يوصي العاقل غيره بالكرم والإحسان إلى الغير، والجود مما فضل من النعمة، أو الإيثار مما سينفد! والله جل وعلا يقول في كتابه الكريم: ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون. والبخل صفة سيئة ذمها الله في القرآن: ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه. ولست هنا بصدد الوعظ عن فضل الإنفاق والإحسان والصدقة، غير أن هذه الصفة الذميمة - البخل - دعت أديباً شهيراً الجاحظ إلى تصنيف كتابٍ كاملٍ عن هذه الشريحة من الناس التي أصيبت بهذا البلاء، أورد فيه العشرات من القصص الغريبة عن هذه الطائفة. وتكثر في كتاب أبي عثمان الجاحظ ألفاظ من قبيل: القصاع والقدور واللحم والخبز والشحم والماء والرطب وأسماء الفواكه، وكأن أولئك الناس أصابتهم مجاعة، أو سلط الله عليهم جائحة. وكان مما أورد قصة أبو جعفر الطرسوسي عندما زاره قوم فأكرموه وطيبوه، وجعلوا في شاربه وسبلته غالية، فحكته شفته العليا، فأدخل إصبعه فحكها من باطن الشفة، مخافة أن تأخذ إصبعه من الغالية شيئاً إذا حكها من فوق! وكان أحد البخلاء يتحرى وقت وضع الطعام عند جارٍ له، فإذا وضع الطعام دخل عليهم لا يخطئ الوقت، فيأكل معهم ويقول: لعن الله القدرية! من كان يستطيع أن يصرفني عن أكل هذا الطعام، وقد كان في اللوح المحفوظ اني سآكله! فلما أكثر من ذلك قال له جاره: تعال بالغداة أو العشي، فإذا وجدت شيئاً فالعن القدرية والعن آباءهم وأجدادهم! وسأل أحدهم الحطيئة قائلاً: يا حطيئة بم توصي الفقراء؟ قال: أوصيهم بالإلحاح في المسألة فإنها تجارة لا تبور! وسأله آخر: وبم توصي اليتامى؟ قال: كلوا أموالهم وانكحوا أمهاتهم! أما الأمير بلال بن أبي بردة والي البصرة، فقد أوغل في بخله حتى إنه خشي على نفسه الجذام، فوصفوا له الاستنقاع في السمن! فكان إذا فرغ من الجلوس فيه، أمر ببيعه على الناس، فاجتنب الناس تلك السنة أكل السمن! البخل داء وبيل، وإذا أضيف إليه انعدام المروءة تحول إلى جريمة مكتملة الأركان كفعل هذا الوالي! مكهرب