تختزن ذاكرة الناس عن شهر رمضان ذكريات استقرت في باطن عقولهم، توقظها المواقف المماثلة والأحاديث الودية فيستمتعون بسردها وقصّها على أبناء الجيل الجديد الذين يفرحون بسماعها. ويجد عدد من الناس متعة في تذكُّر أيام طفولتهم وما تحمل من عفوية وبراءة، ويدِّون آخرون أجمل لحظات العمر لارتباطها بالفيوض الربانية وشفافية النفوس وبساطة الحياة. وتصف كوثر الحربي ممارسات الطفولة ب"الشقاوة البريئة"، إذ كانت تتسلل إلى المطبخ لتأكل من حشوة السمبوسة الرمضانية التي تعدها والدتها، وتضيف:"أذكر أن الوالدة كانت تصطادني أحياناً وأنا أغرف قليلاً منها وأختبئ تحت الطاولة وآكلها ثم أقول، أمي هذه الحشوة القليلة لا تفطر صحيح؟"، وتراها أياماً رائعة بنكهتها وبراءتها وفكاهتها، وتستدرك الحربي لتسرد حكايات من مرحلة ما بعد الطفولة وكيف أنها عند إعداد القطائف الرمضانية وحشوها بالموز أو المكسرات مع شقيقها تنسى أحياناً فتأكل منها قطعة أو اثنتين ثم تتذكر وتقلع عن الأكل، وكيف كانت تعود من المدرسة في لهيب الصيف الحارق فتدخل المنزل وتتجه إلى البراد لتشرب ماء بارداً كالزلال، وتشعر بأن روحها رُدَّت إليها، وما أن تحمد الله حتى تفاجأ بصوت الوالدة"يا أولاد وش فيكم مفطرين؟!"في حين تعتبره هي رزق من رب العالمين ساقه إليها. وتعتبر زهراء عبدالحميد أيام شهر رمضان فرصة لِلَمِّ الشمل وتقول:"كنا بعد الإفطار نجلس في حلقة ونشرب القهوة ونشاهد مسلسلاً كوميدياً، ونصعد بعدها إلى سطح المنزل في أمسيات رمضانية شديدة البرودة ونلعب بالحبل"شمرة أمرة"ونأكل أطباقاً شهية وحلويات لا نجدها إلا في رمضان". أما في الفجر فكانت تلعب مع أخواتها بالرمل الرطب وتصنع منه أطباقاً ووجبات تزينها بأوراق الشجر وقشور البرتقال وأعقاب السجائر، وهي تجد في تلك الأعوام متعة تظن أنها لا تتسنى لأطفال هذا الجيل الذين جرفتهم الألعاب الإلكترونية وقنوات الرسوم المتحركة التي تُبث على مدار الساعة. وتسرد يمامة أحمد ذكرياتها في هذا الشهر الفضيل:"كان أخي في كل رمضان يفترش عتبة الباب ويستعرض"بسطة"من الحلويات والمفرقعات وصحيفة مليئة بالبالونات وعلبة خفق الحظ"، ووصفتها بالذكريات الجميلة وهي تستمتع بالشراء والتنقل بين البسطات، وقررت بعد ذلك أن تخوض تجربة تجارة البسطات واشتركت مع أخيها الأصغر وتقول:"كنا صغيرَيْن لكن التجربة كانت ممتعة، حاولنا أن نقلد الكبار، ما أروع تلك الأيام البسيطة ليتها تعود الآن وتقضي على هذا الروتين القاتل". وارتبط شهر رمضان لدى حسين علي بالشعور بالمسؤولية بعد أن تحمل فيه شؤون المنزل وهو في ال15 حين سافر والده إلى الهند للعلاج ويقول:"ولأني أكبر أخوتي، فكان يتعين عليَّ رعاية البيت وتحمل شؤونه كلها وسد مكان الوالد، ما دعاني لأن أرعى المزرعة أيضاً في غيابه"، واسترسل:"كنت أقطف الرمان والليمون وأتوجه إلى السوق للبيع، وذلك العمل جعلني أحس بالرجولة والمسؤولية وتركز عندي حب المبادرة وعمّق في نفسي الثقة والقيادة". وتحدثت فاطمة السيد محمد عن أيام رمضانية قبل 40 عاماً أنها كانت تحيي شهر رمضان بقراءة القرآن وبرّ الأموات بإهداء الختمات القرآنية لهم، ومد الفقراء والجيران بالهريس والساقو واللقيمات والأكلات الأحسائية الشعبية. وتتذكر أن العائلة كانت تجتمع كل ليلة بعد الإفطار في أمسيات قرآنية يحييها عمها بصوته الشجي ويختمها بالتراويح وأدعية السحر التي يتلوها عن ظهر قلب. ولم يكن عبدالله محمد يجد شيئاً ذا جدوى يشغل به فراغه، ويقول:"قبل 20 عاماً لم أكن أعرف الأجهزة الذكية المتوافرة حالياً، ولم يكن ليتسنى لي أن أحصل على واحد منها إن وجدت، وكانت بعض الشوارع يسودها الظلام وهو ما يمنع الشبان من اللعب بالكرة"، فلم يكن أمامهم للتسلية - على حد قوله - سوى إحداث الفوضى والتسكع ومشاغبة العمال، وقذف الألعاب النارية على محال الوافدين وتعطيل مصالحهم. !!DAH Story.item details.captions!!