أكد مصدر فرنسي مسؤول لپ"الوسط" ان "الحرب لن تقع" في منطقة الخليج العربي نتيجة الازمة بين ايران ودولة الامارات العربية المتحدة - مدعومة من مجلس التعاون الخليجي - حول جزيرة ابو موسى، وكشف في الوقت نفسه ان فرنسا "مستعدة للتوسط" بين طهران وأبو ظبي لتسوية هذه الأزمة. فقد أثارت "الوسط" قضية أزمة أبو موسى وجزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى مع مصدر فرنسي مسؤول مباشرة عن "الملف الايراني"، ومع خبيرين فرنسيين بارزين في شؤون ايران والخليج، الأول هو بول ماري دولاغورس والثاني باحث يعمل في "مركز الدراسات للدفاع الوطني". حصيلة الحوار مع الثلاثة تضمنها التحقيق الآتي: يقول المصدر الفرنسي المسؤول ان موقف باريس من طهران له خصوصياته. ذلك ان فرنسا آخذة في السعي لتطبيع علاقاتها مع طهران، وتبدي حرصاً كبيراً على تنمية علاقاتها مع ايران الأمر الذي يؤكده تبادل الزيارات. ويفسر الباحث الفرنسي تأخر الحكومة الفرنسية في "إظهار قلقها" من التسلح الايراني النووي منه والتقليدي واللهجة "المعتدلة" لبيان الخارجية الفرنسية حول جزيرة ابو موسى بحرص باريس على عدم تعريض علاقاتها مع ايران لهزة مبكرة، خصوصاً ان مواقع التأثير الفرنسي في المنطقة، كما قال لنا بول - ماري دولاغورس "ضعيفة جداً" و"لم تكن على هذا الضعف اطلاقاً في الماضي". وترى فرنسا ان "من الضروري لها ان تثبت اقدامها في ايران" علماً ان المانيا وايطاليا قد سبقتاها في هذا المجال. وأوضح المصدر الفرنسي الرسمي ل "الوسط" المتابع للملف الايراني ان طهران "لم تتخلّ أبداً عن رغبتها في ان تكون قوة اساسية في الخليج. فالأنظمة السياسية في ايران تتغيّر، لكن اهدافها في الخليج ثابتة". وفي تقدير المصدر ان ايران تشعر اليوم، بعد ان اصبح العراق خارج اللعبة، انها "قوة اقليمية كبرى" وان المطلوب من الاطراف الدولية والاقليمية التعامل مع ايران على هذا الأساس بشأن الملفات الكبرى، ومنها ملف الأمن. ويعترف المصدر الفرنسي بأن ايران هي التي افتعلت أزمة جزيرة ابو موسى في اشارة منها الى انها "تريد ان تلعب لعبة مكشوفة". وبالتالي فان ازمة ابو موسى تشكل انقطاعاً من وجهة النظر الايرانية، مع زمن سابق كانت ايران فيه مهمّشة وكان يتم تجاهلها في الخليج. ويلاحظ دولاغورس ان ايران حصلت حتى الآن على تطبيع علاقاتها مع الدول الخليجية. غير ان هذا التطور لم يعد يكفي ايران التي تريد "الاعتراف المتميز في ان يكون لها دور أساسي في الخليج، مما يعني عملياً تحول ايران الى دولة اقليمية كبرى الأمر الذي يعطي ايران وزناً متزايداً في تنافسها مع تركيا وغيرها على النفوذ في جمهوريات آسيا الوسطى الاسلامية ويجعلها بالتالي الشريك الذي لا مفر من التفاهم معه". وقد سعت ايران الى "امتحان" مدى تضامن دول مجلس التعاون الخليجي مع بعضها البعض. وقد فشلت في هذا الامتحان، كما يقول الباحث الفرنسي، اذ ان الدول الخليجية تضامنت كلها مع دولة الامارات وأكدت دعمها لكل الاجراءات التي تتخذها لاثبات سيادتها على جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى. ويذهب هذا الباحث الى حد القول: "انني متأكد من ان الايرانيين سيستغلون في الفترة المقبلة كل الفرص التي ستتاح لهم حتى يظهروا انه لا يمكن تجاوزهم وأنه من الضروري التفاهم معهم لتتأمن مصالح الدول الغربية وعلى رأسها التزوّد بالنفط وضمان أمن الخطوط الملاحية". ويؤكد المصدر الفرنسي الرسمي ان ايران تعمل لأن تتحقق لديها كل الوسائل المادية الضرورية التي تضمن لها تنفيذ اهدافها السياسية في الخليج. وعناوين هذه الوسائل المادية الحصول على التكنولوجيا المتقدمة، المدنية والعسكرية من الغرب والشرق على حد سواء، وإطلاق العملية الاقتصادية الايرانية بالانفتاح على الخارج وجذب الاستثمارات الاجنبية وإدخال عدد من الاصلاحات وضمان نوع من الاستقرار السياسي، وخصوصاً تنفيذ خطة تسلّح واسعة النطاق. الأزمة... والوساطة ويؤكد الباحث الفرنسي ان الازمة الحالية حول أبو موسى لا يمكن ان تصل الى حدّ النزاع المسلّح، ليس فقط بسبب الوساطة القائمة حالياً والدعوات الى ايجاد حلول لها عن طريق المفاوضات، ولكن لأن امثولة الغزو العراقي للكويت ما زالت ماثلة في الأذهان. ويعتقد المصدر الفرنسي ان ايران التي ناورت ببراعة إبان أزمة وحرب تحرير الكويت لا تريد ان تضع نفسها في الموقع الذي حُشر فيه العراق، خصوصاً انها تعرف ان الأسباب التي كانت وراء قيام تحالف دولي يتوكأ على الشرعية الدولية قد تتكرر خصوصاً اذا تبين ان ايران تريد ان تفرض هيمنتها على الخليج بالقوة المسلحة. ويؤكد المصدر الفرنسي ان دول التحالف لا يمكن ان تقبل بحصول حرب اخرى في الخليج. ويلاحظ الباحث الفرنسي ان ظهور التهديد الايراني في الخليج أدّى الى تقارب عربي - عربي وإلى بروز موقف عربي مناهض لايران ولسياستها في الخليج. وتفسر هذا "الاجماع" العربي المخاطر الايرانية المحتملة التي تهدد المنطقة، ولكن كذلك المخاطر التي يشعر بها عدد من الدول العربية من تونس وحتى مصر والأردن من الموجة الاصولية ومن دور طهران في تذكيتها. ويلفت الباحث الفرنسي النظر الى "ان ايران تعي وضع "العزلة" الذي تعاني منه، ذلك انه في حال نشوب نزاع مسلّح في الخليج، فان ايران ستجد نفسها وحيدة". ويعتقد دولاغورس ان هذا الوضع يفسّر حرص ايران على التعزيز السريع لقواتها العسكرية لأنها تعي عزلتها. وإذا كانت ايران حصلت - او يمكنها ان تحصل - على طائرات حربية حديثة وصواريخ وغواصات من روسيا والصين وكوريا الشمالية وغيرها، فذلك يعود الى أسباب محض تجارية والى قدرة ايران على دفع أثمان مشترياتها من السلاح والاعتدة. هذه المعطيات تدفع الى استخلاص نتيجة مفادها ان الخليج، كما يقول المصدر الفرنسي "لا يسير نحو حرب جديدة"، لكنه سيبقى في حالة من التوتر، اذ ليس من السهل التغلب على الازمة التي تشكلها جزيرة أبو موسى، وليس من السهل تحاشي ظهور ازمات مماثلة في المستقبل تحركها ايران. الأزمة ستراوح مكانها، خصوصاً ان ثمة عنصراً ما زال مجهولاً وهو مصير النظام العراقي الحالي ومصير العراق نفسه وطبيعة وتوجهات النظام الذي سيحل مكان نظام الرئيس العراقي في حال تمّ اسقاطه. وهذا يعني ان باب الوساطات مفتوح. وعلى هذا الصعيد تريد باريس، كما قال المصدر الفرنسي، ان تلعب "دوراً ما" في هذه الازمة. وطموح باريس، الساعية الى اعادة تثبيت اقدامها في ايران ان تلعب دور "صلة الوصل" بين الولاياتالمتحدةوايران وبين هذه الاخيرة ودول مجلس التعاون الخليجي، خصوصاً دولة الامارات العربية المتحدة بشأن أزمة ابو موسى. ويصرّ الرسميون الفرنسيون على القول ان باريس قادرة على الاضطلاع بهذه المهمة، بسبب علاقاتها مع ايران من جهة ومع دول الخليج من جهة ثانية. وما تسعى اليه فرنسا في هذا المجال على حد قول المصدر الفرنسي، يقوم على الاستماع الى مختلف وجهات النظر وعلى الدعوة الى التهدئة والاعتدال والحوار والسعي وراء ايجاد الحلول السلمية التي تقبلها جميع الاطراف.