ولي عهد الكويت يستقبل وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي    عمومية كأس الخليج العربي تعتمد استضافة السعودية ل"خليجي 27″    وزارة الثقافة تُطلق المهرجان الختامي لعام الإبل 2024 في الرياض    بموافقة الملك.. منح وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الثالثة ل 200 متبرع ومتبرعة بالأعضاء    "رينارد" يستبعد "الشهراني" من معسكر الأخضر في الكويت    مانشستر سيتي يواصل الترنح ويتعادل مع ضيفه إيفرتون    السعودية: نستنكر الانتهاكات الإسرائيلية واقتحام باحة المسجد الأقصى والتوغل جنوب سورية    أسبوع أبوظبي للاستدامة: منصة عالمية لبناء مستقبل أكثر استدامة    مدرب قطر يُبرر الاعتماد على الشباب    مجلس التعاون الخليجي يدعو لاحترام سيادة سوريا واستقرار لبنان    وزير الشؤون الإسلامية يلتقي كبار ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة    تدخل جراحي عاجل ينقذ مريضاً من شلل دائم في عنيزة    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    الإحصاء: إيرادات القطاع غير الربحي في السعودية بلغت 54.4 مليار ريال لعام 2023م    استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية بمنطقة تبوك    الذهب يرتفع بفضل ضعف الدولار والاضطرابات الجيوسياسية    السعودية رئيسًا للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة "الأرابوساي" للفترة ( 2025 - 2028 )    استمرار هطول أمطار رعدية على عدد من مناطق المملكة    الفكر الإبداعي يقود الذكاء الاصطناعي    «الإحصاء»: 12.7% ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية    رينارد: مواجهة اليمن صعبة وغريبة    وطن الأفراح    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    المملكة ترحب بالعالم    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    نجران: «الإسعاف الجوي» ينقل مصاباً بحادث انقلاب في «سلطانة»    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رئيس قسم الطب النفسي في "مستشفى التخصصي" يرى أن الطب النفسي في السعودية "متخلف جداً" عما هو مقبول عالمياً . يوسف الصمعان:يجب اختطاف ابن تيمية من "السلفيين" ... وتوسيع دائرة الحلال
نشر في الحياة يوم 16 - 06 - 2009

من الشمال بدأت مسيرته، اختار الطب النفسي تخصصاً له ليعيد ترتيب الأوراق في مجتمعنا، في شبابه بدأ طرق باب التيارات، كان منفتحاً على كل أحد، واختط لنفسه مشارب ومسالك لا يركض فيها مثله، لا يحب الظهور كثيراً، ولا يبشر بمشاريعه، يتوارى خلف أسماء مستعارة في الانترنت ليزداد ضراوة ووهجاً، وأنت تجلس معه لا تدري هل أنت في حضرة طبيب نفسي أم في رحاب مفكر عقلاني..
يدين لعلم النفس والتطبب فيه بالشرفات والإطلالات الحلوة... ابتسامته تسبق كلماته تشعر أنه لا يشتكي شيئاً، وفي المقابل يضطرم بداخله النار والسعير... يرثي لحال المرضى النفسيين والأقسام النفسية في مستشفياتنا.هدوءه احترافية للكبار فقط... عاش كل التجارب ويدين لكل التحولات... هنا لن تعرفوا يوسف الصمعان كاملاً، ولكن هي دعوة للبحث عنه وتتبع خطواته... إلى تفاصيل الحوار:
"حائل والنسائم الشمالية"... ماذا فتحت لك من نوافذ وماذا أغلقت عليك من أبواب؟
- ولدت في قرية"موقق"خريف 1969م بعيد حريق الأقصى وقبل وفاة عبدالناصر، ومن المتوقع أن مواليد ذلك العام لم يكن مرحباً بهم، خصوصاً أن ثقافة المد العروبي كانت حاضرة في تلك الفترة، عشت في القرية كل طفولتي وفيها درست المرحلة الابتدائية. كانت حياة القرية حياة وديعة وهادئة. لك أن تتخيل أن عقد السبعينات انقضى ولم نعرف فيه الكهرباء، على رغم أننا نعيش رخاء نسبياً. أصدقاء الحارة كانوا كالعصبة في المدرسة الوحيدة. لم يكن هناك ما نلهوا به كأطفال إلا الألعاب الشعبية. قبيل المغرب تخرج الحارة أطفالاً ونساء إلى الفريغ - منفذ الحارة إلى الصحراء - ليمرحوا قليلاً وليستقبلوا الغنم من الراعي. في العطل غالباً ما يزورنا أهل القرية الذين استوطنوا مدن المملكة. يحدثنا أطفالهم بشيء من التعالي الطفولي عن المدينة وعن التلفزيون. صرنا نحفظ بطولات المسلسل ستيف ونقفز مثله ونحاكي ملاكمة محمد كلاي بالرواية والتخيل، كان الراديو هو ما تتحلق حوله الأسرة لسماع الأخبار. أما المسجل فكان مقتصراً على سماع الأغاني أوعبدالباسط! المعلمون بعضهم من أبناء القرية وبعضهم من الدول العربية، خصوصاً مصر، وكان أهل القرية يحترمونهم ويكرمونهم بإخلاص. كان شقيقي الأكبر عبدالكريم أحد هؤلاء المعلمين وكان يملك مكتبة صغيرة جلها أدبية. تعرفت من خلال مكتبة شقيقي على العقد الفريد وسيرة ابن هشام وأغاني الأغاني مختصر الأصفهاني وسلسة الناجحين في تلك المرحلة.
الحياة في القرية ما زالت تمثل لي نستالجيا وحنيناً مثالياً. ما زلت أذكر كم كانت القرية حانية على الفقير ورحيمة بالمجنون.
وماذا بعد مرحلة القرية... ورحلتك مع شباب حائل الإسلاميين؟
انتقلت الأسرة إلى حائل في بداية المرحلة المتوسطة. صحيح أنني فرحت كثيراً بانتقالنا من بيت طيني إلى فيلا جميلة. لكني فقدت الحارة بمعناها الاجتماعي. منذ تلك الفترة توليت توصيل أبي رحمه الله إلى المسجد بالسيارة، وكان يذهب إلى الصلاة قبل المؤذن. أستثمرت هذا الوقت بحفظ القرآن، وعلى رغم أنني أتممت حفظي إلا أني نسيت أكثره الآن.
في المرحلة المتوسطة والثانوية 82 - 87 انضممت إلى"الشباب"في حائل، هكذا كانت التسمية، هي تعني مجموعة متدينة يشرف عليها أحد المدرسين العائدين من الجامعة والمتأثرين بالحركة الإسلامية السائدة في ذلك الوقت. منذ تلك اللحظة تغيرت قراءاتي إلى الشأن الثقافي الإسلامي. لم يكن في حائل حلقات علمية شرعية كالتي في الرياض والقصيم. كانت جل قراءتنا هي كتابات الإسلاميين المعاصرين أو الكتابات المباركة إسلامياً مثل العبقريات للعقاد. وعلى رغم أن المشرف كان محافظاً جداً فكرياً وسياسياً إلا أنني كنت مولعاً جداً في تلك الفترة بقراءة سيد قطب والمودودي وقراءة التراجم الفلسفية. وحاولت تكوين حلقة تركز على هذا الهم إلا أني فشلت.
كانت المراكز الصيفية تتيح لنا اللقاء بشباب المناطق الكبرى القصيم، الرياض الذين كثيراً ما يزورون حائل. كنا ندرك من أنفسنا - نحن شباب حائل الإسلاميون - وأحياناًً هم يعيروننا بالقصور في العلم الشرعي ونحاول أن نعوض ما يمكن تعويضه من نقص في الحلقات العلمية إلى ولوج مباشر وجريء إلى أمهات كتب السلف. لكن هذا الجهد لم يكفينا نبزهم لنا"من كان شيخه كتابه فخطأه أكثر من صوابه".
على رغم هذا الجهد المضاعف من فتى ثم صبي إلا أني ? وعلى رغم تحولات فكرية لاحقة - ممتن جداً لتلك التجربة، لقد عودتني على الجلد في القراءة. وربما حمتني جزئياً من طيش المراهقة.
هل تشغلك الدواخل أكثر لذا اخترت دراسة الطب النفسي؟
- عندما أنهيت الثانوية كنت أريد دراسة الرياضيات والفيزياء وهما مادتان أحببتهما طوال دراستي، لكن القاعدة الذهبية في ذلك الوقت كانت واضحة، من كان معدله عالياً جداً في نهاية التسعينيات يذهب إلى الطب وهكذا فعلت.
منذ بداية دراستي في كلية الطب كنت عازماً على التخصص في الطب النفسي، كنت أتلذذ في قراءة الترجمات المتوافرة لفرويد ويونج والبقية، وكذلك وبحكم قراءاتي الإسلامية كنت مطلعاً على مقولات الإسلاميين في العصر الوسيط عن النفس وعللها، توقعت أن هذا هو طبيعة الطب النفسي.
أثناء دراستي في كلية الطب مرضت أمي بسرطان الثدي وكنت أرافقها للعلاج في مستشفى الملك فيصل التخصصي حتى وفاتها يرحمها الله أثناء سنة الامتياز. ومثل الكثير من مرضى السرطان كانت تعاني الاكتئاب وتراجع عند الدكتور قتيبة شلبي رئيس القسم حينها، زادتني تلك التجربة الشخصية على رغم مراراتها وآلامها إصراراً واقتناعاً بالطب النفسي. رأيت بعيني كيف يستطيع الطبيب النفسي والعلاج النفسي مساعدة المريض حتى في أصعب اللحظات، قد لا أبالغ لو قلت أن مضاد الاكتئاب ساعدها في تلك الفترة أكثر من أي تدخل طبي آخر.
الطب النفسي
كيف تشكل الطب النفسي بعد تلك التجربة لديك؟
- تطورت علاقتي بالدكتور قتيبة شلبي، وبدأ يعيرني بعض الكتب ويدعوني إلى اجتماعات في منزله، كان ينتقي تلك الكتب بعناية ليحاول تشكيكي بالمدرسة التحليلية الفرويدية، وكان يحضر اجتماعاته المنزلية زميله الدكتور الشربيني الذي كان أقرب إلى المدرسة التحليلية، كما كان يحضرها الدكتور عبدالوهاب المسيري والدكتور حسن ظاظا - رحمهما الله - وكانت تدور نقاشات فكرية عميقة وبالنسبة إليّ - في تلك الأيام - كانت خارجة جداً عن المألوف وربما منكرة.
بداياتك العملية مع الطب النفسي... كيف كان وقع خطواتها؟
- انضممت بعد سنة الامتياز للعمل في التخصصي، وفي الأشهر الأولى من عملي واجهت في إحدى حالات المرضى الذين يعانون من زيادة هرمون الحليب نتيجة فرط نشاط الغدة النخامية وتتم معالجتهم عادة بمحفزات"الدوبامين"ما قد يؤدي إلى الإصابة بالذهان، واقترحت على رئيستي معالجتها بالكلوزبين وهو دواء بخلاف مضادات الذهان التقليدية لا يزيد من هرمون الحليب ولم يكن قد استخدم لعلاج مثل هذه الحالة.
لعب الحظ معي مداه، إذ زار السعودية وقتها 1994 الدكتور العالمي هربرت ملتزر لعلاج مريضة بالفصام بناء على دعوة من أسرة المريضة الثرية، فعرضت عليه مسودة لملخص الحالة، أظهر حماسة وعدّل في صياغة الكتابة ونصحني أن أبعثها إلى إحدى الدوريات العلمية المحكمة. وهكذا حدث، ولا شك أن وجود اسمه كمؤلف ثان ساعد في قبولها.
انفتحت شهيتي للبحث التخصصي على حساب اهتماماتي الثقافية، ولم تكتمل السنة الأولى إلا وقد نشرت ثلاث ورقات في دوريات أجنبيه محكمة، وأثناء فترة التدريب في كندا واصلت في هذا المجال وحصلت على جائزة العميد لأفضل بحث طبي على مستوى الأطباء المقيمين في الجامعة، وفي عام 1999 حصلت على أفضل بحث على مستوى الأطباء المقيمين في الطب النفسي على مستوى كندا من رابطة الطب النفسي الكندي. لم أحضر التكريم الذي كان في مدينة أخرى، إذ كنت على موعد أهم. كان يوم التكريم هو نفسه اليوم المتوقع لولادة ابنتي الثانية وجلست مع زوجتي الغالية عبير التي أهدتني ذلك اليوم ابنتي الثانية ريم الأولى سارة وبها أكنى، وأهدتني صبيين بعدهما محمد وعمر، وتسلّم الجائزة نيابة عني رئيس القسم الذي شرح سبب تغيبي، وأخبرني أن القاعة صفقت للخبر الثاني أكثر من الأول.
وهل طرق بابك الحظ ثانية؟
- لعب معي الحظ ثانية أقصى مداه، وزارنا في جامعة وسترن أونتاريو الدكتور دانيل واينبرجر أشهر علماء الفصام حتى يومنا هذا، وكنت قد حضّرت لزيارته جيداً بقراءة كل أعماله، وأثناء نقاشه مع الأطباء المقيمين استطعت نيل إعجابه أكثر من زملائي بحكم أنني كما يقال قد"سمعت"كل إنتاجه قبل وصوله، ودعاني للعمل معه في المعهد الوطني الأميركي للصحة النفسية، وهو أعرق مكان في شمال أميركا لهذا التخصص، هناك توطدت معرفتي بالكثير من رموز الطب النفسي العالميين، وحصلت حينها وبعدها على عدد من الجوائز الأخرى على مستوى العلماء الشباب.
كيف كانت رؤيتك لمجال الطب النفسي قبل التخصص فيه وبعده؟
- ذكرت لك أنني قبل أن أدرس الطب النفسي متخصصاً، كنت مقتصراً في قراءتي على ما يتوافر من ترجمات لرواد المدرسة التحليلية وآراء علماء الفلسفة والكلام والتصوف في أمراض النفس، وإذا استثنيت شروحات الطبيب الرئيس ابن سيناء الذي كان مقتنعاً بأن الاضطرابات النفسية هي خلل دماغي فإن أكثر ما كنت أقرأه هو قراءات مبتورة للمدرسة التحليلية. أصدقك في تلك الفترة لم تكن آراء البيولوجيين تستهويني كثيراً، كان سؤال العقل - والتفكير والشعور يؤرقني ولكن من زوايا مختلفة عما آلت إليه دراستي المتخصصة.
دراسة الطب النفسي ماذا فتحت لك من أبواب؟
- أزعم أن دراسة الطب النفسي فتحت النافذة الأوسع في فهم العقل البشري وأمراضه، كانت هذه النافذة هي النافذة البيولوجية التي تسعى إلى فهم مشاعرنا وأفكارنا من خلال فهم كيف يعمل الدماغ البشري،على المستوى الخلوي والجزيئي أياً كانت المدرسة التي تنطلق منها سواء أكانت بيولوجية كربلينية أم تحليلية فرويدية أم سلوكية واتسونية، فإن الدماغ هو مركز التفكير والسلوك والشعور.
نعرف يقيناً الآن أن الدماغ البشري يعمل بطريقة مختلفة لحظة حزنه عن لحظة فرحه، الدماغ ومن خلال تفاعلات معقدة وتوازنات دقيقة ينتج الحالة المقبولة normality في هذه الوظائف تماماً كما ينتج الحركة الطرفية على سبيل المثال - وإن كان بطريقة أكثر تعقيداً - وحينما يختل هذا التوازن الوظيفي في الدماغ البشري ينتج العرض النفسي كالحزن مثلاً وأحياناً تجتمع أعراض معينة وهو ما يسمى الاضطراب كالاكتئاب مثلاً.
الطموح العلمي في مجال علم الدماغ ليست له نهاية، والدراسات القادمة ليس طموحها فقط التحكم بالاضطراب النفسي بل محاصرة الجينات المسؤولة وتصحيحها. هناك طموحات تحققت كما محاصرة الجين المسؤول عن بعض أنواع اضطرابات الخرف. وسنراها قريباً في اضطرابات عقلية أخرى، من يقرأ بعض دراسات علماء النفس العضويين يرى ولوجهم لمواضيع قد تكون مخيفة.
بحكم أنك متخصص في الفصام وحصلت على جائزة العلماء الشباب من الكونغرس العالمي والكونغرس الأوروبي للفصام.. كيف ترى الفصام في المملكة؟
- باختصار الفصام يصيب الجنس البشري بنسبة متساوية تقريباً واحد في المئة. هذا ما تقوله كل الدراسات العالمية بما فيها الدراسة الكبرى لمنظمة الصحة العالمية، لا توجد أية فروقات في نسبة الإصابة بالأمراض النفسية الكبرى في الدول، ولا يلعب الاختلاف الثقافي والديني أي دور في معدل الإصابة. السعودية تحديداً لا توجد فيها أية دراسة لنسبة الإصابة بالأمراض النفسية، هناك مشروع يديره مركز الأمير سلمان للإعاقة لمحاولة القيام بمسح إبيديمولوجي لمعدل الإصابة بالأمراض النفسية الكبرى لكن هذا المشروع لا يزال في بداياته.
في زعمي أن معدل الإصابة سواء بالفصام أو بالأمراض النفسية الكبرى لن يكون أقل من المعدل العالمي، بل ربما يكون أكثر من ذلك لكثرة الزواج بين الأقارب في مجتمعنا قياساً بالمجتمعات الغربية، والمحدد الجيني هو الأهم في فرصة التعرض للأمراض النفسية بما فيه الفصام، أضف إلى ذلك أن مضاعفات الولادة لدينا أكثر من الدول الغربية، وهذا من المسببات المقترحة لزيادة فرصة الإصابة بالفصام.
مقصرون تجاه المرض النفسي
وماذا عن الرعاية المقدمة لهؤلاء المرضى؟
- من المؤكد أن الطب النفسي في السعودية متخلف جداً عما هو مقبول عالمياً، فبعض المستشفيات الكبرى في السعودية ما زالت ترفض وجود أقسام نفسية لأسباب اعتباطية!
المستشفيات العامة الحكومية ما زالت كلها تقريباً لا تحتوي على أقسام نفسية، في الغالب الأعم الرعاية النفسية في السعودية موكلة إلى مستشفيات نفسية من المؤكد أن مستواها الخدمي ليس متخلفاً فقط عن المستوى المقبول عالمياً، بل وحتى عن مستوى الرعاية لأي من الأمراض الجسدية في الوطن ذاته.
في السعودية ما زالت فرصة الحصول على سرير حكومي لشفط الدهون أو تجميل الصدر أقل صعوبة من الحصول على سرير لمريض فصامي مصمم على الانتحار، أو حتى قل نجا لتوه من محاولة انتحار! وفوق هذا كله فنظام التأمين الطبي في السعودية ما زال يرفض تغطية المرض النفسي! أملنا أن يكون الوزير الجديد أكثر اهتماماً برعاية المرضى النفسيين.
خوض غمار الدراسات النفسية هل يتعب صاحبه؟
- لا توجد دراسات تبين أن المرض النفسي منتشر بين أطباء أو علماء النفس أكثر من غيرهم من الأطباء، الاستثناء الوحيد الذي نعرفه هو أن الأطباء النفسيين في بعض الدراسات أكثر انتحاراً من بقية الأطباء! كما أن أطباء التخدير مثلاً أكثر تعرضاً لإساءة تعاطي العقاقير.
يبقى أن الطبيب النفسي منتج مختلف نسبياً عن بقية الأطباء، فهو الطبيب الوحيد الذي يشجع أثناء التدريب في مراكز التدريب المعتبرة على خوض تجربة التحليل النفسي لذاته من خلال الجلوس شبه اليومي لسنوات مع محلل نفسي مخضرم والطبيب النفسي لديه أكثر من مرجعية للعلوم الأساسية Basic-Sciences فهو يدرس علم النفس ونظرياته، ويدرس علم الأعصاب، كما يتعامل مع أكثر من مرجعية إكلينيكية متنافسة أحياناً في كيفية التدخلات العلاجية المختلفة عقاقيري، معرفي سلوكي، وعائلي، وديناميكي وتحليلي وعليه هو إجراء تكاملية معينة في كل حالة. هذا النوع من التدريب - متعدد المشارب - تكاد لا تجده في التخصصات الأخرى. وبالتالي العلاج النفسي يحدد لكل حالة بمفردها. هذا من شأنه أن ينهك الطبيب النفسي قياساً بغيره من التخصصات التي تعتمد على بروتوكول علاجي شبه موحد لكل مرض.
في كتاباتك تتحدث بلغة ليبرالية وتقدم حجة إسلامية.. هل هناك خطة ما؟
- لفترة طويلة كنت مؤمناً بأن من حق مريضي علي أن يقابلني من دون معرفة توجهي الفكري، هذه القناعة سيطرت علي لسنوات، والحق أنها قناعة خاصة بي وليست في أدبيات الطب النفسي التقليدي، لذلك آثرت أن أبتعد عن الكتابة أو الظهور الإعلامي، هذا الموقف اهتز قليلاً مع مراجعاتي لما كان يقوله الرموز من الأطباء النفسيين المؤسسين وبحكم صداقتي لبعض الكتاب شجعوني على الكتابة، بدأت أولاً متردداً في الكتابة الإنترنتية بأسماء مستعارة وإن كانت معروفة لبعض الأصدقاء، وما زلت أجد راحة أكثر في الكتابة الإنترنتية، ثم تجرأت أن أكتب باسمي الصريح في الشرق الأوسط ثم الإتحاد الإماراتية، لكنني وبحكم انشغالي المهني مازلت مقلاً جداً. لا أدري عن نوعية لغتي، أهي ليبرالية أم سلفية، ولا أظن أن اللغة يمكن تقسيمها بهذه الطريقة.
أعرف أن لغة الكاتب إنما تعكس قراءته، وعن نفسي فأنا مقل نسبياً منذ عقد ونصف العقد في القراءة العربية وأعتمد في هذا الجانب على مخزون سابق تكون أيام الصبا، جل ما أقرأه الآن هو كتب ودوريات ومجلات أجنبية ومقالات لأصدقاء أتابعهم وربما هذا أثر في أسلوبي إن كان لي أسلوب!.
ليبرالي، وهابي، علماني، حداثي... هل هي سمات حقيقية، أم مجرد مسميات في المجتمع السعودي؟
- الحداثة شبعت موتاً، لكن ما زال هناك تفاوت في الخطاب الثقافي السعودي، وإذا استثنينا خطاب القاعدة الجهادي - المرفوض من كل الأطراف - فإن جل الخطاب السعودي المقروء منذ منتصف التسعينات وحتى اليوم ملتزم بما أسميه ب"حقبة المحافظة السياسية الكبرى"على وزن"المحافظة الاجتماعية الكبرى في الحقبة الريجانية".
ومن تبعات هذه المحافظة أن تجعل المحددات الكبرى للخلاف بين التيارات هي في دائرة المسموح به ضمن شروط هذه المحافظة السياسية الكبرى، ومن هنا تزيد المناورات الاحترافية والتكتيكات من أجل المصالح على حساب التنوع الحقيقي، ويكاد يتحول الصراع إلى صراع مصالح ومكتسبات لا صراع في القضايا والأفكار، خذ مثلاً الإسلامي السعودي يبارك التجربة التركية الأردوغانية"الإسلامية"ويصادم الليبرالي السعودي الذي لا يتجرأ أن يطالب بعشر الانفتاح الاجتماعي المبارك اردوغانياً.
كيف ترى الحراك الليبرالي ضد المد الصحوي في مجتمعنا؟
- التيار الليبرالي يحاول الفصل بين فكر الصحوة وعلوم الشريعة وبين رموز الصحوة ومشايخ الدعوة، وتحميل الصحوة مسؤولية تطور خطاب العنف وتبعاته ومسؤولية الشلل في حقوق المرأة ومشاركتها في التنمية، وتطور ما أسميته في مقالة سابقة بتيار"الليبرالية الوهابية"التي تجيد مواجهة الفكر الصحوي دون أن تتناول"النص الوهابي الخام".
بل يحاول هذا التيار - وباقتدار أحياناً - إلى تلبس لباس شرعي كما في بعض سجالاتهم، مع تيار الحسبة، وتكثيف الضوء على دور المرأة في الإيجابي كما في عصر النبوة وفي التجربة التاريخية الإسلامية، الظريف أن جل من يقوم بهذا العمل قد تخرجوا من"أكاديمية الصحوة"وهم يحاولون الآن بخجل وتردد مجاراة دور المفكر علي عبدالرازق.
الاسلامية الليبرالية
هل يلوح في الأفق بوادر تغيير في هذا التيار؟
- من وجهة نظري أن هذا التيار يحتاج إلى عمل فكري وفقهي احترافي وشاق ولا أظنه يملك في الحقبة الراهنة شخوصه القادرين على تطوير ما يسمى"الإسلامية الليبرالية"، يحتاج هذا التيار إلى اختطاف ابن تيمية من السلفيين وتحديداً تراثه المنطقي والفلسفي وكذلك توظيف الأصول الفقهية الحزمية الظاهرية لمحاصرة النص وتوسيع دائرة الحلال.
إذ إن المقاصدية من وجهة نظري ذات طموح لامتناه في كل مناشط الحياة وهذا مآله النهائي تضخم كبير وتشعب المؤسسة الدينية الكبيرة أصلاً ولن تهدأ المقاصدية إلا ولها في كل منشط رجالها المحكمون، أما الليبرالية السياسية فهي ليست حاضرة إطلاقاً وهذا أيضاً يمكن فهمه ضمن طبيعة المرحلة المحافظة.
من شوّه الليبرالية في مجتمعنا؟
- الجريمة التي لا يمكن تفسيرها بطبيعة المرحلة هو أن ما يمكن تسميتهم ب"الكتاب السياسيين الليبراليين"، وباستثناءات قليلة قد شوهوا الليبرالية وشوهوا كل ما هو أميركي بتماهيهم مع الخطاب السياسي للإدارة البوشية والمحافظين العقائديين الجدد بما فيها حرب العراق، لقد نسوا ان أجمل ما يستطيع فعله المحب والعاشق لأميركا هو شرح عظمة أميركا المختلفة والمتباينة وهذا ما لم يفعلوه.
لن أتناول في هذه العجالة مجموعة ليبرالية صغيرة أخرى أكتشفت فجأة أن غياب الفكر الفلسفي هو سبب معضلة الأمة، وتنادت في هذا الاتجاه، لعل أبرز من يمثل هذه المجموعة هو الأستاذ إبراهيم البليهي، ولن أفصل في هذا الموضوع، إذ إنني سأخصص مستقبلاً مقالة منفصلة عن مكاشفاته الأخيرة.
الصمعان: معدل الإصابة بالفصام في السعودية أكثر من المعدل العالمي.
المرحلة التي نعيشها ... لا تنمو فيها الأصوات!
يصف الدكتور يوسف الصمعان الخطاب الفكري في السعودية وأدواته بقوله :"لا يوجد في الخطاب الفكري المقروء بأسماء أصحابه من هو"علماني صرف".. ليس لأن مثل هؤلاء الناس غير موجودين، بل لأن طبيعة المرحلة"المحافظة السياسية الكبرى"لا تنمو فيها مثل هذه الأصوات". ويضيف:"في الضفة الأخرى خطاب الصحوة ورموزها تقاسموا لعب الأدوار ليس ضرورة عن ترتيب وقصد، فمنهم من رأى أن الهم الأول هو المحافظة على المكتسبات كالحسبة والتعليم، ومنهم من تعلم"الوعظ الكنسي"ومهارات"تطوير الذات"وألبسهما العباءة الإسلامية ليكتسح بها الإعلام المرئي ليصنع نجومية دينية".
ويزيد أيضاً :"ومنهم من غشي البنية البنكية للتسابق في إنتاج المنتجات الاقتصادية الإسلامية مستغلاً السلطة الروحية للدين لترويج حيل اقتصادية"مفذلكة"ليصنع ما يظنه جزراً للاقتصاد الإسلامي وسط محيط الاقتصاد العالمي ولا يهمه أن تكون تلك الجزر في حقيقتها جزراً إنما هي وهمية ومصنوعة من الرغوة والزبد. مستغلاً غياب تشريعات تحكم تضارب المصالح".
ويكتب الصمعان صحافياً في أمور الدين أكثر من تخصصه ... فهل يبحث عن الشهرة أم لشيء آخر؟...يجيب:" لا أدري، قد يكون ذلك من دون وعي مني، الإجابة التي أزعمها صحيحة أنني لا أكتب كثيراً في الشأن الديني البحت، أكتب أحياناً محاولاً رصد ظواهر ثقافية وبحكم أن الديني الذي هو الحاضر الأكبر في حياتنا وهو المكوّن الرئيسي لتلك الظواهر يكون تناوله - أعني الديني - من هذا الجانب كمكون ومشكّل مهم لهذه الظاهرة، هذا ما فعلته في"ليبراليون بلا عقال"، أو في"الممانعة الإسلامية وإسلام السوق"، أو في"تضارب المصالح... الفقيه والبنك نموذجاً".
ويتابع:"لا أريد التصعيد في نفي قصة الشهرة، أنت تعرف أن الطبيب النفسي يستطيع بسرعة البرق أن يصبح نجماً، شريطة أن يتخلى في خطابه عن"الاحترافية العلمية للمهنة"، ويتحوّل إلى خطاب توافقي تتعطش إليه الناس، ومن ثم تباركه المؤسسة الإعلامية والدينية، هذا شيء لا أريده لنفسي وأظنه"خيانة للمهنة"، أما الطرح العلمي الرصين للمرض النفسي، فهو مادة ثقيلة لن يتقبلها القارئ بسهولة. ولن تبحث عنها الوسيلة الإعلامية".
رجال الدين أكثر عرضةً للإصابة ب"الوسواس القهري"
يرفض الدكتور يوسف الصمعان التساؤل عن أيهم أكثر"عذابات نفسية" المثقف أم السياسي أم رجل الدين؟.. ويوضح:"عبارة"عذابات نفسية"ليست في التصنيف العالمي للأمراض النفسية، لو قلنا من هم أكثر تعرضاً"للاضطرابات النفسية"لربما كان السؤال قابلاً لمحاولة الإجابة من الدراسات المثبتة أن المبدعين في الفن أدباً ورسماً وموسيقى يصابون باضطراب المزاج ثنائي القطب أكثر في المعدل البشري العام، هذا لا يعني بالضرورة أن الإبداع الفني يؤدي إلى الإصابة، بقدر ما يعني أن التقلب المزاجي للمبدع سواء في نوبات الاكتئاب أو الفرح الهوسي هي مساعد للتعمق في العملية الإبداعية، كما في دراسات جاميسون90".
ويضيف:"لا توجد دراسات مستفيضة عن السياسي والمرض النفسي، أشهر دراسة في هذا المجال لديفدسون وزملائه خلصت إلى أن معدل الإصابة بالمرض النفسي بأنواعه عدا الذهان لدى الرؤساء الأميركيين هي ضعف المعدل العام للجنس البشري، ما يعاب على هذه الدراسة هو أن العينة صغيرة 44 رئيساً أميركياً حتى اليوم، وقد لا يصلح أن نستنتج منها كثيراً"، مستطرداً:"ولا ننسى هنا أن أوباما نفسه كما في كتابه"من أحلام أبي"، عانى فترة من الإسراف في استخدام المخدرات، كما أن نائبه بايدن أصيب بنوبة اكتئابية حادة جعلته يفكر في الانتحار في أول الثلاثينات من عمره بعد الوفاة المفاجئة لزوجته وابنته في حادثة سيارة، ورجل الدين إذا سلمنا بهذا المصطلح ليس محمياً أو مترساً ضد الأمراض النفسية".
ويتابع:"الدراسات لا تفيدنا كثيراً حول معدل إصابة رجل الدين قياساً بالمعدل العام إلا في ما يتعلق بدراسات ليست رصينة جداً أغلبها في تركيا والهند خلصت إلى أن رجال الدين أكثر عرضة للوسواس القهري من المعدل البشري العام". وعما إذا كان"التدين"نفسه يحمي من الأمراض النفسية؟..يقول:"مثل هذه الدراسات غاية في الصعوبة، ذلك لأن تعريف معايير التدين هو في حد ذاته صعب جداً وغير متفق عليه لا من جانب الديني أو العلمي، فهناك المحددات الخارجية للتدين Extrinsic مثل المظهر والذهاب بانتظام إلى دور العبادة، وهناك محددات داخلية Intrinsic مثل عمق التجربة الروحية للمتدين، الدراسات كثيرة ومتشعبة ونتائجها متضاربة، وكلها تقريباً كانت في الغرب المسيحي، أكبر هذه الدراسات هي الدراسة الكندية لمارلين بيتز وفريقها 2006 وشملت عينة من 37000 نسمة اختيروا بطريقة ممنهجة العشوائية، خلصت الدراسة إلى أن المتدينين الذين يذهبون إلى دور العبادة بانتظام أقل عرضة للقلق والاكتئاب من العينة غير المنتظمة في زيارة دور العبادة أو المقاطعة لها، في حين ان المتعبدين مع عمق في التجربة الروحية أكثر عرضة للاكتئاب!"
ويؤكد:"لم تحسم هذه الدراسة الإجابة على السؤال الأصلي، إذ يرى الباحثون ان الشخصية المتعبدة بانتظام هي الشخصية الأكثر انتظاماً والتزاماً في طقوس الحياة الصحية بشكل عام، فهم عادة الملتزمون بالنظام الحياتي الصحي الجسدي، مثل المشي والرياضة والتغذية الصحية، وكذالك هم الأكثر التزاماً بالنمط النفسي الوقائي مثل تجنب الإسراف في تعاطي الكحول والنوم الكافي والأقل انهماكاً في التعاطي مع هموم ومشكلات الآخرين، في المقابل فان الشخصيات الروحانية وعلى رغم نسقها الديني كانت الأكثر تعرضاً للاكتئاب والقلق، فهذه الشخصيات غير نمطية وليست تقليدية وعادة ما تكون الأقل اكتراثاً بالروتين الصحي، وهي الأكثر انهماكاً في التعاطي والتعاطف مع هموم الناس".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.