عندما يترجل الموظف عن كرسي الوظيفة سواء أُعْفِيَ منها أم استعفى أم أُحيل إلى المعاش، فإن قطار حياته الوظيفية لا بد أنه توقف عند محطة إجبارية، قد تكون غير مفضلة لديه، تدعى"محطة التقاعد"، ويعتبر سنّ التقاعد لدينا بقوة النظام لمن يبلغ 60 عاماً بالنسبة إلى الموظفين الخاضعين لنظام الخدمة المدنية وكادر أعضاء هيئة التدريس في الجامعات والخاضعين للوائح الوظائف الصحية والمستخدمين، والخاضعين للوائح المؤسسات العامة غير الخاضعة لنظام الخدمة المدنية، أما أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام فسنّ إحالتهم إلى التقاعد هو 65 عاماً، وأما المشمولون بنظام القضاء"القضاة الشرعيين"فهو 70 عاماً، وكذلك الأمر بالنسبة إلى العاملين في مجال القضاء بالمحكمة الإدارية ديوان المظالم. من نافلة القول، إن التقاعد إجراء وظيفي يسدل الستار على حقبة زمنية من خدمة الموظف، لكي يستريح من عناء والتزامات الوظيفة ليتفرغ لنفسه، وأن له أيضاً أهدافه الوطنية التي من أبرزها إفساح المجال أمام الشباب، لتنشيط الإدارة الحكومية وضخ الدماء الشابة فيها. ولا يحسن بأية حال أن نعتبر هذه المرحلة من حياة الموظف بعد انفكاكه من عقدها مرحلة أزمة نفسية أو مرحلة توقف ذهني كما يتصور أو يعتقد البعض، بل على العكس، يجب أن نسلّم بأن هذه المرحلة من أرقى مراحل النضوج والصفاء الذهني والعطاء المهني، إذ إن الكثير من الشواهد أوضحت لنا إقليمياً وعالمياً أن الكثير من المبدعين والمميزين قد وصلوا إلى قمة عطائهم، واشتهروا عالمياً، وحصلوا على جوائز عالمية في مرحلة الحياة الثانية، إن صح التعبير،"التقاعد"من الوظيفة. وبعد: هل يحتاج أولئك المتقاعدون إلى التفاتة؟ نعم، إنهم يحتاجون إلى التفاتة تدخل في إطار رد الجميل، وما إنشاء الجمعية الوطنية للمتقاعدين إلا دليل على ذلك، لتعمل على تحقيق آمال وتطلعات هذه الفئة العزيزة على قلوبنا جميعاً، لأننا كما نريد منهم فإنهم كذلك يريدون، وذلك بأن نضمن لهم حياة سعيدة تحفظ لهم كرامتهم وحقوقهم، كونهم لا تقل أهميتهم عمن هم على رأس العمل، والوطن في حاجة إليهم، ولعل رفع الحد الأدنى للمعاشات الشهرية وإيجاد علاوة سنوية والتأمين الصحي لهم وإصدار بطاقة خاصة بهم بغض النظر عن سقف الراتب، تخولهم الحصول على تخفيضات بالتنسيق مع الجهات الخدمية، والجمعيات التعاونية المختلفة، وبإعفائهم من رسوم الخدمات الحكومية، وتخفيض قيمة وسائل النقل، وأن يكون لهم نسبة معلومة من مشاريع الإسكان الحكومي، وأن يكون لهم نوادٍ تجمعهم، كل ذلك من آمالهم وتطلعاتهم، خصوصاً إذا ما عرفنا أنه على مدى خدمتهم أن مقدار ما كان يستقطع من رواتبهم 9 في المئة مضافة إليها 9 في المئة للمدني و13 في المئة للعسكري، و9 في المئة من موظف القطاع الخاص، مضافة إليها 9 في المئة من صاحب العمل مؤسسة أو شركة، فهم شركاء أساسيون مع المؤسسة العامة للتقاعد، ومؤسسة التأمينات الاجتماعية في العائد من الأرباح في استثماراتها الضخمة التي أصبحت واضحة للعيان، هذه الأماني التي تعتادهم كل يوم. وتزدهر في خواطرهم من جديد، تؤكد إيمانهم بأنهم محل الرعاية والعناية، باعتبارهم مصدراً لا ينضب من الخبرات والتجارب التي يجب الاستفادة منها، واستثمارها في مسيرة التطور والنماء، والتأكيد على أهمية ما قاموا به من إنجازات في الماضي، وما يتوقع منهم من المشاركة في الحاضر والمستقبل. عبدالعزيز بن مسفر القعيب - الرياض [email protected]