كلما دخلت سوبر ماركت لشراء حاجات المنزل الشهرية، تنتابني حال غريبة من الأسى تقلص حال الرضا والفرح، وتزداد عند انتهائي من اختيار المنتجات التي ترضي جميع أفراد عائلتي، وعند محطتي الأخيرة لدفع قيمة ما اشتريته أتذكر شيئاً واحداً فقط، كيف يمكن لأسرة تعيش على راتب الضمان الاجتماعي الذي يحدد مبلغ 835 ريالاً للفرد، أن يوفر لأبنائه ما لذّ وطاب من المأكولات والمشروبات المغرية، التي تزيدها جمالاً الإعلانات التلفزيونية؟ كيف يعيش هؤلاء؟ وأتذكر السيدة التي قابلتها ذات يوم، وهي تخبرني أن إحدى الجمعيات تهبها كوبوناً بمبلغ 200 ريال شهرياً، تذهب به إلى إحدى السوبر ماركات الكبيرة لشراء ما يلزمها، وكيف أخبرتني أن هذه الرحلة الشهرية تزيد من آلامها وأحزانها، لعدم قدرتها على توفير ما يطلبه منها بناتها وأبناؤها في ظل الرفوف الكثيرة والمتنوعة، وبين رغبتها في شراء الأغراض الأساسية؟ على رغم علمي المسبق أن مبلغ 200 ريال لن يوفر أكثر من كيس رز وقارورة زيت وعلبة حليب صغيرة وكيس مكرونة ودجاجتين، وربما تكفي لشراء 2 كيلو موز في أحسن الأحوال مع علبة صلصة. حاولت مراراً - من باب تجربة الإحساس - تقليص مشترياتي، فأجدها لا تقل عن 1800 ريال كل عشرة أيام، بعد التقليص وبعد التركيز على الأساسيات. سؤالي هو: هل من الممكن زيادة مبلغ ال200 ريال ورفعها لتكون 800، لعلها تزيل حزن الكثيرات على أطفالهن، خصوصاً ونحن بلد غني؟ لا نرضى أن ينام أحد منا وهو يعلم أن أحد أبنائه يشتهي وجبة سمع عنها ولا يستطيع شراءها له! في تركيا رأيت مخبزاً يضع بعض منتجاته خارج المحل، وفوق المنتجات إعلان رائع:"إذا كنت لا تتمكن من الشراء فمد يدك وخذ ما تحتاجه من أرغفة"، وتذكرته قبل أيام عدة، عندما رأيت إعلاناً مشابهاً وضعته إحدى الصديقات على"فيسبوك"لمنتج مشابه، وكل ما سبق ذكّرني أيضاً بسلوك رائع رأيته في فرنسا، التي تشتهر بكثرة الكافيهات المنتشرة في معظم الشوارع وعلى الشواطئ وفي الأسواق، والإعلان الذي يوضع دائماً على لوحة خشبية:"قهوة على الرف"، وهو سلوك يعرفه الكثيرون في فرنسا من أبناء البلد، وهو عندما يحتسي أحدهم كوب قهوته الصباحية يدفع قبل مغادرته ثمن كوبين، واحد يشربه والثاني على الرف، تحسباً لمرور شخص لا يتمكن من شراء قهوته الصباحية، فيجد هذه اللوحة ويدخل ثم يطلب قهوة الرف. أسعدني بل أبكاني منظر لا أنساه، كنا نستمتع ذات يوم بأجواء جدة الجميلة، على شاطئ البحر رأيت مجموعة من الشباب صغار السن، يتسابقون لتحضير الفطور الصباحي، وعندما استعدوا للجلوس مر بالقرب منهم عاملا نظافة، فما كان منهم إلا أن قالوا لهما:"حياكم الله"، ورفضوا تناول الفطور إلا بعد جلوس العاملين اللذين ترددا بداية الأمر في قبول الدعوة. لو وضع كل منا نفسه مكان الآخر، وحاول مجرد تجربة الشعور به وتجربة إحساسه، لتغير كثير من سلوكياتنا لتكون أكثر إنسانية، فمن يفعل؟ [email protected]