تمر الأيام وتطوى الصفحات وتبقى الذكريات بحلوها ومرها ماضياً يجول في خيالنا، متأصلاً في عقولنا، مترسخاً في شخصياتنا، يميز بصماتنا، فمنذ نعومة أظافرنا وصغر دائرة تفكيرنا الذي لا يتعدى محيط اللهو والضحك البريء تعرفنا على معنى القسوة، علمنا مهية الظلم، رأينا ذلك بأم أعيينا، ووعينا ذلك بقلوبنا لا بعقولنا، فدوماً تلوح في أفق خيالنا تلك المشاهد الدامية التي تفوح منها عبق الدماء، والداء بلا دواء، تسيل المقل حزناً ولكنها صور ومآسٍ تتكرر وأحوال تتدهور، ولكن الصمت هو ذاك السلاح الوحيد الذي يسود دوماً، نعم نحن عاصرنا ونعاصر ذاك الواقع المرير الذي أصبح كهلاً، سنوات طوال وظلم ينسف الجبال، فصيغت أجمل العبارات. يا أمَّ كُلِّ المؤمنينَ تحيَّةً لولاكِ كُلُّ الأمنياتِ سرابُ لكِ في النضالِ كتائبٌ وملاحمٌ لكِ في السّلامِ... شريعةٌ وكتابُ لم تَخضعي لم تركَعي يَوماً ولم تكسرْ شُموخَكِ في الصِّعابِ... صِعابُ يا نسمةَ المجدِ التي ريّاكِ ما زالت على أيّامِنا تَنسابُ تاريخُنا... بكِ أشرقت أيّامهُ مهما ادّعى الفرقاءُ... والأحزابُ إنّا ورثنا الحَقَّ فيكِ عن الجُدودِ فنحنُ نَحنُ الأهلُ والأصحابُ والغاصبونَ حِماكِ ما عرفوا الأمانَ زمانُهم فيها أسىً وعَذابُ نعم هي تلك الأرض المغتصبة، هي أرض محمد الدرة، هي أرض الإسلام والمسلمين، عدوان غاشم من أعداء الله وظلم وجور يتعدى الخيال، فقبل أيام فرحنا واستبشرنا بقافلة الخير والحرية لإخواننا في غزة، ولكنها ما لبثت إلا أن أصبحت بشرى دامية تتغللها الأحزان، سفن تحمل مساعدات إنسانية فيكون المقابل هو بوارج حربية وطائرات ومئات الجنود الإسرائيليين المدججين بالسلاح! أين هو المنطق! بل أين هو ذاك الدين الذي يأمر بذلك! والدافع بكل استهزاء دفاع عن النفس، هل زالت العقول وبارت؟ هل يصدق المرء كل ما يقال؟ هل يعقل بأن تلك المساعدات، التي هي من مستلزمات الحياة، جريمة يُعاقب عليها؟ فها هي أجواء الذهول والصدمة على العالم، ولكن ليتابع فقط من دون حراك الاقتحام على أسطول الحرية لكسر الحصار عن غزة، أصابنا الوهن ونسينا فتوحات الإسلام التي جالت الأرض بنور السلام، فها هو خير البرية يوصي الصحابة بالنساء والأطفال والشيوخ، أي دين هذا الذي يوصي بالرأفة بالعدو؟! ولكن أرددها بأعلى صوتي تلك أرضنا وهي لنا، ولكن ألا ليت الزمان يعود. نظرت فبكيت، فقلت فرثيت، حال أمة، جفت منابع الإيمان في أمة رسول الهدى، فصرنا تحت رحمة عدو غاشمٍ معتدٍ، على أرض أنبياء الله ومحشر الناس أجمعين، فتلك أمٌ تبكي طفلها، وذاك طفل هائمٌ في الأرض بلا أمٍ مهمل، نظرنا فلم نحرك ساكناً، ونسينا بأن المسلمين كالجسد الواحد، تفرقت الصفوف ولكن لم تكن، لنا رفعةً وعزةً وعلا، فأسألك يا رباه يا رب العلى بأن تنصر الإسلام نصراً عظيما مؤزراً. أحمد محمد كشحة - المدينةالمنورة [email protected]