على مدى شهر كامل، كرّم نادي السينما الفرنسي في باريس السينماتيك الفنانة الايطالية العالمية كلوديا كاردينالي بحضورها من خلال عرض ألمع افلامها منها "المحترفون" و"انطونيو الجميل" و"الفهد" و"ذات مرة في الغرب" وغيرها. وفي احدى الامسيات التي قدم خلالها احد هذه الاعمال في النادي المذكور، وافقت كلوديا على التحدث الى "الوسط" عن ماضيها السينمائي ونظرتها الى نشاطها في الوقت الحاضر اذ ان ادوارها تغيرت مع مرور السنين ومع تطور شخصيتها ونضوجها كامرأة وممثلة، وكان معها الحوار الخاص الآتي: ما رأيك في تكريم نادي السينما الباريسي هذا على مدى شهر كامل؟ - تضحك بصوتها الخشن نوعاً ما بسبب بحته المميزة والذي صنع جزءاً من شهرتها لا أدري لو كان من المفروض ان افرح ام ان احزن، فالتكريم السينمائي يتم تنظيمه عادة لفنان راحل او على وشك الرحيل اليس كذلك؟ فهل ابدو وكأني منتهية تماماً؟ لا اعتقد ان المسؤولين عن نادي السينما ينظرون اليّ بهذا الشكل طبقاً لما يدعونه ولا أود ان يجرحهم كلامي هذا، فأنا أمزح، والواقع اني فخورة بالتكريم المخصص لي على الرغم من اصراري على كون الشرف هذا لا يقدم في اكثر الحالات الا للفئتين المذكورتين سالفاً، ولعل تكريمي يفتح الباب امام اقامة المزيد من المناسبات المماثلة للفنانين الاحياء. هل انت راضية عن كافة الافلام التي مثلت فيها طوال مشوارك السينمائي ام ان بعض الاعمال المعروضة هنا يلفت انتباهك على اخطاء وقعت فيها بين الحين والآخر؟ - انا وقعت في اخطاء بطبيعة الحال ولست راضية عن كل افلامي ابداً، وهذا بشكل عام لا علاقة له مباشرة بالاعمال المقدمة في اطار التكريم هنا في نادي السينما. فالافلام المعروضة هنا تنفرد بكونها كلها بين تلك التي اعتز بها. اذ كانت ادارة نادي السينما اتصلت بي لاستشارتي بشأن الافلام القائمة، لذلك لم تتضمن الا عناوين الاعمال التي احبها. فكان من الممكن ان اعثر على عنوان او اثنين من بين "اخطائي" مثلاً وكنت في هذه الحالة طلبت حذفها بقدر الامكان، كما كان من المحتمل الا تستشيرني ادارة النادي وان تقيم التكريم بعرض افلام من اختيار اعضائها وحسب. لكن وجودي الشخصي كان يشكل اهمية معينة طبقاً لما فهمته، ولولا موافقتي على الافلام لما جئت. الاخطاء ودورها هل لعبت "أخطاؤك" السينمائية دوراً ما في اتجاهك من بعدها؟ - نعم، ولكن بشكل اجمالي وليس بطريقة منفردة، فأنا ادركت الاخطاء وكأنها كتلة واحدة متماسكة وقررت تغيير اتجاهي المهني فجأة بينما لم اهتم بهذه الغلطات في اثناء وقوعها. اعتقد اني كنت طائشة الى حد ما في شبابي، ثم لعب العمر دوره في نضوجي المهني، ودرايتي بأضرار الادوار السينمائية اذا كانت لا تناسب حقيقة ما يؤمن به الفنان على صعيد القيم الانسانية. ماذا تعنين بالتفصيل؟ - أعني اني مثلت ادواراً عدة بنيت على جمالي الخارجي فقط، دون ان يتميز كل دور بجمال حقيقي على صعيد الهوية. وربما اني ابالغ بعض الشيء عندما اقول أدواراً عدة، فهي قليلة في الحقيقة ولكن كافية لتترك في نفسي طعم المرارة، والرغبة في الانتقام، ليس من الذين عرضوا عليّ الافلام، بل من نفسي لأني مثلتها من بعد ادواري الهائلة في "الفهد" مثلا او "انطونيو الجميل". ولعل ابرز الافلام التي اندم عليها هو "روزا" الذي مثلته في ايطاليا في بداية السبعينات. ولو قدرت على سحب هذا الفيلم من الاسواق وتدمير نسخه لفعلت وهذا امر مستحيل طبعاً، الا ان قلة جودته في النهاية تجعله لا يعرض مرة اخرى. واشكر السماء على ذلك. دور الجمال ماذا فعلت عندما قررت تغيير خط سيرك الفني؟ - غضبت ضد جمالي او على الاقل مظهري مهما كان. والذي يراه اهل السينما يستحق لقب "جمال". بدأت ابحث عن شخصيات النساء المناضلات بطريقة او اخرى، من اجل حقوقهن واثبات كيانهن، ورفضت اي دور لا يتخذ هذا الاتجاه. وانا لا اقصد اني تمنيت أداء شخصية المناضلة الاجتماعية ضد الرجل او اي شيء من هذا النوع، بل المناضلة في بيتها وحياتها الزوجية وحتى ميدان عملها او من اجل اطفالها كي تتمتع بحقوقها كاملة وينظر اليها الرجل عامة كانسانة لا كدمية حلوة. والطريف اني كنت مثلت في الماضي وفي العدد الاكبر من افلامي، شخصية المرأة الذكية المتحررة، وكل الافلام المقدمة هنا في اطار التكريم، من قديمة وحديثة، تظهرني بهذا الشكل. وعلى الرغم من ذلك بقيت صورة افلامي القليلة غير المرضية هي الاقوى في ذهني، ورحت اتحول الى ممثلة تضع كيانها الحر في المرتبة الاولى، وتغير نمط افلامي وقل عدد ادواري نظراً لرفضي الكثير من العروض. هكذا بديت في ثوبي التمثيلي الجديد. واقصد من حيث الشخصيات، وظهرت في "الصيف المقبل" و"لاستوريا" ومسلسلات تلفزيونية حملت ايضا بصمة المرأة العنيدة المكافحة فوق شخصيتها الرئيسية. عملت مع اكثر من سينمائي لامع، فما احلى ذكرياتك في هذا المجال؟ - ذكرياتي مع لوكينو فيسكونتي رائعة، فأنا مثلت تحت ادارته في "روكو واخوته" و"الفهد" و"ساندرا"، واؤكد انه كان اكبر السينمائيين على الاطلاق، فلم اشهد مثله او اسمع عن شبيه له في مجال ادارة الممثلين اذ كان يتميز بحساسية سمحت له بفهم الآخرين، وادراك مدى قدراتهم الى حد بعيد جداً. وعملت مع فلليني فكانت التجربة مثيرة للاهتمام واقرب الى الجنون عما هي الى الحساسية الفنية الخاصة بالتعامل مع الممثلين. فالذي يعمل مع فلليني يشعر بكون هذا الرجل لا يحتاج الى فريق من حوله الا من اجل الضروريات المادية، ولولا ذلك لنفذ فيلمه وحده، وفعل كل شيء فيه من تمثيل ومهارات تقنية. والدليل على كلامي ان اي فيلم من اخراج فلليني يحمل فوق لافتته الدعائية العنوان ثم اسم المخرج، ويكفي الامر لجذب الجماهير سواء كان الابطال من النجوم او المجهولين تماماً. وبين ذكرياتي الجيدة عملي مع الاميركي ريتشارد بروكس مخرج "المحترفون" حيث تقاسمت البطولة مع بيرت لانكاستر وجاك بالانس. لقد دار التصوير في الصحراء وكنت المرأة الوحيدة وسط فريق من الرجال في جو سينمائي خشن عنيف بسبب متطلبات السيناريو. واتذكر اني لاقيت من قبل بروكس، وكان مشهوراً بمعاملته القاسية للممثلين، لطفاً كبيراً واحتراماً بالغاً، ثم انه كان يتمتع بروح فكاهية خفية عرف كيف يظهرها في اوقات محددة مما كان يمنحها قيمة اضافية هائلة، فكان يطلق علي لقب "الوردة الايطالية" لانه علم ان اسمي الحقيقي هو كلوديا روز كاردينالي، وروز معناها وردة. انا ضحكت كثيراً وسط فريق الرجال في الصحراء، وصحيح ان "المحترفون" لا يزال من اجمل افلامي على الاطلاق. من الممكن اذاً تلقي احترام الرجال لك شخصياً وليس فقط لجمالك، حتى في جو خشن وسط الصحراء، أليس هذا مقصدك؟ - طبعاً، وانا لا اعتبر تجربتي المذكورة من العناصر التي حولتني الى مناضلة نسائية في ما بعد، وكما قلت سابقاً، اعتبر "المحترفون" احد اجمل افلامي، واعتز به وبذكريات تصويره. ولا اريد انهاء كلامي عن المخرجين من دون ان اذكر سيرجيو ليوني، فأنا عملت معه في "ذات مرة في الغرب" واقول انه في طريقة اخراجه، خاصة من الناحية التقنية اكثر مما تعلق بإدارة الممثلين، كان فعلا من عمالقة الفن السينمائي. ولا شك في ان فيلمي معه حيث شاركت البطولة مع هنري فوندا وتشارلز برونسون، هو ايضا من افلامي الجميلة، انه من اجمل الافلام عامة في تاريخ السينما. تربية شرقية أنت مولودة في تونس، فهل ما زلت تشعرين بهذا الجانب العربي في شخصيتك؟ - نعم، فأنا تونسية، او على الاقل نصف تونسية لكوني ولدت وكبرت هناك على الرغم من انتمائي الى عائلة ايطالية. وانا تلقيت تربيتي على الطريقة العربية وكنت اود خلال طفولتي ومراهقتي ان اعمل كمعلمة بعد انتهائي من دراستي. ولم احلم بالفن ابداً وكثيراً ما كافحته الا انه تغلب عليّ في النهاية. واذا كنت مارست مهنتي التمثيلية بتزمت شديد من ناحية الجدية في الادوار، فيّ اكثر الاحيان، فهذا انما يعود الى تربيتي الشرقية المغروسة في حتى الآن. كيف بدأت في السينما؟ - تمّ انتخابي اجمل ايطالية في تونس وانا في السابعة عشرة من عمري، وفزت برحلة الى مهرجان البندقية فينيسيا السينمائي الشهير. وهناك انهالت عليّ العروض السينمائية، لكني رفضتها كلها وعدت الى تونس لاحقق امنيتي واصبح معلمة. واستمرت العروض في اللحاق بي في تونس، فوافقت على خوض تجربة واحدة في السينما، لكنها أدت الى المزيد من التجارب ثم الى الشهرة وعدم التوقف ابداً. ثروة هل تندمين على اعتزالك فكرة التعليم؟ - الى حد ما، فكنت عشت حياتي بطريقة ثانية ربما اقل اثارة من ناحية ما، ولكن اكثر ثراء على الصعيد المعنوي بلا اي شك. وانا تعلمت ولا أزال اتعلم بواسطة مهنتي الفنية، على الرغم من بلوغي الثالثة والخمسين من عمري، بدلا من ان اعلم الغير كما كنت انوي فعله في الاساس تضحك. أنت أم، فهل نجحت دوماً في الجمع ما بين واجباتك العائلية وعملك؟ - أنا تزوجت في سن المراهقة وانجبت ابني وانا في التاسعة عشرة من عمري، فلا اعتقد اني احسنت تربيته بالشكل الذي ارى به ابنتي من زوجي الثاني، وعمرها الآن 13 سنة. فالنضوج يلعب دوره في كل المجالات واي ام عمرها 19 سنة تعرف نجومية فنية صاعدة لا يمكن ان تتمتع بالصفات العقلية والعاطفية اللازمة لتكون والدة مثالية. ولا يعني ذلك ان ابني لم ينجح في حياته. ولكني متأكدة من كوني لم امنحه في وقت من الاوقات، الحنان الضروري والذي كان من حقه ان يتوقعه مني.