات الدولة خلال هذه الفترة. 2 - تطبيق الدستور خير ضابط: ورأي ثان يؤكد حق المؤسسات القائمة في الاستمرار من دون حاجة الى قرار أو إعلان دستوري، لأن شرعيتها قائمة ليس لكونها تستمدها من الدستور فقط، بل من "أن الاستفتاء على الدستور من قبل الشعب 20 أيار - مايو - 1991 كان في الوقت نفسه استفتاء ضمنياً على هذه المؤسسات. ولا يرى لزوماً لوضع أية ضوابط، "لأن ضوابط العمل تتحقق بتطبيق الدستور الذي هو خير ضابط". ويرفض هذا الرأي، حكاية مشاركة الأحزاب في السلطة، "لأن هذا ينفي عنها صفة المعارضة، ويحملها مسؤولية الأخطاء والتجاوزات في الفترة الماضية". 3 - الإستناد الى المادتين غير دستوري: ورأي ثالث يركز على الشرعية الدستورية بالدرجة الأولى. فإلى جانب أنه يرفض حكاية الضوابط ومشاركة الأحزاب في السلطة، فإنه يرى عدم دستورية الاستناد الى المادتين 43 و88 من الدستور. ويوضح رأيه في أن شرعية دولة الوحدة تمر بثلاث مراحل دستورية، تختلف فيها من فترة الى أخرى. فهي في الفترة الانتقالية محكومة بنصوص اتفاقية الوحدة، وهي ذات نصوص دستورية قامت على أساس دستوري الدولتين قبل الوحدة، أولاً. وثانياً، إنه بعد أن تم إقرار الدستور من قبل المجلسين التشريعيين قبل اعلان الوحدة، وبعد الاستفتاء الشعبي عليه، أصبح الدستور نافذاً. ولكن نفاذه يظل جزئياً، أي في ما لا يتعارض من مواده مع اتفاقية الوحدة. وثالثاً بعد انتهاء الفترة الانتقالية وإجراء الانتخابات، ينتهي العمل بالاتفاقية ويبدأ العمل بكل مواد الدستور من دون استثناء. ولكننا أمام وضع انتهت فيه الفترة الانتقالية ولم تتحقق الانتخابات، وهنا لا يمكن تطبيق الدستور، لأنه ينظم سلطات دستورية منتخبة لم توجد بعد. وهنا الإشكال. ويرى هذا الرأي أن الخروج من الاشكال، يتحقق بإعلان دستوري يحدد مضمونه في ثلاثة أسس: الأول، تأجيل العمل بالمواد الدستورية التي تتناقض مع طبيعة المرحلة، مثل المواد التي تحدد انتخابات السلطات الدستورية، وهذا التأجيل حتى تتم الانتخابات. الثاني، يعطي السلطات القائمة حق الاستمرار حتى تتم الانتخابات أيضاً، بموجب ما ليس مؤجلاً من مواد الدستور. الثالث، يمنع إجراء أي تعديل على الدستور خلال هذه الفترة. ومن هنا يعتقد اصحاب هذا الرأي بعدم دستورية الاعتماد على المادتين 43 و88 من الدستور، لأنهما موضوعتان للاحوال الطبيعية التي يكون فيها مجلسا الرئاسة والنواب منتخبين، وقد مر على انتخاب كل منهما دورة انتخابية كاملة. وقد اشار البيان السياسي الى هذه النقطة، حيث جاء فيه: "إن إعمال هاتين المادتين في الظروف غير العادية وفي مواجهة الضرورة، لهو أحق وأولى". وعلى أي حال، فان النقطة القانونية يتلاشى أثرها أمام اتفاق كل الاطراف على التأجيل أولاً. وعلى استمرار المؤسسات القائمة ثانياً. وهذا هو المهم الآن. وبالتالي يصبح الاعلان الدستوري بحيثياته السياسية والضرورية التي أوضحها البيان السياسي، نافذاً بحكم "الوفاق الوطني" أولاً وقبل أي شيء آخر.