تكللت ثورة مصر بالنجاح، بعد أختها التونسيّة، وبعد أيام قليلة من الاحتفالات بنجاح الثورة المصرية بدأت حال من الهيجان والغليان في الشوارع العربية، كان أشدها حراكاً في اليمن وليبيا، حتى تسارعت الأحداث في ليبيا وانطلقت الثورة من هناك، وهي كما وُصِفت"الثورة الأكثر دموية"، فعدد القتلى الذين سقطوا فيها، وأعداد الجرحى، والعنف غير المبرر الذي قوبلت به، ووسائل قمع المتظاهرين المُبتكرة، كانت كفيلةً بامتلاكها هذا اللقب منذ الأيام الأولى لانطلاقتها، لم نسمع بخراطيم المياه هناك، ولا القنابل المسيلة للدموع، فلم يكن هناك تدرج، بل صعدت الحكومة مواجهة المتظاهرين منذ أيامها الأولى، فبدأت بالرصاص الحي مارةً بالمدفعيات والقصف الجوي، ولا نعلم بمَ ستنتهي؟! عدا عن أعمال التخريب، ونشر المرتزقة الأفارقة لقتل الناس وترويعهم ونهب الممتلكات وفعل كل ما هو مشين بالشعب، ليخرج علينا بعد أيام نجل القذافي بخطاب لأكثر من نصف ساعة من التهديد والعنجهية والحديث من فوق الأبراج العاجية، زادت بعده الأوضاع سوءاً وقتلاً وإنعدامأً من أي إنسانيَة، فحينما نشرت"الجزيرة"صوراً لجثث متفحمة وأخرى مصابة بإصاباتٍ لا يمكن لعقل أن يتصورها، فقد أعادتنا بالذاكرة إلى مجازر غزة في الحرب الإسرائيلية وفظاعتها، قتلى بالمئات يتساقطون بلا أدنى رحمةٍ أو حتّى مبالاة، حتى يتدارك القذافي الأمر ويتكرم بإطلالته عبر التلفاز بخطاب حقيقةً لا أعلم مدته تماماً لأني قررت الانتقال لقناةٍ أخرى بعد إصابتي بالمللِ من نوباتِ الضحك المتكررة ممزوجةً باللآاستيعاب! بدأ القذافي خطابه بسردٍ للتاريخ والاعتزاز بماضية وماضي أجداده، ويقول بأن ليبيا لم تكن تعرف قبله فهو المجد لها، وبقي أن يقول"إن كان المجد رجلاً فأنا ذاك الرجل"! بدأ بسرد ملاحمه وبطولاته إنطلاقاً من جنون العظمة المستفحل في بقايا خلاياه - إن كانت هُناك بقايا - ثم ما يصيب المرء باللا قدرة على التعبير عندما قال"لو كنت رئيساً لرميت استقالتي في وجوهكم"! حقيقةً خطاب القذافي كان مليئاً بالتناقضات والهزليةِ، وكما قال المفكر العربي عزمي بشارة"لو لم يكن الأمر محزناً لكان مضحكاً!"، بل إن القذافي ظهر وكأنه يخاطبُنا من المرّيخ بكلام لا يتصل بالواقع ولا يساير الأحداث الجارية، فيه الكثير من الكذب والاتهامات لأبناء شعبه الذين كان سخياً في إطلاق الأوصاف عليهم، من أطفالٍ، إلى متعاطي مخدرات، ومجرد جرذان، خطابه أخذنا في جولة حول العالم تكلم عن أحداثٍ وشخصيات بارزة ووقائع عدة، مروراً بإلقاء بيتين من الشعر وخلط الحابل بالنابل، فلا أعلم حينها لمَ تذكرت"أليس في بلاد العجائب"! اليوم كل ما يُفعل في الشعب الليبي هو شيء لا يمكن لعقل أن يتصوره، فلا يثار عجبنا إذا أهدر دمه، لأن هذا هو الحل الوحيد ربما، لشخصٍ يعيش في خياله المريض يريد أن ينسف شعبه ولا يبقي لا على رجل ولا إمرأة ولا بيتٍ، ومستعد لفعل ما فعلة الأميركيون في الفلوجة بحثاً عن الزرقاوي ويعترف ويقر بذلك علناً! إذاً هي جريمة مع سبق الإصرار والترصد، فماذا ينتظر العالم اليوم وهو يرى ويشاهد حاكماً يوشك على إبادة شعبه فقط لأنه طالب بحقوقه وبحياة كريمة حُرِم منها طويلاً؟! وعلى رغم هذا الصمت الذي يلف المنطقة العربية للأسف إلا أنني أشيد بدور كثير من العلماء الذين فعلاً جعلونا نشعر بأن الأمة لا تزال بخير ولا يزال العلماء هم مع الشعوب العربية المظلومة ومع إستعادة حقوقها، فقد كان للكثير مواقف وكلماتٍ ذات صدى. هناء اليافعي - الرياض [email protected]