ينقضي نصف النهار والمركبة تتمايل في وسط العجاج، يحاول سالم، مع هذا النهيج الغابر، النوم للحظات عله يصحو على نسيم خافت. لكن الوسن ينتفي، والعطش يطغى. المركبة الصفراء، المتهالكة، تحتضن اثنى عشرة راكباً، وسالم ذو السترة السوداء، والثوب الأبيض، والشعر الأشعث، يحتضن آلة العود. بعد أن يدرك أنه على مشارف المدينة، تغمره رغبة جامحة في الاغتسال، يشرب الماء، لكن الوقت قبل الأصيل، وأبواب المحال يراها مؤصدة، وكل شيء منكفئ. سالم الفنان الشعبي الذي ينتظره الجمع، لا محالة إلا أن يترجل الآن، وهو يفكر في لقاء صاحبه ليشتري جرعة المخدر قبل حلول المساء، لم ينتظر طويلاً حتى يصل الآخر، ليمضيا نحو المروّج المعهود، فالمزاج العالي، الصاخب، مطلوب، ليرفع من مستوى السهرة. فجأة!، يتغير السلوك، من ضحكات متبادلة حيناً، وشغف في سمرة باذخة حيناً آخر، إلى نظرة صوب امرأة عجوز، تتلمس المركبات، تقف عند إشارة، لا يحترمها أحد، تحمل بيدها المجعدة، اليابسة، ورقة بيضاء. سالم يحتكم على خمس مئة، والورقة مبلغها خمس مئة، والمخدر على نحو خمس مئة. يقترب سالم من المرأة، يمد يده إلى جيبه، يناولها ربطة الخمس مئة، ثم ينكس رأسه ويقول لصاحبه: امضِ. يتمسك هو وصاحبه بالصمت، ومن دون أي تمييز للهمسات، يعيده صاحبه إلى محطة النقل، تخالط عيناه دموع وزخات من مطر. * قاص سعودي.