يشعر المرء بخيبة أمل أثناء تجواله بين منازل أقرب ما تكون إلى أكوام من الحجارة بعضها فوق بعض، وحارات ضيقة المساحة ومخابئ المخالفين المقيمين بطرق غير شرعية في الأحياء الشعبية جنوبجدة بحثاً عن أبناء منطقة البلد الذين هجروا هذه المحافظة التي كانت أثراً بعد عين. هذه المنطقة تحديداً لعبت دوراً كبيراً في نمو اقتصاد المحافظة، وجعلتها في مقدمة الركب بعد ما كانت مدينة صغيرة لا تزيد مساحتها على كيلو متر مربع, فإن كنت جائلاً في هذا المكان، فبالتأكيد ستتخلى تلك الزوايا عن صمتها لتنطق روحها حكايات المكان وأيامه الخوالي. وعندما تتهادى خطواتك في تلك الأزقة الضيقة، فأنت آخر من سارت قدماه على أرضٍ سكنها مثقفون وكبار رجال البلد حالياً عندما كانوا في سنين حياتهم الأولى، غير أنه سرعان ما تتلاشى منك جميع هذه المشاعر والصور، لتنتقل إلى الواقع على المحزن وما آلت إليه هذه الأحياء من حالٍ بائسة، رغم فاعليتها في صناعة تاريخ العروس. العم عبدالله الكثيري ( 72 عاماً ) هو من البقية الباقية الذين إنحازوا إلى الجذور رغم إغراءات الحداثة، فهو باقٍ في حي البلد الشعبي منذ طفولته ولا يستطيع السكن في غير هذه المنطقة رغم سوء حالها، يقول: « لقد عشت وتربيت هنا منذ صغري وهي منطقة أثرية وقديمة جداً، وأنا متمسك بها لأن آبائي وأجدادي كانو يعيشون هنا في هذا المكان نفسه»، ذلك الحديث عن الماضي الوردي للمنطقة، يتلاشى حال استعراض الحال التي آلت إليها من سوء ونقص في خدمات المياه والكهرباء والصرف الصحي، فارتسمت على وجه السبعيني علامات القنوط واليأس من مسؤولين ما فتئوا يعدونهم بتحسين الخدمات، إلا أنها تبقى وعوداً تذروها الرياح. ويضيف عبدالله عبده (65) عاماً، سبباً آخر وهو الإيجار الرخيص الذي جعله يفضل البقاء في هذه المنطقة، إضافةً إلى الحياة الاجتماعية التي تتفوق فيها على الأحياء الراقية.