كان عليه الصلاة والسلام دخل المسجدَ ليلةً، فإذا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قائم يصلِّي، يرتِّل سورةَ النساء، فقام صلى الله عليه وآله وسلم يستَمِع لقراءته، ثم قال لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما:"مَن سرَّه أن يقرأَ القرآنَ رَطْبًا كما أُنزل، فليقرَأْهُ على قراءة ابن أُمِّ عَبْدٍ". فإذا دخل المسجدَ سلَّم تسليماً يُسْمِعُ اليقظانَ، ولا يُوقِظُ النائمَ"إذ لا يخلو المسجد من فقراء المسلمين الذين ينامون فيه، ثم يصلِّي في المسجد قبل أن يدخل بيته. فإذا دخل بيته، وأراد أن ينام تخفَّف من ثيابه، فأخذ خِرْقَة توضع عند رأس فراشه، فاتَّزر بها، وخلع ثوبيه فعلَّقهما، ثم دخل مع زوجته في لحافها، وكان فراشه من جلد حشوه لِيف، وله وسادة من جلد حشوها لِيف يتوسَّدها هو وزوجته. فإذا أراد أن ينامَ وضعَ سِواكه عند رأسه"ليستاكَ به إذا استيقظَ، وكان لا يرقد من ليل ولا نهار فيستيقظ إِلَّا بدأ بالسِّواك. وكان إذا استاك أَعْطَى سواكه عائشةَ رضي الله عنها لتغسله، فتبدأ به فتستاك"لتصيب أثر ريقه الطيب المبارك، ثم تغسله وتدفعه إليه. فكان سواكه نظيفاً وقريباً منه، يتعاهد به فمه الطَّيِّب المُطَيَّب تعاهداً شديداً، حتى خَشِي على أسنانه أن تقع لشدة ما أَحْفاها بالسِّواك. وكأن ذلك ليطيِّب فمه الذي يناجي به ملائكةَ ربِّه، كما كان ينحِّي عنه البقولَ والخَضْراوات ذوات الرائحة، فإذا قيل له في ذلك، قال:"إني أستحي من ملائكة الله، وليس بمُحرَّمٍ، إني أُناجي مَن لا تُناجي". ولذا حافظ على السواك، فيبدأ به كلَّما استيقظ، ويقرِّبه عند رأسه إذا أراد أن ينام. ثم يؤانسُ زوجتَه بالحديث معها سُويعة، ولك أن تتخيَّل هذه النجوى بين زوج كريم محبٍّ وزوجة مُحِبَّة مَشُوقَة في هَدْأَة الليل وسكون المدينة الجميل، إنها عطاء وِجداني يفيض على النفس بأنواع المَسَرَّة والإبهاج، ويُعطي العلاقة الزوجية عُمْقاً وِجدانيّاً راسخاً في النفس. وبعد هذه المناجاة الجميلة، فإن كان به حاجة الرجل إلى زوجته قضى الرغبة الزوجية الخاصة، وربما وافق زوجتَه أيام حيضها، فلا ينقطع عنها الإسعاد الزوجي، فكان يباشر زوجته وهي حائض، ويأمرها أن تَأْتزر، فيصيبُ منها ما يصيبُ الزوج من زوجته، غير الجماع. وفي ذلك إشعار بالرغبة في الزوجة، وأن هذا العارض الطبيعي لا يقطع ألواناً من التواصل الزوجي البَهِيج. ومن ذلك: حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: كنتُ مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في لحافه، فوجدتُ ما تجدُ النساءُ من الحيضة، فانْسَلَلْتُ من اللِّحاف، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم:"أَنُفِسْتِ". قلتُ: وجدتُ ما تجدُ النساءُ من الحيضة. قال:"ذلك ما كتب اللهُ على بنات آدم". قالت: فانسللتُ فأصلحتُ من شأني، ثم رجعتُ، فقال لي رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم:"تعالي فادخلي معي في اللِّحاف". قالت: فأدخلني معه في لحافه. وكان يغتسلُ من الجنابة قبل أن ينام، وربما توضَّأ ونام وأخَّر الغسل لحين استيقاظه. وكان يغتسل أحياناً هو وزوجته من إناء واحد، تختلف أيديهما فيه، تقول: دَعْ لي، دَعْ لي. ويقول:"دَعِي لي، دَعِي لي". وهذا من المؤانسة وامتداد اللهو الجميل بين الزوجين. وكان إذا أوى إلى فراشه قال:"الحمدُ لله الذي أَطْعَمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، فكم ممَّن لا كافي له ولا مُؤْوِي، الحمد لله الذي مَنَّ عَلَيَّ فأَفْضَل، الحمد لله الذي أعطاني فأَجْزَل، الحمد لله على كل حال، اللهمَّ ربَّ كلِّ شيءٍ، ومالكَ كلِّ شيءٍ، وإلهَ كلِّ شيءٍ، لك كلُّ شيء، أعوذ بك من النار". ثم يجمع كفيه المباركتين، فينفُث فيهما، ويقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، ثم يمسح بهما رأسه ووجهه وما أقبل من جسده ثلاث مرات. فإذا اضطجع اضطجع على شِقِّه الأَيمن، ووضع يده اليمنى تحت خَدِّه الأيمن، وقال:"اللهمَّ باسمك أموت، وباسمك أحيا، اللهمَّ قِنِي عذابك يومَ تبعثُ عبادَك". "بسم الله وضعتُ جنبي، اللهمَّ اغفرْ لي ذنبي، واخْسَأْ شيطاني، وفُكَّ رِهاني، وثَقِّل ميزاني، واجعلني في الرَّفِيق الأَعْلى". وله صلى الله عليه وآله وسلم أذكار يقولها عند نومه، فمنها: "اللهمَّ ربَّ السماوات السبع، وربَّ الأرض، وربَّ العرش العظيم، ربَّنا وربَّ كلِّ شيء، فالقَ الحبِّ والنَّوى، ومنزِلَ التوراةِ والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شرِّ كل ذي شرٍّ أنت آخذٌ بناصيته، اللهمَّ أنت الأولُ، فليس قبلك شيءٌ، وأنت الآخرُ، فليس بعدك شيءٌ، وأنت الظاهرُ، فليس فوقك شيءٌ، وأنت الباطنُ، فليس دونك شيءٌ، اقضِ عنَّا الدينَ، واغْنِنا من الفقر". "اللهمَّ أسلمتُ نفسي إليكَ، ووجَّهتُ وجهي إليكَ، وفوَّضتُ أمري إليكَ، وألجأتُ ظهري إليكَ، رغبةً ورهبةً إليكَ، لا مَلْجَأَ ولا مَنْجَا منكَ إِلَّا إليكَ، آمنتُ بكتابك الذي أنزلتَ، وبنبيكَ الذي أرسلتَ". وربما قرأ سوراً من القرآن، فيقرأ أحيانًا: {الم* تَنْزِيلُ ...} السجدة، و{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ...}، وأحياناً سورة الزمر، والإسراء. ثم ينام، فإذا نام واستغرق في نومه نفخ - وهو صوت نفس النائم المرتفع - فإذا تقلَّب في فراشه من الليل قال:"لا إله إِلَّا الله الواحدُ القهارُ، ربُّ السموات والأرض وما بينهما العزيزُ الغفَّار". وكان لا يتقلَّب من الليل إِلَّا أجرى السواك على فمه، ثم يعود إلى نومه، إلى أن ينتصف الليلُ. ويبدو أن هذه أطول فترة نوم ينامها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.