"سرقة الأموال ولا سرقة الأفكار"... مقولة شهيرة قالها أحد الحكماء، والحق معه، وذلك لأن المال يمكن تعويضه أو إعادته إلى من سُلِب منه، أما سرقة الأفكار فلا يمكن تعويضها أو إعادتها لصاحبها بأي حال من الأحوال. اليوم ونحن نعاني من أزمات الضمير بل موته لدى بعض لصوص الأفكار، الذين ينسبون إليهم أفكار الآخرين، متسلقين على أكتاف ضحاياهم بلا حياء، بينما هم ينطبق عليهم المثل القائل"فاقد الشيء لا يعطيه". وأسفاً على زمن تُباع فيه الأفكار وتُشترى وتُنسب للمفلسين ظلماً وبهتاناً. كثيراً من الأشخاص، ولاسيما فئة الشباب، حينما يتوصلون إلى أفكار بعضها يرقى إلى حد الاختراع والابتكار الذي يصب في خدمة الوطن والمجتمع قبل كل شيء، ولكن نظراً لنقص الخبرة والدراية في تطوير هذه الأفكار وتنميتها لدى صاحب الفكرة أو تبنيها، خصوصاً من النواحي المادية، وبناءً على ذلك فإنهم يبحثون عمن يبادر بتبني تلك الأفكار والأطروحات وإخراجها إلى حيز الوجود ? وهكذا نجد أصحاب تلك الأفكار يقومون بإرسالها إلى بعض الجهات أو الشخصيات المتسلقة، ظناً منهم بأنهم سيجدون التشجيع والدعم، خصوصاً الدعمين المادي والمعنوي من لدن هذه الشخصيات المفلسة فكرياً، وقد يطول انتظاره لرد فعل هذه الجهات أو الشخصيات، وهو على أمل الموافقة على تبني الفكرة فتأتيه الصدمة، بل إن صح تسميتها بالطامة الكبرى، حينما يسمع أعذاراً واهية الغرض منها التمهيد لسرقة تلك الأفكار ظلماً وبهتاناً وضياع حقوق صاحب الفكرة ومبتكرها، فيقال له مثلاً إن الفكرة قديمة ولا جديد فيها، أو إنها لا تصلح ولا جدوى منها ويصعب تطبيقها، وبعد فترة من الوقت يفاجأ بأن هذه الفكرة نفسها، التي كافح وسهر الليل من أجلها، خرجت إلى حيز الوجود كأخبار عبر وسائل الإعلام، أو نفذت على الطبيعة منسوبة إلى لصوص الأفكار ? وكثيراً من الإنجازات التي نشاهدها اليوم، مع الأسف، هي في الأصل عبارة عن أفكار تقدم بها بعض الأشخاص ولكنها تنسب إلى آخرين بلا وجه حق، كما أن هناك لصوص أراضي ومخططات وهوامير أموال فإن هناك هوامير أفكار أيضاً! فكثيراً من الأفكار والمبتكرات التي نقرأ عنها وتطالعنا بها وسائل الإعلام أصلاً لضحايا اجتهدوا وسهروا الليل مع النهار وصولاً إلى فكرة مشروع ناجح ثم يتقدم بها إلى بعض الأشخاص أو الجهات، وكما ذكرت سلفاً، فإن المقابل هو تهرب هؤلاء وتقديم مبررات واهية، وحينما يفقد صاحب الفكرة الأمل نتيجة طول المدة يتفأجأ بخروجها كمشروع إلى حيز الوجود وأنها منسوبة لبعض الخائضين في الماء العكر من أصحاب العقول الواهية. لا يفوتني هنا أن أؤكد على حقيقة خطرة جداً تتمثل في قيام بعض منسوبي القطاعات الحكومية بالاستيلاء على الفكرة ولا يقوم بتسليمها إلى المسؤول العام ومن ثم يقوم هذا الموظف بنسب الفكرة إليه، فمثلاً يتقدم صاحب الفكرة إلى المسؤول العام شارحاً الدراسة أو البحث أو الفكرة الخاصة به على أمل تبنيها من تلك الجهة الرسمية، ومن الطبيعي أن يقوم بتسليمها إلى المكتب أو إلى المسؤول نفسه عن ذلك القطاع، الذي يبادر بتحويلها إلى الجهة المختصة بمكتبه لتخرج الفكرة نفسها في ما بعد إلى الواقع منسوبة إلى أحد الموظفين بذلك القطاع الحكومي، وهذا يمثل عدم الأمانة. توجد مسألة أخرى لابد من ذكرها في هذا الحيز وهي شراء الأفكار، وللأمانة فإن بعض الأشخاص يقومون بسرقة أفكار الغير في مقابل مبالغ بخسة يمنحونها لهم، بحسب نوعية الفكرة أو الدراسة، وهذا يأتي في إطار الغش والتدليس الذي يمارسه البعض من أصحاب النفوس الرخيصة، لأن الصواب أن تحفظ حقوق المبتكر أو صاحب الفكرة حتى لا تُنسب إلى غير صاحبها، فالأفكار لا تُباع ولا تُشترى لأنها ليست سلعة، ولعلي هنا وفي هذا الإطار أقترح إنشاء جهة رسمية يكون من مهامها تلقي الأفكار والدراسات والأبحاث كافة ومن ثم يتم دراستها عن طريق لجنة مختصة، وفي حال الموافقة عليها تتبنى تلك الجهة دعم المشروع وحفظ حقوق صاحبه من الضياع الذي يقوم به لصوص الأفكار. ماهر بن عبدالصمد بندقجي [email protected]