قبل شهور كنا نتجهز لاستقبال العام الدراسي الجديد، وكل منا يحلم برؤية أبنائه وقد أنهوا حياتهم الدراسية ودخلوا إلى معترك الحياة وفي جعبتهم أرفع الشهادات العلمية وأعلى الدرجات، وها نحن اليوم يستعد جميع أبنائنا لاداء اختبارات نهاية هذا العام بكل ما يحمل من أحلام وآمال وعمل واجتهاد، وما يُعرف بموسم الحصاد، تعلن كل أسرة عن بداية جديدة لحال الطوارئ القصوى داخل أوساط المنزل من تحديد ساعات السهر، وتقنين الخروج للتسوق أو للترويح والفسحة، وإغلاق التلفاز، وغير ذلك من حالات الاستنفار والاستعداد القصوى، يجتهد الآباء والأمهات من أجل توفير بيئة هادئة وضمان كل سبل الراحة والاطمئنان لأبنائهم في مختلف سنوات الدراسة، وربما يتضاعف هذا الاهتمام وتتزايد العناية بمن هم في السنوات الجامعية النهائية أو الثانوية العامة باعتبارها عنق الزجاجة والقاعدة الكبرى التي تشكل معالم المستقبل وتحدد مصير هؤلاء الأبناء على مدار السنوات المقبلة. تعتبر تلك الفترة من كل عام نقطة تحول مهمة في حياة الأمم والشعوب، إذ الإعداد النهائي لتخريج دفعات جديدة من الشباب المؤهل علمياً والقادر فكرياً وسلوكياً على قيادة المجتمع وإدارة مؤسساته، وتوجيه بوصلة النهضة والتحديث الوجهة العلمية الصحيحة، والمشاركة الفاعلة في كل ميادين ومجالات البناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي السليم. ذلك النتاج التربوي والعلمي يمثل اللبنة الأولى في قيام المجتمعات والدول، وتجديد طاقاتها وزيادة نشاطها وحيويتها، واستمرار قدراتها على الإبداع والعطاء والرقي، وهذا الحصاد بمثابة الصياغة الأخيرة والشكل النهائي لجيل جديد من قادة المجتمع السياسيين والمفكرين والعلماء والإعلاميين والصحافيين والأطباء والمهندسين والمعلمين والفنيين وغيرهم، للإسهام والاندماج في منظومة العمل الجماعي التي تهدف إلى رفعة المجتمع ووضعه في مصاف الدول والمجتمعات الرائدة علمياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً، فالدول المتقدمة والمتطورة تحسب تقدمها العلمي وتطورها بمقدار ناتج العملية التعليمية من العلماء والمفكرين والمبدعين و...، وكل من يسهم في دوران عجلة التنمية. مسألة الاختبارات هذه تعيد إلى الأذهان وتذكرنا بعمليات الاقتراع والانتخابات في النظم الديموقراطية الحرة التي تهدف إلى اختيار وبقاء القادرين على التطوير والتحديث بكل صوره، وهؤلاء غالباً ما يكونون من المميزين والمتفوقين على أقرانهم بما يقدمونه من رؤى ومشاريع تحقق تطلعات مجتمعاتهم، وكأن هذه الأنظمة المتقدمة قدر لها أن تستمتع بموسم مزدهر من الحصاد على كل الأصعدة، سواء في السياسة أو التعليم أو الصحة أو الرياضة، لا شك أن هذا البناء الشامل لا يمكن وصوله إلا من خلال رؤية مسؤولة ووعي كامل بأهمية التعليم والعلم ودورهما في تمام البناء واكتماله، فهل أدرك العرب دور التعليم في إشعال ثورة العقول العلمية والانفتاح؟ وهل عملوا على تحسين جودة محصولهم وأعدوا لموسم الحصاد؟! أحمد شريف أبو زريعة - حفر الباطن [email protected]