هل نحن نُحمِّل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أكثر من طاقتها في وظيفيتها الرئيسة وهي مكافحة الفساد لدينا؟ الذي تشير الدراسات والتقارير الدولية إلى أن موقع المملكة في تراجع في تفشي الفساد، الذي قدرته بعض الدراسات أنه يصل إلى تريليونات الريالات، ومظاهر الفساد لم تتغير لدينا، فكل يوم نسمع ونقرأ عنه في إعلامنا المحلي، أما هيئة مكافحة الفساد فهي فقط مهتمة بالفساد في بعض الإدارات الحكومية، كمستوصف في تلك القرية أو حديقة هنا أو هناك، وهذا باعتقادي لا يعني أن مثل هذه الممارسات في تلك المشاريع غير مهم، ولكن نحن نطلب منها أن ترتقي"نزاهة"في محاربة الفساد في كل الأجهزة الرسمية وعلى كل المستويات، وأن تبدأ بالرؤوس الكبيرة حتى تصل الرسالة واضحة للجميع بأن الهيئة جادة في مكافحة الفساد، فقد مللنا من أن دور الهيئة هو المتابعة والكشف عن أوجه الفساد، أما محاكمة الفاسدين فليس من صلاحياتها. أتذكر أن رئيس الهيئة صرح لإحدى المحطات التلفزيونية حول التشهير بالفاسدين، فقال إن ذلك ليس من صلاحياتهم، وفي إجابة له عن الأراضي والشبوك، قال إن ذلك ليس من اختصاص الهيئة، لقد استبشرنا بتأسيس هذه الهيئة في مكافحة قضية أصبحت تصل إلى حد الظاهرة في مجتمعنا، بل إن البعض وصل إلى قناعة أن الفساد أصبح جزءاً من ثقافتنا، خصوصاً في عالم المال والاقتصاد، ومن يدعو إلى الشفافية ومحاربة الفساد من خلال الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد فهو إنسان غير واقعي ولا يفهم حقيقة ما يدور في المجتمع. لا نريد أن نتذكر وجود هيئة لمكافحة الفساد فقط في ندوة تنظمها هنا أو هناك، أو في انضمامها إلى اتفاق دولي، عمل الهيئة هو بالداخل وإذا كان نظامها الداخلي لا يعطيها حق محاكمة الفاسدين والتشهير بهم فعليها أن تعمل على تعديل أنظمتها حتى يكون لجهودها وعملها قيمة فعلية، وأن تكسب ثقة المواطنين، أما وضعها الآن فيبدو أن فيه خللاً وعلى الهيئة والقائمين عليها تصحيحه، فلقد كانت هناك ولا تزال أجهزة تقوم بمتابعة الفساد وهي تعمل ذلك منذ عقود ولم تفلح تلك الجهود في الحد من انتشار الفساد، نريد هيئة تملك صلاحية تامة في الكشف عن مظاهر الفساد، وأن تحاكم من يتهم بالفساد، وأن يتم التشهير بهم، أما الآلية التي تعمل بها الهيئة فهو عمل متابعي لا أكثر ولا أقل، وبرأيي أن الإعلام، خصوصاً الجديد منه يقوم بدور كبير بفضح الفاسدين وقد يتعدى دوره ما تقوم به الهيئة في مجال اختصاصها. لا يكفي أن تشكر الهيئة الإعلام على دوره ولكن عليها أن تراجع ما تقوم هي به من أدوار في مجال اختصاصها، نحن لا نريد خبراً عن كشف فساد في قرية نائية في بلادنا، وأن تدخل في حرب بيانات مع بعض الجهات الحكومية حول شبه فساد في تلك الجهات، مثلاً نريد من الهيئة أن تنشر تقارير سنوية أو نصف سنوية عن حال الفساد وعن الجهات والأفراد المتورطين فيه، فهذا نوع من الشفافية الداخلية التي نحتاجها، ولا نريد أن نعرف ترتيبنا بين الدول من حيث الشفافية في التقارير الدولية، وألا تكون الهيئة أداة دفاع عن الفساد في بلادنا، فإنشاء الهيئة بالأساس هو استشعار بوجود الفساد لدينا، والهيئة دورها هو مكافحته بشكل واضح وصريح، وألا تتحول مع مرور الوقت إلى جهاز حكومي بيروقراطي يعج بالموظفين المتقاعدين من الأجهزة الحكومية الأخرى. [email protected]