سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أكاديمي وقانوني سعودي يرى أن مجتمعنا يحتاج لحقيبة إسعافات "قانونية" ... ويؤكد أن الوضع في الإدارات القانونية الحكومية "لا يسر" . الدريس : لو أدرك فولتير الليبرالية "السعودية" لتحول للماركسية !
{ متى حضر القانون حضر معه كل العدل، ومتى نعم المجتمع بالعدل تطور كل شيء واستقام الأمر كله، في الآونة الأخيرة كثر النقاش حول البيئة القانونية في المملكة وفتح الباب على مصراعيها في ذلك، إذ كان الحديث عن القضاء في بلادنا في فترة من الفترات من المحرمات الغير منصوص عليها..! عبدالرحمن الدريس شاب سعودي تسلح بالقانون علماً وعملاً، واستطاع أن يضع لنفسه قانوناً يصلح من خلاله ما يقدر عليه.. يملك الطموح والفكر، ويسعى للربط بين مختلف المؤسسات العدلية داخل وخارج المملكة، ضيفنا من القانونيين الذين يملكون القدرة على الانسجام مع المتغيرات واختصار الطرق الطويلة لممرات قصية نصل من خلالها لشط الآمان، ينتقد ضيفنا قلة الوعي بالحقوق والواجبات لمختلف فئات المجتمع، بل ويعيب على مؤسساتنا الحكومية ضعف أدائها في ميادين القانون وكثرة الأخطاء فيه.. ينظر للمستقبل برؤى إيجابية، ويخبرنا عن تفاؤله من خلال رصده لبعض المتغيرات في البيئة القانونية عندنا.. ولا يشغله القانون عن تلمس بعض الأخطاء في المجتمع من خلال التعليم العام وبيئة الجامعات عندنا وما يعتريها من خلل فكري وممارسات تحد من انطلاقة أجمل للمبدعين والموهوبين. عبدالرحمن الدريس ولد في أميركا وتنفس الحقوق هناك، ولكن ذلك لم يمنعه من أن يفخر بكونه منتمياً لهذا البلد ثقافة وجيناً يمنحه الثبات أمام كل المتغيرات.. في مجلسه تكتشف حرصه الشديد ودقة عباراته، وتؤمن بأنه يجيد المشي على حقل ألغام برشاقة متناهية، المفردة القانونية صنعت منه كياناً يزن الكلمة قبل خروجها لنصافح معنى ولا أجمل عند خروجها منه قولاً أو فعلاً... فإلى تفاصيل الحوار: ولادتك بأميركا هل منحتك حقوقاً غير..؟ -ربما منحتني حقوقاً، لكن المؤكد أنها منحتني حق معرفة الحقوق بشكل أكبر. عيشك في أميركا لأكثر من عقد على فترات مختلفة، هل أثر على المكون المحلي بداخلك..؟ في طفولتي كان والدي الدكتور إبراهيم الدريس- رحمه الله - حريصاً كل الحرص على تأسيسي دينياً بحفظ القرآن، وكان المُجمّع السكني الذي نقطنه فيه حوالى 04 عائلة سعودية"مما كان معه الحرص على اكتساب الثقافة الأميركية أكثر صعوبة من فقدان الموروث السعودي! وكان المثير في شخصية المبتعث بالنسبة للشعب الأميركي، هو المكون الثقافي الذي جاء به من مجتمع مختلف، وبالتالي فإن جل الحوارات مع الأصدقاء الأميركيين هي عن طباع وسلوك المجتمع الشرقي"فكانت هذه الحوارات مبعث عزة لي شخصياً"فلا أجمل من أن ترى تلك النظرات المندهشة من الأساتذة الجامعيين والطلاب عند الاستطراد بمعلومات جديدة عن الإسلام والمملكة مغايرة لما جبلوا على سماعه في الإعلام. ما أجمل قانون تعلمته في طفولتك..؟ - قانون أمي بدرية الدريس، حفظها الله، هو دستوري الطفولي الذي لا أحيد عن مواده قيد أنملة، فلا مسموح إلا بإيماءة، والممنوع ما صحب بنهي منها، هي الرئة التي أتنفس منها الحياة"ولا تزال دستوري. في مرحلة المراهقة، ما القانون الذي كبح جماحك..؟ - كان والدي - رحمه الله - تربوياً من الدرجة الأولى"له أساليب مميزة في التربية"كان لها عظيم الأثر في حياتي، وخصوصاً في مراهقتي الشقية! فكانت له"قوانين"فعالة للكبح من جماحي. وكان أقساها عقوبة الامتناع عن الحديث إليّ حين أقترف مخالفة تستوجب هذه العقوبة، وكانت بصدق عقوبة رادعة، لأنه مستمع ومحاور رائع أبوح له بكل شيء عن أي شيء، وإذا حرمني هذه الميزة، يوقف تدفق الدم من قلبي لجسمي، حتى أعزم أن لا أعود البتة لذنب اقترفته! عالم القانون نشأتك هل أسهمت في اتجاهك نحو فلك القانون..؟ - جينياً لم يكن في عائلتي قانوني، ولم أوجه يوماً لأحلم في طفولتي لأكون قانونياً، ولكنها الأقدار ساقتني إلى عالم القانون والقوانين، ومع هذا فإن شيئاً بداخلي كان يدفعني دوماً للمحاججة مطالباً بحقوقي. كان والدي - رحمه الله - يتعامل معي بالمكاتيب! كان يكتب ملاحظاته عليّ في ورقة ثم يضعها في غرفتي، حرصاً منه في بعض الحالات على عدم إحراجي، وأتذكر أنني كتبت أول مذكرة قانونية تبريراً لأمر قمت به وعده مخالفة وعمري 21 سنة وقدمتها له فحكم ببراءتي، وبعد تخرجي من الجامعة، اكتشفت أنه لا يزال يحتفظ بها، وقال لي هاك باكورة إنتاجك القانوني! دراسة القانون ماذا شكلت بداخلك؟ وما الذي تركه فيك قسم القانون وما الذي تركته له؟ - عين القانوني عين مدربة على البحث عن الثغرات في طيات الخصوم، وهذا يجعلها أكثر دقة من غيرها على ملاحظة مكامن الخلل في أماكن كثيرة حتى خارج الدائرة القانونية، وهي ميزة بشرط أن تقفل هذه العين القانونية تماماً في الحياة الأسرية! وما زلت أدين بجزء من هذا لبيتي الأول الذي تعلمت فيه القانون وهو قسم القانون كلية الحقوق حالياً بجامعة الملك سعود، التي أحاول ترك بصمة إمتنان فيها الآن بعد عشر سنوات من تخرجي بإنشاء برنامج دراسات قانونية عليا مشترك بينها وبين جامعة ولاية ميتشغن الأميركية. كيف تقوم حقوق أعضاء هيئة التدريس في جامعاتنا مقارنة ببعض جامعات العالم؟ - اسمح لي أن لا أقارن، فالفرق شاسع! لدينا الأكاديمي الكبير يأكل الأكاديمي الصغير، ومكمن الخلل خلط الأكاديمي صاحب المنصب الإداري بين شخصيته الأكاديمية والإدارية، فيتعامل العمداء ورؤساء الأقسام مع المحاضرين والمعيدين كما يتعاملون مع الطلاب، ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد. وكثير من المسؤولين في جامعاتنا لا يفرق بين رغباته وقناعاته وأجنداته، وبين القانون الذي يجهله أو يتجاوزه بتعنت لا يصح من أكاديمي، فبغير حق، يخفي بعض عمداء الكليات حتى التعاميم الداخلية عن أعضاء هيئة التدريس! البيئة القانونية في بلادنا البيئة القانونية في بلادنا هل اختطفها أهل الشريعة من أهل القانون والأنظمة؟ - التركيبة القانونية السعودية، تستمد وجودها من أحكام الشريعة الإسلامية ومن تنظيمات أخرى مأطورة بها لا تخالفها، ولذا، لا أؤيد خلق صراع بين الجانبين، ويجب أن نعرف أن الشريعة بتنظيمها الفقهي هي ممارساتٌ قانونية ومن ثمّ فإن دعوى الاختطاف غير واردة، خصوصاً وأن جُل من يقوم بأعمال المحاماة والاستشارات القانونية في المملكة هم القانونيون. كيف هي الثقافة القانونية في مجتمعنا؟ وكيف ترى مستقبلها؟ - من المؤلم، أن يكون مبلغ علم جُل غير القانونيين بالقانون يقتصر على ترديد المقولة الخاطئة:"القانون لا يحمي المغفلين"! والأشد إيلاماً، تفريط غالبية المواطنين في حقوقهم لمجرد غياب الثقافة القانونية عن المجتمع. وبصدق نحن بحاجة لمشروع وطني ضخم يعنى بالتوعية الحقوقية للمواطن ويؤسس لتثقيفه قانونياً عبر المناهج المدرسية للطلاب ووسائل الإعلام المختلفة لغيرهم، فحقيبة الإسعافات الأولية قد تنقذ روحاً في دقيقة وكذا الثقافة القانونية يعي أهميتها من فرط بحقوقه لعدم حمله لحقيبة الإسعافات"القانونية"! لماذا الإرهاب والاختلاف مع الآخر يعطل كل قانون؟ - دعنا نعترف بأن العاطفة باتت تحكم كثيراً من ردود الأفعال في مجتمعنا، ولكني أستغرب أن العاطفة باتت تتحكم أيضاً في طرح كثير من المفكرين لدينا، فأصبحت صرامة القوانين تقيم بمقياس الشخص المعاقب أو فكره، فيما الحق أن الصمت عن إدانة الفوضى المسلحة فوضى فكرية، فلا عنف مع الرأي ولا رأي بعنف! الشريعة و القانون خريجو أقسام الشريعة، هل سيكون لهم إلمام كما يجب بالقانون وتنوعاته؟ - الأنظمة المعمول بها لدينا التي يحتكم بها في اللجان القضائية تفرض إدراج مواد نظامية متخصصة إلى جانب الدراسات الفقهية، فخريج الشريعة لا يدرس الأنظمة الأساسية في المملكة، بل حتى إن نظام المرافعات الشرعية لا يدرّس في بكالوريس الشريعة وهو أكثر نظام يعمل به القضاة لدينا! يعتقد البعض أنه آن الأوان أن تنشأ كليات حقوق تكون متخصصة في تخريج موظفي المؤسسات العدلية بحيث تستطيع تخريج أناس قادرين على إدارة العمل القضائي بشكل محترف وفق المعايير الدولية المتعارف عليها.. ما تعليقك؟ - معاونو القضاة يقومون بأعمال مهمة جداً، والنقص العددي أو المهني في هذا الكادر بالذات من أهم أسباب تأخر النظر في القضايا، وأعتقد بأن إنشاء دبلوم متخصص مدته سنتين لإعداد معاوني القضاة أو مساعدي المحامين سيسهم حتماً في تسريع عمل المنظومة العدلية في المملكة، وقد يكون هذا الدور منتظراً من الكليات الحقوقية الأهلية الحديثة أكثر من غيرها. لماذا تخريج القضاة حكر على الكليات الشرعية فقط؟ - ومن قال بأن تخريج القضاة حكر على الكليات الشرعية؟ فالكليات الشرعية تخرج قضاة المحاكم الجزئية والعامة لتوافق دراستهم مع اختصاص هذه المحاكم، كما إن هناك لجاناً قضائية كثيرة كاللجان القضائية الجمركية والعمالية والمصرفية وغيرها يعمل فيها خريجو القانون كقضاة وأحكامهم قطعية تكتسب الحجية والنفاذ. وهذا ما يؤكد على أن خريجي القانون بحاجة لاستحداث برنامج ماجستير في كليات الشريعة متخصص في تدريس الجوانب الفقهية مماثل لدبلوم الأنظمة في معهد الإدارة وماجستير السياسة الشرعية لطلاب الشريعة. تبادل التهم في عدد القضاة بين وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء.. لمن سنشتكي بعدها؟ - يرى المجلس الأعلى للقضاء بأن عدد القضاة أقل من العدد اللازم للتحول المستقبلي في زيادة عدد ناظري القضية من قاضي لثلاثة قضاة في الجلسة كما هو الحال في دوائر المحكمة الإدارية. فيما ترى وزاة العدل أن مكمن الخلل ليس في عدد القضاة فقط لأن 40 في المئة من عمل القضاة حالياً ليس قضائياً ويمكن أن يقوم به قضاة التنفيذ، ومكاتب الوساطة والصلح المزمعة الإنشاء، بل إن القاضي يقوم في أحيان كثيرة بعمل معاوني القضاة! ومن ثم فإن تخليصهم من هذه الأعباء سيخفف عنهم 40 في المئة من عملهم الحالي ويفرغهم للأعمال القضائية فقط. نسبة القاضي إلى عدد السكان، كم هي النسبة المتعارف عليها دولياً؟ - النسبة العالمية قاض لكل 3000 شخص، وفي بريطانيا على سبيل المثال هناك قاض لكل 2000 شخص، بينما في السعودية بحسب إحصاءات عن وزارة العدل ترجع لعام 2009 بلغ عدد القضاة في المملكة 900 قاض منهم 200 لا يمارسون القضاء لعملهم في لجان وهيئات خارج المحاكم، مما يجعل لكل 32000 شخص قاضياً واحداً فقط! وتجدر الإشارة إلى أن معالي رئيس مجلس القضاء الحالي يقوم بجهود ملموسة ضاعفت عدد القضاة المعينين سنوياً إلى 3 أضعاف. ألا تشعر أن البيئة القانونية عندنا تعاني من إعاقات كثيرة؟ - البيئة القانونية تعاني إعاقات قد لا تكون سبباً فيها، فمشكلة العمل القانوني أن نتائجه تعتمد على جهات أخرى غيره، فتأخر القضايا في المحاكم أو تعطيل تنفيذ الأحكام من الجهات التنفيذية أمور ترتبط بها النتيجة النهائية لعمل القانونيين، ولكن لا تلام عليها البيئة القانونية إطلاقاً. مؤهلات القضاة هل هي كافية لتولي المنصب؟ أليس هناك نية للتطوير بتجديد التصاريح لهم كما يحدث مع الأطباء مثلاً؟ - أهم من تجديد التصاريح إيجاد اختبار شامل للقضاة بعد إنتهاء فترة الملازمة القضائية وقبل بداية العمل القضائي، يقيس مستوى القاضي بعد مزج القدرات العلمية بالخبرات العملية، ولا أعتقد أن ثمّ حاجة لتجديد التصاريح مع عمل إدارة التفتيش القضائي التي تقوم بدور الرقابة وتصرف عن القضاء جبراً من يحصل على درجة دون 60 في المئة في ثلاث جولات تفتيشية. ابتعاث القضاة ما رأيك في ابتعاث القضاة للدراسة في أميركا؟ - الابتعاث على إطلاقه للدراسات العليا في القانون للقضاة قد يفيد في حالات فردية، ولكن الأجدى على المستوى الجماعي الاستعاضة عن الابتعاث للدراسة بإنشاء برامج تعاون مع المحاكم الأميركية. ينخرط فيها القاضي بعد إتمام سنة في دراسة اللغة الإنكليزية، ويعمل فيها في دوائر القضاء الأميركي المتعددة. بحيث يعاصر الدعوى من استلامها ومروراً بإجراءات المواعيد والتحويل على القضاة وملازمة قضاة نظر الدعوى وقضاة التنفيذ، فيخرج بمحصلة لا يهم فيها كثيراً الاستفادة من القوانين الأميركية بقدر ما يهم الاستفادة من الناحية الإجرائية، وأعتقد أن مثل هذه البرامج ستكسب قضاتنا ثقافة قضائية مختلفة. في ظل مشروع الملك عبدالله للقضاء.. ما المفقود في نظام القضاء والبيئة القانونية عندنا؟ - بمجرد استحضار الرقم الضخم لعدد القضايا التي ينظرها القضاة لدينا سنويا 800000 قضية وتزداد النسبة تصاعدياً ب12 في المئة بحسب الإحصاء المشار له سابقاً ندرك عظم المهمة التي تنتظر مشروع الملك عبدالله لتطوير القضاء، ولعل من أولى المهام زيادة عدد القضاة المؤهلين، زيادة عدد قضاة التنفيذ، تهيئة المباني العدلية، تدريب معاوني القضاة، علانية المحاكمات، نشر الأحكام وتقنين الجنائي والمدني. وفي تحقق هذه المهمات تخفيف العبء عن المحاكم وتسريع لإجراءات النظر في القضايا.. باختصار، أعطني قضاء سريعاً ونزيهاً أعطك حضارة! لماذا لا يوجد سعوديون في محكمة العدل الدولية؟ - محكمة العدل الدولية تتكون من 15 قاضياً، تنتخبهم الجمعية العامة ومجلس الأمن بعد أن تقدم كل شعبة أهلية مرشحها باستشارة محكمتها العليا وكليات الحقوق لديها. وهذا يعني أن هناك 177 دولة ليس لديها قضاة في محكمة العدل الدولية وليس المملكة وحدها، والحقيقة المرّة أن عدم وجود القاضي السعودي يرجع في جزء كبير منه إلى ضعف تشكيل اللوبيات المؤثرة في الانتخابات لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة. تقنين الأحكام والقضاء لماذا يجدها البعض مساساً بالثوابت الكلية في الشريعة؟ - يعتقد البعض بأن الحديث عن التقنين فيه تحدٍ للشريعة، فيما أنظمة مثل مكافحة غسيل الأموال، مكافحة الرشوة، مكافحة جرائم المعلوماتية، مكافحة المخدرات هو تقنين يُعمل به في المحاكم الآن! ولذا، فالقول بعدم التقنين خاطئ وكذا القول بمنع القضاة من الاجتهاد، لأن الجرائم أعمال تستجد باستمرار، ففي أميركا مثلاً يحكم القاضي بالسوابق القضائية وإذا لم يجد اجتهد. ولعل التخوف من حدّ اجتهاد القضاة مسوغ مقبول لعدم تقبل التحول إلى مواد نظامية مرتبة، ولكن الشمولية مطلب واختلاف الأحكام و تباينها أمر يجب محاربته لحماية القضاء وتنزيهه. هل تؤمن بحق بعض الطوائف عندنا بتعيين قضاة لهم من المذهب والطائفة نفسها؟ - نعم، والواقع العملي في محاكمنا يأخذ بالمذهب الحنبلي ولكنه لم يقيد به، والمقياس القول الراجح لدى الفقهاء، كما إن هناك محاكم خاصة بالطوائف الأخرى تعنى بالأحوال الشخصية تحت إشراف وزارة العدل. مرونة القضاء ما مدى مرونة القضاء عندنا في التفاعل مع المستجدات الحقوقية حوله؟ - يكتنف الغموض التعامل مع المستجدات الحقوقية في محاكمنا، خصوصاً أن هناك كثيراً من المستجدات تصل إلى السلطة القضائية قبل تنظيمها من السلطة التنظيمية، ويكمن الغموض في اختلاف القضاة في الاجتهاد. وبالتالي تفاوت الأحكام بين القضاة في هذه المستجدات، ويتضح هذا جلياً في قضايا الإيجار المنتهي بالتمليك في المحكمة العامة في الرياض، إذ يُحكم بثلاثة مذاهب مختلفة بحسب اجتهاد ناظر الدعوى! كيف هي قضايا التحكيم التجاري عندنا، هل تمنحنا بيئة استثمارية آمنة؟ - بلا أدنى شك! فرأس المال جبان، وأكثر ما يخيفه هو ضياع الحقوق، وتأخر إجراءات البت في القضايا، وبحسب دراسة فإن 66 في المئة من المستثمرين الأجانب يتهيبون الاستثمار في السعودية لصعوبة التقاضي وعدم توقع أحكامه! وفي التحكيم التجاري سرعة البت في القضايا تجذب المستثمرين للاتفاق فيما بينهم بالنص على تحكيمه. كما يجب أن لا نغفل الدور المنتظر من مكاتب الوساطة القانونية التي يوكل لها تقريب وجهات النظر بين أطراف الخلاف قبل التوجه بالقضية للتحكيم. الإدارات القانونية كمتابع ومتخصص.. ما هي ملاحظاتك على الإدارات القانونية في المؤسسات الحكومية؟ - الوضع في الإدارات القانونية الحكومية لا يسر، فالبيروقراطية وصبغة العمل الحكومي حولت هذه الإدارات من قانونية إلى تنفيذية تخضع لتوجهات رأس الهرم في المؤسسة الحكومية. وهذا الفتور القانوني أدى لكثرة الأخطاء في القرارات الإدارية التي تصدر أحياناً ناقصة الأركان! مما جعل المؤسسات الحكومية تتكبد خسائر مالية أمام المحكمة الإدارية نتيجة أخطاء شنيعة في بعض الأحيان تستغرب صدورها من إدارات قانونية، ولا أدل على ذلك من توجه كثير من المؤسسات الحكومية للتعاقد مع مكاتب محاماة في ظل وجود إدارات قانونية لديها! هل يلزمنا إيجاد تشريع وقانون لكل تفاصيل ومستجدات الحياة؟ - القانون يُسن لحفظ الحقوق، ومستجدات الحياة تترتب عليها مصادر إلتزام جديدة أيضاً، وحضور القانون مع هذه المستجدات يهذب الجيل الحالي بالهيبة منه"فيستقيم الجيل اللاحق لاستقامة الجيل الذي سبق.. هي الحضارة تولد من رحم الفوضى وفي التاريخ شواهد! كم يلزمنا من الوقت لتتعامل محاكمنا بالإنترنت مع القضايا وأصحاب الشأن؟ - يجب أن ندرك أولاً أن المعاملة الإلكترونية الكاملة هي تلك المعاملة التي تبدأ وتنتهي إلكترونياً من دون حضور أطرافها، فيوفر هذا الوقت والجهد لذوي الاحتياجات الخاصة مثلاً، وهذا يعني أن تبدأ المحاكمة وتنتهي إلكترونياً، مما يستحيل معه تطبيقها لدينا، ومع هذا فإن إنهاء بعض الإجراءات أو جلها إلكترونياً هدف ممكن التحقيق لدينا، وهذا لا يقتصر على المحاكم فقط بل يشمل جميع الجهات الحكومية الأخرى، وإن كنت أرى أن المحاكم من أكثر الجهات حاجة للتعامل بالإنترنت لحفظ وقت أطراف الدعوى. لماذا نحاصر كل رأي أو فكرة من خلال قميص القانون؟ - القانون لا يسن لمحاصرة الأراء والأفكار، بل يسن كحصن يمنع تطفل الغير عليها، فلنطلق العنان لأفكارنا ونخلع قميص القانون إن شئت، وسنرى كيف تجرحها أشواك الغير! المرأة و القانون و الإعلام الطالبات يدرسن القانون هل هناك رؤية واضحة لمستقبلهن؟ - جداً، فالحاجة باتت ملحة أكثر من أي وقت مضى لمحاميات يحسنَّ التعامل مع أطراف الدعاوى من النساء، فكثير من النساء يتنازلن عن حقوقهن نتيجة تهيب التعامل مع محام، والبوح له بتفاصيل دقيقة وخصوصاً في القضايا الأسرية، ولكن يجب أن لا نغفل أن العبء الأكبر يقع على عاتق المحاميات أنفسهنّ في إقناع المجتمع بقدرتهنّ على الترافع وعلى تملكهنّ للملكة القانونية. هل تشعر أن تغطية وسائل الإعلام للقضايا تجعل الأمور أصعب للقضاة؟ - هناك شقان، فنظام المرافعات الشرعية منع القضاة من إفشاء سير المداولات، وهذا يحدث في كل دول العالم، أما الشق الثاني فهو يتعلق بالإعلام الذي يجب أن نؤمن بحريته في تغطية المحاكمات كما نؤمن بمسؤوليته القانونية عن إيراد أي معلومات مغلوطة، ومع هذا فإن للقاضي في نطاق ضيق منع وسائل الإعلام من تغطية المحاكمة، ويفترض في شخصية القاضي أن لا تتأثر بوسائل الإعلام أو بغيرها. هل تشعر أن القبيلة لا تزال فوق القانون..؟ - القبيلة ليست فوق القانون، ولكنها قد تكون رادع أقوى من القانون حين يتعلق الأمر بسمعة أحد أفرادها أمام بقية القبيلة، ففي مجتمعنا لا شيء يخشاه الخارجون عن القانون أكثر من إنفضاح أمرهم أمام الأسرة والقبيلة، ومع هذا لا تُفعل عقوبة التشهير الرادعة كما يجب! إذا عاقبت، فأنت تعاقب خارج عن القانون، وإذا أعلنت العقوبة، فأنت تردع خارجين عن القانون. شبابنا لماذا حقوقهم مغيبة ودائماً هم في دائرة الاتهام؟ - الشباب يأتي بالجديد دوماً، وهذا الجديد يحتاج لوقت حتى يسن له من القوانين ما ينظمه ويحميه، إضافة لتنافر الأجيال إن صح التعبير، فكل جيل يعتقد بأن الجيل الذي بعده أسوأ. والحقيقة أن جيله ليس أفضل، ولكنه لا يتقبل تغيرات الجيل الذي بعده ولا يستوعبها، فلكل جيل دولة ورجال! وأقول للشباب الطامحين، لتكن المحاذير الدينية هي خطكم الأحمر، ولا تضعوا قيود المجتمع عقبة في سبيلكم، أنتم مجتمع الغد، فأبدأوا بإرساء قيمكم اليوم. كيف تقوم دور المستشارين الذين يقفون بجوار صانعي القرار عندنا؟ - ليسوا سواء، فمنهم من يؤدي دوره بتفوق ومنهم غير ذلك، وهذا ما يجعلنا نعيد النظر في مسمى مستشار، فالمستشار ارتبط لدينا بالخبرات الطاعنة في السن، وكأن المستشار المؤتمن هو صاحب الخبرة الطويلة فقط، بينما يُغفل جانب الإطلاع على الجديد والإلمام به لدى الطاقات الشبابية، وهذا يخالف الواقع المعمول به في دول العالم المتقدم، فعلى سبيل المثال يبلغ عمر مستشار الرئيس الأميركي لشؤون التنمية الدولية 34 عاماً فقط! أي فئات المجتمع عندنا تفتقد لبيئة قانونية عادلة؟ - من دون أدنى تردد هم ذوو الاحتياجات الخاصة لدينا، فعلاوة على تأخر صدور تنظيم قانوني لحقوقهم إلى ما قبل 11 عاماً فقط، إلا ان النظام ما زال يفقتد للتطبيق على أرض الواقع، ولم يقرن بعقوبات صارمة لمن يخالفه. ففي المملكة ما يتجاوز مليون شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، ومع هذا نرى المباني تفسح دون أن تراعي هذه الفئة ابتداء بموافق السيارات ومروراً بممرات التنقل وليس إنتهاء بمخارج الطوارئ، ومن دون أن يعاقب الفاسح والمفسوح له! تقول في تغريدة لك: أن الليبرالية السعودية تتمدد بالشهوة وتنكمش بالسياسة.. ماذا تقصد هنا؟ - الليبرالية لم تكن يوماً حزباً فضلاً على أن تكون فكراً مستقلاً بذاته، لأنها ببساط طريقة للتعاطي مع الأفكار ومنهجية للحوار بين الأطياف المختلفة، ولكن"مختطفي"الليبرالية في السعودية جردوها مما قامت عليه، وحيدوها في جانب واحد هو حرية المرأة. قابله على الناحية الأخرى غيابهم عن المشهد السياسي وعن قضايا الإصلاح الإداري، فحين تحضر حياديتك في قضايا فئة معينة باستمرار، وتغيب عن قضايا فئة أخرى باستمرار"فأنت فئوي"تشيح بحياديتك عن المشهد بتغير شخوصه .. ولو أدرك فولتير الليبرالية"السعودية"لتحول للماركسية! مجتمعنا يعيش مخاضاً فكرياً وهو بحاجة أكثر للمكاشفة... في سؤال للدكتور عبدالرحمن الدريس حول الرؤية السياسية وتوجس الثقافة الدينية وعجز الإدارة.. هل تراها الثالوث المحبط للتنمية عندنا؟ أجاب بتساؤل آخر.."لماذا نلتفت لمثل هذه الشماعات ونشيح بوجوهنا عن المشكلة الحقيقية، نحن شعب مستهلك والصناعة هي عماد الأمم، فأين نحن منها؟ دولتان بحجم الصين وألمانيا بينهما تباين عظيم في الرؤى السياسية والدينية والإدارية"ومع هذا نجدهما تتعملقان في الصناعة من دون أن يكون لهذا التباين أثر على التنمية"! وحول أسباب تأخر القرار السياسي الواضح لإحداث عملية الإصلاح، ومنع عمليات التشويش التي تسعى إلى إيقافها..يرى ضيفنا أن"الإصلاح يتأثر بالقرارات السياسية والاقتصادية والإدارية مجتمعة، ولكن عمليات الإصلاح لا تنطلق بقرار وتتوقف بقرار، فهي نتاج لعوامل عدة، ولا يمكن أن تلمس في وقت قصير، فنحن نعيش حراك من نوع آخر، نلامسه في مناحٍ شتى، وقد يحتاج لمدة من الزمن حتى نقطف ثماره". وما يشعر به البعض من أن مجتمعنا ضحية التأزم الثقافي العام الذي شهدته العقود الثلاثة الماضية.. يخالف القانوني الدريس شعورهم هذا ويقول"بالعكس، ما اسميتموه بالتأزم الفكري، ساسميه المخاض لبيئة فكرية تقبل النقاش وتحترم الرأي الآخر، ففي المكاشفة التي تصل للصدام أحياناً"تفريخ لجيل أكثر قدرة على التعايش مع العالم الخارجي بمتضاداته، ولنتذكر بأن أوروبا هجّرت مساجينها لأميركا فعاشوا في صراع وحروب حقيقية، وليست فكرية فقط، وحين انصاعوا للقانون"تعايشوا سوياً"فجاء جيل متحضر تفوق على باقي الحضارات! سيرة ذاتية ... ولد في ولاية إنديانا بالولاياتالمتحدة الأميركية عام 1977، قضى طفولته وجزء من تعليمه فيها المؤهلات العلمية - أكمل تعليمه العام في المملكة إلى أن حصل على بكالوريوس القانون في جامعة الملك سعود. - عاد لمسقط رأسه ولاية إنديانا لدراسة الدكتوراه في العقود الإلكترونية بكلية القانون في جامعة إنديانا بمدينة إنديانابوليس. الخبرات العلمية - عمل باحثاً للقضايا في الإدارة القانونية بصندوق التنمية الصناعية السعودي. - عمل كمساعد قانوني في الإدارة القانونية بمصلحة الجمارك. - غادر بعدها للدراسة العليا في الولاياتالمتحدة الأميركية. - أثناء دراسته للماجستير في القانون التجاري بجامعة ساوثرن ميثدوست في ولاية تكساس كانت له بحوث عن الحماية القانونية للاستثمار الأجنبي وعن إندراج المملكة تحت منظمة التجارة العالمية. خبرات أخرى - شارك في ندوات عدة منها اللقاء السنوي لمجلس زمالة القانون وحكومة الولاية بإنديانا، واللقاء السنوي لبرنامج التعليم القانوني بإنديانا، عين أخيراً مستشاراً خاصاً لكلية القانون بجامعة ولاية ميتشغن.