هدف بنزيمة القاتل يعيد الإتحاد للصدارة    جدة تحتضن الماضي والحاضر والمستقبل في معرض تشكيلي    إسرائيل تكشف عن خطتها لتسهيل «المغادرة الطوعية» للغزيين    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس الجزائر في وفاة رئيس الحكومة الأسبق    القادسية يتغلّب على الرائد بثنائية في دوري روشن للمحترفين    خلال مشاركتها في مؤتمر ليب 2025.. «السعودية الرقمية».. بوابة الابتكار الحكومي للعالم    وكيل وزارة الداخلية يرأس اجتماع وكلاء إمارات المناطق    القادسية يتفوق على الرائد بثنائية.. وهاتريك حمدالله يهدي الشباب الفوز على الخليج    دوريات الأمن بالقصيم تضبط مخالفاً لنظام البيئة    المؤثرات السعوديات قوة ناعمة عبر المنصات الرقمية    فرص متكافئة للإسهام في التنمية    المناطق الاقتصادية الخاصة.. قفزة نوعية في جذب الاستثمارات    "الرياض للجولف" يحتضن أبرز البطولات العالمية للرجال والسيدات    كيف أسهمت الرياضة في تحسين جودة الحياة؟    الملك وولي العهد يُعزيان ملك السويد في ضحايا حادثة إطلاق نار بمدرسة    جسر حضاري يربط المملكة بالعالم    العلي يقدم قراءات ونماذج في أدب السيرة    الصناعات الثقافية والإبداعية ومستهدفات التحول الوطني    مصر: مخطط إسرائيل لتهجير الفلسطينيين كارثي ويهدد التفاوض    البرازيلي مارسيلو يعلن اعتزاله كرة القدم    الحميدي الرخيص في ذمة الله    مصر: سنعمل مع الشركاء لإعادة إعمار غزة دون مغادرة الفلسطينيين لأرضهم    الأمير سعود بن عبدالله يتوّج الفرس «نجابة العز» بكأس الأمير «سعود بن محمد» للفروسية    نيمار: سأرد على جيسوس في الملعب    تفقد المرافق العدلية في الأحساء.. الصمعاني: خدمة المستفيدين أولوية    خطة لترمب لإنهاء الحرب بين موسكو وكييف.. وفرنسا تسلم أول مقاتلة لأوكرانيا    إحباط تهريب 30 ألف قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    أمير القصيم يستقبل مديري المجاهدين السابق والجديد    البديوي: قادة دول المجلس تؤمن أن صحة المواطن والمقيم في مقدمة الأولويات    إنجاز عالمي لمصور سعودي على لائحة الجوائز العالمية    تسارع وتيرة نمو مبيعات التجزئة في اليورو خلال ديسمبر    القتل تعزيراً لمهرب الإمفيتامين في مكة    "هيئة الطرق": طريق "الحقو – الريث" محور مهم لربط جازان بعسير    ثبات محمد بن سلمان    «8» سنوات للأمير سعود في خدمة المدينة المنورة    توقيت نومك.. يتحكم في مزاجك    مستشفى سعودي يحصد المرتبة ال 15 عالمياً ويتصدر منشآت الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    2.6 مليار ريال لإنشاء محطة «رأس محيسن»    الرئيس عون يتعهد وزيارة أميركية مرتقبة لبيروت.. حراك داخلي وخارجي لتسريع تشكيل الحكومة اللبنانية    الرديني يحتفل بعقد قران نجله ساهر    آدم ينير منزل شريف    الموت يغيب الفنان صالح العويل    تراث الأحساء كنز أصيل يبهر العالم    لبلب شبهها ب «جعفر العمدة».. امرأة تقاضي زوجها    رعي الحفل الختامي لمسابقة التحفيظ .. أمير الرياض: القيادة تهتم بالقرآن الكريم وحفظته والقائمين عليه    النزاهة مفهوم عصري    مفتي عام المملكة يستقبل المشرف على وحدة التوعية الفكرية بجامعة الملك فيصل    الشريف والمزين يزفان محمد    إطلاق برنامج التعداد الشتوي للطيور المائية في محمية جزر فرسان    «الصحة»: إحالة مدعي الطب البديل لجهات الاختصاص لمحاسبته    رفقاً بمحاربي السرطان    قاعدة: الأصل براءة الذمة    معادلة السعودية «الذهبية»    التأسيس عز وفخر    مركز القرار.. السياسة الإنسانية الحصيفة تنشر السلام    صفحة بيت    إقامة ورشة عمل حول " توسيع أفق بحوث العلاج في أمراض الروماتيزم " الملتقى العلمي الدولي ٢٠٢٥    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية والرئيس الألماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دفاعاً عن الغالبية السورية
نشر في الحياة يوم 15 - 10 - 2011

مرت مجازر الثمانينات في سورية بصمت شعبي، كذلك مرّت كل محاولات معاقبة الأكراد، من تهجير، وإحلال سكان عرب في مناطقهم، وكفّ أيديهم عن أراضيهم الزراعية والسكنية، وحرمانهم التصرف بها. ولن ننسى على مرّ السنوات الماضية آلاف الحالات الفردية لناشطين تجرأوا وطالبوا بحقوق مشروعة لشعبهم، فكان نصيبهم الاعتقال التعسفي والحرمان من حقوقهم المدنية والمجازر الجماعية التي تمت في السجون، وكان آخرها مجزرة سجن صيدنايا 2008. كل ذلك مرّ من دون تحرك شعبي في بلاد الصمت. لقد سُحبت حيوية الروح من الشعب السوري، عندما مُنع عن أي حراك سياسي مدني طيلة عقود، فالشعب الذي كان صدى لأحداث المنطقة، يخرج بالتظاهرات احتجاجاً على اغتيال شخصية وطنية في بلد عربي او قمع حراك شعبي في آخر، صار منذ 1970 مجرد شعب يمارس دور المتفرج، وهذا ما حدث أمام مجزرة تل الزعتر في لبنان عام 1976، حين دُك المخيم دكّاً.
لجأ النظام خلال عقود الى تفكيك البلاد طوائف وأقليات وكتلا لتسهيل التحكم بها، فعزلت أكبر طائفة فيها، من خلال الربط بينها وبين حركة الإخوان المسلمين، التي دخلت في مواجهات معه في الفترة ما بين أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات. وتماماً مثلما يحصل الآن، تم التشويش على المجازر التي أبادت اكثر من عشرين ألف ضحية في مجازر مدينة حماة وحدها، إضافة إلى حلب وإدلب وحمص وريف دمشق من خلال شيطنة الطائفة المنكوبة بأكملها وتحميلها شعوراً بالذنب كونها الحاضنة الاجتماعية للإخوان المسلمين التي جُرّم التعامل معها بقانون رقم 49. أصبحت طائفة الأكثرية عبر السنوات الحلقةَ الأضعف في المجتمع السوري، المعرَّضة للسخرية والتهجم على افكارها وطقوسها، واتهام قناعاتها الدينية بالجمود وغياب الإبداع. تورط في ذلك معارضون وموالون، قوميون ويساريون، وأيضا مثقفون مستقلون، وكان السوري المثالي هو الذي يقف مع السلطة في مواجهتها حتى لو كان وقوفه من نوع الموقف الصامت. لم تكن تلك علمانية صحيحة ولا إلحادية صحيحة، بل ممارسة عنصرية جعلت من الأقليات مجموعات مخطوفة يحتمي خلفها النظام بمواجهة الاكثرية. حدث هذا في الوقت الذي لم تكن تجرؤ اي جهة او فرد على المساس بالمذاهب والاديان الاخرى علانية، لانها ستجرَّم بتهمة كراهية الأقليات!!
من كل ما سبق، يمكن تفسير الصمت الشعبي امام الهجوم على مدينة درعا بداية الانتفاضة، قبل ان تمتد شرارة التحرر من العبودية الى حمص وتلبيسة والرستن وحماة وإدلب ودير الزور وعامودا ومناطق اخرى. لجأت السلطات السورية الى أسلوبها التقليدي في التخويف والتجريم، وقدمت صورة إعلامية ربطت بصورة اخرى وتم شيطنتها في الذاكرة الجمعية، فلجأت الى التشويه الممنهج للانتفاضة، وصورت أفرادها على انهم ارهابيو سورية المقبلون، يخرجون من الجوامع، نساؤهم المتظاهرات محجبات، وهتافاتهم تتضمن شعارات تستعين بالله!!. ورافق هذا التزييف تجاهل مشاركة افراد الطوائف الاخرى في الانتفاضة، سواء بمشاركتهم في التظاهرات او بالتعبير عن تضامنهم عبر وسائل التواصل الاجتماعية، وذلك كي يبدو الحراك طائفياً بحتاً. واخيراً استكملت الكذبة بدفع مفتي النظام الى الظهور العلني قبل ايام، متوعداً الدول الغربية بالانتحاريين الذين سيثيرون الذعر والفوضى في بلادها، ليكتمل ربط الاكثرية السورية بالتطرف، وبعد ان كان التخويف موجهاً للداخل صار موجهاً للخارج، الذي لم يُشفَ بعدُ من رِهاب الإسلام.
لا ينطلق هذا المقال من منطلق طائفي، فكاتبته تقف على مسافة بعيدة من الاسلام السياسي، وان احترمت حقه في التعبير عن نفسه طالما انه يلتزم شروط الديموقراطية في هذا التعبير، لكن اسلوب التخويف من القادم هو خرافة عبَّر عنها بشكل طريف ميخائيل سعد، اليساري السوري ذو الاصول المسيحية المقيم في كندا، فقد كتب على صفحته في الفايسبوك: «نكاية ببعض اليسار السوري وبعض العلمانيين الشكليين وبعض القوميين، وقبل هذا نكاية بالسلطة السورية، أعلن انضمامي المؤقت للإخوان المسلمين رغم كل عيوبهم إذا قبلوا بي، وعليه أوقِّع». هل من موقف أكثر جرأة من هذا الموقف يفضح محاولة تخويف الاقليات من الاكثرية السورية؟
ينطلق هذا المقال من رؤية تتطلع الى تحقيق الدولة المدنية التعددية وترى ان استبعاد اي مكون للشعب السوري، أكثرية كان أم اقلية، من ممارسة حقوقه المشروعة في التعبير عن رأيه، هو نوع من العنصرية المباشرة. لم يحدث في التاريخ الحديث ان تمّ الطلب الى مجموعة تتعرض للعنف الممنهج، تقديم ضمانات للمتفرجين أنها لن تمسهم بسوء ان خرجت سالمة من الإبادة!! أليست هي المجموعة نفسها التي هُمّشت لعقود عن مراكز السلطة السياسية والعسكرية والأمنية، ولم تمارس رغم ذلك ايَّ انتقامات طائفية؟ أليست هي نفسها الأكثرية التي حضنت مهاجري العالم المضطهدين من مسيحيي أرمينيا والسريان والآشوريين، وحديثاً لاجئي الصومال وشيعة العراق. الشعب السوري عُرف عنه الاعتدال والبُعد عن التعصب في إسلامه، بشهادة الكثير من المتابعين، ولم يحضن طوال تاريخه افكاراً متطرفة تدفعه الى إنهاء الأقليات، التي ان استمرت في الوجود فبسبب تعايشه معها، لا بسبب حماية اي نظام سياسي مرّ على البلاد.
لا يمكن وصف تخويف الأقليات من الاكثرية السورية الا بالافتراء الذي تقوده أجهزة النظام لتفتيت ارادة المجتمع في مواجهته وهي تطالب بالحريات للجميع وليس لفئة. أما بالنسبة لأشباه المعارضة والمثقفين، فيعكس ترديدهم لهذا التخوف رسوباً في الجاهزية أمام استحقاق الديموقراطية، الذي ادعوا لعقود انهم يروجون له. وبدل ان يبدأوا الحوار مع مكونات الشعب المختلفة لإزالة الشكوك في ما بينها، كشف الحراك الأخير عن عجزهم في التعامل مع هذه الأزمات، لأنهم تساكنوا مع جلاد أَلِفُوا أنيابه واستمرأوا عبوديتهم لهم، بل وشاخوا على قمع يديه.
* كاتبة سورية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.