رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، سجل التاريخ له مشهداً رجولياً عجز عنه من في شاكلته أو في منصبه أو أعلى منه، نعم سجل صفحة بيضاء في سجل المسلمين الخالدين في مؤتمر"دافوس"الاقتصادي العالمي... لم يقبل الذل ولا الإهانة ولا المجاملة، ولا الخضوع وتقديم الولاء والطاعة لرئيس إسرائيل شمعون بيريز... بل وقف وقفة الرجل المسلم الصادق... فقال كلمة حق أعلنها على الحضور في قاعة المؤتمر وتناقلتها وسائل الإعلام، وهو يوجه الرد العنيف في وجه بيريز ويفنده بالأدلة والبراهين، يبرز موقف الظلم والممارسات الوحشية ضد الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء، تلك الممارسات غير الإنسانية التي انطبقت عليها كل معايير ما يسمى بجرائم الحرب ضد الإنسانية. لقد أظهر للعالم المذابح والدمار الذي لحق بالمساجد والمدارس والمستشفيات والمرافق الحيوية بقطاع غزة... نعم كان شجاعاً في إعلان رأيه، أميناً صادقاً في قوله... رجلاً متحدياً لخصمه. هذا الرجل الذي دافع عن القضية الفلسطينية وعن غزة منذ بداية الهجوم الإسرائيلي، مستخدماً كل الطرق والأساليب الديبلوماسية، مستفيداً من العلاقات والمصالح التركية الإسرائيلية، لكي يطفئ تلك النار الظالمة التي أشعلتها إسرائيل، وراح ضحيتها آلاف من أبناء غزة، هذا الرجل الذي خاطب الرؤساء والزعماء والسياسيين والاقتصاديين قائلاً:"وا أسفاه وا أسفاه"، تصفقون لبيريز وحكومته على قتل الأطفال والنساء والأبرياء، تصفقون لمرتكبي جرائم الحرب ضد الإنسانية والبشرية جمعاء. يجب أن يقف العالم وأن يحاسبهم على هذه الجرائم وما سبقها، والتاريخ يشهد على مجازر إسرائيل ضد الفلسطينيين والعرب. إن المتصفح للتاريخ لا يصدق أن هذا الرجل الذي نشأ في أسرة فقيرة، كان يبيع البطيخ والسميط في طفولته لكي يستطيع معاونة والده في تحمل مصاريف الدراسة حتى أتم تعليمه في مدارس"إمام خطيب"الدينية، ثم في كلية الاقتصاد والأعمال في جامعة مرمرة، ثم ينخرط في الأحزاب السياسية ويتقلد المناصب الوزارية، ويقف موقفاً حازماً ضد خرق إسرائيل للمعاهدات الدولية وقتلها المدنيين أثناء الهجوم على غزة. فقد قام بجولة في الشرق الأوسط تحدث فيها إلى قادة الدول بشأن هذه القضية وكان تفاعله واضحاً، ما أقلق إسرائيل ووضع تركيا في موضع النقد أمام إسرائيل. قال أردوغان في مناسبات كثيرة:"بصوت الرجل القوي إني متعاطف مع أهل غزة"، هذه المبادرات والتحركات جعلت الحكومة الإسرائيلية تطلب منه، على لسان وزيرة خارجيتها"ليفيني"، احترام إسرائيل والاعتذار عن مواقفه ومواقف دولته. هذه الوزيرة لا تعرف أن أردوغان ليس زعيم دولة عادية، بل زعيم أحفاد العثمانيين الذين استطاعوا بسط نفوذهم من المحيط الهندي إلى الخليج العربي، وأوروبا وآسيا وأفريقيا، فاستولوا على بلجراد وفيينا وبودابست وسواحل إسبانيا ورومانيا وإيطاليا وجروجيا وكردستان وبلغاريا وبعض الدول العربية... ليتها تعرف التاريخ وتعرف عظم الخلافة والإمبراطورية الإسلامية العثمانية، وتعرف أنها تنتمي إلى دولة مرتزقة مهجرة. إن هذه المواقف الشريفة والمشرفة للأمة الإسلامية، تجعل أردوغان يحتل مكانة مرموقة في التاريخ الديبلوماسي، بوصفه الزعيم التركي المسلم الذي لقن بيريز وإسرائيل درساً لن تنساه، وأن هذا الموقف أيضاً يجعل أردوغان يكتسب شعبية كبرى، ويحشد الرأي العام التركي خلفه في موقفه من إسرائيل، باعتباره ممثلاً لكل الأتراك، ورمزاً للعالم الخارجي الذي ينشر المصداقية ويبحث عن الأمن والسلام. من واجبنا اليوم، نحن الأمة الإسلامية، أن نسجل هذا الموقف بحروف من نور إلى بحر الأبدية، يُدَون في صفحات التاريخ، تتناقله وتستثمره وسائل الإعلام ويتناقله الرواة في سجل الخالدين، ويدرس لأطفالنا وشبابنا. عِبرٌ نفتخر بها نحن المسلمين... نعم قلائل هم الرجال الذين يحافظون على أن تبقى هاماتهم مرفوعة بمستوى القضايا العادلة، الذين يدافعون عنها ويضحون من أجلها. أحد هؤلاء الرجال القلائل، هذا الزعيم التاريخي"أردوغان"... نعم أردوغان الذي احتشد الآلاف ليلاً لاستقباله، بعد مغادرة"مؤتمر دافوس"، حاملين الأعلام التركية والفلسطينية، ولوحوا بلافتات كتب عليها:"مرحباً بعودة المنتصر في دافوس"، وأهلاً وسهلاً بزعيم العالم. ألف شكر أردوغان من القلب، وتحية صادقة للشعب التركي الشقيق على موافقه وتأييده وتعاضده مع أبناء غزة ونصرته لهم. جاسم بن محمد الياقوت مدير فرع الإعلام الخارجي بالمنطقة الشرقية