لا جدال حول تدهور الاقتصاد اللبناني نتيجة سنوات الحرب الطويلة، وحول الحاجة الماسة الى انعاشه والنهوض به. فالوضع الراهن يتميز بأربع ظواهر متشابكة: * أولاً: انخفاض الدخل، ومع ان الاحصاءات الدقيقة غير متوافرة الا ان التقديرات المعقولة توحي بأن اجمالي الناتج المحلي للفرد يزيد عن 750 دولاراً بأسعار 1990، الا ان الناتج القومي للفرد هو اعلى من ذلك - حوالي 1160 دولاراً - نتيجة المدفوعات الخارجية الفردية منها والعائلية والجماعية. وبالمقارنة، كان الناتج المحلي للفرد في عام 1974 بأسعار 1990 يزيد عن 2000 دولار، مما يعني ان الناتج الفردي انخفض خلال سنوات الحرب الى حوالي الثلث واصبح ادنى من معدل الدول ذات الدخل المتوسط او المنخفض. * ثانياً - تعرض لبنان لدمار في مختلف القطاعات الحيوية للاقتصاد والحياة العامة، كالكهرباء والماء والاسكان والطرقات والاتصالات وغيرها مما اثر سلبياً على مجريات الانتاج وجعل البلد في حاجة الى مليارات الدولارات للتعمير والتأهيل. * ثالثاً: تدني الرأسمال البشري بسبب هجرة عدد كبير من المتخصصين في مختلف الحقول التقنية والمالية والعلمية، كما فقد القطاع العام، حسب آخر التقديرات، حوالي نصف كادراته الفنية. وهذا الوضع لا يؤثر فقط على الانتاجية الاقتصادية بل له مدلولات سلبية على احياء الاقتصاد. * رابعاً: لم يتمكن لبنان، بسبب الاوضاع الامنية والاقتصادية، إيلاء الامور الحياتية والاجتماعية العناية اللازمة. ولذلك لم يتمكن من التقدم في مجالات الرفاهية البشرية والتنمية الاجتماعية بنسبة التقدم الذي احرزته البلدان الاخرى في المنطقة خلال الحقبة الزمنية نفسها. لكن هل تدهور الوضع الاقتصادي الى درجة لا يمكن فيها انعاشه ام ان نهضته ممكنة؟ هناك ثلاثة عوامل تدعو الى التفاؤل: 1- القدرة الاستيعابية: ان الاقتصاد اللبناني قادر نتيجة تركيبته ودور القطاع الخاص فيه، على استيعاب حجم كبير من الاستثمار. والخبرة السابقة دليل على ذلك، فخلال عام 1988، مثلاً، شهدت البلاد نهضة اقتصادية محدودة استوعبت حوالي مليار دولار جرى تثميره في التكوين الرأسمالي الثابت. من اصل ذلك قام القطاع الخاص بتثمير 956 مليون دولار، والقطاع العام 42 مليون دولار فقط. واذا صدقت الارقام يعني ذلك ان الاقتصاد تمكن من استيعاب استثمار يوازي 30 في المئة من اجمالي الناتج المحلي و25 في المئة من اجمالي الناتج القومي. 2- ان التركيبة الاقتصادية مؤهلة للتجاوب السريع مع الاجراءات الانعاشية. ففي عام 1990 مثلاً كان الانتاج الاقتصادي موزعاً كما يأتي مما يعني ان القسم الاكبر من الاقتصاد لا يحتاج انعاشه الى تثمير رأسمالي كبير: خدمات 29 في المئة. تجارة 29 في المئة. زراعة 8 في المئة. صناعة 19 في المئة. تعمير 6 في المئة. ادارة عامة 9 في المئة. المصدر: البنك الدولي. 3- القدرة على الاقتراض. مع نهاية العام 1991 كان الدين الخارجي باستثناء الديون العسكرية يساوي حوالي 250 مليون دولار فقط، ما يعني ان الدين الخارجي كان حوالي 8 في المئة من الناتج المحلي التقديري، وان مجمل خدمة الدين السنوية من فوائد وغيرها لم يزد عن 3 في المئة من قيمة الصادرات. بالاضافة الى ذلك، بلغ الاحتياط الرسمي حوالي 1.2 مليار دولار اي ما يساوي قيمة 3.8 اشهر من الاستيراد. كما ان لبنان يملك من الذهب ما يزيد عن 3 مليارات دولار. كل ذلك يجعل لبنان قادراً على الاقتراض من السوق العالمي لسد حاجاته التعميرية ولدعم عملته. ماذا تتطلب النهضة الاقتصادية؟ تختلف التقديرات لما يحتاجه لبنان لاعادة اعماره ودفع اقتصاده. ومهما كانت التقديرات، فمن البديهي انه لا يمكن تمويل الفجوة الاقتصادية من القطاع العام فقط. فدفع عجلة الاقتصاد تتطلب مساهمة كبرى واولية من القطاع الخاص في مختلف المجالات الاقتصادية. الا انه يتوجب على الدولة والقطاع العام بالمقابل تأمين الشروط الثلاثة الآتية: * المناخ الملائم لجذب الاستثمارات الخاصة من امن واستقرار وسياسات اقتصادية ومالية ملائمة لسلامة الاستثمار وحافزة له. * البنية التحتية من كهرباء وطرقات وشبكات اتصال وغيرها. * الخدمات الاجتماعية اللازمة والتي لا حافظ للقطاع الخاص لتأمينها، وهي ضرورية لبناء البنية التحتية البشرية، كالتربية والتدريب والصحة والمياه والاسكان. وخلاصة القول ان النهضة الاقتصادية تتطلب من القطاع العام تأمين البنية التحتية المادية والبشرية واصلاح السياسات الاقتصادية والمالية وتأمين الامن والاستقرار - من اجل جذب الرأسمال الخاص لانعاش مختلف القطاعات الاقتصادية. والاقتصاد اللبناني له القدرة على استيعاب هذه الاستثمارات، كما ان الدولة قادرة على الاقتراض لتمويل ما يحتاجه القطاع العام بالعملة الاجنبية لتنفيذ ما ينبغي تأمينه ولو اضطرت الى الاقتراض بشروط تجارية. الا ان برنامجاً كبيراً لاعادة بناء البنية التحتية يواجه صعوبات غير مالية، اهمها قدرة القطاع العام على التنفيذ. فالقطاع العام في لبنان غير معتاد على تنفيذ برامج اعمارية بهذا الحجم. بالاضافة الى ذلك فقد القطاع العام، كما ذكرنا سالفاً، قسماً كبيراً من كادراته الفنية والتقنية والادارية المؤهلة للقيام بهذا الدور، كما ان سنوات الحرب وركود الوضع العام لم تمكن الدولة من المسير في ركاب التقدم في اساليب الادارة العامة وتقنياتها. فما كان حديثاً في السبعينات اصبح متخلفاً في التسعينات ويحتاج الى عصرنة لمواكبة متطلبات برنامج النهضة الاقتصادية. ان علاقة البنك الدولي بلبنان علاقة عضوية وتاريخية. فلبنان عضو في مجموعة البنك الدولي ومؤهل للاقتراض من اثنتين من مؤسساته التمويلية الثلاث. فله حق الاقتراض من البنك الدولي للانشاء والتعمير الذي يموّل عمليات الاقراض اساساً من المبالغ التي يقترضها من اسواق رأس المال العالمية ورأسماله المدفوع، ويتقاضى عليها فوائد ادنى بقليل من السوق التجاري. ويتعين ان تكون هذه القروض لاغراض انتاجية من دون غيرها ولتنشيط النمو الاقتصادي وان تمنح فقط في الحالات التي يمكن فيها تسديدها. كما يحق للبنان ان يستفيد من مؤسسة التمويل الدولية التي تهدف الى تحقيق التنمية الاقتصادية عن طريق تشجيع نمو القطاع الخاص والمساعدة على تعبئة رؤوس اموال محلية واجنبية لهذا الغرض. الا ان لبنان لا يمكنه الاستفادة من قروض المؤسسة الدولية للتنمية التي تتمول من مساهمات بعض الدول وارباح البنك الدولي للانشاء والتعمير والتي تقدم القروض من دون فائدة للدول الشديدة الفقر والتي يبلغ فيها نصيب الفرد من اجمالي الناتج القومي 610 دولارات او اقل سنوياً بأسعار 1990. ومع مطلع التسعينات ركز البنك الدولي جهوده للمشاركة بإعادة تعمير لبنان، فشارك في صيف 1991 في اول بعثة لوكالات الاممالمتحدة لتقييم الاحتياجات في لبنان. وبعد ثلاثة اشهر، ساعدت بعثتا البنك وصندوق الاممالمتحدة للتنمية السلطات اللبنانية في تقييم وضع البلاد الاقتصادي وتحديد اكثر الاحتياجات الحاحاً في مجالات الاصلاح والتجديد والمساعدة الفنية. وجرى تمديد اربعة قطاعات تحتاج الى مساعدة فورية، وهي الكهرباء، والاتصالات اللاسلكية والسلكية، وشبكات المياه والمجارير، والاسكان. واعتبرت البعثة ان الحاجة الفورية هي الى حوالي مليار الف مليون دولار، لتنفق على مدى ثلاث سنوات، وتتضمن حوالي 700 مليون دولار بالعملة الصعبة الخارجية بما في ذلك حوالي 50 مليوناً لتمويل المساعدات الفنية لتغطية عجز القطاع العام في مجال الكفاءات التخطيطية والتقنية والادارية. وبناء على ذلك، قامت بعثتا البنك الدولي وصندوق الاممالمتحدة للتنمية بالتحضير لاجتماع خاص بتنسيق المعونة للبنان انعقد في باريس في 12 كانون الاول ديسمبر 1991 برعاية البنك الدولي، وحضره مندوبو احدى عشرة دولة وجهة مانحة للمعونة وخمس عشرة وكالة دولية بغرض تنسيق مساعداتها. واعرب المشتركون في الاجتماع عن مساندة قوية لوضع آليات فعالة لتنسيق المعونة، واشارت مجموعة من الدول والجهات المانحة الى انها ستوفر مساندة تبلغ 700 مليون دولار - اي ما تحتاجه المشاريع العاجلة الآنفة الذكر الى العملة الصعبة الخارجية. ومن اجل متابعة ذلك اوفد البنك الدولي اخيراً بعثة خبراء الى بيروت للتباحث مع السلطات اللبنانية حول السياسات الاقتصادية والمالية الواجب تطويرها لتأمين المناخ الملائم لاعادة انعاش الاقتصاد، ولدراسة تفاصيل المشاريع التأهيلية التي تحتاج الى تنفيذ فوري. كما ينتظر ان ينضم صندوق النقد الدولي الى هذه المشاورات في وقت لاحق. وعلى ضوء ذلك يجري تحديد موعد لاجتماع ثان لتنسيق المعونة للبنان يضم الدول والجهات الراغبة بالمساهمة في هذا المشروع. وخلاصة القول ان البنك الدولي يسعى الى دعم جهود لبنان للنهوض باقتصاده، وذلك على ثلاث موجات: الاولى، المساعدة الفنية لتحليل الوضع الراهن والمشاركة في ايجاد الحلول لتأمين المناخ الاقتصادي والمالي المناسب لاعادة بناء لبنان. الثانية، امكانية التمويل لتغطية قسم من نفقات المشاريع المدروسة. الثالثة، اخذ المبادرة في جذب الفرقاء الآخرين لتقديم المساعدات لتغطية القسم المتبقي من نفقات هذه المشاريع بالعملة الصعبة الخارجية. القروض التي حصل عليها لبنان في السبعينات من البنك الدولي للانشاء والتعمير السنة القيمة الهدف ملايين الدولارات 1970 27 زراعة - مشروع الليطاني. 1973 6.6 تربية - تجميع المدارس. 1973 33 طرقات - بيروت / طرابلس. 1978 50 المرفأ والاتصالات والمياه. * مندوب فوق العادة ورئيس بعثة البنك الدولي لدى الأممالمتحدة.