يبدو موقف الإسلاميين من الصحف السعودية وكُتابها ملتبساً وشائكاً، فمنذ أحداث ال11 من سبتمبر، مارست الصحف السعودية دوراً نقدياً لاذعاً اعتبره الإسلاميون هجوماً صريحاً على ثوابت الدين، ونية انقلابية على قيم المجتمع وعقيدته وثقافته الدينية. بقي الإسلاميون يعتصمون بمواقع الإنترنت وصفحات الشبكة العنكبوتية لشن هجمات مضادة للطرح الصحافي بأسماء وهمية كُشفت لاحقاً، وأخرى صريحة يتتبعون ما تضخه المطابع وتمسه من القضايا الاجتماعية والثقافية والفكرية، وبلغت العلاقة مراحل متطورة من الخصومة وخرجت من إطارها الثقافي إلى مستويات حادة من الخلاف كالاتهام في العقائد والتشكيك في الوطنية. كان الصحافي يشتكي رفض الإسلاميين وشدة تحوطاتهم، والإرهاق الذي يناله لإقناعهم بالمشاركة، إذ كانوا يتخوفون من تأويل تصريحاتهم أو التلاعب بأطروحاتهم واجتزائها بما يحقق نوايا مخبوءة ويحرف الكلام عن مقاصده ومعانيه، ولأعوام طوال بقي الإسلاميون يشتكون إقصائهم من الكتابة في الصحف."الحياة"تحاول أن تتبين أسباب توتّر العلاقة بين الشرعيين والكُتّاب، ومنطلقات التهم التي يطلقها رموز الاتجاه الإسلامي على الصحافة. من جانبه، أوضح الداعية سليمان الدويش أسباب عدم الثقة أو ضعفها بين الإسلاميين والصحافة، والتي يمكن فهمها من خلال عنوان الحوار:"العلاقة الملتبسة بين الإسلاميين والصحافة السعودية"والموحي بضعف انتماء الصحافة بدليل التفريق بينها وبين خصومها ممن وصفهم العنوان بالإسلاميين. ونفى الدويش ما يروجه بعض من يصطاد في الماء العكر - على حد وصفه - من أن الإسلاميين يُكفرون كتاب الصحف السعودية وأضاف:"ليس الأمر كذلك ولكننا نرى أن الصحافة عندنا لا تحمل همّ الإسلام ولا تنتصر غالباً لقضاياه، بل تهتم في كثير من طرحها بتوافه الأمور وبما يشغل الناس عن أمر دينهم أو بما يفتح لهم مجالاً للنيل منه أو التشكيك فيه أو الضجر منه ومن دعاته، باعتباره ديناً يحرمهم من كثير من المتع". الكاتب علي فايع الألمعي يرى أن العلاقة خلقتها حدة التنافس التي عادة ما يعبر عنها كثير من الدعاة والوعاظ في خطبهم وفي صفحات التواصل الاجتماعي بأنها ملتبسة مع بعض الإعلاميين الذين يختلفون معهم في وجهة النظر. كما تحفّظ الألمعي كذلك على مصطلح الإسلاميين لأننا ? بحسب قوله - مسلمون جميعاً وأضاف:"هذا أمر طبيعي جداً فلهم أهدافهم الخاصة التي تميل إلى الاستحواذ على كل شيء، والإعلام منافس كبير لهذا الاستحواذ. هناك دعاة ووعاظ منصفون في نقدهم، وهناك اعتقاد من بعضهم بأن هناك إعلاماً مناكفاً لتوجهاتهم التي يسعون إلى تأميمها". وأشار الناقد الأدبي علي فايع إلى أن بعض الدعاة والوعاظ وأصحاب التوجهات الخاصة يبالغون كثيراً في نقدهم للإعلام والذي يأتي في غالبه نقداً غير موضوعي وغير منصف في الوقت الذي يمتلكون فيه منابر متعددة لا يوجهون نقدهم لها، ولا ينظرون من خلالها إلى علاقتهم الملتبسة مع الإعلام، وأكد أن العلاقة الملتبسة تخلقها التوجهات المختلفة وستظل. ولكن الداعية الدويش اختلف معه في ذلك وعاد بالتهمة على الصحافة نفسها وقال:"الإسلاميون أظهرتهم الصحافة على أساس أنهم منغلقون متشددون متزمتون يميلون إلى التضييق وحرمان الناس وغير ذلك من الأوصاف والتهم التي لا تغيب عن عين القارئ، ومن جهة أخرى فالإعلام العربي بصفة عامة غالبه بيد أناس يحملون توجهات غريبة، وليس إعلامنا بمعزل عنهم وهذا ما يدفع الإعلام إلى محاصرة من يختلف معه في توجهاته وربما جمع حشفاً وسوء كيلة وبرر إقصاء خصومه بدعوى أنهم لا يمتلكون أقلاماً تستهوي ذائقة الجماهير وكأن الجماهير لا يستهوي ذائقتها إلا خربشات بعض الكتاب التي لا تختلف عن طلاسم المشعوذين". الصحافي والباحث سعد المحارب أعاد التوتر بين الطرفين إلى ثلاث مشكلات وقال:"الإعلام في السعودية كان من المجالات التي تأسست خارج إطار الإسلاميين مما خلق حالاً من الجفاء المتوارث، ثم جاء الإسلاميون لتأسيس تجربتهم الإعلامية متأخراً فعجزوا عن إضافة شيء يذكر سوى ضوابط أخلاقية واعتبارات آيديولوجية. المسألة الثانية أن بعض الإسلاميين ما زال مؤمناً بالتأثير الحتمي لما يبث في وسائل الإعلام على الجمهور، وهذا يفسر الحساسية البالغة في تعاطيهم مع ما ينشر في وسائل الإعلام". واعتبر المحارب أن قناعة الإسلاميين في رسالة الإعلام ليس في انضباطه المهني وإنما في التزامه بتأييدهم ومعارضته لمخالفيهم، الأمر الذي يفسر قلة ظهور المختلفين معهم في وسائلهم الإعلامية، في مقابل كثرة ظهورهم في وسائل يعتبرونها مخالفة لهم، مما يعني خلط بعض الإسلاميين بين الإعلام والدعاية. وأضاف:"المشكلة أن بعض الإسلاميين لا ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم تياراً فكرياً وسياسياً ضمن تيارات تدين بالإسلام وتلتزم السقف الوطني، وإنما الممثل الحصري للإسلام أو على الأقل ممثله الأكثر التزاماً بتعاليمه". وأشار إلى أن هذا التقويم للذات بوصفها أعلى من البقية مقاماً، وأكثر صلاحاً، وأدنى للحق، يجعلهم يشعرون بالانتقاص والتجاوز في كل ممارسة إعلامية تتعامل معهم بصفتهم جزءاً من كل، ورأياً ضمن آراء. إعلامي يؤكد: لا تخلو صحيفة من إسلامي داعية: تحامل الصحافة على الإسلاميين غير مهني وفي ازدياد أعاد الداعية سليمان الدويش اللائمة إلى واقع الصحافة. وقال:"إن من يتأمل واقع صحافتنا وطريقة تناولها للأحداث يجد تحاملاً لا يمكن تبريره ولا تفسيره إلا بالخصومة الفكرية أو بتصفية الحسابات الشخصية أو المنهجية، وهذا لا يحتاج إلى عناء بحث أو تنقيب، فيكفيك أن تقرأ أي خبر عن محتسب أو عالم أو عضو هيئة وقع له موقف معيّن وكيف يتم تصويره وصياغة الخبر المتعلق به وإظهاره ولو بطريق الإيحاء بصورة المخطئ البادئ بالاعتداء المتسرع، بل إن بعض الصحف تصدر حكماً مبدئياً بالإدانة، ناهيك عن المسابقة في نشر الأخبار التي تنال منه أو تسيء إلى سمعته، بينما لو وقع ما هو أشنع وأبشع وأظهر في الخطأ من غيره فإنه يستحيل أن تقرأ عنه خبراً أو تجد له في صحافتهم أثراً". ويرى الدويش أن الحال لم تتغيّر بل هي في ازدياد وتنامٍ، ولكن الذي تغيّر - بحسب رأيه - هو أن الناس انصرفت عن هذه الصحف إلى وسائل التواصل الأخرى التي يمكن المشاركة فيها بسهولة، وإبداء الرأي فيها بحرّية، ولا تخضع لا لمقص رقيب ولا لسيطرة، وليس فيها تهديد بقطع المصلحة بل لكل أحد أن يكتب فكرته بوضوح وصراحة لا يطلب منه إلا أن يستحضر مراقبة الله له، وأنه مسؤول عن كل حرف تطبعه أنامله بحسب ما أورد. الباحث في مجال الإعلام الإلكتروني سعيد الدحية الزهراني يرى أن بعض التصورات الخاطئة لدى فئة من المتدينين عن الفعل الصحافي المحلي خلقت فجوة وإن شئت"جفوة"، وانعكست سلباً على تلك الفئة التي ما فتئت تردد وتعدد أخطاء وسلبيات النشاط الصحافي لدينا من منظورها الخاص، ووفق ما تراه هي لا ما يراه السياق المجتمعي ككل. ويضيف الزهراني:"لعل أبرز مظاهر النقد غير الموضوعي كما الذي تصم به فئة المتدينين المتشددين آذان الآخرين مقولتهم المستهلكة المجترة:"الصحافة المحلية لا تمثل أخلاقيات المجتمع وقيمه"، في حين تجد نسخ الصحف المحلية في أيدي الناس وداخل بيوتهم وعلى مختلف وسائط متابعتها الإلكترونية من دون أن تظهر أدنى أشكال الرفض التي تتناقض مع القيم والأخلاق المجتمعية العامة مثلما يدعي الطيف المتشدد الوصائي، وهنا في تقديري مكمن العلة المتمثل في وهم الوصاية على خيارات الناس وحرياتهم من دون وجه حق دينياً وأخلاقياً". في المقابل يرى الباحث سعيد الزهراني أن الصحافة المحلية تمضي في أداء واجبها الوطني والحضاري والمهني تجاه المجتمع والإنسان من دون أدنى أشكال المزايدة التي يتبناها الخطاب المتشدد، ومع ذلك لا تكاد تخلو صحيفة سعودية واحدة من وجود أسماء دينية بارزة تقدم رؤاها بصدق وإخلاص وتجرد سواء عبر زوايا أم مقالات بل وصفحات متخصصة أيضاً عبر أطر موضوعية هادئة، تسهم في خلق جوانب الإيجاب وتنأى عن ماعداها. وبحسب كلام الزهراني فإن الأهم في هذا الإطار يتمحور حول المتلقي العادي الذي قد يُخدع بما يسوقه التيار الوصائي المتشدد عندما يأتي مغلفاً بلباس الدين الذي نعرف جميعاً أنه دين سماحة ومحبة ووئام، ومع هذا تأتي جملة من الأحداث التي تكشف للطيف المجتمعي العام خفايا ذلك التيار، ويضرب مثالاً لذلك في أحداث معرض الرياض الدولي للكتاب خلال أعوام مضت عندما تبين للناس مدى الظلام الذي يسكنهم. ولكن الداعية سليمان الدويش يرى أن تعاطي الصحافة مع كثير مما يتعلق بالإسلاميين لا يحمل أي معنى للمهنية، بل هو تحامل وتهويل ويرى بصورة لا شك فيها أنها حملة ممنهجة ومقصودة يتقاسمون أدوارها. الزهراني يعود بالتأكيد إلى حياد الصحافة بقوله:"في تقديري أن الصحافة المحلية لا ترفض أي صوت عقلاني أياً كان الاتجاه، عدا تلك الأصوات النشاز التي تستهدف مسيرة وطننا الحبيب عبر نافذة الدين والتدين، فالجميع ولله الحمد غيور على ديننا السمح القويم ومحب له، فلا داعي للمزايدات الوصائية الهشة". الصحافي والباحث سعد المحارب يختم بقوله أن توتر علاقة الصحافة بالتيار الإسلامي ظاهرة سلبية، ومن المفيد العمل على إزالة التوتر أو تخفيفه، ولا يرى سبيلاً لهذا غير محاولة جادة للتحليل تسعى إلى الفهم قبل الحكم، وتهدف إلى مصارحة تعين على بناء أساس مشترك يحقق المصلحة الوطنية العامة.