يطرح الدكتور أحمد العيسى مجموعة أفكار اصلاحية ظناً منه بأن تنفيذها ربما يسهم في الارتقاء بمسيرة التعليم السعودي: - فلسفة تربوية جديدة للنظام التعليمي السعودي: لقد حان الوقت لاعتماد فلسفة تربوية جديدة للنظام التعليمي في المملكة العربية السعودية تقوم على تخفيض طغيان الفلسفة المثالية في النظام التعليمي وتعزيز فرصة الفلسفة البراغماتية، ذلك أن الفلسفة المثالثة تعنى بالمطلق وبتربية المتعلم على القيم والمثل العليا والآداب العامة والمدرسة في هذه الفلسفة هي عبارة عن مؤسسة تتيح للمتعلمين فرصة التعرف الى الحكمة المتوافرة في ثقافة المجتمع وتراثه، بحيث يمكنهم أن ينقلوا هذه المعرفة إلى الآخرين، كما أن الفلسفة المثالية ترى أن المنهج هو عبارة عن مجموعة من المعارف النظرية، والمفاهيم المرتبطة بالحقيقة الكلية المطلقة التي يجب شرحها للطلاب، لفهمها واستيعابها، فهي – بهذا تعتبر العملية التعليمية جسراً يربط الفرد بالبيئة القيمية المحيطة به. أما الفلسفة البراغماتية فتهتم بالتجريب والتطبيق، فالتفكير – بحسب هذه الفلسفة – ليس نهائياً الا بعد تجريبه واختباره والمنظومة التعليمية هي عبارة عن بيئة اجتماعية متخصصة تهدف الى جعل الطلاب اعضاء فاعلين ومشاركين، أما المنهج فهو محطة للتجريب والاختبار لتلبية احتياجات المجتمع المعاصرة. - دور مختلف لوزارة التربية والتعليم: النظام المركزي الشديد الذي يمنح الإدارات العليا في الاجهزة الحكومية الصلاحيات كافة، والتحكم في صنع السياسات والخطط والإشراف على التنفيذ، إنما يلغي العناصر الايجابية للاختلاف والتنوع كلها مما يحيل البلد الى كتلة متشابهة الجوانب والزوايا، تنظر الى المركز باعتباره المحرك الأساس والوحيد لإدارة عمليات التطوير والتحديث والتنمية. إن وزارة التربية والتعليم هي واحدة من تلك الاجهزة الحكومية، التي اصبحت بسبب مركزيتها الشديدة وضخامة مسؤولياتها، وتشعب اداراتها عائقاً في ايجاد نظام تعليمي متقدم وحديث، ومن ثم فإن هذا التنظيم الاداري والاسلوب المركزي لا يتيحان فرصاً للتطوير الحقيقي، بل لعله يخنق الابداع والمرونة وتوزيع المسؤوليات، ومهما كان الوزراء ووكلاء الوزارة والمسؤولون الكبار من أولي العزم والكفاءة، ومهما تمتعوا بميزات قيادية وادارية، ومهما انخرطوا في دورات ادارية متقدمة، فإن البيئة الادارية المركزية والثقافة المترسبة منذ قرون، تجعل من المستحيل على اولئك المسؤولين أن ينعموا بفرصة للتفكير الهادئ والتخطيط العميق والمناقشة العقلانية للقضايا والمشكلات التي تواجه النظام التعليمي. - تطوير المناهج الدراسية: المناهج الدراسية في النظام التعليمي تحتاج الى مشروع تطويري تنويري جذري. ولهذا فإن ادخال تعديلات جذرية على السلم التعليمي مهم للغاية. مرحلة رياض الأطفال: تهيئة الطلبة وتعليمهم كيفية التعرف الى الأشياء والاكتشاف والتساؤل. المرحلة الابتدائية (4 سنوات): تعليم الطلاب المهارات الاساسية الثلاث القراءة والكتابة باللغة العربية والحساب. المرحلة المتوسطة: التركيز فيها على المفاهيم الاخلاقية والقيم والمثل العليا. المرحلة الثانوية: ويتم التركيز فيها على تنمية القدرات العقلية والمهارية وحل المشكلات، والتفكير النقدي من خلال المقررات العامة في العلوم والرياضيات والحاسب الآلي والعلوم الاجتماعية والانتقال بتعليم اللغة الانكليزية من مستوى تعلم مهارات اللغة الاساسية الى مستوى القراءة والتفكير والكتابة باللغة الانكليزية. - إعادة الاعتبار الى مهنة التعليم: لقد اهتمت انظمة التعليم الدولية بقضايا المعلمين، وتسعى مشاريع الاصلاح في الدول المتقدمة الى تعزيز مكانة مهنة التعليم. لقد نالت مهنة التعليم في المملكة العربية السعودية اهتماماً خاصاً في بدايات انتشار التعليم في المناطق والقرى والأرياف، حيث أقرت الدولة كادراً خاصاً للمعلمين، يفوق ما يتقاضاه الموظف الحكومي من رواتب وميزات مالية. وعلى رغم توافر هذه العوامل الايجابية فإن عملية الاختيار والتأهيل للمعلمين والمعلمات لم تتطور كثيراً. ومما أسهم في تدهور الوضع وانخفاض قيمة المهنة تعيين المعلمين والمعلمات على مستويات أقل في السلم الوظيفي أو على وظائف موقتة. إن اعادة الثقة الى مهنة التعليم تبدأ من خلال رفع المميزات المالية للمعلمين والمعلمات، وتقديم الخدمات الاضافية الصحية والمهنية، كما ينبغي إلغاء سياسات توظيف المواطنين «السعودة» لمهنة التعليم، فقد أضرت تلك السياسات بالمهنة ضرراً كبيراً، فالعلم والتعليم لا وطن لهما. - تطوير التعليم الديني: تطوير التعليم الديني ضرورة شرعية وضرورة سياسية وضرورة اقتصادية وضرورة اجتماعية، كونه ضرورة شرعية فذلك للارتقاء بالعلوم الاسلامية فهماً وتطبيقاً، وأما كونه ضرورة سياسية فذلك لفض الاشتباك بين ما هو ديني وما هو سياسي. كما أنه ضرورة اجتماعية لتحقيق اعادة تصالح الدين مع الحياة ومع السلم الاجتماعي والعلاقات الانسانية بين البشر جميعهم. في جانب آخر، تمثل طرق التدريس المعتمدة على الحفظ والاسترجاع والتلقين اساءة للمنهج الاسلامي في التعلم والتعليم. - إعادة النظر في تجربة التعليم الأهلي والمدارس الأجنبية: مسيرة التعليم الأهلي في النظام التعليمي السعودي تحتاج - في هذا الوقت بالذات - وبعد أن انتشرت المدارس الأهلية في خلال 20 عاماً الماضية بشكل كبير جداً الى اعادة تقويم ونظر يتم تجاهلاً من المفكرين والمثقفين لأسباب عدة منها: غياب صوت الفكر التربوي المتخصص، وقناعة كثير من المثقفين وأصحاب الرأي في المجتمع بأن إصلاح التعليم العام الحكومي يعتبر أمراً بعيد المنال، ولكن هذا لا يُلغي أهمية طرح بعض الأسئلة الجوهرية: السؤال الأول: ما العوامل التي أسهمت في نجاح المدارس الأهلية في استقطاب الطلاب والطالبات بعد الاستحواذ على ثقة المجتمع، وبالتالي نجاح الاستثمار في مجال التعليم الأهلي؟ الجواب: نشوء طبقة متوسطة عاملة في المدن الكبرى قادرة على تحمل تكاليف التعليم المادية، وحصول عجز في قدرة وزارة التربية والتعليم على تلبية الاحتياج المتزايد من فرص التعليم نتيجة النمو السكاني الكبير. السؤال الثاني: هل يمكن اعتبار ظاهرة انتشار المدارس الأهلية خطوة صحية؟ الجواب عن هذا السؤال: التعليم يعتبر أحد أهم الخدمات الأساسية التي يجب أن تتصدى لها الدولة وتقدمها لأفراد المجتمع كافة، فهو حق مكتسب لكل فرد من أفراد المجتمع. السؤال الثالث: هل تميزت المدارس الأهلية عن المدارس الحكومية؟ إن الاجابة عن هذا السؤال تتطلب دراسات ميدانية، وفي هذا الاطار لا بد من الاشارة الى أن هناك شكوكاً كبيرة في المستويات العلمية لمتخرجي المدارس الأهلية كما هي الحال بالنسبة الى متخرجي المدارس الحكومية. ومع ذلك نؤكد أنه على رغم الكلفة الباهظة التي تتحملها الأسرة السعودية من أجل إلحاق أبنائها بالمدارس الخاصة أو الأجنبية أحياناً، إلا أن الاقبال على هذا التعليم الأهلي والمدارس الأجنبية يزداد عاماً بعد عام. لكن كثيراً من المهتمين بشؤون التربية والتعليم يعلمون أن الموارد المالية لم تكن سبباً في تردي التعليم، بل إن السعودية – كما أشرنا تعتبر واحدة من أعلى ثمان دول في العالم في الانفاق على التعليم، وبذلك تبقى المعادلة الغريبة في أن المدارس الأهلية الأقل كلفة في التعليم تحصل على مستوى أكبر من الانتاج والعطاء، بينما المدارس الحكومية الأكثر كلفة تحصل على انتاج منخفض ومسؤولية أقل من المعلمين والمعلمات والمشرفين والمشرفات. - تطوير الكتب الدراسية والمواد العلمية: أما لماذا تبقى الكتب الدراسية في مستوى متواضع من التأليف والاخراج والايضاح فذلك راجع الى أن صناعة نشر تلك الكتب تبقى في اطار هيمنة الوزارة التي تسعى لتكليف المتخصصين بتأليف تلك الكتب ضمن آلية بيروقراطية، بطيئة التغيير والتطوير. لقد حاولت وزارة التربية والتعليم من خلال مشروع تطوير مناهج الرياضيات والعلوم، التخلص من ممارسة التأليف والنشر لكتب الرياضيات والعلوم والاتفاق مع احدى الشركات الوطنية التي تقوم بعملية الترجمة لواحدة من سلسلة الكتب التعليمية الدولية، وعلى رغم كلفة المشروع الكبيرة الا أن ذلك يمثل احدى المبادرات الجديدة التي ينبغي تشجيعها، وفي الوقت نفسه المطالبة بفتح سوق منافِسة في اطار تطوير المواد والكتب الدراسية، لا يكون للوزارة الدور المباشر في تنفيذه وفرضه على المدارس، وإنما تترك فرصة الفوز واختيار النماذج الرائدة التي تخدم العملية التعليمية لمجالس التعليم والمعلمين وأولياء الأمور – بشكل مباشر-. إن هذه الطريقة قد تُحرّر الوزارة من أعباء كبيرة في تأليف الكتب الدراسية وطبعها، لكنها – في الأساس – ستمنح صناعة النشر فرصة للدخول في سوق كبرى لتأليف الكتب وتسويقها، كما ستقدم لتلك السوق أنواعاً مختلفة من الكتب، من حيث جودة التأليف والاخراج والطباعة، من أجل تعزيز فرص نجاح مطبوعاتها في السوق، وذلك بإنتاج وسائل إلكترونية وغير إلكترونية للمعلمين والمشرفين وللطلاب – أيضاً-.