بقلوب تعصف بها الأحزان، وبسطور تعثر فيها البيان، وحار فيها اللسان، ومع فداحة المصيبة، وعظم الفاجعة، وضخامة النازلة، التي لا نملك حيالها إلا التسليم بقضاء الله وقدره، والتذرع بالصبر والدعاء والرضاء بما قسم الله وقدر ، وذلك في وفاة والدي الأب الحاني والشيخ الفاضل يوسف بن أحمد بن محمد بن عبدالله بن دريويش آل دريويش، رحمه الله رحمة واسعة وجعل مثواه الفردوس الأعلى. لقد نشأ، يرحمه الله، وترعرع في كنف والديه اللذين ماتا وهو صغير لم يبلغ الحلم بعد، فعاش يتيماً وكان لذلك أثر بالغ في نشأته وحياته، إلا أن الفترة التي عاشها في حياة أبيه كان لها تأثير في تربيته ونشأته، إذ استفاد منه الحكمة والحنكة والخبرة، وكان والده أحمد بن محمد بن دريويش، يرحمه الله، يعمل للملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، طيب الله ثراه وقدس روحه، على جمع النفقة التي تعين على تأسيس الدولة وعلى الجهاد في سبيل الله. وتعلم بجانب القرآن الكريم وبعض العلوم الشرعية: القراءة والكتابة والحساب وغيرها من العلوم، وبجانب ذلك كان يعمل بالزراعة والتجارة وغيرهما من الأعمال. كان، رحمه الله، أصغر إخوانه وأخواته الأشقاء، وقد تزوج باكراً، ورزقه الله عدداً من الأولاد من البنين والبنات فاعتنى بهم أحسن عناية وتنشئة وتربية وتعليماً، فغرس فيهم حب العلم والعمل. وكان آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ، واصلاً لرحمه، محباً للطاعة والعبادة، معظماً لشأن الصلاة محافظاً عليها، كما لزم الزهد والورع مع الاتصاف بحسن الخلق فكسب حب الناس وثقتهم ومودتهم، ولست أدل على ذلك من كثرة المصلين عليه يوم وفاته. كان، يرحمه الله، مداوماً على النفقة على الفقراء والمساكين والأرامل خصوصاً أقاربه وذوي رحمه، وكان حريصاً على كفالة الأيتام ورعايتهم، إذ كفل عدداً منهم، خصوصاً أولاد بناته ممن مات آباؤهم. كان محباً لوطنه، معتزاً بالانتماء إليه مدافعاً عنه، محباً لولاة أمره من آل سعود الكرام الميامين الأشاوس سلفاً وخلفاً، مخلصاً لهم يسير في ذلك على سيرة والده وأجداده، رحمهم الله، ولا يقبل من أحد أن ينالهم بأذىً أو سوء، كما كان منكراً لأشكال الانحرافات العقدية والخلقية والسلوكية والفكريةكافة، خصوصاً بين فئة الشباب، متعجباً ومتسائلاً عن سر وقوعها مع ما تنعم به هذه البلاد المباركة من أمن وأمان ورغد في العيش وتطبيق لشرع الله في أرضه. كان صابراً مصابراً محتسباً للأجر في كل أحواله، خصوصاً في فترة مرضه الأخير حين اشتد عليه المرض وعظم، فما ضعف أيمانه ولا استكان ولا قل صبره وشكره وتحمله واحتسابه بل كان كثير الحمد لله والثناء عليه. ومن فضل الله، عز وجل، أنه زاره في مرضه جمع من الأمراء والسماحة العلماء والقضاة والدعاة وأهل الخير والفضل والصلاح والوجهاء والأعيان. كان يكثر من وصية أبنائه بتقوى الله في السر والعلن والحرص على الاجتماع ونبذ الفرقة والاختلاف، وصلة الرحم، والنفقة لا سيما على ذوي القربى والمحتاجين والإحسان إليهم، أذكر أنني حين هممت بالسفر إلى الرياض لاستكمال تعليمي الجامعي أوصاني بوصية جامعة مانعة تتمثل في أمرين: الأول: البعد عن الشبهات وأهلها من أهل البدع وأرباب الفكر المنحرف، والثاني: البعد عن الشهوات المحرمة وكل ما يقرب إليها أو منها من قول أو عمل، أو مجالسة أهلها. من خصاله، رحمه الله، أنه لم يتعرض لأحد في حضوره أو غيبته بسوء ولم يتعرض له أحداً بسوء، وكان كثير الذكر لله والتوبة والإنابة والاستغفار والدعاء لنفسه ولوالديه ولأبنائه وللمسلمين عامة. وكان من أشد الناس وفاءً لزوجته، حفظها الله وأطال في عمرها، طوال حياته محسناً إليها وفياً لها، مؤنساً لها، يسعد لسعادتها، يطببها بنفسه إذا مرضت، ممتثلاً قول النبي"صلى الله عليه وسلم":"خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، وقد أوصى بها خيراً قبل وفاته ببرها والإحسان إليها، وكان ذلك من آخر وصاياه. فرحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته وجعل مثواه الفردوس الأعلى من الجنة. كما نسأله سبحانه وتعالى أن ينزل غيث الرحمة والغفران والرضوان على قبره، أن ينقه من الخطايا والذنوب كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأن يغسله بالماء والثلج والبرد، وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأن يلهمنا الصبر والسلوان بفقده، وألا يفتنا بعده ولا يحرمنا أجره، وأن يجمعنا به في مستقر رحمته ودار كرامته وأعلى جنانه أنه ولي ذلك والقادر عليه. ونحسب أنه قدم إلى رب غفور رحيم كريم، من شأنه أن يغفر الذنب العظيم، ويستر العيب الجسيم، ويغفر الزلة. لله ما أخذ، ولله ما أعطى، وهو بكل شيء قدير، وبالإجابة جدير وهو حسبنا ونعم الوكيل، اللهم آجرنا في مصيبتنا، واخلفنا خيراً منها، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون. أحمد بن يوسف بن أحمد الدريويش - الزلفي وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية