يمرّ مفهوم التخطيط الاستراتيجي منذ أكثر من عشر سنوات بمرحلة إعادة صياغة وتعريف، مستجيباً في ذلك لتحولات عميقة اعترت ميدان العمل المدرسي ومفاهيمه الرئيسية خلال التسعينات، بما يعني إعادة النظر في كثير مما كان متداولاً عقوداً طويلة من الأفكار حول حدود ذلك التخطيط وأبعاده ودائرة تأثيره، وكذلك إعادة النظر في طبيعة ما يربط بينه وبين المفاهيم والمحددات التعليمية والسياسية الأخرى من علاقات. وما عادت إدارة المدرسة عملية اجتهادية تخضع للمحاولة والخطأ، بقدر ما هي علم وفن... علم له أسسه ومبادئه ومقوماته لا بد من الإلمام بها من قبل القائمين على إدارة المدرسة، وفن كمهارة شخصية أو جماعية تساعد على كيفية إخراج المفاهيم والأسس والمبادئ من التنظير إلى عالم من التطبيق العملي... وتوظيفها بحيث تتفاعل مع مختلف العاملين في مدارس التعليم العام، فتراعي حاجاتهم وأهدافهم بقدر مراعاتهم لأهداف المدرسة وحاجاتها كمؤسسة تربوية هادفة لخدمة المجتمع ورقيه. التخطيط المدرسي ظل عقوداً يدور حول مفهوم التسيير الذاتي لشؤون المدرسة وأنشطتها بشكل جارٍ، محكوماً بإطار من السياسات المركزية من جانب، واللوائح والتشريعات المنظّمة للعمل المدرسي من جانب آخر. لذا كان لا بد من إيجاد خطة تربوية للمدرسة تساهم بشكل فعال في تحقيق الاستغلال الأفضل للإمكانات البشرية والمادية لتحقيق أهداف التعليم، ورفع مستوى العملية التعليمية، وتقليص الهدر، والتحوّل من الارتجال وردود الأفعال التي غالباً ما تكون ناقصة وسلبية على الأداء ومعوّقة للمسيرة التعليمية داخل كل مدرسة، إلى توقّع ما سيحدث في المستقبل والاستعداد له وتوجيهه والتأثير فيه. وتعد مهارة التخطيط التربوي إحدى المهارات الضرورية التي ينبغي توافرها في مدير المدرسة - كقائد للمدرسة وليس مسيّراً للإجراءات فيها - مما يساهم وبشكل فاعل في تطوير العملية التعليمية داخل المدرسة، والذي ينعكس على النظام التعليمي ككل. إن استشراف المستقبل ورسمه برؤية قابلة للتحقق بأهداف ذكية وبرامج تشبع حاجات الميدان المدرسي، تدل على وجود قائد يملك مهارة رسم المستقبل. *خبيرة تخطيط.