تندرج الجائزة السنوية التي أعلن عنها نادي حائل الأدبي، بمبلغ مئة ألف ريال، لأفضل رواية سعودية خلال عام، في سياق الاهتمام بالرواية. وهو اهتمام يواكب طفرة إنتاجها في المملكة التي باتت ظاهرة على مستوى العدد وعلى مستوى الشكل والمحتوى الأدبيين، ويتضافر مع أشكال متعددة للاهتمام بها"فقد أقيمت ملتقيات نقدية لدراستها، ونُشِر عدد من الكتب والبحوث والمقالات، وأقبل طلاب الدراسات العليا على تسجيل أطروحاتهم للماجستير والدكتوراه في مواضيعها، ولا تزال مادة إعلامية متجددة في خبر أو لقاء أو محاورة أو سجال عبر الصحافة والإذاعة والتلفزيون، ولا تزال مادة ثمينة لدور النشر التي لم تعد تفضل كتاباً أو نوعاً أدبياً عليها! ومن هذا المنظور فإن جائزة الرواية السعودية إسهام في تشجيع الرواية وتقديرها، وفي التدليل على أهميتها وقيمتها الإبداعية، بما من شأنه أن يفسح مساحة الوعي الأدبي ويرقيها، ويلفت إلى المدلول الفني والإبداعي الذي هضمته موجة اندفاع تشبه صرخة الموضة أو صرعتها وحالت من دون أن يعمقه التروي أو الاختمار، وأن يعاني القلق والتعب من أجل نتاج لا يهوي سريعاً إلى النسيان. وتزداد أهمية الجائزة إذا تذكرنا قلة جوائز الرواية في المملكة، فلا يوجد للرواية إلا فرع من الفروع العشرة لجائزة أبها للثقافة، وتخلو المملكة تماماً من أية جائزة خاصة بالرواية. وهذا الواقع يبدو غريباً إذا نحن استعرضنا أبرز الجوائز الأدبية المخصصة للرواية أو المشتملة عليها، ففي مصر -مثلاً- جائزتان شهيرتان للرواية، هما جائزة ملتقى القاهرة للإبداع الروائي، كل عامين، وقيمتها مئة ألف جنيه مصري، وجائزة نجيب محفوظ للرواية، كل عام وقيمتها ألف دولار أميركي. إضافة إلى جائزتي الدولة للأدب: التقديرية وقيمتها 50 ألف جنيه، والتشجيعية وقيمتها عشرة آلاف جنيه. وسيطول الحديث لو ذهبنا إلى تعداد جوائز الرواية كلها في العالم العربي لكننا ?على الأقل- لن ننسى في المغرب جائزة محمد زفزاف للرواية العربية وجائزة منتدى أصيلة، وفي السودان جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي، وجائزة كومار للرواية في تونس، وفي الإمارات جائزة العويس وجائزة الشارقة للإبداع العربي، وجائزة بوكر للرواية العربية. ويتجه عدد من هذه الجوائز إلى التشجيع وذلك بتخصيص الجائزة لرواية واحدة، في حين يتجه البقية إلى التقدير باتجاهها إلى مجمل نتاج الروائي. ومن هنا يتضح أن جائزة الرواية التي أعلن عنها نادي حائل ذات هدف تشجيعي، كما يتضح، قياساً على أمثالها من الجوائز التشجيعية المحلية، وبالنظر إلى توجهها إلى رواية واحدة، أن قيمتها المادية كبيرة. وهذا قد يبدو شذوذاً عن منطق الجوائز وفلسفتها الأدبية والاقتصادية، لأن الجوائز تقصد ?دوماً- من الوجهة التشجيعية التنويه والإعلام لا إغداق المال. وهو قصد ينجم عن شهرة الجائزة وقيمتها المعنوية -لا المادية- التي تعود إلى تاريخها وصدقيتها ونزاهتها الأدبية وإلى ما يضفيه عليها وتضفيه عليهم معنوياً الفائزون بها من ذوي الامتياز والشهرة الأدبية. ولهذا لم تبالغ أشهر الجوائز العالمية من هذه الوجهة التشجيعية في قيمتها المادية، ومن أشهر ? مثلاً- جوائز فرنسا جونكور وقيمتها عشرة يورو، وفلور 6000 يورو، وجائزة الأكاديمية الفرنسية الكبرى للرواية 7500 يورو، وفي ألمانيا جائزة بوخنر 20000 مارك، وفي الولاياتالمتحدة بوليتزر 1000 دولار... إلخ. أما جائزة بوكر العربية، وعلى رغم أنها بمئة ألف دولار أمريكي، فإنها تَمْنَح لكل رواية من الروايات الست التي تصل إلى اللائحة النهائية 10000 دولار، وتختص إحداها بالجائزة وقدرها 50000 دولار. وأتصور أن جائزة الكتاب الواحد، خصوصاً إذا ما ضاقت مساحة اختياره في نوع أدبي واحد، وبأعداد كبيرة من المتسابقين، لن تخلو من الاعتساف والمجازفة، ولهذا أحسنت جائزة بوكر بإعلان الأسماء في لائحتين متعددتي الأسماء، وبمكافأة المرشحين للائحة النهائية. والحل لهذا في جائزة الرواية السعودية ممكن بأحد طريقين، أولهما أن تكون الجائزة تقديرية فتمنح لأحد الروائيين البارزين عن نتاجه وليس عن رواية واحدة، والثاني أن تبقى تشجيعية ولرواية واحدة لكن مع تعدد الفائزين بها بشكل أو بآخر. أما الأمر الأكثر صعوبة أمام جائزة نادي حائل للرواية السعودية، فأمر يتصل بهوية النادي بوصفه مؤسسة رسمية من جهة، وبطبيعة الرواية ? من جهة أخرى- التي تستعصي على المداهنة والخضوع والتعتيم. هوية النادي التي تصله بالجهة الرسمية التي تأبى الفسح لأعداد ليست قليلة من إصدارات الرواية السعودية من أجل طباعتها أو توزيعها في الداخل، والرواية الملعونة التي تُطرَد إلى الخارج للطباعة والتوزيع وتتسلل كالممنوعات والمحرمات إلى أيدي القراء. من سيصدّق هنا حياد النادي وموضوعيته في تقدير الإبداع! ومن سيقتنع بحرية النادي التي هي شرط الصدق والنزاهة؟ وهذا يقودنا إلى مسألة السلطة التي تمثلها الجوائز إجمالاً في الحياة الثقافية، فالجوائز ? باختيارها دوماً للفائزين بها- توجه وتقوِّم وتفرض جماليات وتصورات وأنماطاً أدبية، ومن هنا أهميتها ثقافياً. ولا ننسى أن التاريخ الأدبي صنعته إلى حد كبير الجوائز فالمديح الذي يمثل معظم ذاكرتنا التراثية لأبرز الشعراء في العربية، والمعنى الأكثر استبداداً بشعرنا القديم، صنعته الجوائز. ولعلنا نستغرب الآن حين نعرف أن مقياساً من مقاييس التقديم للشعراء لدى نقادنا القدامى، أو فحولتهم كما هو مصطلحهم للبروز والعبقرية، يرجع إلى إجادة المديح، وهو مقياس مشتق من اقتدار الشاعر على الظفر بجائزة، لم تكن دوماً إلا مكافأة على مديح أو نحوه. وحديثاً أصبح هناك جوائز كثيرة للرواية، تفوق -عالمياً- ما للشعر ونحوه من الأنواع الأدبية. واتجهت جائزة كبيرة مثل جائزة نوبل، إلى اختيار الفائزين من حقل الرواية بما يفوق كثيراً عدد الفائزين بها في غير الرواية، ولهذا برزت حديثاً الرواية على غيرها من الأنواع الأدبية. وصحيح أن الجوائز ليست مبتدأ الفعل التاريخي الأدبي ولكنها جزء مهم، في تعبيره وفي أثره الأدبي، من جدل الحالة السوية الثقافية ووجهة عواملها الخارجية عن الأدب، بحيث تصبح الجائزة قيمة محسوبة نسبياً إلى الوضع الأدبي الاجتماعي. ولهذا لابد للجائزة من استقلالية لكي تعبر فعلاً عن طموح الواقع الثقافي وحركته، ولا بد من إفساح المجال لتكاثر الجوائز في المملكة لأن هذا التكاثر يصنع لتنافسها تراتباً في القيمة لا ينفصل عن مقدار ما تملكه من استقلالية وما تعبر عنه من طموح. وأحسب أن تأسيس عدد من الجوائز السعودية الخاصة في خارج المملكة وأبرزها جائزة محمد حسن فقي وجائزة الدكتور عبدالله باشراحيل يدلل بوضوح على الرغبة في تجسيد أثر يضيف إلى الواقع ويثريه بقدر ما يدلل على حاجتنا إلى البحث عن طرق نفسح بها للجوائز الخاصة في داخل المملكة.