التجديد صفة مشروطة في الإنجاز والإبداع، فكل نجاحات المميزين وإبداعاتهم لا بد وأن تتسم ضرورةً بالتجديد، والتجديد عمل إيجابي حتى في الدين! كما جاء في الحديث الشريف:"إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها أمر دينها"، ومعنى التجديد في الدين إحياء ما اندرس من معالمه وشرائعه وسننه، وتنقيحه مما التبس به وأضيف إليه مما ليس منه. وسر الحيوية والنشاط في مرحلة الشباب راجع إلى انتظام تجدّد خلايا الجسم على القدر المطلوب، تموت ملايين الخلايا لتحل محلها ملايين أخرى مليئة بالحيوية والنشاط، وما الهرم والشيخوخة إلا من اختلال هذا التجدد وتباطئه أو توقفه، وبيئة العمل التي تحيا فيها سنة التجديد تطرد عن الموظفين السِنةَ والملل، وتُحيي فيهم روح التنافس والطموح والمثابرة والإبداع. عدم التجديد لا يعني التوقف عند آخر نقطة نجاح، والثبات على قمتها"ولكنه يعني الرجوع للقهقرى قطعاً، فحتى تحافظ على مستوى ما وصلت إليه من نجاح وإنجاز لا بد أن تستمر في التجديد، والطموح إلى مستوى أعلى يستدعي نشاطاً أكثر في التجديد. يقول الخبراء:"إن الفرصة التي تمنح للإنسان ليقدم عطاءه على كرسي الإدارة يجب ألا تزيد على ثماني سنوات أو عشر"وتغييره بعد العشر لا يعني أنه فاشل بقدر ما يعني أن عجلة التجديد والتطوير قد بدأت في نهاية هذه الفترة في التباطؤ الشديد"لأنها فترة كافية لتقديم ما يمكن تقديمه من أفكار وإبداعات وإنجازات"، ولذا تمنع كثير من المؤسسات الغربية التصويت لمن زادت فترة إدارته على ثماني سنوات. والتجديد لا يعني جحود الإنجازات السابقة واللمسات المبدعة للمرشحين السابقين، بل هو إضافة بناء على بناء، وإتباع إنجاز بإنجاز"ولكن يجب أن تعطى الفرصة للمواهب الشابة الفتية وهي في قوة شبابها"لتقدم ما لديها من أفكار تطويرية تغالب الصعاب. كثيراً ما يصاب الإنسان بالإحباط وهو يرى الأسماء نفسها يتكرر ترشيحها كل مرة في كثير من القطاعات"ليتجاوز بقاؤها في كراسيها أكثر من فترتين أو ثلاث، إن مدخل الإحباط هو أن هذا الشخص الذي رُشّح مرتين أو ثلاثاً لو كان لديه مزيد من العطاء والإبداع لما ادخره لفترة ثالثة أو رابعة"ولكنه استقر في قراره الأخير الذي لن يعدو قدره فالجهد قد استُنفد والأفكار قد استُهلكت، والتجديد قد يَبُس على سوقه، وبدأ يغالب محيّا صاحبنا هذا التثاؤبُ، وبدأ يدب إلى جسده الاسترخاءُ. نحن نتوق إلى أن يعطي هؤلاء الذي ظلوا في كراسيهم في مؤسساتنا المدنية سنين عدداً أن يعطوا الفرصة للمواهب الشابة"لتقدم ما لديها من جديد يواكب سُنة التغيير والتجدد وتَسَارُعَ عجلة التطور في الحياة العصرية. والأمر يقتضي أن تُضخ دماء شابة جديدة في هذه الكراسي المثقلة بالمسؤوليات، والمأمول فوق ما أنجز بكثير، وما ننتظره من أعمال تطويرية ينوء بحملها من دلف من الكهولة إلى الشيخوخة، وتوقير الكبار لا يعني أن يظلوا أعضاء محنطة في كراسيهم. نفرح حين نرى الانتخابات مفعلة في بعض المجالس والمؤسسات"غير أن الفرحة لم تدم طويلاً فقد قتل البسمةَ في شفاهنا شراءُ الأصوات بطريقة تجارية لا ترتقي لمستوى الحس الحضاري الرفيع. إن شراء الأصوات في الانتخابات ليس إلا شراءً للذمم، وفيه استقواء فج من أصحاب الثروات المتراكمة على من هم دونهم، فهل المال كل شيء؟ * أكاديمي في الشريعة. [email protected]