أعني بذلك الذي لا يرغب في وطن قوي؟ وطن تنبعث من ذكره روح الاستقلالية والإحساس التام بالأمان؟ هل تعتقد أن أولئك الذين تتسلل إلى وعيهم صورة"شارع مملوء بالحفر، أو شروط الهجرة إلى فرنسا"سعداء بذلك؟ لم يروِ التاريخ طوال فترة سيرة قصة يفتخر بها مواطن إحدى الدول على مواطن آخر، بأن دولته تمتلك علاقة جيدة مع دولة قوية، أو أن اقتصاده مرتبط بشكل وثيق بعملة دولة متينة. في الحقيقة أن عجلة التاريخ لا تسير بالقرب منهم، وحتى لو سارت لن تجري هناك مثل هذه الحوارات، فمواطنو هذه الدول في العادة لا يشعرون بأي فخر في معظم الوقت. ويتوجه"هيغل"بالحديث في"أصول فلسفة الحق"لمن يرون عكس ذلك قائلاً:"إن أولئك الذين يتحدثون عن الأماني في أن تؤلف جماعة من الناس دولة لها مركزها الخاص وتتمتع باستقلال ذاتي - إن قليلاً أو كثيراً - ويتحدثون عن الأماني في طرح هذا المركز وهذا الاستقلال الذاتي لكي تتحد مع غيرها من الدول الأخرى في كل جديد، ليس لديهم سوى معلومات بالغة الضآلة عن طبيعة الجماعة، أو عن طبيعة الشعور بالشخصية الذي تشعر به الأمة في حال استقلالها". "هيغل"، وعلى رغم مئات الإجابات الصحيحة التي قدمها، إلا أن القصور لازم فلسفته المثالية المتعلقة بالسياسة، فمنذ وفاته وحتى هذه اللحظة لم يتوقف العالم عن النزاع، ولم يشهد أي فترة تتوقف فيها آلة الحرب لبعض الوقت. عكس ذلك، وفي العام 1948 نشر"هانز مورغانتو"كتابه"السياسة بين الأمم"، الذي حاول فيه تطوير نظرية شاملة للسياسة العالمية، تبنى فيها الفلسفة الواقعية. وبشكل مغاير للأسس التي قامت عليها المثالية السياسية، قدم هانز واقعيته السياسية التي تفترض أن العالم مكون من مصالح متضادة، وصراع حتمي بينها لا يمكن اجتنابه، ويقدم"مورغانتو"تفسيراته من منطلق القوة كبديل لنظرة القيم الأخلاقية. ويرى كذلك أنه، وعلى رغم الايديولوجيات كافة التي قد يجبر الممثل في المسرح السياسي على ارتدائها كي يخفي الهدف المباشر لأفعاله، الذي يكون دائماً نيل السلطة. ظل كتاب هانز ولعقود طويلة الأكثر استخداماً في جامعات الولاياتالمتحدة في المجال السياسي، ولا يزال مورغانتو يصنف كواحد من قادة العلوم السياسية والعلاقات الدولية في القرن ال"20". وهذا ما تستند عليه السياسة اليوم، التي ترى في التهديد أمراً دائماً، عدا كونه حالة وقتية. وأن النزعة إلى العدوان بحثاً عن السلطة هي الأقرب إلى الحدوث من حال السلم. وفي مثل هذه الظروف تعود بنا الذاكرة إلى صحيفة"الأهرام"المصرية، قبل حرب النكسة في عام 1967، عندما نشرت قصيدة للشاعر محمد إبراهيم أبو سنة، حملت عنوان:"نحن غزاة مدينتنا"، يختمها بقوله: حين فقدنا صدق القلب حين تعلمنا أن نتقن أدواراً عدة في فصل واحد حين أقمنا من أنفسنا آلهة أخرى وعبدنا آلهة شوهاء حين أجبنا الغرقى بالضحكات حين جلسنا نصخب في أعراس الجن حين أجاب الواحد منا: "ما دمت بخير فليُغرق هذا العالم طوفان" "كنا نحن الأعداء كنا غزاة مدينتنا" ومع التغطية المستمرة والتصعيد الإعلامي، وموجة التصريحات غير المسبوقة، أصبح كل مواطن خليجي يعرف أن هناك نوعاً من المواجهة، ولابد أن يحدث في المرحلة المقبلة مع الحكومة الإيرانية، حسناً! وماذا بعد؟ * كاتب سعودي. [email protected]