انتقل لبنان الى مرحلة اختبار قدرة الأكثرية والمعارضة على التوافق على الحكومة الجديدة بعدما اجتازا أمس استحقاق انتخاب الرئيس نبيه بري رئيساً للمجلس النيابي بتسعين صوتاً ونائبه فريد مكاري ب74 صوتاً إضافة الى هيئة مكتب البرلمان، من أصل 128 نائباً، على أن يبدأ رئيس الجمهورية ميشال سليمان الاستشارات النيابية الملزمة وفق الدستور لتسمية رئيس الحكومة المكلف، المرجح أن يكون زعيم «تيار المستقبل» النائب سعد الحريري، بعد ظهر اليوم على أن تستمر حتى الغد. وإذ حمل الاقتراع الذي جرى أمس مؤشرات الى مواقف الفرقاء وتوجهاتهم حيال المرحلة المقبلة، فإن الاستنتاج الأساسي من تجربة أول اجتماع للبرلمان الجديد نتيجة حصول الرئيس بري على 33 صوتاً من نواب الأكثرية وتحديداً من كتلة «المستقبل» النيابية بزعامة الحريري (28 صوتاً) ومن كتلة «اللقاء النيابي الديموقراطي» برئاسة النائب وليد جنبلاط (5 نواب دروز من أصل 11) إضافة الى أصوات المعارضة (57)، هو أن ثمة توجهاً جدياً نحو المزيد من الخطوات لاحتواء الحساسيات السنّية – الشيعية، إضافة الى الدرزية – الشيعية التي نشأت خلال السنوات الماضية بفعل الانقسام السياسي الذي شهده لبنان. إلا أن هذا الانقسام السياسي تمظهر في اتجاهين، الأول إحجام مسيحيي قوى 14 آذار والأكثرية، الحزبيين والمستقلين إضافة الى بعض المسلمين، عن التصويت لبري وإحجام أي من قوى المعارضة، لا سيما في حركة «أمل» عن مبادلة تصويت معظم نواب «تيار المستقبل» لمصلحة بري، بالتصويت لمصلحة نائب رئيس البرلمان العضو في كتلة «المستقبل» فريد مكاري، باستثناء 4 نواب، بينهم بري وثلاثة من حلفائه المستقلين. وإذ اعتبر عدد من نواب الأكثرية و «المستقبل» أن هذا قد يكون مؤشراً الى الشروط التي ستطرح على تشكيل الحكومة المقبلة، وعلى المفاوضات التي ستجرى في شأن الحصص وتوزيعها، فإن أوساطاً أخرى في الأكثرية دعت الى تجاوز هذه المؤشرات والمضي قدماً في أجواء التلاقي والإفادة من التطورات الإقليمية الإيجابية لمصلحة حكومة وحدة وطنية. وفي وقت يراهن بعض قوى الأكثرية على تذليل العقبات من أمام تشكيل الحكومة بلقاء منتظر بين الحريري والأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله، إضافة الى أجواء إيجابية من لقاء الحريري وبري أول من أمس، فإن رئيس البرلمان قال في كلمته التي ألقاها بعيد انتخابه: «إنني أدعوكم وأدعو نفسي وأدعو القوى السياسية في لبنان ومؤسسات المجتمع المدني والرأي العام الى كسب اللحظة الإقليمية - الدولية المناسبة الآن من أجل ترسيخ سلام واستقرار لبنان وكذلك لاستعادة دور لبنان في نظام منطقته وهذا الأمر يتطلب أن نسهل قيام حكومة وطنية تواكب الاستثمار على استقرار لبنان خصوصاً». وقال الحريري بعد الجلسة رداً على سؤال عن الفرق بين الأصوات التي نالها بري وتلك التي نالها مكاري، إن «المهم هو الفوز وليس عدد الأصوات». وقيل له: كتلة «المستقبل» أعطت الرئيس بري لكن ماذا حصل مع نائب الرئيس مكاري، وهل هذا يحبطكم؟ فأجاب: «المهم الرئيس بري أصبح رئيساً للمجلس ومكاري نائباً للرئيس، ليس المهم كم صوتاً نال كل واحد، بل المهم أنه أصبح هناك رئيس ونائب رئيس وإن شاء الله الأيام مقبلة ويتم التوافق». لكن رئيس حزب «الكتائب» أمين الجميل أسف في تصريح أدلى به مساء بعد لقائه رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة في السراي، لأن «رد الجميل لم يكن في الشكل المطلوب، والتصويت لمصلحة نائب الرئيس وبعض المرشحين الآخرين لم يكن بحسب التوقعات». واعتبر أن «هذا يدل على نيات معينة تجعلنا نخاف على المرحلة المقبلة والتطورات المستقبلية لجهة تشكيل الحكومة والتعاطي بين مجمل الفرقاء على الساحة السياسية». إلا أن الأكثرية حصدت في المقابل لمصلحتها 4 من الأعضاء المنتخبين في هيئة مكتب المجلس النيابي - مؤلف من أميني السر (فاز بهما كل من النائب مروان حمادة – كتلة جنبلاط، أنطوان زهرا – كتلة «القوات») و3 مفوضين - الذين كادت تفوز بهم جميعاً، لولا اقتراح الرئيس بري فوز 3 مرشحين بالتزكية واحد منهم من المستقلين في كتلته النيابية هو ميشال موسى. وأثار ذلك حفيظة كتلة العماد عون إذ أنها كانت رشحت مع فرقاء المعارضة الآخرين، ألان عون لأحد منصبي أمين السر، في مواجهة زهرا، لكنه حاز على أصوات الأقلية فقط. ورد ألان عون التهمة الى الأكثرية، «بتوجيه إشارات سلبية جداً بالنسبة الى المرحلة المقبلة، الأمر الذي يعطي دلائل على أن الجو التوافقي غير دقيق ولم يجد ترجمته الفعلية في البرلمان». وقال عون إن الأكثرية النيابية «أظهرت مجدداً أنها لا تزال مستمرة بالنهج الاستئثاري من خلال إصرارها على الإمساك بكل مفاصل الأمور ولم تنفتح على ترشيحي لعضوية هيئة مكتب المجلس». وتوقعت مصادر قيادية في قوى 14 آذار دخول لبنان في مرحلة من الاستقرار السياسي على عتبة الانصراف الى تشكيل حكومة جديدة. وقالت ل «الحياة» إن هذا الانفراج هو الترجمة المباشرة للتحسن الذي طرأ على العلاقات العربية – العربية، لا سيما بين المملكة العربية السعودية وسورية. ولفتت الى أن الاستقرار السياسي المتوقع يسهل الإسراع بتشكيل الحكومة الجديدة على قاعدة تجاوز ما ورد في اتفاق الدوحة لجهة إعطاء المعارضة «الثلث الضامن» في الحكومة. وأكدت المصادر نفسها أن مفعول اتفاق الدوحة بخصوص الثلث الضامن انقضى، باعتبار أنه كان موقتاً وأريد منه تهيئة الأجواء لانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية واستيعاب تداعيات حوادث السابع من أيار (مايو) 2008 وتحضير المناخ لإجراء الانتخابات النيابية. وتابعت: «معظم ما ورد في اتفاق الدوحة طبق بحسب الجدول الزمني الذي نص عليه، باستثناء سلاح المقاومة الذي وضع في عهدة طاولة الحوار برعاية الرئيس سليمان». ورأت أن الانتخابات «وضعت لبنان أمام مرحلة سياسية جديدة بمواكبة عربية ودولية كانت وراء إنجاز هذا الاستحقاق من دون أي توتير أمني»، وقالت إن العنوان الرئيس لهذه المرحلة هو إعادة الاعتبار لاتفاق الطائف «وهذا ما سيترجم من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس اتفاق جديد يلغي مفاعيل الدوحة، خصوصاً بالنسبة الى الثلث الضامن ويفتح الباب أمام طي صفحة الماضي لمصلحة توظيف الاستقرار باتجاه النهوض بالبلد على جميع المستويات». واستبعدت المصادر أي إمكانية لإحياء اتفاق الدوحة بالنسبة الى الثلث الضامن، وقالت ان «تمسك بعضهم به سيدفع حتماً باتجاه تأزيم الوضع السياسي وهذا ما لا يستطيع أي طرف تحمله محلياً وعربياً ودولياً، نظراً الى ما سيكون له من سلبيات أقلها شل البلد وتعطيل دور المؤسسات والعودة بالوضع الى ما كان عليه في السابق». وأبدت المصادر ارتياحها الى الأجواء التي سادت اللقاء الأخير بين الرئيس بري والحريري، رافضة الدخول في التفاصيل، ومؤكدة التعاطي بمرونة وانفتاح مع ملف تشكيل الحكومة العتيدة. وواكب انتخاب بري إطلاق نار كثيف ابتهاجاً في بعض المناطق، خصوصاً في بيروت وضاحيتها الجنوبية. وسقط بنتيجة ذلك جرحى وتضررت أملاك خاصة وسيارات، فيما أعرب سياسيون ومواطنون عن اشمئزازهم، مطالبين بإجراءات ضد مطلقي النار. واعتبر نائب الأمين العام ل «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم في تصريح ل «فرانس برس» أن اسم الرئيس المقبل للحكومة «يفترض أن يكون جزءاً لا يتجزأ من الاتفاق على شكل الحكومة وطبيعة توزيع الوزارات فيها». وأوضح أن المعارضة «لها تصور عن كيفية مشاركتها في حكومة وحدة وطنية واتفقت على ألا تعرضه في شكل حاسم في انتظار ما سيعرض عليها». وتلقى بري اتصالات وبرقيات تهنئة، أبرزها من الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى ووزير الإعلام والثقافة السعودي عبدالعزيز خوجة ونائب رئيس الوزراء وزير الطاقة القطري عبدالله العطية، ورئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني.