الصفحة: 28 - الرياضية الدكتور عبدالله البريدي أكاديمي وكاتب له ملعبه، ينظر للرياضة بفلسفة خاصة ويرى أنها تمارس حسياً وشعورياً، يمتدح صدق المنتمين لها، ويرى فيها عودة للزمن الجميل، يفرح بنصراويته ويرى فيها امتحاناً للصبر والابتلاء، يتندر على فلسفة يوسف الثنيان والحمراني ويذكر هدف ماجد في الصين، يشعر أن إداراتنا الرياضية بحاجة إلى"تهميز"اكثر من"التلميز"ويتمنى لو يتغير حال مجتمعنا من خلال الرياضة فيقدم كل طرف مشروعه من دون كروت صفراء أو حمراء. له منظور رياضي فلسفة يتساقط فيه السلفيون مع الليبراليين، فإلى تفاصيل الحوار: هل للرياضة حضور يستحق في حياتك؟ - نعم، أعتبر الرياضة من مكملات الإنسانية، فهي تشعرني بأنني إنسان وبأننا بشر، فالرياضة تلغي الفوارق النتنة والطبقية المصطنعة بين البشر، فالكل سواسية بالملعب على قاعدة"إن أفضلكم أمهركم"والرياضة من الأشياء القليلة التي تعيّشك طفولتك ولو كانت كهلاً هرماً، وهذا من أسرارها التي قد تخفى على البعض، والفشل في الرجوع إلى الطفولة يعني موتاً من نوع ما، لاسيما في حياة ضاغطة كالحياة المعاصرة، ولذلك فأنا أمارس الرياضة شعورياً حين لا يجود وقتي بلحظات قليلة لمعانقتها فعلياً. متى بدأت الرياضة في خطب ودك؟ - منذ أن وعيت على الدنيا، كنا نلعب رياضات عدة ومتنوعة، فالوقت الذي يصرفه أبناؤنا ببلاهة أمام ألعاب"النت"كنا نصرفه بذكاء في رياضة الجسد والوجدان. بين الممارسة والمتابعة، أين يكمن حظ الرياضة معك؟ - أمارسها في النادي الرياضي الذي اشترك فيه برسم سنوي، وأحب متابعتها أيضاً والممارسة أكثر لذة بالتأكيد من مجرد المتابعة. ما الرياضة التي تستأثر بك وتستغرب من سطوتها عليك؟ - كرة القدم من دون منازع، وأنا لا استغرب من سطوتها علي، لأنني كنت لاعباً"مجيداً"في نظر بعض أصدقائي الذين كادوا أن يتموا عملية اختطافي لنادي الرائد. مضمار الفكر، ماذا تحتاج الساقان للركض فيه؟ - لياقة كافية، وقبل ذلك انبعاث صادق لطاقة مستمرة تفلح في رفع الساقين في مضمار طويل باتجاه هدف سام يتجاوز تخوم الأنا. بين الرياضة والفلسفة، أين يتشكل العقل البشري؟ - الفلسفة رياضة عقلية خلاّقة، والرياضة فلسفة حركية وثابة. هل لابد لكل رياضة من فلسفة تسكنها؟ - بالتأكيد، كما أنه لابد لكل فلسفة من رياضة تتحرك في فضائها وتقوي بها عضلاتها. التعصب الرياضي هل يقف خلفه فلسفة معينة؟ - بالتأكيد أن ثمة فلسفة حوله، مفادها"مشروعية التصنيف الفئوي الرياضي ومن ثم تخليق صور نمطية مقولبة، تشرعن للتعصب بصوره الذهنية واللفظية وربما الفعلية"وهذا يعني الانتقال من التفاعلات"بين الشخصية"إلى تفاعلات"بين جماعية"أي أنها تفاعلات متكئة على انتماء كل شخص لنادي معين وليس لمجرد اتصافه بسمات شخصية محددة. الميول لناد عن آخر، ماذا يحكمه؟ - سؤال معقد، لا توجد إجابة صارمة وأحسب أن التنشئة الاجتماعية هي الأساس، ويؤثر فيها نمط الشخصية ومدى تناغم الإنسان مع محيطه الاجتماعي، وهذا له تطبيقات متعددة، فمن ذلك ما نسميه ب"التحيز للشبيه"، فإن كان هناك قدر من التشابه بين الإنسان و"نجوم الفريق"فإنه سيكون أكثر انجذاباً للفريق، وإن كانت علاقة الإنسان"مثلاً"متوترة مع المحيط الاجتماعي، وخصوصاً مع الأفراد الفاعلين في عائلته فقد يلجأ الإنسان إلى اختيار الفريق المنافس كنوع من العناد واثبات عدم الانصياع، عذراً فقد أكون قد أفسدت عفوية السؤال بتعقيداتنا. تشجيع النصر، هل هو امتحان للصبر والابتلاء؟ - نعم، وأنا أشم رائحة"هلالية"في هذا السؤال، لاسيما إن كان ُيعلم بنصراويتي. ما الذي يمنحه النصر لمشجعيه ولا تمنحه الأندية الأخرى؟ - الصبر على الابتلاءات، أنت ألقمتني الجواب وربما أكون بليداً حين لا ألتقط الجواب! تدريب مجاني على الصبر والتجلد، وهذا يعني أن النصر يجعلك تتذوق حلاوة التشجيع والأيام الصعبة. ما أكبر دعم قدمته لنادي النصر؟ - لا أملك إلا الحب. على رغم أنك محب للنصر إلا أنك تشجع الرائد، إلا ترى في ذلك خطأً منهجياً؟ - المنهجية في تشجيع الرياضة أنه لا توجد منهجية، ومن ثم فلا أخطاء. على رغم تنوع القصيم وريادته، إلا أنه رياضياً يصارع بين الصعود والهبوط، أين الخلل؟ - أظن أن الخلل يكمن في"عنتريات القصمان"وأعني بها قياديتهم المشبعة ب"الذهانة"في كل شيء، أي شعورهم الزائف بالذكاء الفطري المصحوب بشيء من التذاكي أو الفهلوة، وذاك داء يجب أن يتخلصوا منه. هل تشعر أن رئيس النادي فيلسوف كبير؟ - يا ريت، في كثير من الأحيان يكون شيخاً للسفسطائيين!! لقب لاعب الهلال يوسف الثنيان بالفيلسوف، كيف تعلق على ذلك اللقب؟ - يستحق هذا اللقب بجدارة، لاسيما حين"يتعاطى"مع"إشكالات"الحمراني، كانت فلسفته ممتعة ومقنعة أيضاً ولكنها مؤلمة للنصراويين. هل يجيد الفيلسوف اللعب أم أنه يكثر من الدوران حول مصطلحاته؟ - الفيلسوف يجيد اللعب والكر والفر والتهديف ب"الثمانيات"، وقد يركل الكرة بهدوء وبساطة نحو هدف تعجيزي، بشرط أن يكون ذلك الفيلسوف من"مفكري المستوى الثالث"، أي أنه يفكر في طريقة التفكير، وأولئك جنس نادر. كنت لاعب دفاع ثم أصبحت مهاجماً، لماذا تغيرت الفلسفة الكروية عندك؟ - لا أعلم، حبذا لو تم تخصيص مبلغ محترم لدعم"بحث علمي"لدرس هذه الظاهرة، وأحسب أن ثمة جهات بحثية ستدعم البحث، فقط ليكن لديك"مفتاح"من نوع"الماستر"في تلك الجهات وستظفر بما تريد، قد أكون بهذا الجواب أفسدت مقترح البحث حين جسدت شيئاً من إجابة السؤال. ما الفرق بين مدرجات الملعب ومدرجات الجامعة؟ - مدرجات الملعب أكثر مصداقية، فالجميع يحضر بقلبه وعقله واختياره. في جامعاتنا هل لابد من مهارة قفز الحواجز؟ - للأسف بالتأكيد، وكثيرون من يمارسون تلك الرياضة"النشاز". مَن مِن المسوؤلين يمارس الرقص على الجليد؟ - من له عقل كشّاف، يكشف له أستار غيب الجليد ويضمن له صيد"السمك"بصنارة بلهاء. اللعنات في الرياضة تصبها الجماهير كثيراً، لماذا؟ - تنفيس عاجز. ما الفرق بين لعنات الجماهير ولعنات الفلاسفة؟ - لعنات الجماهير رحمة وعلو للخصم، بخلاف لعنات الفلاسفة، فهي حارقة. منتخبنا الوطني متى تسبب لك في ألم؟ - في الآونة الأخيرة كثيراً، إذ إن بعض اللاعبين لا يمارس اللعب بالجدية الكافية. فرحة رياضية لا تنساها؟ - عقب هدف ماجد الخرافي في الصين. صحافتنا الرياضية لماذا هي الأقوى بين الصفحات الأخرى؟ - من بؤسنا الثقافي. لماذا يرى البعض أن في تشجيع صغارنا لأندية عالمية خطراً على الهوية؟ - بعض التشجيع لتلك الأندية يهدد الهوية فعلاً. إذا دخل المثقفون إلى الرياضة هل ستصحبهم الشياطين؟ - بل ستصحبهم ملائكية الرياضة. الرقيب في الصحافة والحكم في الملعب من أكثر تعقلاً؟ - طبعاً الحكم، فهو يفهم القوانين ويطبقها بحيادية على المكشوف، بخلاف الرقيب الذي قد يكون مجرد"شيخ غفر"بعصا غليظة. بعض اللاعبين يحبون الترقيص والتسحيب والكباريات، وأنتم المثقفين ماذا تحبون؟ - لا فرق، فالمجتمع يجبرك على أن تجيد الترقيص والتسحيب والكباريات، وربما يلجئك إلى"الزحلقة"وربما مع كروت صفراء أو حتى حمراء. في الثقافة هناك ليبراليون، في الرياضة أين تسكن الليبرالية؟ - في كل مكان ولا مكان، لا أدري. هل تجد المتعة في مشاهدة المباراة في الملعب أم خلف الشاشة؟ - لكل متعته. الرياضيون والفنانون سفراء للنوايا الحسنة، لماذا الأبواب موصدة في وجوه المثقفين؟ - لأنهم ليسوا نجوماً. الجدل حول الرياضة النسائية، متى سيتوقف؟ - حين تتوقف تروس التفكير المغلوط. الأندية في القرى والمحافظات هل هي نواة لمجتمع مدني؟ - لا أعتقد، هل تعرف أنديتنا معنى"المجتمع المدني"؟ الصراع بين التيارات عندنا هل يتم في إطار اللعب النظيف؟ - أعان الله الحكم في تلك الحلبة، سيجلب معه شاحنة مليئة بالكروت ونماذج الإيقاف، ولاسيما أن البعض يتعاطى"منشطات فكرية". الحوار الوطني... هل هو مباراة بلا جماهير؟ - لا يلزم أن تكون المباراة كرة قدم. ما اللعبة التي يجيدها السلفيون؟ - الألعاب التي فيها ارتهان للتاريخ وتسويف للواقع، كما أنهم بارعون في لعبة التفكير الوثاب القائم على التفكير الشفهي اللحظي الذي يفشل في تفتيت تعقيد اللحظة الراهنة. ومتى يدخل الليبراليون المباراة وهم موقنون بالهزيمة؟ - الكارثة أنهم موقنون بالانتصار والظفر بالكأس في دوري رياضي وهمي، وقد يقول بعضهم"الكأس في جيوبنا يا عيال"، مع أنهم ناد مشطوب أو بالأصح غير مسجل نظامياً. الكارت الأحمر لماذا يرفعه كل واحد؟ - لأنهم لا يمتلكون غيره. التحليل الرياضي والتحليل الفلسفي من أكثر صدقاً؟ - التحليل الرياضي صادق في عدم ادعائه الصدق، أما التحليل الفلسفي فهو صادق في عدم ادعائه الحقيقة. هل جربت مرة أن تكتب عن حدث رياضي؟ - لا، لم أحظ بهذا الشرف. ما الفرق بين تشجيعك وتشجيع أبنائك؟ - كالفرق بين النائحة الثكلى والنائحة المستأجرة، ربما أكون قد تورطت مع أبنائي بهذا الجواب. التعب والحزن من الخسارة... هل هو دلالة انتماء وولاء؟ - التعب كلفة حسية مرتبطة أكثر بالولاء، أما الحزن فهو كلفة نفسية ترتبط أكثر بالانتماء. الإدارة الرياضية عندنا، مم تشتكي؟ - تحتاج إلى"مساج"لما فوق الرقبة. ما المنشطات التي تخشى منها على ثقافتنا؟ - منشطات الكذب، نحن مجتمع يصنع الكذب والنفاق الاجتماعي باقتدار وبمعايير عالية، والمؤسف حقاً أن البعض من"المثقفين"يتورط بأنواع رخيصة من الكذب والدجل لمصالح شخصية، ولذلك أعتقد أن على المجتمع أن يطور أدواته لاكتشاف كذب"المثقفين"، ولاسيما أن بعضهم متدرب على"مخادعة"جهاز اكتشاف الكذب أما أنا فأقول دائماً"الثقافة صدق ممنهج".